أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمية عوض - ثورة حتى النصر فلسطين: أزمة وتفكك















المزيد.....



ثورة حتى النصر فلسطين: أزمة وتفكك


سمية عوض

الحوار المتمدن-العدد: 7003 - 2021 / 8 / 29 - 10:36
المحور: القضية الفلسطينية
    


سمية عوض وبراين بين

خاتمة كتاب: فلسطين- مقدمة اشتراكية، تحرير سمية عوض وبراين بين، هايماركت، ٢٠٢٠

حاولت هذه المجموعة من الأوراق التعريف بفلسطين والنضال الفلسطيني من منظور ١٢ مفكراً/ة ومناضلاً/ة. نقدم لمحة عامة عن بعض هذه الأسئلة الرئيسية من الحركة بدلاً من انتاج دليل شامل لفلسطين أو للفكر الاشتراكي الفلسطيني. نطرح ههنا فكرة تعتبر أن الأفكار الاشتراكية هي الأساس الذي يجب اعتماده في تشكيل مستقبل الحركة الفلسطينية في كل من الولايات المتحدة وفي فلسطين والمنطقة بشكل عام.

في الختام، نقدم ملخصاً لبعض وجهات النظر الأساسية التي شكلت التوجه العام للكتاب. تتعلق هذه المقاربات بثلاثة مجالات أساسية: الوضع على الأرض في فلسطين، السياق السياسي في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، وحالة الحركة في الولايات المتحدة. أخيراً نختم الورقة برؤية بديلة للمستقبل.

فلسطين: أزمة وتفكك

بالنسبة إلى الفلسطينيين، وصلت الحياة تحت الاحتلال إلى نقطة الانهيار، تماماً كما حصل عشرات المرات من قبل. عند التنقل في شوارع القدس أو الخليل أو مدينة غزة اليوم، يشعر الإنسان بالنضال المستمر والطعم المر للقمع. يهدف المشروع الاستيطاني الصهيوني إلى تفتيت وعزل وطرد الفلسطينيين. في مواجهة قمع الاحتلال الشديد الذي تمارسه قوات الاحتلال وشرطة السلطة الفلسطينية، أعلن شباب مخيم بلاطة مؤخراً: “نحن نكره كل السياسيين وكلماتهم الفارغة. قادتنا ضعفاء. نحن نعلم أننا لن نعود [إلى أراضينا الأصلية] المشروع الوطني قد مات. ما بقي لنا هو الاستمرار على قيد الحياة”. (١)

يتعرض الفلسطينيون إلى تهديد بطرد جماعي إضافي لهم. في السنوات الثلاث الماضية. اتخذ الاحتلال خطوات دراماتيكية لزيادة ترسيخ نظام الفصل العنصري. يجرد قانون الدولة القومية الذي أقر عام ٢٠١٨ الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير ويقلل من جميع جوانب الهوية الفلسطينية- من اللغة العربية إلى حق الفلسطينيين في سرد تاريخهم. يؤشر ترحيل ناشطي حقوق الإنسان والصحفيين ومنع عضوات الكونغرس الأميركي والمراقبين من دخول البلاد إلى حقيقة أن الاحتلال لا يحاول حتى إخفاء برنامجه العنصري وراء أوهام الديمقراطية.

كما تخلت حكومة الولايات المتحدة، كذلك، عن زيف الحياد، في وقت بات فيه التيار المهيمن أكثر تشكيكاً إن لم يكن غير واثق تماماً من الاحتلال، فقد تبنت الحكومة بحماس تصرفات الاحتلال الاستبدادية المتزايدة. فقرار ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن كان آخر مسمار يدق في نعش ما يسمى بعملية السلام. في فلسطين، أوقفت إدارة ترامب المساعدات إلى السلطة الفلسطينية، وأوقفت دعم المستشفيات المحلية، وكذلك الأمر بالنسبة للأنروا، وزادت من الكارثة الإنسانية في غزة. كما إن الجهود الأميركية الأخيرة الرامية إلى تجريد أبناء المطرودين من فلسطين خلال النكبة من وضعهم كلاجئين هي اعتداء مباشر ضد حقهم بالعودة. في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٩، اعترف البيت الأبيض برئاسة ترامب رسميا بالمستوطنات الصهيونية غير الشرعية في الضفة الغربية، الأمر الذي حول الدعم الأميركي الطويل الأمد للتوسع الاستيطاني إلى سياسة دولة صفيقة.

على الرغم من أن ترامب قد كرس عداء جديداً تجاه الفلسطينيين، إلا أن أفعاله لم تكن لتتحقق لولا السياسات التي أرستها إدارة أوباما. خلال ثماني سنوات من حكم أوباما، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب الاحتلال في تنفيذ ٣ عدوانات على غزة فضلا عن زيادة التمويل الأميركي للجيش الصهيوني. لقد مكن هذا الإرث من الدعم الأميركي الكبير للاحتلال من متابعة سياسته التوسعية بشكل أكثر عدوانية وخلق مساحة لنتنياهو والأحزاب السياسية الصهيونية لإعادة مسألة ضم الضفة الغربية إلى الواجهة. إن مسار مناهضة السيادة الفلسطينية، والذي تطور خلال عقود مديدة من الزمن وانتقل إلى مستويات متطرفة في عهد ترامب، بات متجذرا في السياسة الخارجية الأميركية ولا يمكن التراجع عنه بسهولة.(٢)

