عماد شيحا في روايته الثانية - غبار الطلع -

كامل عباس

الحوار المتمدن-العدد: 1651 - 2006 / 8 / 23 - 07:22
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

لايختلف فضاء رواية غبار الطلع كثيرا عن سابقتها – موت مشتهى – للكاتب عماد شيحا ,فهي مسكونة بالصراع الطبقي , وهي تحرض بشكل او بآخر على الثورة التي لن تخسر فيها الطبقات المسحوقة سوى أغلالها , يتمظهر الصراع في الرواية بين قطبين سالب يمثله رجل الأمن فاتك وابنه عماد ومن معهما وحولهما , وموجب هو المعلمة رحاب والفنان أدهم , وساحة الصراع هي تلك المنطقة من البيوت الشعبية التي سيتم هدمها من اجل تطوير المدينة , يسارع فاتك لشراء تلك البيوت بأسعار زهيدة وعندما يلقى ممانعة يحاول رمي أصحابها مع حوائجهم على قارعة الطريق فيتصدى له ادهم ورحاب وأصدقاءهم .
( سأكون صريحا مع صديقي عماد حتى الوجع , عماد أثبت أنه طاقة أسطورية بصموده على مدى ثلاثين عاما وراء القضبان وباستعداده من جديد وهو في ميدان الحرية ان يقدم المزيد من أجل دعم الفقراء في صراعهم ضد الأغنياء , وانا أحبه وأكن له كل تقدير وأتابعه في كل ما يكتب ويترجم , وأعرف حساسية الكاتب تجاه نقد يتلو عملا فنيا له , جاء زفرة من كبده وعانى الكثير فيه ولأجله , ولكن شفيعي عنده رغبتي بأن تأتي أعماله أكثر خدمة وجدوى للقضية التي نذر نفسه لها )
ومع انني من المتابعين لهذا الجنس الأدبي – الرواية - بقديمه وجديده , وشغوف به جدا , فقد بذلت جهدا غير معقول حتى تمكنت من إنهاء الرواية , ولا أخفي صديقي بأنني أصبت بصداع حاد من كلماتها الدقيقة الناعمة وصفحاتها التي وصلت الى 496 ص بالتمام والكمال . أما سعرها (500) ل س فقط لاغير , فقد كان خارج الصداع لأنني استعرتها لأيام معدودة ممن لهم فضل كبير علي ويعرفون معاناتي في هذا الجانب . واذا كان الأمر كذلك بالنسبة لي , فكيف سيكون الأمر ممن يفترض أن يغزوهم عماد بفنه ويجذبهم الى الصراع الحالي والمكشوف في بلدنا بين الأغنياء والفقراء ! على ما أعتقد يا صديقي , نحن في عصر الوجبات السريعة , عصر الأنترنت , عصر الأ قمار الصناعية , وعلينا ان نفكر بأعمال فنية مناسبة لعصرنا , ولا اعتقد أن رواية من هذا الحجم مهما امتلك صاحبها من موهبة قادرة على تقديم الكثير في هذا المجال .
لقد قدمت ثلاثية نجيب محفوظ الكثير في حينها , وحتى خماسية عبد الرحمن المنيب – مدن الملح – أرّخت للصراع كما يرغب صديقي عماد , وكان لها جمهورها في حينها , ولكن "ملحمة " الأستاذ نبيل سليمان- مدارات الشرق - فشلت كل الفشل على ما اعتقد , وان كان حبي لعماد قٌد أمدني بالطاقة كي أقرأ روايته حتى نهايتها وانا خارج السجن , فقد عجزت على مدى أكثر من عام وأنا داخل السجن , وفي اكثر من محاولة ان أنهي رواية مدارات الشرق , واذا كان الأستاذ نبيل قد دخل عالم النشر من أوسع أبوابه وعنده الفائض من الورق والوقت ليكتب رواية تزيد عن ألف صفحة عن التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية الشرقية , فهل يجب أن يقلده صديقي عماد ؟ كان بإمكانه ان يقدم لنا رؤيته السياسية عن النظام العالمي الجديد الذي حشد كل تلك الصفحات ليصل الى تلك النتيجة .
(( ثم جاء عصر الهزائم الكبرى والانهيارات التي عمت المعمورة وغيرت معادلات استقرار الكون ! انكشف أمام قوة لم يسجل التاريخ لها مثيلا في جبروتها وتفردها فاندلعت الحرائق الصغيرة التي حسبت وبرمجت في أكثر الحواسب تطورا , شرارات صغيرة تعيد الانسان لعصره الجري , خراب قليل وأنهار دم , فواجع لا تصنعها الا الأوبئة التي لم تعين مسبباتها ولم تحضر لقاحاتها ومضاداتها وعلاجاتها , عاد عصر القوميات والعروق والأجناس والقبائل والعشائر والمناطق والأديان والطوائف والمذاهب والأسر وحتى الأفراد ما عاد مستغربا ان يحاول امرؤ ان يصنع في بيته دولة بعلم ونشيد وحرس ومال خاص ! خلع البشر جلد تحضرهم حيث أريد لهم ان يكونوا حيوانات مختبرات تتفاعل في الطبيعة مباشرة لتعيين أفضل الشروط لنزع جلد التحضر والتأنسن عن هيكل الكائن الذي افترق منذ نيف ومائة ألف عام من السلالات ما قبل البشرية )) ص 434
بعد كل تلك السوداوية , هل يحق لصديقي عماد أن يعنون روايته _ غبار الطلع _ ؟ وغبار الطلع يعني لمن أن يريد قراءة الرسالة من عنوانها , الربيع والفرح والحساسية الزائدة في الحب . الا اذا كان يريد أن يبشر ببزوغ فجر جديد عنوانه ثورة قادمة ستطيح بهذا النظام لتحل محله نظام جديد قوامه( ديكتاتورية البروليتاريا ) .

#كامل_عباس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل