أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - يا جهلاء العالم .. أتحدوا














المزيد.....

يا جهلاء العالم .. أتحدوا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 19 - 14:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"الجهل" و"العلم" مفاهيم نسبية ومجردة ولا تفيدنا كثيرا إذا لم نحدد "موضوع" ما نجهله وما نعلمه. فالفيزيائي الذي يعرف قوانين المادة ويعرف كيف يفجر نواة الذرة والقادر على صناعة القنبلة النووية، بالتأكيد هو "عالم" ويمكن أن يحصل على جائزة نوبل للسلام تقديرا لما قدمه للبشرية، ولكنه ربما يكون جاهلا لبعض القيم الإنسانية وجاهلا لإمكانيات الدمار التي يمكن أن تنتج عن لعبته التي تخيلها في معمله الجامعي. والإنسان الجاهل لقوانين الكون وحركة المجرات والكواكب ولوجود المجموعة الشمسية وقوانين الجاذبية ولا يعرف إن كانت الأرض تدور حول الشمس أو العكس، ويعتقد أن الأرض كرة يحملها ثور بين قرنيه أو أنها مسطحة، في نفس الوقت قد يكون عالما بكيفية حرث الأرض وزراعة القمح ووقت الحصاد وصناعة الخبز له ولأطفاله، وكيفية التعامل بحكمة مع المشاكل اليومية المتكررة. في البلدان المتخلفة، نعرف الإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة بـ"الجاهل"، وهذا المفهوم ليس جديدا ولا غريبا عن تاريخ العالم العربي والإسلامي. فالجيل الأول من المسلمين كانوا ينعتون بالجهل العربي الذي لا يؤمن بإله محمد، وسمى لاحقا العصر الذي سبق الإسلام بأكمله بـ"العصر الجاهلي"، والصقت صفة الجاهلية بالإنتاج الثقافي لهذه الفترة مثل "الشعر الجاهلي" بغض النظر عن التشكيك في صحة هذا الإنتاج. فالجهل إذا هو عدم معرفة الشيء، وهذا الشيء قد يكون الله أو القراءة والكتابة، وقد يكون أي شيء آخر، التصنيف يعتمد على الجهة أو السلطة ـ ثقافية أو إجتماعية أو سياسية - التي تضع معايير القياس وتحدد "الأشياء" التي يجب معرفتها حتى نجتاز عتبة الجهل. فالجاهل في نهاية الأمر هو الإنسان "المختلف" والموجود على هامش ثقافة سائدة ورسمية والتي تمتلك سلطة التعريف التقييمية. فعالم الأنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس، يمكن إعتباره جاهلا في مجتمع هنود النامبيكوارا ومجتمعات الهنود على الحدود بين البرازيل وباراغواي، لأنه لم يكن يعرف لغة هذه القبائل ولا عاداتهم وتقاليدهم ولم يكن يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يتواصل مع هذا المجتمع، وبقي لسنوات عديدة يتعلم ويدرس نظام الأسرة وعلاقات القرابة بينهم وكذلك القصص والأساطير والنظام الفكري والرمزي الكامن وراء كل حركة وكل فعل للفرد وللمجموعة الإنسانية المعنية. اليوم في العالم المتخلف ننعت المواطن البسيط الذي لا يعرف القراءة والكتابة بالجهل، لأنه لا يعرف معايير الحياة الحديثة، فهو لا يعرف الأنترنت ولا يعرف الآيباد أو الفيسبوك ولم يركب في حياته الطائرة، ولا يحترم إشارات المرور ويلقي بعلبة سجائرة الفارغة وبزجاجة الكوكا كولا في الشارع بدلا من علبة القمامة، يصرخ بدلا من أن يتكلم وربما يضرب أطفاله وزوجته .. إلخ غير أن هذه المظاهر الخارجية ليست وحدها التي تجعل هذا المواطن يستحق صفة "الجاهل"، هناك معيار آخر أكثر أهمية وأكثر خطورة وأكثر إنتشارا، بحيث يتجاوز