في هذا السياق، أصبح الوضع الذي يواجهه الفلسطينيون على الأرض أكثر خطورة. ينشر المستوطنون الفوضى في البلدات الفلسطينية بشكل أسبوعي، حيث يدمرون المنازل والمدارس، ويحرقون مساحات واسعة من بساتين الزيتون. عام ٢٠١٨، تضاعفت جرائم الكراهية المصرح عنها والتي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة ثلاث مرات مقارنة بالعام الماضي. بين عامي ٢٠١٦ و٢٠١٩، وافق الاحتلال على بناء أكثر من ٣٠ ألف منزل استيطاني على أراضٍ فلسطينية. وطوال الوقت، فقد مئات الفلسطينيين منازلهم بسبب عمليات الهدم والإخلاء القسري التي يشنها الاحتلال.

في القدس، يحرم الفلسطينيون من حقهم بالتصويت وحقهم في شراء العقارات. يعيش الفلسطينيون في المدينة مهمشين ويتعرضون للتمييز عند كل منعطف. في شرقي القدس، يشكل الفلسطينيون ٤٠ بالمئة من مجمل السكان وقد حشروا في ٨ بالمئة من مساحة المدينة. يجري هدم المنزل في القدس على قدم وساق؛ وتجرف بقية الضواحي في مسار من التطهير العرقي المهندس من أجل نزع الهوية الفلسطينية عن المدينة-الرمز.(٣) كما تلقى كل القرى في النقب المصير نفسه. لم يكن كل ذلك ممكناً من دون المساعدة العسكرية الأميركية التي بلغت ٣،٣ مليار دولار عام ٢٠١٩ [في النص الأصلي ١٣٨،٥ مليار دولار في حين بلغت مجمل المساعدة الأميركية للاحتلال بين عامي ١٩٤٦ و٢٠١٩ حوالي ٢٤٣ مليار دولار، وذلك بحسب أرقام الوكالة الأميركية للتنمية الدولية- الملاحظة من المترجم].

في الضفة الغربية، يتعرض الفلسطينيون لاحتلال اقتصادي يفرضه الاحتلال. يجبر الفلسطينيون على دفع الضرائب للاحتلال بحيث تستعمل تلك الأموال المجباة في قمعهم. منذ عام ١٩٩٧، رفض الاحتلال دفع أربع سنوات من عائدات الضرائب في الضفة الغربية، التي تشكل مصدراً لأجور موظفي القطاع العام الفلسطينيين الذين يشكلون ٢٠ بالمئة من مجمل العمال. ويتحكم الاحتلال بكل الصادرات والواردات، مانعاً السلطة الفلسطينية من إمكانية وضع سياسية ضرائبية. بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠١٧، خسر الاقتصاد الفلسطيني ما قيمته ٤٨ مليار دولار نتيجة الاحتلال. هذه الإجراءات إلى جانب المراقبة الكاملة تقريبا للحركة الفلسطينية في أغلب مناطق الضفة الغربية المحتلة أودى ب ٥٦ بالمئة من السكان تحت خط الفقر و١٥ بالمئة من دون عمل.(٤) سبّب الاحتلال تجزئة الفلسطينيين إلى مجتمعات تتوزع بين الضفة الغربية وغزة وداخل الأراضي المحتلة عام ٤٨.

تحملت غزة العبء الأكبر من هذا العزل. حيث تحول القطاع إلى سجن مفتوح يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين براً وبحراً وجواً لأكثر من ١٠ سنوات. تحاصر القطاع المدفعية الثقيلة والألغام والدبابات الصهيونية. يحد القطاع من الغرب البحر المتوسط حيث تنتشر البوارج الحربية الصهيونية فارضة حصاراً يمنع وصول الفلسطينيين إلى البحر سواء بهدف التجارة أو السفر. عانى قطاع غزة من اعتداءات صهيونية من البر والجو بشكل متكرر منذ عام ٢٠٠٥. بعد بضعة أشهر على إعادة توطين المستوطنين من غزة في الضفة الغربية المحتلة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام ٤٨، بدأت عملية المطر الأول باستهداف القطاع بوابل من الصواريخ. استمرت الاعتداءات العسكرية الصهيونية على قطاع غزة خلال العقد التالي، كل عدوان أشرس من الذي سبقه. خلال العدوان عام ٢٠١٤ الذي استمر طيلة ٥١ يوماً، استشهد أكثر من ألفي فلسطيني، ٤٩٥ منهم من الأطفال. الاعتداءات المتكررة على القطاع، إلى جانب الحصار المستمر، دمرت البنية التحتية للمنطقة واقتصادها. يفتقر السكان المحليون إلى الموارد اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية كما تمنعهم السلطات الصهيونية والمصرية من الدخول والخروج. وقليلا ما تمنح أذونات الحصول على العلاج الطبي، وعدد حالات الأطفال الذين يغادرون القطاع، دون والد أو مرافق، لإجراء عمليات طبية تهدد حياتهم، ليس قليلاً. تبلغ نسبة البطالة ٤٠ بالمئة فتثقل كاهل السكان الذين هم بغالبيتهم من الشباب، إذ تبلغ نسبة من هم دون الـ ٢٥ سنة في غزة ٥٠ بالمئة. تبلغ نسبة المصابين باضطرابات اللاحقة للصدمة ٧٠ بالمئة بين الشباب، وفقاً لبعض الدراسات.(٥)

