أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - شُكراً كندا -عندما تجاوزت عملية البروستاتا بنجاح -















المزيد.....



شُكراً كندا -عندما تجاوزت عملية البروستاتا بنجاح -


خيرالله سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 7038 - 2021 / 10 / 5 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


شُـــكـــــراً كــــنــدا .
Thank you Canada
* * *
"عـندمـا تجـاوزت عمليـة البروستاتا بنجـاح "

حـين تُـملي عـليـك الأقــدار قـانـونيّـتهـا، تـصبح - بشكل أو بـآخر- أسيراً لمجريات أحـداث تـلك القـوانين، وبالتـالي، تحاول أن تجـد لنفسك ما يُـبرّر وجـودها، في هذا البلد أو ذاك، بحكم تلك القوانين الموضوعـية .
حين استقبلتنـا كــندا، كـلاجئين إنسانيين، فـتحت لنا قلبها ، ويَـسّـرت لنا، كل الإجـراءات الإدارية والسياسية والإجتماعية، وحاولت جـاهـدة، أن تُـدمجنا في برامجها التنموية والإجتماعية والثقافية، وهي دوماً تسعى لتحقيق بعض طموحاتنا، في مختلف المجالات، قـدر المستطاع، وصرنا نفهم كل إجراءاتها بهذا الصدد ، وحاولنا أن نتـلائم مع ثقافتها، وبرامجها الساعية لجعلنا جزءاً من كل برامجها الثقافية والإجتماعية والإقتصادية، ونجحت في بعض الجوانب وأخفقت في جـوانب أخرى ، لا سيما عـند أغلب الأكاديميّـين الذي جاؤوا إليها من مختلف أنحاء العالم .
حينما أصبحنا نملك " الجنسية الكندية" بعـد 4 - 5 سنوات من مجيئنا ، صرنا نشعر بالروح الكـندية، أينما ذهبنا الى مختلف المؤسسات الإدارية والحكومية، في مختلف المقاطعات الكـندية، وحـين حلّـت " مأساة كـورونا" وضربت أطنابها في مختلف جهـات العـالم، وصل الوباء الى كــندا، وقـد اتخـذت الحكومة الكـندية، برئاسة رئيس الوزراء " جـاستن تـرودو- Justin Trudeau " كل السُـبل الطبيّـة والصحية والإجتماعية، وخًصِّصت مليارات الدولات لدعم مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية،فقـد خُـصّـص للمؤسسات الخدمية ، كالحـلاقين وغيرهم ، مبلغ 500 دولار كـندي إسبوعيّـاً، مازالوا في دورة الحضر الصحي، ناهيك عن بقية القطاعات الصناعية الكبرى، حيث كانت تدفع التعويضات بالملايين، إن لم نقل بالمليارات .
وكان السيد رئيس الـوزراء، يتصدّر المشهـد الصحي كل يوم ، فهـو يقـدّم التقرير الصحي اليومي عن " حالة كـورورنا" لكل المؤسسات الصحية في العالم وفي كـندا، وكان يجوب المقاطعات والمُـدن، مُـثقِـفـاً كل الكـنديين بخطورة هذا الوباء، حتى أُصيب بـه، ولم يستسلم لهذا الـوباء، وضل يمارس دوره التثقيفي الفاعل كل يوم، وهـو في " حـالة الحجـر الصحي" حتى شُـفي مـنه ، وقد أثبت فاعلية وطنية للجمهـور الكندي، جعلت هـذا الجمهـور لأن يختاره وحـزبة ، مرة ثانية لإدارة البلاد في الإنتخابات الوطنية التي اُجريت في 20/9/2021 ، بكل اقـتدار، ونحن -أغلب الجاليات العربية في كـندا- قـد صَـوّتنا لحزب تـرودو في هذه الإنتخابات.

* القـطاع الصحي العام في كــندا:
في حـياتي ، تنقـلتُ في أكثر من 12 بلداً عالميـاً، وفي كل بلـدٍ، حتماً نتعرض الى مختلف الأمراض الناجمة من البيئة والطقس والإخـتلاط وغيرها، الأمر الذي يتوجّـب معـه مراجعة الـدوائر الصحية في الـدولة، وأقـول بكل جرأةٍ واقـتدار، أني لم أرَ خـدماتٍ وضمانٍ صحيٍّ في أيِّ دولة، كما هي الضمانات والخدمات الطبيـة التي في كــندا. حيث تكون الخدمات المجانية مقدمة لك ، من قبلِ حصولك على الجنسية الكندية وبعـدها،" وبطاقة الصحـة " في كــنـدا، هي واحدة في كل المقاطعات، وسجلّـك الطبي موجود في هذه البطاقة ، أينما حلِلت في كـندا، ويكفي أنّـك تسير بمصاحبة هذه البطاقة للتعريف بشخصيتك الوطنية الكندية.
