أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - جوهرانية ال ميركافا














المزيد.....

جوهرانية ال ميركافا


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1650 - 2006 / 8 / 22 - 10:05
المحور: القضية الفلسطينية
    


بعد يومين من مشاركته في توجيه نداء يحثّ الحكومة الإسرائيلية على وقف إطلاق النار، وقبل يوم واحد من القرار الإسرائيلي ـ الأمريكي بـ "وقف الأعمال العدائية"، قُرع جرس باب بيت الروائي والكاتب الإسرائيلي دافيد غروسمان، في الساعة الثالثة فجراً. ولم يكن الرجل بحاجة إلى معرفة هوية الطارق لكي يفتح الباب، لأنه أدرك على الفور سبب الزيارة: في واحدة من آخر المعارك مع المقاومة اللبنانية، قُتل ابنه أوري غروسمان، ، 20 سنة، الضابط في سلاح المدرعات.
صحيح أنّ هذه المفارقة بالغة القسوة بالنسبة إلى داعية سلام مخضرم (هو، للتذكير، صاحب الكتاب الشهير "الريح الصفراء" الذي يظلّ العمل الإسرائيلي الأبكر الأشجع في تسليط الضوء على حياة الفلسطينيين في الضفة العربية والقطاع، تحت الاحتلال)، إلا أنّ مفارقات أخرى اكتنفت هذه الواقعة على نحو يقلب الكثير من ميزانها الإنساني البسيط. بين هذه المفارقات أنّ غروسمان كان في البدء مؤيداً للعدوان الإسرائيلي البربري (بذريعة بائسة مفادها أنّ الحرب ليست ضدّ لبنان، بل ضدّ "حزب الله" حصراً)، وأنه لم يبدّل موقفه فيطالب بإنهاء الحرب إلا بعد أن طالت أكثر ممّا ينبغي. مفارقة أخرى أنه امتنع تماماً عن الإدلاء بأيّ تعليق يخصّ مآل العدوان الإسرائيلي، واكتفى بهذه العبارة الغائمة: "لن أقول الآن أيّ شيء عن هذه الحرب التي قتلت ولدي. نحن، في عائلتنا، خسرنا هذه الحرب لتوّنا".
غير أنّ المفارقة الكبرى، بعد مأساة الأب المسالم الذي فقد ابنه المحارب، تمثّلت في أنّ غروسمان لم ير في أوري صفة الغازي الذي يقود دبابة غازية، بل "الفتى الإسرائيلي تماماً، الذي كان إسرائيلياً جداً وعبرانياً جدّاً حتى في اسمه"! وفي كلمة الرثاء التي ألقاها على قبر ولده، أضاف غروسمان: "لقد كان أوري يمثّل جوهر الصفة الإسرائيلية (في الترجمة الإنكليزية: Israeli-ness) كما أودّ لها أن تكون. صفة إسرائيلية يكاد يطويها النسيان، حتى صارت أمراً مثيراً للفضول. وكان إسرائيلياً طافحاً بالقِيَم، وهي كلمة تآكلت فباتت مضحكة في السنوات الأخيرة. ففي عالمنا المجنون العابث القاسي، ليس رائجاً أن تكون حامل قِيَم، أو إنسانيّ النزعة، أو متحسساً بحقّ لمعاناة الآخر، حتى إذا كان ذلك الآخر هو عدوّك في ساحة القتال".
وبالطبع، يصعب على المرء للوهلة الأولى أن يستوعب طبيعة "القِيَم" التي جاء أوري غروسمان يبشّر بها في مارون الراس وعيترون وبنت جبيل وعيتا الشعب، من على ظهر دبابة الـ "ميركافا". واستطراداً، إذا كان الفتى يمثّل تلك الجوهرانية الإسرائيلية التي يحلم بها داعية السلام دافيد غروسمان، فما الذي منعه من العصيان ورفض التجنّد في جيش غازٍ أو محتلّ، كما فعل العشرات من الإسرائيليين الرافضين للخدمة الإلزامية، أو الخدمة في الضفة والقطاع على الأقلّ؟
الحال أنّ غروسمان، الذي يُعدّ أحد أفضل النماذج المتقدّمة في ما يُسمّى "معسكر السلام" الإسرائيلي، يظلّ مع ذلك إسرائيلياً معيارياً في المقام الأوّل، وربما في المقام الثاني والمقام الثالث أيضاً. تلك المعيارية، التي قد تكون بعض مقدّمات ما يحلم به من جوهرانية إسرائيلية، ترتقي بأمن الدولة العبرية إلى مصافّ مقدّسة ميتافيزيقية مطلقة، ليست سوى الوجهة الأخرى للمعنى الشعبوي الذي يعتبر أنّ أمن إسرائيل في يهودا والسامرة والجغرافيا التوراتية بأسرها ليس معركة بقاء أو فناء فحسب، بل هو مسألة وجود أو عدم الهوية اليهودية، ديانة أو كناية أو كياناً.