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الصعاب، فقد بذل الفلسطينيون الكثير من الجهود- في غزة أو الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام ٤٨ وصولاً إلى لبنان- للخروج من حالة الشرذمة. في غزة، أعادت مسيرات العودة الكبرى في غزة بين عامي ٢٠١٨ ٢٠١٩ المطالب الفلسطينية بالعدالة والوحدة إلى الضوء على الساحة الدولية. كانت مسيرات العودة التي استمرت طوال عامين تقريبا مستوحاة بشكل جزئي من الانتفاضات في المنطقة التي انطلقت عام ٢٠١١.(٦) شجاعة ومتانة الموجة الأولى من مسيرات العودة تميزت بشكل أساسي عن السنوات السابقة التي كانت تسيرها أوامر فوقية من الفصائل الفلسطينية. إنما تميزت في السنوات الأخيرة بأنها قاعدية تذكر بحالات سابقة من نضالات فلسطينية سابقة (مثل الثورة الكبرى ١٩٣٦ ١٩٣٩، والانتفاضتين الأولى والثانية). بعدها بفترة قليلة، كشف الإضراب العام للعمال الفلسطيني في شهر تموز/يوليو عن المكانة التي أزاح إليها النظام اللبناني اللاجئين الفلسطينيين.(٧) عام ٢٠١٩، أطلقت الفلسطينيات حركة طالعات(٨)، التي توسع نضالها ليشمل مجمل فلسطين إضافة إلى الدول المجاورة، وقد ربطت الحركة بين النضالات ضد الاستعمار والنظام الأبوي. في هذا النضال وغيره من النضالات الكثيرة، والتي غالباً ما كانت مطموسة، قدّم الفلسطينيون مساهمة هائلة في مقاومة الظروف الاجتماعية السيئة والتي تؤثر على فلسطين والمنطقة بمجملها.

السياق الإقليمي: مقاربات اشتراكية

لطالما ارتبطت التطورات في فلسطين بالشرق الأوسط وشمالي أفريقيا بشكل عام. وجاء تسارع الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينية بالتزامن مع تعزيز علاقات الاحتلال والأنظمة العربية، ولا سيما دول الخليج. باتت النخب العربية تسعى إلى إرساء النظام بعد عقد من الثورات الشعبية، وفي الوقت عينه تنظر إلى الاحتلال كشريك استراتيجي.

يمثل مشهد الحروب الأهلية والصراعات الطائفية وتوسع العلاقات الأمنية مع الاحتلال تناقضاً كبيراً مع حقبة سابقة من القومية العربية والآمال بتحقيق الوحدة. تاريخياً، كانت المشاعر القومية العربية موازنة لإرث الاستعمار والهيمنة الأجنبية. قاومت القومية العربية انقسامات الدول المصطنعة التي فرضها الاستعمار الأوروبي وعززتها الدول الإمبريالية بعد الاستعمار. في السنوات التي تلت النكبة، لجأ الفلسطينيون إلى الجامعة العربية كحليف.(٩) عام ١٩٦٧، واستجابة للضغوطات الشعبية، اتفقت جامعة الدول العربية على موقف رافض للاحتلال، حيث رفضت الاعتراف أو التفاوض أو السلام لكيان يحتل فلسطين.

هذا الموقف- الذي لا زال يكرره بعض قادة هذه الدول- استخدم لاحقاً كدليل على التزامهم بالقضية الفلسطينية، على الرغم من إرث كبير من الخيانات المتكررة. قبل تمتين العلاقات الحالية، لطالما كانت الحكومات العربية منتفحة على التعاون مع الاحتلال، على الرغم من المعارضة الخطابية له. ولطالما انتقدت المنظمات الفلسطينية القادة العرب على ذلك. على الرغم من التناقضات، كما أوضحت ورقة مصطفى عمر في هذا الكتاب، عبّر جزء من اليسار الفلسطيني بالكلام- في حين لم يكن دائماً بالفعل- عن نقده للطبقات الحاكمة العربية والدعوة إلى التوجه نحو شعوب المنطقة. حتى فتح، التي تعد من أبرز المتعاونين مع الاحتلال، ميزت نفسها في البداية بموقف “رافض السماح [للحكومات العربية] عبر خمولها وديبلوماسيتها وانهزاميتها بتمثيل [الفلسطينيين]”.(١٠)

في وقت كانت أجزاء أخرى من اليسار الفلسطيني أكثر اتساقاً في تصوير الطبقات الشعبية في العالم العربي على أنها الحليفة الرئيسية للفلسطينيين، بدلا من الطغاة والملوك والجنرالات الذين يحكمونها. إن شعار “طريق القدس يبدأ في القاهرة ودمشق وعمان” الذي غالباً ما ينسب إلى الماركسي الفلسطيني جورج حبش، يعتبر أن النضال الشعبي والثورات في المنطقة هي الشرط الأساسي لتحقيق النصر في فلسطين، عام ١٩٦٩، كتب الاشتراكيان الثوريان جبرا نقولا وموشي ماكوفر:

​​”يخوض الشعب الفلسطيني معركة يواجه فيها الصهيونية التي تدعمها الامبريالية، من الخلف تتهددهم الأنظمة العربية والرجعية العربية المدعومة أيضا من الامبريالية. وطالما للامبريالية مصلحة حقيقية في الشرق الأوسط، فمن غير المرجح أن تسحب دعمها للصهيونية، حليفتها الطبيعية، وأن تسمح بإسقاطها، كما ستدافع عن آخر قطرة نفط عربي في الوقت عينه. من جهة أخرى، لا يمكن تدمير المصالح والهيمنة الامبريالية في المنطقة من دون الإطاحة بالشركاء الصغار للاستغلال الامبريالي الذين يشكلون الطبقات الحاكمة في العالم العربي.”(١١)

استمد نقولا من نظرية الثورة الدائمة لليون تروتسكي، حيث أوضح فيها الحاجة إلى نضالات للتحرر الوطني لمواجهة الطبقات الرأسمالية المحلية أيضاً.(١٢) المنظمات القومية في المنطقة دافعت عن جبهة مناهضة للامبريالية، ولكنها أخضعت مصالح الطبقة العاملة المستقلة للمشروع الوطني.

تأكد من جديد ضرورة مواجهة النخب المحلية من خلال المسار التاريخي للسنوات الثلاثين اللاحقة. بدلا من القطع مع الامبريالية، أدت القومية العربية للأسف، أو بكل بساطة لم تكن قادرة على مقاومة، إلى ظهور طبقة رأسمالية محلية قوية بحيث بسطت نفوذها في جميع أنحاء المنطقة. وقد ساعد هذا التحول استراتيجية النيوليبرالية التي جمعت الدول العربية المتعددة مع الاحتلال في “منطقة اقتصادية واحدة تحت هيمنة القوة الاقتصادية الأميركية.”(١٣) وقد أدى ذلك إلى خلق بيئة تربط مادياً بين الدول العربية والاحتلال، وبالتالي، استثمارات مصالح الرأسماليين الوطنيين مع مصالح الاحتلال الاستيطاني-الاستعماري. من العلاقات التجارية والتعاون الأمني بين مصر والاحتلال إلى العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج بقيادة السعودية البالغة قيمتها ٢٥ مليار دولار، أصبحت الأمثلة المتعددة على تطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الاحتلال علنية وبكل وقاحة.(١٤)

لذلك أتى الدعم لفلسطين من حلفائها القاعديين في المنطقة، أو ما يسمى بالشارع العربي ومن الطبقة العاملة الإقليمية- على الرغم من سياسات حكامهم- لا تزال هذه الفئات تعتبر وعن حق الاحتلال ملاذاً للامبريالية الأجنبية والقوى الدولية التي جعلت حياتهم يائسة بينما تفيض خزائن أغنيائها بالأموال. قدمت الانتفاضات في المنطقة لمحة عن نوع النضال الذي يخوضه ملايين العرب العاديين ضد حكوماتهم. وساهمت التحركات الشعبية الجماهيرية الملهمة خلال الانتفاضات بزعزعة الوضع السائد في فلسطين أكثر بكثير مما فعلته السنوات الطويلة من القمم والمفاوضات مع زعماء الاحتلال. على سبيل المثال، أوشك العصيان المدني والإضرابات العمالية في مصر من فتح معبر رفح إلى قطاع غزة. في كل أنحاء المنطقة، عبرت الجماهير المنتفضة عن دعمها للقضية الوطنية الفلسطينية حيث رفعت الأعلام الفلسطينية في ساحات الانتفاضة بالقاهرة وتونس ودمشق. لقد أصبح “النضال الجماهيري الثوري في كل دولة ضد الطبقة الحاكمة المرتبطة، بشكل أو بآخر، بالمصالح الامبريالية” الذي رغب وحلم به اليساريون الفلسطينيون في العقود الماضية حقيقة.(١٥)

كانت ردة فعل النخب المحلية على الانتفاضات في المنطقة وحشياً ومتشدداً. يمكن تلمس تلك الوحشية من خلال العبارة المشؤومة لشبيحة بشار الأسد: “الأسد أو نحرق البلد”. أدت ردة الفعل العنيفة والحروب الأهلية التالية إلى تدمير مئات المدن والبلدات في كل من سوريا واليمن وليبيا، بينما غرقت تحت حكم استبدادي جديد يمارس قمعاً شديداً ضد أكبر عدد من السكان. وعلى الرغم من ذلك، استمرت النضالات الشعبية. تماماً كما بدا أن الأمل قد تلاشى، اندلعت انتفاضات جماهيرية في الجزائر والسودان حيث أطاحت بحكام ديكتاتوريين وأعادت التأكيد على مطالب الشعوب الحالمة بالعدالة والديمقراطية. يؤكد استمرار هذه الموجة الثورية على ضرورة استمرار مؤيدي فلسطين بربط جهودهم مع التحول الإقليمي الأوسع.

تنامي الحركة الفلسطينية في الولايات المتحدة

في الولايات المتحدة، تتزايد الهجمات الرامية إلى إسكات وتهميش الحركة الفلسطينية من خلال إصدار قوانين ورفع دعاوى قضائية جديدة كل سنة. يجب فهم هذا التصعيد ضمن سياق التغيير الهائل في مزاج الرأي العام الذي شهدناه آخر ٥ سنوات. إن قوة الحركة على الأرض وموجة النضال تعني أن فلسطين ينظر إليها أكثر فأكثر على أنها من مكونات الحركة الأوسع المناهضة للرأسمالية وللتمييز الجندري والهجرة وتغير المناخ والرعاية الصحية وجوانب أخرى من العدالة الاجتماعية. ونتيجة لكل ذلك، تطورت قضية فلسطين بحسب ما وصف عمر برغوثي في ورقته المنشورة في هذا الكتاب بأنها باتت “جزءاً لا يتجزأ من جدول أعمال التقدميين في العالم”.