ونظراً لتقـدمـنا في الـسِـن، فـهـناك " إمتيازات لهـذه الفئة " من حيث الخدمات الطبيّـة والصحية، لأن هذه الفئة، هي الأكثر تعرضاً للنوازل المرضية، بحكم السن وضعف الحركة، وأغلبية هذه الفئة ، هُـم من المتقاعـدين، وقـد خصّـصت الدولة الكندية لهـؤلاء أفضل الإمتيازات، وشملتهم بالرعاية القصوى، لا سيما عـند دخولهم المستشفيات، فكل علاجاتهم مجانية فيهـا ، مهما بلغت النفقات المالية ، ولي في ذلك تجربة خاصة ، سـأذكرها بالتفصيل في السطور التالية :

1- في عام 2015 ، ظهـرت عـندي بـوادر لتضخّـم " غِـدّة البروستاتا" الأمر الذي تطلّـب معه أن أراجع " طبيب العائلة " وبعـد المعاينة والكشف، قرّرت الطبيبة أن أتناول بعض العقاقير الطبيّـة، التي تساعـد في عملية مكافحة هـذه الغـدة، باعتبار أنها في بـداية ظهـورهـا . وبعـد مضي أكثر من سنتين، طلبت من " طبيبة العائلة" أن تحيلني الى طبيب مختص في أمور " البرستاتا" فتم ذلك ، وأرسلتني الى " Dr. A. Girvan " وبـدأ جلسات المعاينة معي ، لمدة زادت عـلى 4 سنوات، وكانت المعاينة تتم بعـد كل 6 أشهـر، دون أن تحصل نتيجة إيجابية تُـخفّـف عـني وطـأة اليقظة اللّـيلية، والتي تـزيد أحياناً عن ( 3 - 4 مـرات) الأمر الذي يجعل نومك مضطربـاً، ويخلق حالة نفسية سيئة لك ، تُـربك نشاطك اليومي ، لا سيما إذا كنت من ذوي التفكير، ومشغولاً بأمور الكتابة والبحث مثلي، الأمر الذي جعلني أبحث بجـديّـةٍ مع الطبيب المختص للتخلص من هذه الإشكالية، وضرورة إجراء عملية " البروستاتا" وقـد طلب مني " Dr. A. Girvan " أن أصطحب معي مترجماً يساعـدني في فهـم بعض المفردات الطبيّـة الخاصة قبل الكشف الدقيق في أحد مستشفيات أوتـــاوا المتخصصة ، فـرافقني الصديق العـزيز الأستاذ عـصام عـدي - شاعر أردني ، ومقيم معنا في أوتــاوا . وأخذت هذه المشاورات وجلسات المعاينة طوال عام 2019 ، حيث أُجري لي " فحـص عـام " في مستشفى " Queensway Carleton Hospital " إذ بُـدأ معي في إدخال " الناظور الطبي" في فـتحة القضيب، دون اي تـخـدير، وكان د. Girvan ، هـو الذي قام بهذا الفحص، كان ذلك في منتصف عام 2019 ، وبعـد ذلك طلب الدكتور المذكور أن أُراجعه بعـد مدة 3 أشهر، وقد وصف لي بعض العقاقير الطبيّـة المُـسكّـنة لهذه الإشكالية .
يـبدو أن الدكتور Girvan ، أراد أن يختبر مـدى قوّتي وإصراري على إجراء العملية، فترك فرصة لي للتفكير مليّـاً بهذا الأمر، قبل أن أتخـذ القرار النهـائي، ولكن معاناة اللّـيل، ويقضاته المستمرّة للتبـوّل، لم تترك لي مجـالاً للتردّد، فاتصلت هـاتفياً بالدكتور المذكور لتحـديد " مقابلة معه، ونحسم مسألة " إجراء العملية" وتـم الإتفـاق على أن نلتقي في مطلع شهر آذار من عام 2020 ، في عـيادته، وتم الإتفـاق على إجراء العملية " البروستاتا" في 6 أيـار 2021 ، إلاّ أن سكرتيرة الجرّاح المختص ( د. Girvan ) اتصلت بي قبل يومين من بـدءِ إجراء العملية بالمستشفى المذكور، وأخبرتني ( أنّـه تـم تـأجيل العملية ليوم آخر ، سيحدد لاحقاً، بسبب أن هـناك إصابات كثيرة بـ " كورونا" ظهرت في المستشفى المذكور، والمقرّر إجراء العملية فيه، وسوف نخبرك لاحقـاً) .
هـكذا أنهت سكرتير الطبيب المعالج مكالمتها، وتـركتني أضربُ أخماساً بأسداس، وأنـا في لُـجـة القـلق والتفكير، والمعاناة، فصبرنا لمدة 4 أشهر ونصف، حتى اتصلت بي ثانية وقالت : تقـرّر إجراء العملية لك من قبل ( د. Girvan ) وذلك في يوم الخميس المصادف 23/ سبتمبر /2021 ، وعليك مراجعة المستفى قبل ذلك بإسبوعين على الأقل، للتزوّد بالمعلومات المطلوبة، والإجراءات الأولية التي يجب اتخاذهـا، قبل إجراء العملية، فقمت بذلك وفــق الأصول .

2- قبل بـدء العملية بيـوم .
حين راجعنا إدارة المستشفى المذكور أعـلاه ، قبل إسبوع من بـدء العملية، وكان برفـقتي الصديق محمد عيسى، رئيس الجمعية العراقية الكندية ، فرع أوتــاوا،حيث تم تزويدنا بـ " كرّاس طبي" يحمل إسم ( Transurethral Resection of the Prostate "TURP ) وهذه العبارة تعـني " استئصال البروستاتا عبر الإحليل " وفيه كل التعليمات الطبية ، الواجب اتّـباعهـا قبل بـدء العملية الجراحية، وأوّلهـا : -
1- الإمتناع عن تـناول كل الأدوية والعقارات الطبيّـة التي أتناولها ، قبل إسبوع من إجراء العملية .
2- غسل الجسم بـ " صابون خاص" إسمه " ٍSoluPrep " وهو عبارة عـن " إسفنجة طبيّـة، فيها مسحوق الصابون الخاص بتعقيم الجسم، والتي يتوجّـب أن يغسل فيها الجسم، بعـد أخذ الدوش، وأن يجري مسح كامل الجسد ، باستثناء الوجه، من الأعلى الى الأسفل ، 3- 6 مرات ومن ثم الخروج من الدوش، والتنشيف بطريقة وضع المنشفة على الجسم، والتنشيف الموضعي، دون المسح المعتاد، كي تبقى آثار التعقيم موجودة على الجسم. وتتكرّر العملية صباحاً قبل الذهاب الى المستشفى .