ليست هذه هي المرّة الأولى التي تشهد اصطفاف غروسمان خلف هذه المعيارية، بل يمكن القول إنّ مناسبات الماضي لم تكن البتة تقدّم له ذرائع إنسانية صرفة للاستبسال في مديح جوهرانية إسرائيل، كما هي حاله اليوم إذْ يفقد ولده في سياقات لا تبدو وكأنها تكرّم أية قيمة أخلاقية وإنسانية كونية. ولعلّ أبرز أمثلة الماضي كان موقف غروسمان من قرار ليا رابين، أرملة إسحق رابين، مغادرة "إسرائيل، هذا البلد المجنون" صبيحة تقدّم بنيامين نتنياهو على شمعون بيريس في انتخابات 1996. ولقد تساءل آنذاك: «سوف تمكث ليا، وسنمكث جميعاً، إذ ليس لنا من وطن آخر، ولأنّ اسرائيل بحاجة إلينا في هذا الزمن".
ورغم أنه أقرّ بواحد من أسوأ التوصيفات التي يمكن أن تصدر عن مواطن إسرائيلي بحقّ الدولة العبرية، إذ اعتبرها "دولة وحشية ضاجة صاخبة، أكثر نزوعاً نحو التديّن والأصولية والطائفية والعنصرية"، فقد امتدح في الآن ذاته شمعون بيريس الذي لم يكن آنذاك قد غسل يديه من دماء ضحايا مذبحة قانا ـ 1: "حاول رابين وبيريس أن يقترحا علينا درب حياة جديداً، ومفهوماً جديداً عن العالم. وأَمِلا أنهما، في حال النجاح، سوف يخلّصان مواطنيهما من بضعة فخاخ تراجيدية تستولي على تاريخهم".
فخاخ تراجيدية؟ أليس في القلب من تلك الفخاخ ما ينخرط فيه غروسمان اليوم عن سابق قصد وتصميم، حين ينأى بالمحارب الإسرائيلي (اليافع بصفة خاصة، "الإسرائيلي جداً" و"العبراني جداً") عن أرض الحكم والسياسة والأحزاب والقتل والتدمير والبربرية، ليقفز به إلى علياء ميتافيزيقية مطلقة طهرانية حيث الجوهرانية الإسرائيلية منبع القِيَم وروح الشرائع؟ وما الفارق حقاً، بمعيار امتطاء الـ "ميركافا"، بين الضابط الفتى أوري غروسمان ورئيس الأركان دان حالوتس؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوش و-الإسلامي الفاشي-: غلواء ثقافية ضاربة الجذور
- كنعان الثانية
- فائض القيمة في أرباح النظام السوري من تدمير لبنان
- تأثيم الضحية
- المجتمع الدولي: مسمّى زائف واصطفاف أعمى خلف أمريكا
- دماء لمآقي القتلة
- الشرق الأوسط الجديد: كيف يطرأ جديد على المفهوم القديم؟
- القصيدة والضاحية
- حروب إسرائيل في واشنطن وطهران: مزيد من هستيريا الاستيهام
- فيصل حرية التعبير
- السياسة خلف -الوعد الصادق-: مخاطر تبسيط الحقّ الواضح
- علم بنات الإسلام
- هل تبحث إسرائيل عن حسن نصر الله... فلسطيني؟
- ما بعد أرض الميعاد
- واشنطن والبربرية المعاصرة: مباركة في فلسطين، وتواطؤ في سورية
- أيقونة الوجدان الجمعي
- أحدث أطوار الاستبداد السوري: قطع الأرزاق بعد كمّ الأفواه
- بديل الكراهية
- صومال ستان، أو كيف تعيد واشنطن إنتاج الطالبان
- كاواباتا ضدّ ماركيز


المزيد.....




- شاهد رد فعل ترامب بعد فوزه الكبير في المحكمة العليا.. وما يع ...
- ترامب عن خامنئي: أنقذته من -موت شنيع-.. وسأضرب إيران مجددا ع ...
- بوتين -مستعد لتفاهم- مع أوكرانيا ويمتدح ترامب.. ويقر بضرر ال ...
- ذبحتونا: الشكوى حول امتحان الرياضيات جدية ويجب على الوزارة ا ...
- نعي شاعر ومناضل كبير
- بوتين مستعد لجولة ثالثة من المفاوضات مع أوكرانيا ولقاء ترامب ...
- 60 شهيدا في غزة والمجازر تستهدف أطفالا ومجوّعين
- لماذا يُنصح بإضافة مسحوق الشمندر إلى نظامك الغذائي؟
- فوق السلطة: مؤيدون لمحور الممانعة يتهمون روسيا وبوتين بالخيا ...
- علماء الأمة يطلقون -ميثاق طوفان الأقصى- لتوحيد الموقف الشرعي ...


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - جوهرانية ال ميركافا