كما احتلت فلسطين مكانة بارزة في بعض أهم الانتصارات الانتخابية عام ٢٠١٨، حين برزت رشيدة طليب وإلهان عمر وألكسندريا أوكاسيو كورتيز كثلاثة أصوات راديكالية جديدة في الكونغرس الأميركي. كما تحدت ثلاثتهن الوضع الراهن في فلسطين من اليوم الأول- تبنت طليب بالكامل جذورها الفلسطينية وواجهت عمر بكل شجاعة الإهانات المأساوية والقاتلة للامبريالية الأميركية. وعَكَس انتصارهن انفتاحاً راديكالياً في السياسة الأميركية على حركة التحرير الفلسطينية.

عام ٢٠١٩، ناقش أعضاء الكونغرس بشكل علني ما إذا كان المدافعون يستحقون التعديل الدستوري الأول أي حماية حرية التعبير. كل هذا يدل إلى مدى نمو أهمية فلسطين بالنسبة إلى اليسار التقدمي. في الحقيقة، إن استراتيجية الاحتلال المتجسدة في مساواة معادة السامية بمناهضة الصهيونية تفقد بريقها ببطء حيث يتضح للمزيد من المناضلين اليهود أن الاحتلال لا يمثلهم. في الواقع، ينحاز الاحتلال بشكل دائم إلى شخصيات ومجموعات يمينية متطرفة، وهم الذين يروجون ويحرضون على معاداة السامية.

دفاع عمر وطليب وأوكاسيو كورتيز المستمر عن حقوق الفلسطينيين ودفاعهن عن حركة المقاطعة أدخل إلى دائرة الضوء التحول العميق في الرأي العام تجاه الاحتلال. كان الدافع وراء ذلك نجاح سنوات من التعبئة الفلسطينية على المستوى الشعبي- من خلال حملات المقاطعة ضمن الجامعات والكنائس والبلديات وصولا إلى مسيرات العودة الكبرى في غزة. عام ٢٠١٨، باتت رشيدة طليب وإلهان عمر أول نائبتين تؤيدان حركة المقاطعة، وذلك في مواجهة عقود دعم الحزب الديمقراطي للاحتلال. إضافة إلى ذلك، طرح السناتور بيرني ساندرز بعضا من أكثر وجهات النظر التقدمية والصدامية حول فلسطين في مجلس الشيوخ الأميركي المحافظ، على سبيل المثال، إصدار فيديو لشهادات من غزة خلال مسيرات العودة الكبرى، في وقت كانت المسيرة توصف بكونها عملية “إرهابية”.(١٦) عكست استطلاعات الرأي تعاطفاً متزايداً مع معاناة الفلسطينيين، وخاصة بين الفئات الشبابية، التي شهدت تحول الاحتلال العلني ومن دون أي خجل إلى اليمين جنباً إلى جنب صعود دونالد ترامب وعودة النازيين الجدد ومنظمات التفوق الأبيض إلى المجال العام. في الواقع، ينعكس تأثير هذا التحول داخل التيار السائد عبر نمو مجموعات مثل مجموعة الأغلبية الديمقراطية من أجل “إسرائيل”، والتي تتجسد مهمتها في تعزيز دعم الحزب الديمقراطي للاحتلال وضمان استمراره دون قيد أو شرط. هذا ليس إلا مؤشرا واحدا على أن الديمقراطيين التقدميين سيتسمرون في مواجهة عقبات وتناقضات داخل الحزب الديمقراطي.

في هذا السياق، أطلقت مجموعة من الفلسطينيين في الولايات المتحدة، بقيادة مشروع عدالة والحملة الأميركية لحقوق الفلسطينيين منصة الحرية هي مستقبلنا.(١٧) فاستوحت من المطالب التي رفعتها الحركة من أجل حياة السود وبالتعاون مع مناضلين قاعديين في فلسطين، طالبت هذه المنصة بإنهاء كل تمويل للاحتلال كما طرحت رؤيتها للتحرير في فلسطين والولايات المتحدة. نقرأ في بيانهم: “لقد مر وقت طويل على التخلص من الاضطهاد في مجتمعاتنا. في الولايات المتحدة، يجب أن نستثمر في الرعاية الصحية للجميع، والوصول المتكافئ إلى التعليم، وتأمين بيئة صحية لضمان مستقبل يستحق النضال من أجله، بدلاً من استخدام الدولارات الآتية من ضرائبنا بهدف إلحاق الأذى بالمجتمعات في مختلف أنحاء العالم”.(١٨) تعكس هذه المقاربة تنامي اليسار الأميركي الذي يضع مسألة ضرورة مواجهة آلة الحرب الأميركية ضمن مشروع أوسع يهدف إلى تأمين العدالة الاجتماعية.

في وقت يمكن اعتبار التنامي مهما وملهما، فإن الحركة اليسارية والمناهضة للامبريالية في الولايات المتحدة لا تزال بعيدة عن المكان الذي يجب أن تكون فيه حتى تتحدى بنجاح الامبريالية الأميركية. مع وصول الحركة إلى مرحلة جديدة، يقوم المناضلون في جميع أنحاء البلاد بوضع استراتيجيات حول كيفية تطوير منظمات أمتن للوصول إلى الجمهور الأوسع.