3- يمتنع الشخص من تناول الطعام على الإطـلاق، قبل 12 ساعة على الأقل من بـدء العملية، وتناول لتر ماء فقط .
4- الحضور الى المستشفى صباحاً، وتسجيل الحضور، ثم الإنتظار بقاعة المرضى، حتى يأتي شخص محدّد، وينادي عليك بالإسم، ويوضع على رسغك الأيمن ، إسمك باللغة الإنجليزية، ورقم وتاريخ التسجيل والحضور، ويستصحبك معـه، لـوحـدك، بدون مرافق ، ويتوجّـه بك الى الغرفة الخاصة للإعـداد والتهيئة لإجراء العملية، حيث يتم " كشف الضغط ، ومعرفة الأمراض المتوطنة في جسمك، وفصيلة الـدم، وأمور أخرى.
وتستمر هذه العمليات الإجرائية بحـدود ساعتين، قبل أن يدخلوك الى غرفة العمليات الجراحية الكبرى . وحين أدخلوني الى غرفة العمليات الجراحية، كان بإستقبالي مجموعة من الطبيبات المساعـدات ، والممرضات المختصات بمثل هذه العمليات، وأجروا علي ما يجب إجراءه، وتم تخديري بشكل كامل، فلم أشعر بعد 5 دقائق، إلاّ وأنا في عالم آخر. وقد قام د. Girvan ) مع هذه المجموعة بإجراء العملية، من خلال إدخال " أنابيب جراحية خاصة من داخل الإحليل".
* إستيقضت بعـد مرور ساعتين، وأنا في غرفة الإنعاش، وسألت المضمدة الواقفة عـند رأسي، وقد وضعت أكياس من المياه المعدنية الخاصة، على مرفع مرتفع ، ذات التركيبات الكيمياوية، الخاصة بتعقيم وتنظيف المثانة، وجهاز مربوط على رأس القضيب، وداخل بحدود 2 إنج في فتحة الإحليل، وهو يحتوي على إنبوبين ، كل منهما بحجم قلم الرصاص، واحد لإستقبال تلك المياه المعقّـمة، والآخر، لسحب الـدم وبقايا آثار الجروح داخل المثانة والإحليل، وفي كل نصف ساعة ، تقوم هذه المضمدة بتغيير تلك الإفرازات المصبوغة بلون أحمر، من آثار الدماء النازفة من العملية الجراحية " الداخلية" بمعنى أن لا جرح خارجي في الجسم . وبنفس الوقت تضع كيسـاً آخراً فيه ثلاثة لـتر، على المرفع أو الإستانـد الموجود الى جانب السرير .
* سـألت المضمدة الواقفة عـند رأسي: كم إستغرق وقت العملية ؟
- أجابت: بحـدود ساعة واحـدة .
* بقيت على هـذه الحالة لمدة تزيد عن ثلاث ساعات ، حتى بـدأت أشعر بتحريك أطرافي، وأن آثار البنج العام، بـدأت تفارقني شيئاً فشيئا .
* بقيت في غـرفة الإنعـاش هـذه ، وأنا أُرقب حـركـة المضمّـدات والقائمين على هذا المكان، وكانت نسبة النساء تتجاوز 95% من قوام العاملين في قسم الأمراض التناسلية، ومن مختلف الجنسيات والأعـراق، فهذه لاتينية، وتلك روسية، وأخرى بريطانية أو إسكتلندية، ورابعة كوبية، وخامسة من سكنة البحر الكاريبي وغيرهن الكثيرمن دول أوربا وأمريكا الشمالية، ولم ألحـظ أي واحـدة من أُصول عربية أو إسلامية بالمطلق، وخمّـنت أن ذلك خاضع لتأثير المحمولات الدينية عـند النساء الشرقيات والمسلمات، حيث أنّـهـن لا يمكن لهن أن يمارسن عملهن الطبّي، وهن يقمن بتغيير غيارات المرضى، والكشف على أعضاءهم التناسلية، وغيرها من الأمور السايكولوجية المتعشعشة في عقولِ اهـل الشرق، وأدركت معنى أن تتخلّف نساءنا " عملياً وثقافياً، وإنسانيّـاً حتى، وإلاّ لمَ لم يكن لهـن حضور في مثل هذا القسم الطبي الهـام!؟

* بعـد أن فـكّـني ( البـنج العام ) نُـقـلتُ الى غـرفتي الخـاصة، والتي سـابيتُ فيها لمدة ليلتين فقط، وقـد دفعت لأجل هـذين اللّـيلتين مبلغاً قـدرهُ ( 250 -$- دولاراً كـندياً) كي أتحاشا الإخـتلاط مع الآخرين، لا سيما ونحن نعيش المـوجـة الرابعـة من ( Covid- 19 ) .
* نُـقلت ، وأنا على السرير الطبي، الى الغـرفة رقـم (D 4355 ) في الطابق الرابع من مبنى المستشفى، والساعة تقترب من السادسة مساءَ، وكانت غرفة مثالية، من حيث الموقع، على الجهة اليسرى من المبنى، وشبابيكها الكبيرة ، والتي تُـتيح لي النظر الى الأشجار والمساحات الخضراء الواسعة، وكان في الغرفة جهاز كمبيوتر، وتليفون، وتليفزون جانبي، لكن التليفزيون ، يجب أن تشترك فيه، كي يفتح لك الخـط ، وهـذا يكلّف 50 دولاراً، خلال تلك الليلتين، فرفضت ذلك، فيما لم يسمح لي ( وضعي الصحي) أن أستخدم الكمبيوتر، والذي هـو الآخر، مخصّـص لكل معلومات المستشفى فقط.
