أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه















المزيد.....

الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 485 - 2003 / 5 / 12 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


 

ليحيى الشيخ.

1

رأيته تحت نخلة ميتة الظلال،

وحيدا،

ممزق الفؤاد،

ضائع المجد والجلال،

هززته فما أفاق،

مسحت عن عيونه الجريحة ظلمة الفراق، وصحت:

عراق، عراق، هل نسيتني يا عراق!

2

آخر الاعراب أنا،

اسم يبحث عن جسد،

وغيمة من غبار،

آخر الاعراب أنا،

قمر من رمل، وحريق تائه في القفار.

فككت خط حمير،

أبحرت في أوردة المسند،

درت في التواءة أسطره،

التويت على نفسي مثل أفعى،

مددت رأسي نحو رأسي وعضضته، فعضضني.

مات، فمتّ،

آخر الأعراب أنا.

3

وطن اسفنجي،

يضغطون عليه بأقدامهم فينخسف مثل قبر،

يرفعون أحذيتهم فينهض مشتعلا كالبراكين،

وبين وقفة وإنخسافة،

يسيل دم زجاجي من أوردتي،

ذاهبا الى مجاري النسيان،

فلماذا إذاً لا تحزن القبرات؟

ولماذا لا تهيم على وجهها الريح في الطرقات؟

4

الرياح تقيم صلواتها على روح الأعشاب اليابسة،

والمطر يعود غاضبا من الأرض الى السماء،

والجبال تتكور، ثم تنفتح مثل دمامل،

يسيح منها دم كبريتي اللون والمذاق،

وعند الزقاق،

تسرق قطة جائعة كسرة خبز مشبعة باليورانيوم المخصب،

والكلب الغافي يهز ذيله،

كلما مرت قربه ذبابة تائهة،

والمرأة التي ظلت تحبل منذ ألف ألف عام،

حملت هذا العام أيضا بطفل بلا جسد،

أتدري لماذا أخذت النخيل تنبت على رؤوسها؟

ولماذا تمد جذورها مثل لحى شمطاء نحو السماء؟

وكيف استحالت آبار الدم الى خزانات للنفط؟

5

الشمس التي تستوطن المدافن،

تبحث عن المارة في الطرقات،

مزق من السناء تعابث الريح،

فتهوي متكسرة مثل شظايا زجاج،

ثم تتدحرج على رصيف بلا مشاة.

أين ذهب البشر؟

أين الأحباء الذين كانوا يملأون هذه البقاع؟

لماذا لا تجيبين؟ أأنت ميتة مثلهم؟

أم أنك تتظاهرين بالموت، كيلا تهرب منك أوهام الحياة؟

6

ناديت على طفولتي المختبئة في أحراج الخريف،

ناديت وكررت النداء مستعطفا،

فالتفت اليّ وجه صغير،

وجه بعينين داكنتين مثل سحابة حزن شيعي،

ابتسم لي، وأشار أن أتبعه، نحو وطن المرايا السود،

نحو وطن مجلل بثياب الموت،

مجلل بأقدار مكتوبة على طين مخلوط بالقش،

مجلل بحكايات رسمتها ريشة الغبار.

عبرنا فراغا مدبب الذرات،

فالتفت الطفل اليّ ثانية وابتسم،

مشيرا الى السماء. وقال:

هنا يسكن الله،

كان بيتا من بخار،

نوافذه تشبه الغمام، وسقوفه زرقاء كالبحار،

سفن تائهة تمخر فيها،

محملة بالأشواك والحنين،

مبحرة صوب أعوامي القادمة.

7

حينما ماتت طفولتي البريئة،

حملتُها على كتفي،

ورحت أدور بها في البراري،

حملتها، كما تحمل الملائكة روح الله،

حملتها حتى نما الدود في لحمها،

وأغرقتُ رائحتها شذا الأزهار بالعفونة،

ماذا أفعل بطفولة ميتة؟

ماذا أفعل بطفولة ميتة وأنا على أعتاب الجنون؟

حفرتُ حفرة عميقة في جسدي،

وطمرتُ فيها عصفورة الطفولة،

أهلتُ عليها تراب النسيان،

وقلق السنين،

أهلت عليها مخاوفي ووساوسي وأحلامي العمياء،

وقبل أن أودع قبرها الندي،

ركعتُ وصليتُ مبتهلا الى الله،

متضرعا أن يدفنني الى جوارها عند موتي.

8

أنا لا أخشى الموت ولا أخشى الحياة،

ولكنني أخشى، جل ما أخشاه،

أن تسافر الفصول وتتركني وحيدا،

تتركني عاريا في صقيع الشيخوخة،

عاجزا، أجمع نتف الثلج التي تتساقط من حولي،

أصنع منها سبحة للذكرى،

 

وتربة للصلاة على اله مشغول عني بطقوس العبادة.

ترفقي بي!

لا تتركيني وحيدا، فأنا ابن أول الخطأة،

ابن الذي سجد لك حينما أبت الشياطين.

9

الآثار التي خلفتها العاصفة،

مسحتها يد الصمت.

والصمت الذي خلفته العاصفة،

ابتلعه النسيان.

والنسيان الذي خلفه الصمت،

امتصته عروق الشيخوخة.

والشيخوخة التي خلفها النسيان،

راحت في غفوة وهي تنصت الى عصف الايام.

انصتي!

غافية وحزينة شيخوخة روحي.

باردة ووحيدة تصغي الى انفجارات الطفولة في دمي.

تصغي الى بكاء السنوات، اللواتي متن من غير أن يودعنني.

انصتي الى حفيف عريي!

أنا عار في وحدتي مثل ميت في قبر،

عار من كل شيء،

عار من اليوم،

عار من الغد،

عار حتى من نفسي.

لا أحد يدنو مني،

ولا أحد يعرف مخبأي السري،

سوى ديدان الذكرى.

10

حينما ترين لون البنفسج،

تذكري جسدي المتواري في الصمت.

وحينما تشمين رائحة الأيام،

تذكري التماعة عمري،

وهي تتلألأ، ضاحكة، على صفحة الماء.

كتب التاريخ لم تكتب اسمي،

لأنني موجود في كل الأسماء.

كتب التاريخ لم ترسم صورتي،

لأنني أستيقظ حينما ينام التاريخ.

كتب التاريخ لم تذكر عمري،

لأنني أولد عند كل رعشة فجر.

كتب التاريخ لم تدوّن يوم موتي،

لأنني أولد حينما تموت الأيام.

11

أنت، يا من تتمرغ في وحل الهذيان!

إذهب الى قصر الرحاب الآن، وأعد ترتيب المشهد،

أعد الرصاصات التي انطلقت الى بنادقها،

والبنادق الى مشاجبها،

والمشاجب الى جندها،

والجند الى ثكناتها،

والثكنات الى وطنها،

والوطن الى أهله.

 

النهار



#سلام_عبود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقــنـعـــة الـفـــرهـــــود
- هل استقر مهد الحضارات في بطون الدبابات؟
- ســقـط الـديـكــتـاتـور صـعـد الـيـانـكـي: تهـانـيـنـا
- المسألة العراقية بين خيار أسوأ الاحتمالات و خيار المبدئية ال ...
- الرهينة - من القصة القصيرة الى الرواية-


المزيد.....




- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...
- انقطاع الطمث المبكر يزيد خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائ ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام عبود - الـمــــوت يـمـشـــي فـي نــومـــه