كاشتراكيين، نعتقد أن مجال السياسة العمالية والنقابية ينبغي أن يكون في صلب استراتيجيتنا المقبلة. فتوسع النضال الفلسطيني داخل الحركة العمالية الأميركية سيكون أمراً حاسماً للحركة الفلسطينية. على الصعيد الدولي، في بلدان مثل جنوب أفريقيا وتونس والنروج وماليزيا وإيرلندا حشدت النقابات العمالية الجماهير لدعم فلسطين واستفادت من الحركة العمالية المنظمة للفت الانتباه إلى انتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان. كما شهدت الولايات المتحدة لحظات معبرة من التضامن العمالي مع فلسطين، كما حصل عندما تجمع عمال مرفأ منطقة الخليج خلف حركة أوقفوا السفينة، حيث رفضوا تفريغ سفينة شحن للاحتلال خلال العدوان على غزة عام ٢٠١٤. ومع ذلك، فإن تأثير النضال الفلسطيني داخل الطبقة العاملة الأميركية ما زال أضعف مقارنة مع الحركات العمالية في دول أخرى، والحالات الشبيهة بحركة أوقفوا السفينة ما زالت قليلة ومتباعدة. هذا يدل على الاتجاهات السياسية العامة في البلاد، وكذلك ضعف الحركة العمالية الأميركية إثر ثلاثة عقود من هجوم النيوليبرالية، الأمر الذي أدى إلى تراجع العمل النقابي والإضرابات إلى أدنى المستويات.

في هذا السياق من الهزائم والركود، أظهر المعلمون القاعديون كيف يمكن أن تكون الحركة العمالية جذرية. عام ٢٠١٨، انتشرت موجة من إضرابات المعلمين بقيادة المعلمين القاعديين عبر ١١ ولاية، من فرجينيا الغربية وكنتاكي وصولا إلى أريزونا وكاليفورنيا. نظمت هذه الإضرابات قاعدياً، وتعرض المعلمون لمخاطر جمة، من بينها الإضراب دون حماية قانونية، من أجل النضال لمدارس تستحقها مجتمعاتهم. كما أضرب عمال الفنادق والممرضات في نفس العام، وبحلول منتصف عام ٢٠١٨، فاق عدد العمال المضربين أي إضراب حصل منذ عام ١٩٨٦. ضمن سياق الحركة الفلسطينية، تكشف هذه التطورات، عن الإمكانيات الكامنة داخل الطبقة العاملة لتغيير الخطاب السياسي ووضع المطالب التقدمية والجذرية على جدول الأعمال. فإذا استطعنا الربط بين النضالات العمالية هنا والمقاومة في فلسطين- من تبذير أموال دافعي الضرائب الأميركيين التي تمول الاحتلال، إلى تدمير الأخير للمدارس في فلسطين من خلال التقشف والقصف- يمكننا زيادة الدعم لفلسطين بشكل يساعد على تحويل ميزان القوى لصالحنا.

من أجل البناء على هذه الصلات، على المناضلين الفلسطينيين أن ينظروا إلى القوة الموجودة أصلاً للحركة في الجامعات. على مدى عشرين عاماً، كانت حركة المقاطعة الأقوى في الجامعات واستخدمتها كقاعدة لنشاطها ومن ثم وجدت طريقها إلى دائرة الضوء على مستوى البلد ككل. استراتيجياً، على المناضلين الفلسطينيين في الجامعات بناء التضامن مع العاملين في التعليم، من ضمنهم طلاب الدراسات العليا والمدرّسين والموظفين والطلاب. من خلال توسيع دائرة تحالفاتنا في الجامعات، يمكننا المساعدة على إقامة روابط مع العمال المنظمين خارج أسوار الجامعات.

الاعتبار الاستراتيجي الثاني هو إعطاء الأولوية لبناء تحالفات مع العمال المشاركين بشكل مباشر أو غير مباشر في الصناعات العسكرية، كموظفي غوغل الذين نظموا احتجاجات ضد دعم شركتهم للامبريالية الأميركية. سيأخذ هذا النوع من التنظيم المناهض للامبريالية داخل الحركة العمالية أشكالاً متعددة، بدءا من ربط النضال من أجل رعاية صحية شاملة وتعليم أفضل مروراً برفض الميزانيات العسكرية المتزايدة، وصولا إلى الجهود المبذولة لمناهضة تقسيم العمال على أساس الجنسية أو الدين. في هذا السياق، يمكن لحركة المقاطعة أن تلعب دوراً في تقديم طريقة واضحة ومباشرة لتنظيم العمال لرفض عمل شركاتهم والمؤسسات الحكومية التي تعزز الامبريالية الأميركية.

كيفية المضي قدماً

في زمن انعدام اليقين، والثورات والثورات المضادة، والأمل واليأس، ما هو نوع المسار الذي يجب تحديده لتحقيق التحرير لفلسطين؟ نعتبر أن أي استراتيجية قابلة للتطبيق في فلسطين يجب أن تربط بين النضال الفلسطيني والنضال الأوسع ضد الرأسمالية والامبريالية. كاشتراكيين، قبل كل شيء، نحن أمميون. لهذا السبب ندعو إلى فتح الحدود، وتأمين الملجأ للجميع وإنهاء الامبريالية، التي في أساسها تمتن الرأسمالية وتدعمها من خلال خلق الانقسامات على أساس الجنسية والعرق والدين، النضال الأممي هو نضال يقوم على تحرر العمال والمضطهدين.