كان في إستقبالي في تلك الغرفة ممرضة ذكيّـة جـداً، لمحت في تقاطيع وجهـي بعض معاناة الألم، ووضعت " أشيائي الخاصة" على مقربة منّـي، وأجلستني على السرير، بشكل يبيح لهـا فحص ضغط الـدم، وتبديل أكياس الماء الطبيّـة المعلّـقة على الحامل المعـدني، والتي لم أقرأ ما كتب عليها، نظراً لعـدم استخدامي عيوناتي الطبيّـة، ولكني لحظت رقـم يشير الى نسبة الأملاح أو شئ آخر في تركيبة هذه المياه، وهـو ( 9،5 ) ، بسرعة الغـزال، تحرّكت هذه الممرضة، غيّرت بعض ماسكات الجهاز المثبّـت على الإحـليل، ووضعت قطع أخرى من اللاّصقات الطبيّـة على الفخذ الأيسر، كي لا يتحرّك ذلك الجهاز، ويـؤدّي الى مضاعفة الآلام على العضو التناسلي، فربطته بشكل جيّـد على الفخذ، ومسحت بعض آثار الـدم ، وسألتني: هـل تحتاج الى شئ آخر ؟ هـل تـود الذهاب الى ( التـواليت) ؟
- أخبرتها بأني لم أتناول أيّ طعامٍ منذ الأمس. ولم أستطع أن أتبوّل !
- قالت: إن هـذه المياه المعلّـقة، سوف تقوم بوظيفة جرف " اليوريـا والبول" من المثانة، ولكن إذا كنت تريد ( التبرّز" سوف أساعدك للوصول الى التــواليت ) . ثم قامت بتبديل أكياس الماء الكبيرة، وأبدلت أيضاً ( كيس المياه الحمراء، المخلوطة بـالدم) وأفرغت محتوياته في إناء خـاص ( إجـانة) ورمته في فتحة التواليت، وسحبت المياه عليه .
عـادت بإبتسامة عريضة وقالت: سـأتصل بخدمات المطبخ ليجلبوا لك العشاء, وبعـد مدة قصيرة جاؤا بالعشاء الخفيف، مع 3 أنـواع من ( العقاقير الطبيّـة - الأقراص ) لأتناولها بعـد الأكل، تناولت العشاء الخفيف، وطلبت تلك " الأجـانة" كي أغسل فمي وأسناني ،وتم ذلك، ثم استرخيت وأمددتُ ظهـري، من خلال أجهزة السرير الطبي، فاستسلمت الى نـوبة من النـوم ، استمرّت حتى الساعة 12 ليلاً، أشعلت ضوء الغرفة من خلال عـتلة صغيرة مربوطة ومـدلاة بالقرب من السرير، ولم أشعر إلاّ بدخول ممرضةٍ ثانية جـديدة ، قدّمت إسمها لي بإسم " SHY " وقالت : سـأكون في خـدمتك حتى الصباح، حيث تنتهي مناوبتي في الثامـنة صباحاً، فـلا تتـردّد ، وأومأت الى " زر كهربائي" مربوط الى جانب السرير" وقالت: بمجرد الضغط عليه، سـأكون عـندك . شكرتها على ذلك، وطلبت منها أن تناولني " دفتر ملاحظاتٍ صغير" كنت قد وضعته في حقيبة صغيرة خضراء، تحتوي على عويناتي الطبية، وقلم جاف، وأمور أخرى.
ناولتني الدفتر الصغير وقالت : ماهذا ، إنـه صغير جـداً ! ،، أجبتها: أن هذا الدفتر خاص لكتابة " الشعر" وأنا أسير أو وأنا على سرير النوم. قالت باستغراب ! : هـل أنت شاعر؟ قلت بـلا، وأديب وباحث، ولي مؤلفاتٍ كثيرة. أجابت بتعجّب : Wonderfull . وغـادرتي الى غرفة مقابلة، قـد خُصّصت لطاقم المضمدين والمضمدات المناوبين.
حين استلقيت على مخدة الـنوم ، خـطر على بالي " بـدر شاكر السيّـاب" ومعانــــاته في مستشفيات الكويت ، وهـو في حالة التشرّد والمرض، وعلى الطرف المقابل، برزت أمامي قصيدة الشاعر المصري أمـل دُنقـل :
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ,
لونُ المعاطفِ أبيض,
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات,
الملاءاتُ,
لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن,
قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ,
كوبُ اللَّبن,
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ..
يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ?
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ,
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ"
* في المستشفيات الكندية، بـدلات العمل كلهـا باللّـون الأزرق الكُـحـلي ، وليس الأبيض.
* إعتمرتُ عويناتي الطبية، ورحت أكتب بعض أبيات من " الأبـوذيـــة"، قلت في إحـداهـا "
" كُـبر بيـنا العُـــمر يا حيـف مَــرّات
ولـيالي الفــرح مـا تِـنـعـــــاد مـــرّات
صُـفَـت دنــيـاك وجـه وﮔـفــه مــرآة
تِـخـدعـك بالصِـدﮒ وبلــون حـيّــــه
* في الثانية ، بعد منتصف الليل، ضغطتُ على " زر التنبيه الكهربائي" فجائتني المضمّـدة مسرعة وقالت : نعم سيدي، ماذا تريد ؟ (Yes sir, what do you want ) . قلت لهـا : أرجوك أن تُـغلقي باب الغرفة الخارجي، وتطفئي الأضواء، بعـد خروجك من الغرفة، لأني لا أستطيع النوم مطلقاً، مازال هـناك أيّ أثـرٍ للضوء . أجابت : حسناً، وغادرتني ، وأغلقت كل شئ، فرحت أغـط بنوبة من النوم طويلة، لم أستيقظ منها إلاّ على أصوات " عاملة المطبخ وهي توقظني لأتناول فطور الصباح ، ليوم الجُمعـة 24/ سبتمبر/ 2021م .

