أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - المهدي مداني - النقود في الاقتصاد.. شر لا بد منه؟















المزيد.....

النقود في الاقتصاد.. شر لا بد منه؟


المهدي مداني

الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 20 - 02:51
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تعد النقود بمثابة الدم في جسد الاقتصاد القائم على نظام السوق، حيث أضحت الوسيط في كل المعاملات التجارية في كل دول العالم. وساهم تطور وتوحيد النظام المالي بالإضافة الى التطور التكنلوجي في تيسير تبادل السلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال على نطاق عابر للقارات بشكل سلس وسريع. طبعا، لم تكن للنقود كل هذه القوة المتجسدة في قدرتها الشرائية في ذاتها كـ "أوراق ملونة" على مر العصور، بل جاء نتيجة سيرورة بطيئة توازت مع تطور النشاط الاقتصادي الإنساني خصوصا التجارة والعمل المأجور. طبعا كل هذا معلوم للجميع صغارا وكبارا، دكاترة في الاقتصاد ام أميين. لكن ما لا يعلمه الكل، وما لا يتبادر لذهن العامة -وأصحاب الاختصاص كذلك- هو مصدر كل هذه النقود؟ من يتحكم بإصدارها؟ وعلى أي أساس تتم طباعتها وطرحها للتداول في الاقتصادات؟ يتبادر الى الذهن هنا ذلك السؤال المشهور: لماذا لا تطبع الدولة كمية كبيرة من النقود وتوزعها على الجميع، وبهذا نقضي على الفقر؟ لتتهافت الأجوبة الجاهزة الأكثر شهرة من السؤال: لأنه طبعا سيحدث تضخم، ستترفع الأسعار ولن يعمل أحد. لهذا لا يمكن بأي حال من الأحول "طباعة" النقود وتوزيعها. طبعا تحمل هذه الأجوبة بعضا من الحقيقة، لكنها تمنع العقل من المضي قدما في طرح الأسئلة حول كيفية عمل النظام المالي-النقدي وعلاقته المباشرة بالحياة الاقتصادية، وكيف أن أحدهما يمكن أن يلعب دور المساهم أو المعيق في تطور الآخر. ونقصد هنا بالأساس الدور الذي تلعبه النقود ومن يتحكم في إصدارها في تطور وازدهار الاقتصاد، أو في عرقلة سيره ولي ذراعه خدمة لمصالح أخرى لا تتجلى في التطور الاقتصادي.
من يطبع النقود وكيف؟
تقوم مؤسسات تسمى بالبنوك المركزية بمهمة سك وطباعة النقود، طبعا هي مؤسسات تابعة للدولة في أغلب البلدان لكنها تبقى مستقلة عن الحكومات والأحزاب الحاكمة، أي ضمنيا هي مؤسسات عمومية لكن ليس للدولة أي نفوذ عليها. بالإضافة الى مهمتها الرئيسية تقوم البنوك المركزية بمراقبة أنشطة البنوك التجارية والحرص على نزاهة ونظافة المنظومة المالية القابعة تحت مراقبتها. والمهمة الرئيسية للبنوك المركزية هي السهر على استقرار النظام المالي والمساهمة في مواجهة الازمات الاقتصادية والمالية عبر توفير السيولة (المقصود بالسيولة هو وسائل الدفع بصفة عامة والنقود بصفة خاصة) المناسبة لحجم الاقتصاد والمعاملات، في حال نقص السيولة يقوم البنك المركزي بضخ السيولة في الاقتصاد عبر وساطة الابناك التجارية على شكل قروض، تقوم هذه الأخيرة بمنح القروض لعموم الناس والمقاولات لدفع عجلة الاقتصاد والإنتاج. تشكل الولايات المتحدة الأمريكية الاستثناء فيما يخص البنوك المركزية كمؤسسات تابعة للدولة، حيث ان الاحتياطي الفدرالي الأمريكي الذي يقوم بمهمة البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية يتكون من أبناك تجارية خاصة، لا تخضع للتحكم من طرف الحكومة أو الكونغرس الأمريكي. لكن المهمات المنوطة به تبقى مماثلة للأبناك المركزية في البلدان الأخرى.
لشرح الطريقة التي تطبع بها النقود وتضخ في الاقتصاد، نستدل بمحتوى كتاب قيم للكاتب الأمريكي ايمري شيلدون يتناول الموضوع؛ عملية الطبع هنا كما في السؤال المشهور "لماذا لا نطبع النقود؟" تعني حرفيا عملية "خلق" للنقود، أي إخراجها للوجود حيث لم يكن لها وجود من قبل. يستخدم الاقتصاديون هذا المصطلح لشرح ظهور النقود من العدم، مع التفرقة الواجبة مع "التحويل" الذي يحدث في عمليات الإنتاج. فالنجار حين يصنع طاولة، ومصنع السيارات حين ينتج سيارة من الحديد والبلاستيك والزجاج ومواد أخرى بالإضافة إلى مختلف الصناعات المنتجة. هذه الصناعات لا تقوم بعملية الـ"الخلق"، لأنه المواد الأولية كانت موجودة بالفعل قبل المنتوج وكل ما جرى هو تحويلها إلى منتوج ذو منفعة أكبر وبالتالي قيمة أكبر. لكن الأمر مغاير عندما يتعلق الامر بالنقود، فالنقود يتم حرفيا "خلقها" من العدم. قطعة ورق عديمة القيمة تدخل ماكينة الطباعة لتخرج منها بقيمة تساوي الطاولة، أو السيارة أو الاثنتين معا -الأمر يعتمد على الأرقام المكتوبة على الورقة النقدية-. هنا، وهنا فقط تم "خلق" قيمة جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة.