نرى أن هذا قد جرى التعبير عنه بقوة خلال الانتفاضة التي قادها السود والتي انتشرت في أرجاء البلاد خلال صيف العام ٢٠٢٠. حيث حركها التفاوت العنصري لتأثير جائحة الكوفيد-١٩، وقتل الشرطة لجورج فلويد في مينيابوليس وبريونا تايلور في لويسفيل، هذه الانتفاضة المتعددة الأعراق والمناهِضة للعنصرية هي خطوة تحولية إلى الأمام في حركة حياة السود مهمة. فالنضال تطور إلى ما بعد مواجهة وحشية الشرطة وصولا إلى المطالبة بوقف تمويل الأخيرة وحتى إلغائها في نهاية الأمر.(١٩) فتزايدت الحركة وصولا إلى شن انتفاضة شاملة ضد العنصرية الممؤسسة في الولايات المتحدة. في ظل جائحة عالمية، ظهرت انتفاضة “حياة السود مهمة” كأكبر حركة في تاريخ الولايات المتحدة حيث شارك فيها أكثر من ٢٦ مليون شخص.(٢٠) كالانتفاضات في المنطقة، تظهر هذه الحركة قوة وقدرة على الاحتجاج الشعبي القاعدي لتغيير السياسات بشكل جذري، فضلاً عن تغيير الوعي وتحقيق مكاسب.(٢١) وقد أدى ذلك إلى تحقيق اختراق في النضال ضد العنصرية الممؤسسة المتجذرة بشدة داخل الأسس الأميركية. فترددت أصداء الانتفاضة عالمياً من خلال مظاهرات تضامنية ضد العنصرية ورموز الاستعباد والاستعمار امتدت من كوريا الجنوبية وصولاً إلى فلسطين. من خلال رسم مسار التحرر الفلسطيني ضد الامبريالية الأميركية نرى هذه التطورات محددة لطبيعة طريق الانتفاضة الجماهيرية والنضال المشترك من أجل تغيير العالم.(٢٢)

الموقف الذي نتخذه حيال فلسطين عليه أن يكون ضد الامبريالية الأميركية ككل. يجب أن يكون هدفنا إعادة بناء حركة مناهضة للحرب والامبريالية على مستوى التحركات الجماهيرية التي واجهت الحرب على فيتنام والعراق. التنامي الحالي للحركة الاشتراكية الجديدة يمثل فرصة لتنظيم معارضة للامبريالية. يمكن للاشتراكيين المساعدة على بناء هذه المعارضة بوجه السياسة العسكرية المبذرة للأموال والمدمرة والتي تمتص الأموال العامة كل سنة، ويمكنهم فضح الروابط العديدة للأزمات التي تسببها المنافسة الشديدة بين القوى العظمى في الخارج وانعكاساتها على المجتمع في البلاد. نجاح الحركة الاشتراكية في الولايات المتحدة هو بشكل خاص مرتبط ببناء معارضة قوية للامبريالية، خاصة بما أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عسكرية في العالم.

طبيعة الاحتلال لا تنفصل عن طبيعة الاستعمار الامبريالي والاستيطاني. لذلك، فإن وجودها، كما يعتبر حاليا كدولة عرقية، لا يتوافق بطبيعته مع العدالة. يجب فهم نظام الفصل العنصري الذي ظهر في دولة الاحتلال في سياق الامبريالية والنظام الإقليمي الذي أنشأته. يتمتع قطاع التكنولوجيا العسكرية المتقدمة في دولة الاحتلال بأهمية قصوى للولايات المتحدة ولاستقرار النظام الذي تهيمن عليه النخبة الحاكمة ويشمل المنطقة. لا يمكن إصلاح هذا الارتباط العميق عبر التفاوض أو من خلال مؤتمرات “السلام” الدولية. لخلق بديل للوضع الراهن في فلسطين، نحتاج إلى قطيعة تتجاوز مع مفهوم رأسمالية الدولة، وخوض نضال ثوري ليس فقط داخل فلسطين المحتلة ولكن أيضا في كل شوارع العواصم العربية وكل أنحاء المنطقة وبواسطة العمال داخل الدول الامبريالية. ما يبدو صياغة مجردة يصبح أكثر وضوحاً بالنظر إلى حل الدولة الواحدة في فلسطين: حل الدولة الواحدة التي تحل مكان الاحتلال تكون ديمقراطية تقدم حقوقاً متساوية للجميع وتؤمن حق العودة لـ ٩،٦ مليون لاجئ طردوا من أراضيهم بفعل النكبة المستمرة.