* في هـذا اليوم ، وهـو اليوم الثاني لدخولي المستشفى، دخلت عليّ مضمّدة جديدة، كتبت على " بورد" في الجهة المقابلة لسريري إسمها " NATA "وهـو إسم مختصر لـ " Natalie " وهي فتاة من ملوني البحر الكاريبي، ثم سـلمت علي قائلة : أنا سـأكون مشرفة على خدمتك حتى الساعة 8 مساءً، ثم بـدأت تجري معاينة أوضاعي الحية، وبدّلت أكياس الماء من على " الإستاند" ووضعت أكياساً جديدة محلهـا، وغيرت الأكياس الأرضية الممتلئة بالدم والماء، ومن ثم قامت بتغيير، بعض قطع البلاستك اللاّصق على الجهاز المثبّـت على الإحليل، ومسحت بعض قطرات الـدم، ثم رافقتني الى غرفة الحمام، وحمّـال الأكياس معي وقالت: حين تنتهـي نادي عليّ وسآتي لإخـذك .
* الخجل الشرقي، تظهر ملامحه على وجهـي، وبعض قطرات العرق، تتفصّـد على جبيني من الخجل، شعرت ببعض الراحة، بعـد أن استطعـت أن " أتبـرّز" ولكن مسألة " التبـوّل" ضلّت مكتومة وتشكل لي اضطرابٍ مُـقلـق، فمنذ أكثر من 24 ساعة لم أتبـوّل، حيث أن الأنابيب البلاستيكية، الموضوعة على رأس الإحليل، كانت تمنع ذلك بالمطلق .
حين انتهيت من قضاء حاجتي، تحاملت على نفسي، وعـدتُ الى السرير بمفردي، فلمحتني تلك الممرضة، وهي غير راضية على تحرّكي لوحدي، فطمنتها، بأني أستطيع أن أمشي لوحدي، فقالت: مع ذلك إحذر أن تخاطر بأيّ شئ لوحدك، لأن ذلك خطرٌ عليك، من الناحية الصحيّـة، فأيّ تحرك للأنابيب المربوطة على العضو، قـد تسبب نزيفاً دموياً ، وألماً حاداً، في حالة إعادة تلك الأنابيب البلاستيكية الى موقعها داخل الإحليل، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قـد تُـسبّب لنا " إلفات نظر" من قبل إدارة المستشفى، ويعتبر ذلك إهـمالاً منّـا ، فـأرجوك أن تلتزم بكل التعاليم الطبية، حتى ساعة خروجك من المستشفى، فاعتذرت لها، ووعـدتها أن لا أعيد مثل تلك الكرّة ثانية .
حين استلقيت على السرير ، بـدأت هي بقياس ضغـط الـدم، وناولتني بعض الحبوب الخاصة بـ " المضاد للحيويات ، وأنتي بيوتـك ، وقرص خاص للمساعدة في معالجة بعض الجروح الداخلية، في الإحليل، ثم قامت بأخذ عـّينات من الـدم، وجعلتني بوضع متكئ على السرير بشكل نصفي، وغادرتني وهي تقول : سوف أعـود بعـد نصف ساعـة ، سـأذهب للمختبر .
يبدو أن بعض هذه الحبوب فيها شئ من الدواء الذي يجعلك تنام، فأغمضت أجفاني، ودون أن أشعر، وكنت أغـط بنومٍ عميق .
* الساعة 12 ظهراً، أيقظتني عاملة المطبخ ، وهي تقول : حـان وقـت الغـداء، وأعـدلت جلوسي على السرير، بوضع يسمح لي تناول الطعام بشكل يسمح لي بالحركة بشكل جيّـد . بعـد تناول القهـوة، جاءت "Nata " وهي تقول : أن(Dr. Girvan ) يقوم بجولة تفقـدية على مرضاه الذين أجرى لهـم بالأمس العمليات الجراحية، وأنت واحدٌ منهم ، فتـهيأ لذلك .
بقيت في انتظار ( Dr. Girvan ) وأنا أقرأ بكتيّبٍ نقـدي، كنت قـد استصحبتهُ معي، حول آفاق الفلسفة وعلم الإجتماع، حتى حانت الساعة الرابعة عصراً، فـدخل الدكتور، وسلّم علي بـودٍّ وحرارة، وألقى نظرة فاحصة على الإحليل والآلة المركبة عليه ، وبـدأنا محادثة صغيرة تخص مثل هذه العمليات، فبادرته قائلاً : لم أشعر بك وأنت تجري العملية الجراحية لي بالأمس!
قال: كنتَ أنت في عالمٍ آخر، وأنا أمارس إجراء العملية من خلال " الناظور وجهاز صغير، داخل الإحليل ، وأنا أجري العملية، وأراقب وضعـك من خلال الشاشة الموضوعة أمامي .
قلت : كم دام وقت العملية !؟
قال : لقد كانت سهلة، ولم تأخذ منّـي أكثر من 55 دقيقة ، وكانت إستجابتك النفسية والبايولوجية في مستوىً عـالٍ من الإستعداد، وهو الأمر الذي ساعدنا كثيراً في نجاح العملية .
قلت : هـل استخدمت " اللّـيزر" في استئصال ذلك الورم في البروستاتا!
ضحك وقال : نحن لا نستخدم اللّـيزر في مثل هذه العمليات، بل أجهزة دقيقة " لـﮔشط ذلك الورم" واللّـيزر نستخدمه في الحالات الميئوس منها في " سرطان البروستاتا المستفحل" وأنت لا تحتاج لمثل هذه العملية، ومن هـنا كان وقت العملية سهلاً وبسيطاً .