المجتمعات المتخلفة ويشمل العالم المتحضر بجملته، وهذا المعيار هو "تفوق الثقافة المكتوبة على الثقافة الشفوية"، وبالتالي إرجاع "الثقافات الشعبية" بكل ما تحمله من ثراء وخيال ورموز وحس عملي وإنساني إلى مجرد ثقافات بائدة ومتخلفة ومصيرها الزوال. وهذا ما يفسر إلى حد ما في البلدان "العربية" التهميش والإحتقار للثقافات واللغات والمجتمعات التي لا تنتمي ثقافيا وتاريخيا للغة القرآن العربية، الأمازيغية كسبيل المثال فيما يخص الشمال الأفريقي بإعتبارها لغة وثقافة شفهية تفتقر إلى الكتب والمخطوطات وإلى لغة مكتوبة ومقننة توحد اللهجات الأمازيغية المتعددة. الإيديولوجيات السائدة اليوم تعتبر أن "الثقافات الشعبية" قد أدت دورها التاريخي وانتهت إلى غير رجعة وأن الثقافة الحقيقية هي "الثقافة المكتوبة" المرتبطة إرتباطا وثيقا بـ"العلم" الذي لا نستطيع أن نصل إليه إلا عن طريق مقاعد الجامعات والأكاديميات والمعاهد العليا ومعامل الكيمياء والفيزياء، الأمر الذي يخلق أوتوماتيكيا نخبة من المتعلمن أصحاب الشهادات "العليا" منفصلة ومتعالية عن أغلبية الشعب "الجاهل". وربما يمكن إرجاع هذا النمط من الفكر السائد إلى هيمنة هذه الطبقة من البشر وإرتباطها العضوي بالنظام الإقتصادي المسيطر على الإنتاج في كل بلدان العالم، والهادف إلى تعميق إستلاب المواطن وفصله وعزله عن أصوله الإنسانية لخلق "إنسان عام" مجرد يسهل التحكم في مصيره وتوجيهه ليتطابق مع النمودج. وعندما نلقي نظرة على هؤلاء المتعلمين وأصحاب الشهادات العليا الذين يحكموننا وعلى الحالة التي وصلت إليها هذه البلدان، إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا، ودرجة التخلف والإنهيار الذي تعاني منه مؤسسات التعليم والصحة والخدمات والثقافة وغيرها، لا يمكننا إلا أن نتسائل بجدية إن لم يكن من الأفضل أن يتولى "الجهلاء" إدارة أمور العالم.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ويفوتك القطار
- الثقب
- صحافة كلاب الحراسة
- الكابالا وكتاب الزوهار
- نابليون والخنزير
- كوكايين الشعوب
- المسرح الإجتماعي الواقعي
- التصوف اليهودي
- الحرية والموت
- رسالة إلى القتلة
- الفلسفة وظاهرة العدم
- الفيلسوف الكلب
- عن الله وتنظيم الأسرة
- التوراة ككتاب بابلي
- عن الكتابة المتعسرة
- ضد عقوبة الإعدام
- نقاط وحروف
- الصهيونية
- الله وتاريخ الديانة اليهودية
- الموت للفقر والفقراء


المزيد.....




- مشهد مؤلم.. طفل في السابعة محاصر في غزة بعد غارة جوية إسرائي ...
- -رويترز-: مايك والتز أجبر على ترك منصبه
- -حادثة خطيرة- في غزة والجيش الإسرائيلي ينوي استخلاص الدروس م ...
- زاخاروفا تعلق على احتجاز مراسل RT في رومانيا وترد على شائعات ...
- تقارير إعلامية تفضح -كذب- نتنياهو بخصوص حرائق القدس
- أوكرانيا: نارٌ ودمار وإجلاءٌ للمدنيين إثر غارات روسية على مد ...
- حكمت الهجري يطالب بحماية دولية بعد اشتباكات صحنايا وريف السو ...
- المرصد يتحدث عن عشرات القتلى في اشتباكات -طائفية- بسوريا.. و ...
- إيران تعلن تأجيل جولة المفاوضات المقبلة بشأن برنامجها النووي ...
- في عيد العمال.. اشتباكات في إسطنبول ومغربيات يطالبن بالمساوا ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - يا جهلاء العالم .. أتحدوا