كما لا يمكن تحمل اعتبار الاحتلال الصهيوني قضية معزولة، كذلك لا يمكننا تصور أن فلسطين هي قضية وطنية بكل بساطة. فكما حذر المناضل الثوري فرانتز فانون في سياق تحليله للحركة الجزائرية المناهضة للاستعمار: “التاريخ يعلمنا أن النضال ضد الاستعمار لا يكتب من خلال مقاربة قومية أوتوماتيكية”.(٢٣) ما نوع الدولة الفلسطينية التي يمكن تخيلها داخل شرق أوسط تهيمن عليه القوى الأجنبية ورأس المال العالمي والنخب الاستبدادية؟

على الرغم من أن الاحتمال قد يبدو أكثر صعوبة، فإن تحقيق التحرير بالنسبة إلى الفلسطينيين يتطلب تحولاً اجتماعياً أعمق بكثير بشكل يواجه الدول القمعية وداعميها الامبريالية، من النوع الذي أظهرته الانتفاضات في المنطقة أنه ممكن. من خلال النضال من أجل القضاء على الاستعمار الاستيطاني، يجب ألا تكون الاشتراكية الأممية مجرد خطاب، أو وسيلة تحليل، أو تحديد للفاعلين، إنما يجب أن تكتب على راية النضال وضمن برنامج الكفاح. لقد أظهرت لنا الحركة الشعبية الفلسطينية، بدءا من الانتفاضة الأولى وصولاً إلى مسيرات العودة الكبرى، إلى جانب الانتفاضات في المنطقة خلال العقد الماضي أن الطبقة العاملة مستعدة لوضع حياتها على المحك من أجل النضال لتحقيق ديمقراطية حقيقية، من أجل تحقيق حكم الشعب. يمكن لرؤيتنا للاشتراكية، حيث العمال يديرون المجتمع لصالحهم، أن تَبني على هذا المثال وأن تدلّ إلى مستقبل أفضل.

على هذه الأرض ما يستحق الحياة

الهوامش:

1. Erling Lorentzen Sogge, “The Youth of Balata: A Generation of Hopelessness,” Jadaliyyah, November 18, 2019.

2. Mouin Rabbani, “Geopolitical Politics and the Question of Palestine,” Jadaliyya, October 24, 2019.

3. Ahmad Melham, “Demolition of Palestinians’ Jerusalem Homes Surge,” Al-Monitor, December 2, 2019.

4. World Bank, “West Bank and Gaza Overview,” October 2019, https://www.worldbank.org/en/country/westbankandgaza/overview.

5. United Nations Conference on Trade and Development, “Report on UNCTAD Assistance to the Palestinian People: Developments in the Economy of the of the Occupied Palestinian Terrority,” July 22, 2019, https://unctad.org/meetings/en/SessionalDocuments/tdbex68d4_en.pdf.

6. Ahmed Abu Artema, “15–5-2011 موعد الزحف التاريخي تجاه فلسطين (إيلاف), February 25, 2011.

7. تجدر الإشارة إلى أن هذه التحركات، شملت أيضا لاجئين سوريين، لعبت دوراً في اندلاع الحركة الثورية التي انفجرت في لبنان خلال تشرين الأول/أكتوبر.

8. Halaa Marshoud & Riya Alsanah, “Tal’at: A Feminist Movement That Is Redefining Liberation and Reimagining Palestine,” Mondoweiss, February 25, 2020.

9. من المفيد ملاحظة أن إنشاء جامعة الدول العربية شجعه البريطانيون كصمام أمان مقابل التطلعات القومية العربية. See M. A. Aziz, “Origins of the Arab League,” Pakistan Horizon 8, no. 4 (December, 1955): 479–94.

10. افتتاحية مجلة فلسطيننا، العدد ٣٠، ١٥ نيسان/أبريل، ١٩٦٣. أسس المجلة عرفات وغيره من مؤسسي فتح في بيروت قبل تأسيس حركة فتح

11. Abu Sa’id [Jabra Nicola] & Moshe Machover, “The Struggle in Palestine Must Lead to Arab Revolution,” Black Dwarf 14, no. 19 (September 1969): 5.

12. See also: Abu Sa’id [Jabra Nicola], “Thesis on the Revolution in the Arab East,” discussion document of the Revolutionary Communist League, September 14, 1972.

13. Adam Hanieh, Lineages of Revolt (Chicago: Haymarket Books, 2013), 34.

14. Yitzhak Gal and Bader Rock, “Israel-Egyptian Trade: An In-depth Analysis,” Institute for Global Change, October 15, 2018 Abdel Fattah al-Sisi, interview, 60 Minutes, January 6, 2019.

15. الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، “الإرهاب والعنف الثوري،” الحرية، العدد ٥٠٤، ٢ آذار/مارس ١٩٧٠.

16. Senator Bernie Sanders, “Palestinians Describe Life in Gaza,” YouTube video, June 8, 2018.

17. US Campaign for Palestinian Rights & Adalah Justice Project, “Palestinans in the US Declare that Freedom Is the Future,” https://www.freedomfuture.org/demands.

18. US Campaign for Palestinian Rights & Adalah Justice Project, “Palestinans.”

19. Keeanga-Yamahtta Taylor, “The Black Plague,” The New Yorker, April 16, 2020 Mariame Kaba, “Yes, We Mean Literally Abolish the Police,” New York Times, June 12, 2020.

20. Larry Buchanan, Quoctrang Bui, and Jugal K Patrel, “Black Lives Matter May Be the Largest Movement in US History,” New York Times, July 3, 2020.

21. brian bean & Sean Larson, “Rebellions Get Results: A List So Far,” Rampant Magazine, June 30, 2020.

22. Amna A. Akbar, “How the Left Is Remaking the World,” New York Times, July 11 2020.

23. Frantz Fanon, The Wretched of the Earth (New York: Grove Press, 2004), 97.



#سمية_عوض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة حتى النصر فلسطين: أزمة وتفكك


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سمية عوض - ثورة حتى النصر فلسطين: أزمة وتفكك