قلت: كـم عملية جراحية للبروستاتا، قـد أجريتها من قبل!
قال: كثيرة جـداً . قلت كـم ! إبتسم وقال : أنا أمارس جراحة عمليات البروستاتا منذ أكثر من 16 سنة، كمتخصّص، ومجموع العمليات التي قمت بأجراءهـا أكثر من 22000 عملية جراحية
قلت : ما هي فترة النقـاهة لمثل هذه العمليات !
قال: من 3-4 أسابيع ، كمرحلة أولى، سيبقى يظهر بعض قطرات الدم من الإحليل، أو يكون لون البـول ، أشبه باللون الوردي، ثم يبدأ يأخذ شكله الطبيعي، مع وجـود بعض " الحرقة " عند عملية التبوّل، وهذه المسألة ستنتهي بخلال هذه الفترة ، ثم بعـد 3 أشهر، سوف يكون لنا " لقاء في العيادة" لمشاهدة الحالة والتأكّـد من الشفاء التام .
قلت : بعـد كم من الوقت، يستطيع الإنسان أن يمارس الجنس بعـد هذه العملية !
قال: الحـد الأدنى 4 أسابيع، بعـد التـأكّـد بأن الأعضاء التناسلية بـدأت تـأخذ وضعها الطبيعي، من الناحية البايولوجية ، والجسم يشعر بأنه يستطيع أن يمارس هذه العملية، دون إكراه، من محفّـزٍ مـا. وابتسم بعد ذلك . فعرفت قصده .
قلت : مثل هذه العلميات الجراحية للبروستاتا، كم تُـكلّف من الناحية المـادية ؟
قال: نحن نجري هذه العمليات بدون مقابل، وحكومة أُنتـاريو ( Ontario government ) هي التي تـدفع التكلفة ، وكل مريض يجري عملية في هذا المستشفى أو غيره، فإن الحكومة تـدفع في كل ليلةٍ حــوالي " 1000-$- كندي، لمجموعة الخدمات والعاملين في المستشفى وثمن العقاقير الطبية وغيرها .
قلت : لو أجريت العملية في مكانٍ آخر، كم تبلغ أثمانها!
قال : في( مقاطعـة كـيبيـك /Province - Quebec ) على سبيل المثال، فإنـهـا تكلّف ما بين ( 5000 - 10000-$- ) دولار كندي .
قلت : أريد أن أشكرك على هذه الدقة في إنجاح العملية الجراحية لي، وأريـد أن أكتب عـن هذه العملية بشكل دقيق، فهل لديك مُـمـانعــة في ذلك ؟
قال: هـذا الأمر عـائد إليك، وأنا أعرف إنّـك كاتب عربي
ودّعني وقال: غـداً ستخرج صباحاً بحدود الساعة العاشرة، أتمنى لك الصحة ، ولّـوح بيده وخرج من الغرفة .
* كنت أسجّـل بعض هـذه الأسئلة بدفتري الصغير، بغية الإحتفاظ بدقّـة المعلومة التي يقولها لي الطبيب المعالج، وأنقلها بأمانـةٍ عند الكتابة عـنها ، لأن الكثير ممن يعانون من هـذه المشكلة سوف يقرأؤنها، ومثل هذه العمليات تعتبر عمليات كبرى وخطيرة، لا سيما في عالمنا العربي.
* كانت الممرضة ( NATA ) واقــفـــةً بجـــانب السريــــــر وأنـا أتحــدث مع الطبيب الجـــرّاح
( Dr. Girvan ) وحين ودّعـته، عادت وهي تبتسم وقالت : أحقّـاً سوف تكتب عن هذه التجربة في الصحف العربية أو في الصحف الكــندية !
قلت : نـعـم ، سوف أكتب وأذكرك، وأشيد بحُـسنِ رعايتكِ لي، ومواقفك الإنسانية النبيلـة ، فأنتِ حقّـاً تـعي معنى المواقف الإنسانية ، وتحترمين مهـنتك في الطب . شكرتني، ثم أعطتني بعض الأقراص الطبية، وقامت بتغيير المياه المعدنية المعلّقة على الإستانـد، وكذلك كيس الـدم الخارج مع مياه التنظيف المعـدنية.
أرخيت جسمي على السرير، ونويت أن آخـذ غـفـوة الظهيرة ( القيلولة) التي اعـتـدتُ عليها في كل يوم، فيما راحت هـي تقيس ضغط الـدم ودرجة الحرارة، ثم غادرت الى عرفة المضمِّـدات المقابلة الى غرفتي، وبعـد أويقاتٍ قصيرة، إستسلمت الى إغـفاءة، سحبتني الى حـدود الساعة 8 مساءً، حيث دخلت عاملة المطبخ لتوقظني ، كي أتناول طعام العشاء.