طباعة النقود عمل مربح بشكل جنوني
بما أن عملية طباعة النقود أمر غير مكلف، أي فعليا لا يحتاج أكثر من ماكينة طباعة إضافة إلى الورق والحبر، فمن يقوم بطباعته يستطيع جني أرباح طائلة. تعمل شركات البناء من أجل الحصول على ربح بنسبة 1 أو 2 بالمئة من التكاليف، أما بالنسبة لمصانع السيارات فمعدل ربح بنسبة 5 بالمئة يعتبر عملا مزدهرا. لكن خالقوا النقود يستطيعون جني أضعاف هذا المبلغ بتكاليف أقل بكثير، حيث أن الورقة النقدية تكلف بضع سنتيمات لطباعتها، وقد تخرج من فئة دولار واحد أو 10 آلاف دولار حسب الرغبة.
طرح النقود للتداول في الاقتصاد
النقود ضرورية إذا للمجتمع المتحضر، ولهذا يعتبر طرح كمية من النقود ملائمة لحاجيات الاقتصاد أمرا بالغ الأهمية لهذا الأخير. يمكن الاستغناء عن أشياء كثيرة في المجتمع الرأسمالي، لكن من دون نقود لن يكون هناك صناعات كبيرة، المزارع الكبرى ستصبح مجرد مجتمعات صغيرة مكتفية ذاتيا وفائض الطعام المنتج سيختفي تدريجيا، العمل المأجور سيضمحل وستختفي معه خدمات الشحن والنقل على نطاق عالمي، الناس المتضورون جوعا سيتقاتلون بينهم من اجل البقاء، أما الحكومات والمؤسسات العمومية ستختفي كليا باستثناء ربما نظام العائلة أو القبيلة. قد يبدو لوهلة ان الأمر مبالغ فيه الى حد ما، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فالنقود هي وسيلة جميع المبادلات التجارية، هي المقياس والمعيار التي تباع بها سلعة ما، وتشترى أخرى. في حالة اختفاء النقود من الاقتصاد، أو في حالة لم تكن كمية النقود المطروحة للتداول كافية لحجم الاقتصاد تحصل كارثة حقيقية. ولنا في التاريخ عبر من أحد أشهر الأزمات الاقتصادية "الكساد العظيم".
كساد البنوك العظيم بالولايات المتحدة الأمريكية 1930
في عز أزمة 1930 لم تكن تنقص أمريكا القدرات الصناعية، لا الأراضي الزراعية ولا اليد العاملة أو الاستثمارات الصناعية. البنى التحتية المخصصة لنقل السلع كانت جيدة خصوصا خطوط السكك الحديدية التي كانت الأفضل في العالم آنذاك، شبكات الطرق البرية والبحرية إلخ... نظام الاتصالات والبريد الحكومي كان يعمل بشكل فعال جدا وكان استعمال الهاتف الأرضي والراديو شائعا. لم تكن هناك حرب لتنهك المعمار ولا كانت هناك أمراض أو مجاعات تنهك السكان. لكن كان هناك شيء واحد ينقص الولايات المتحدة الأمريكية في تلك الفترة: كمية مناسبة من النقود لتداول السلع والخدمات.
في بداية ثلاثينيات القرن العشرين، كانت الأبناك -باعتبارها المصدر الوحيد للنقود الجديدة والقروض- في الولايات المتحدة الأمريكية ترفض إعطاء قروض جديدة للمصانع والمزارع والمقاولات الصغرى. ومع استمرار دفع القروض القديمة، أخذت النقود تنتقل شيئا فشيئا من الاقتصاد بمختلف قطاعاته إلى القطاع البنكي حيث أخذت الأبناك تراكم النقود في الخزائن دون منح قروض جديدة. الامر الذي جعل النقود تختفي من حقل التداول. كانت السلع المكدسة في المخازن جاهزة للبيع، أوراش الاعمال بحاجة الى يد عاملة لكن نقص النقود أدى بكل هذه الأشياء إلى الشلل التام. بهذه اللعبة البسيطة، تم وضع الولايات المتحدة الأمريكية برمتها في حالة الكساد العظيم. وهي الحالة التي سمحت لأصحاب الأبناك بالاستحواذ على ملكية آلاف المصانع، المزارع، المنازل والممتلكات. كان يتم اخبار الناس في المذياع والجرائد أن البلاد تمر بأوقات عصيبة وأن النقود قليلة، لكن عامة الناس لم تكن تفهم عمل النظام النقدي آنذاك وتمت "سرقة" مستحقاتهم، مدخراتهم وممتلكاتهم.



#المهدي_مداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقود في الاقتصاد.. شر لا بد منه؟


المزيد.....




- المغرب وفرنسا يسعيان لتعزيز علاقتهما بمشاريع الطاقة والنقل
- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - المهدي مداني - النقود في الاقتصاد.. شر لا بد منه؟