في الثامنة والنصف مساءً، جاءت الممرضة ( NATA ) وقالت بهدوء وحياء : لدينا حـالات طارئة خرجت من غرفة العمليات، ونحتـاج الى إخلاء غرفتك، ليرقد فيها مريض جـديد ، فماذا تقول؟ قلت : OK ، إجمعي حاجياتي، ورافقيني الى الغرفة الجديدة. قالت : سـتأتي ممرضة جديدة وستسطحبك الى الطابق الأرضي، وتنام هذه الليلة مع شخصٍ آخر، مثل حالتك تماماً، وهـو أيضاً سيخرج غـداً صباحاً، ثم اتصلت بتليفونها لتخبر المضمدة الأخرى بموافقتي على التحويل، على اعتبار أني لي الحق بالمبيت في هذه الغرفة، كـوني قـد دفعت الحجز لِـليلتين، ولكن الضرورة تستوجب أن أتساعـد مع هذه الحالة الإنسانية . جاءت فتاة شقراء قصيرة " مضمدة" سلّمت علي قائلةً : شكراً مستر سعيد . وأجلستني على كرسي متحرّك " Wheel chair " وعلّـمتني كيف أستطيع أن أُمسك بالإستانـد وأصحبه معي ، بشكل يسير على الأرض ، ونحن نتوجّـه الى الطابق الأرضي. قمت بما يجب وفق توجيهاتها، وما هي إلاّ دقائق معـدودة حتى وصلنا الغرفة المحـدّدة في الطابق الأرضي، أدخلتني هذه الممرضة الشقراء، وساعدتني في أن أعتلي السرير الجديد، وقامت بفحص ( الحـالة) التي أنا فيهـا، ثم راحت تقيس ضغط الـدم ودرجة الحرارة، حيث وضعـت " المحرار " تحت لساني، وسجّـلت تلك المعلومات، ثم ذهبت الى " الكمبيوتر" الموجود خارج الغرفة ، وداخل الممـر العريض في الطابق الأسفل، ثم عادت لتضع كيساً جديداً على الإستـانـد، وغيرت كيس الـدم المخلوط مع المياه المعدنية، إقتربت مني وقالت : أنا مكتبي خارج الغرفة، وإذا احتجت لأي شئ، إضغط على هذا الزر الموجود جنبك على السرير الطبي ، ثم أردفت : سـأبقى هـنا لغاية الساعة العاشرة مساءً، حيث تنتهي مناوبتي، وستأتي ممرضة أخرى، تكمل معكم الخدمة حـتى الصباح، وخرجت ، بعد أن سحبت الستائر التي تحجبني عن جاري المريض بنفس الغرفة .
وأنت لوحـدك ، تنتابك بعض الأفكار، وتطير بك التصورات والأوهام الى عـوالم أخرى، لاسيما إذا كان هـناك من يوغـز هذه الذكريات بإيحاءٍ معيّـن، فقـد كان جـاري (كـيغـن ) يتهامس مع زوجتـه أو صديقته، بحديثٍ فيه بعض الود لما هـو قادم. فيما وحدتي تقودني الى بعض كتاباتي التي لم تنشر بعـد، لا سيما موسوعتّي ( موسوعة بغـداد الثقافية في العصر العباسي في 20 مجلد ) وموسوعتي الأخرى ( موسوعة التراث الشعبي العراقي في 10 مجلدات ) ، الأولى مركونة في أدراج وزارة الثقافة العراقية، منذ عام 2013، والثانية في عُـهـدة " معهـد الشارقة للتراث" منذ عام 2017 ، ودراسات أخرى في أكثر من مـكان، وأنـا أرقـد هـنا في مستشفى ( Queensway Carleton Hospital ) في كــندا!.
أضوية المكان في هذه الغرفة كثيرة وبرّاقة بعض الشئ، ناديت على المضمّـدة الجديدة ، والتي استلمت نوبتها بعـد العاشرة ليلاً، ورجوتها أن تغلق ضوء التواليت المقابل لسريري، وكذلك أن تغلق باب الغرفة عند الخروج ، كي لا تـدخل أضوية الممر البيضاء المنبعثة من النيونات الكهربائية العـديدة، فامتثلت لذلك، وطلبت مني أن تفحص ضغط الدم ، وحرارة الجسم، وأبدلت آخر كيس مـاء معقم على الإستانـد ،والتي بلغ تعـــداد هذه الأكياس المستهلكة في تنظيف عمليتي أكثر من ( 60 كيسـاً ) وكل كيس يحتوي على 3 لتر من المـاء . ثم بـدأتُ في الإسترخاء، وأنا أتهيئ لآخر نومـة في هـذا المستشفى .
* صباح يوم السبت الموافـق 25/ 9/ 2021 ، تحرّكت المضمّدة المناوبة، ووقعُ أقـدامها يشير الى قدومها السريع، أيقظتني وأعـطتني بعض الأقـراص، وقالت لي : بعـد قليل سوف أنـزع عـنك " جهـاز " catheter " * وهـو الجهاز الخاص الذي يُركّـب على القضيب، ومن خلاله تجري عملية تبديل المياه المعدنية، وإخراج المياه المخلوطة بالدم، وهو أصعب لحظة عند المريض، حيث تشعر في لحظتها وكأنّـك في " حالة الختان الأولى" عندما يأتي المطهرﭽـي ويبدّل القطنة ويداوي الجرح، أجرتها لي ، فتدفّـق الدم المضغوط مع بعض البول المحصور ، داخل إجانة كانت تحملها بيدها ، كان ذلك عند الساعة السادسة صباحاً، ثم رمت ذلك الخراج في فتحة التواليت، وعادت تمسح الـدم وآثاره الباقية من على أفخـاذي، وطلبت مني الذهاب الى " التواليت" للتبوّل، فعملت كما طلبت. في هذه اللحظة، شعرت فقـط أنّي كنتُ " أسير ومكبّـل " ليس من خلال الأصفاد ، بل من خلال هذا الجهاز اللّـعين، عـدت الى فراشي لوحدي ، واستلقيت على ظهري، وشعرت براحة عجيبة، فبدأت المضمدة بقياس الضغط وحرارة الجسم، وأعطتني بعض الحبوب " 3 أنواع" كلها تساعد في عملية ترميم الجروح التي حدثت أثناء العملية وبعـدها، حيث تقطّـعـت الكثير من الشعيرات الدموية داخل الإحـليل. شعرت بأني أرغب في النوم، فأخبرت المضمدة بذلك فقالت : إشرب هذه الأكواب الثلاثة من الماء، ونـمْ، ففعلت .
في الساعة الثامنة صباحاً، جاءت عاملة المطعم لتقدم فطور الصباح من البيض والحليب والعصير المصنوع من الكرز، وقطعتين من البسكويت، وكأس من الشاي، وبعض العسل، إستعدلت في مكاني للمرة الأولى، دون الإستناد الى السرير، وشعرت بـأن حرارة الـدم تسري في عروقي، وحين انتهيت من الفطور، قالت المضمدة، إشرب هذه الأكواب الثلاث الأخرى من المـاء، فقلت لهـا : هـاتِ لي مـاءً عـادياً، من غير ثلج، فجائتني بما طلبت، وقالت : أريـد أن تتـبوّل في هـذه " الموبلة البلاستيكية" وأن يصل مقدار البول الى نسبة ( 250) ملم وعلّـمت على الإشارة الموجودة في ظهر ذلك الإناء، وقالت : إذا لم تصل الى هـذا الحـد ، فسوف لا أسمح لك بالخروج ، وأعطتني مياهـاً أخرى " لتر من الماء" ، قلتُ حسنـاً سـأحاول، وكان جـاري " كيغـن " بنفس الحالة التي أنا فيها . قالت المضمدة : سـأذهب لتناول فطوري، وعـند العودة سوف أُجهـز أوراق الخروج ، شريطة أن تـبول وفق القياس الذي طلبته ، وغادرت الغرفة .
بـدأت بشرب تلك المياه، وأخذت أتحرّك داخل الغرفة ، جيئةً وذهـابا، بغية خلق حالة من الحركة داخل الجسم، لغرض حرق بعض الدهـون، وتحريك المثانـة ، لغرض التبوّل ، وفعلاً تبولت مرتين، داخل تلك " الموبلة" فوصل القياس المطلوب داخلها .
في التاسعة والنصف صباحاً، جاءت المضمدة، وأخبرتها بأني تبولت مرتين ، فذهبت وشاهـدت الموبلة، وأفرغت ما في داخلها في حوض التواليت، وجاءت الى سريري وقالت : دعني أفحص ضغط الدم ودرجة الحرارة، للمرة الأخيرة، فقامت بما يلزم ، وقالت " That is Ok " بالأمس كان ضغـطك مرتفعاً الى 160/ 77 ، والآن 130 / 77 ، ثم راحت تسجل ذلك في كمبيوترهـا داخل المَـمـر، ودونت كل الأشياء، ثم جائتني بمجموعة من الأوراق، وضعت توقيعي عليها، فأوضحت : أن هذه الأوراق، قسم الى الصيدلية الخاصة بك، والقسم الآخر توصلة الى " طبيب العائلة، وبقية الأوراق تبقى لديك، وأنت الآن تستطيع الخروج من المستشفى بكل حرية ، شكرتها، ونظرت الى الساعة فكانت العاشرة صباحاً، أتصلت بالصديق محمد عيسى، وأخبرته بأني سـأخرج من المستشفى، فأرجو أن تـأتي بسيارتك وتكون عند الباب في الحادية عشر صباحاً، قال : سوف آني بالوقت المحدد. إرتديت ملابسي المدنية، ولم ألبس البنطلون، بل لبست بدلة الرياضة " التراكسوت" كي لا أحدث أي احتكاك بين الملابس القوية والإحليل، خرجت عـند باب المستشفى ، في تمام العاشرة والنصف صباحاً، وكان الطقس رائقاً، حيث الأجواء صافية، ونسمة عليلة تهبُّ على وجوه الناس، جلست على الأريكة الموجدة عـند المخرج الرئيس، تحت ظلال شجرة عالية ، حتى وصل محمد عيسى، وأخذني بسيارتـه الى البيت .
* تلك كانت واحـدة من أصعب التجارب الحياتية التي واجهـتها، أتمنى للجميع الصجة الـدائمة .

د. خيرالله سعيد / كــــندا.
* * *


* راجع عـن هذا الجهاز وشكله ووظيفته، كرّاس " Transurethral Resection of the Prostate " p 11-12
* معلومة حديثة " وصلت قدرة الكلاب على الشم إلى مستويات كبيرة جدا، حتى أن كلبين من فصيلة "الراعي الألماني" استطاعا تشخيص سرطان البروستاتا لدى الإنسان بمعدل 98%، عبر شم عينات للبول للأشخاص المصابين بحسب دراسة إيطالية أجراها باحثون في جراحة المسالك البولية. المصدر: الجزيرة الوثائقية.



#خيرالله_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عريان السيد خلف : الشاعرية المكتملة في الشعر الشعبي العراقي ...
- أناشيد للبصرة
- الإصلاح يبدأ بالثقافة .
- رسالة الى الفنان نصير شمّة ( كلنا مع أهلنا )
- ماذا تُحدّثُ عن صنعاء يا أبتي
- نبض السنين الحلقة التاسعة والأخيرة
- نبض السنين - الحلقة الثامنة
- نبض السنين الحلقة السابعة
- نبض السنين الحلقة السادسة
- نبض السنين الحلقة الخامسة
- نبض السنين الحلقة الرابعة
- نبض السنين الحلقة الثالثة
- دراسة سياسية في كتاب آرا خاجادور( نبض السنين ) 2
- نبض السنين الحلقة الأولى - دراسة سياسية في كتاب آرا خاجادور( ...
- مشروع رؤية لتأسيس دار نشر جماعية
- تلويحة وداع أخيرة لشاكر السماوي
- لا مسرح في الإسلام .
- ال ما حَݘّم فات احݘامه
- الفولكلور العراقي – بين قوّة الحضور وسذاجة الإعلام
- دراسات في الموال العراقي


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله سعيد - شُكراً كندا -عندما تجاوزت عملية البروستاتا بنجاح -