أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اغصان الصالح - زر مفقود















المزيد.....

زر مفقود


اغصان الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 6983 - 2021 / 8 / 9 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


زرّ مفقود

لم يكن أمرًا سهلًا أن تفقد شيئًا عزيزًا عليك، بل إنّ الأمر يترك أثرًا في الروح كلّما تذكّرته، وفيما إذا كان ذا قيمة وأهمية، لكن كيف ممكن لزر ان يكون مؤثرًا إذا فقد من قميصك! في ذلك اليوم لم يكن صباحي مختلفًا، بل على العكس، إنّه يشبه باقي الصباحات، يرنّ المنبّه وأطفئه، يرنّ مرة أخرى وأطفئه، وابقى هكذا حتى آخر لحظة، بعدها أهرع إلى الحمام لأفرغ كلّ القهوة والسوائل التي تناولتها ليلة أمس، فيما كنت أتابع اخبار الفنّانات ولاعبي كرة القدم والأفلام، ومن ثَمَّ أغسل وجهي وأفرّش أسناني التي أعضّ بها أصابعي ندمًا لتأخري كلّ يوم. أمدّ يدي إلى الخزانة، ألتقط أيّ قميص وبنطال، ومن ثَمَّ أهرع إلى الخارج وأنا أحمل بإحدى يدَيَّ حقيبتي وأوراقًا كان عليَّ أن أكملها ليلة أمس، وفي يدي الأخرى قطعة من التوست كنت قد أفردت عليها القليل من الزبدة مع رشة قرفة. أحشر نفسي بسرعة داخل المصعد وأبدأ بوضع المسكارة وقليل من حمرة الخدود، بينما أمسك قطعة التوست بشفتَيَّ، وأضع الحقيبة والأوراق بين ساقيَّ، ثم أكمل تناول قطعة التوست وأنا واقفة داخل الباص. فجأة أرى الرجل الذي أراه كلّ يوم وهو يحدّق فيَّ، ولكن ليس في وجهي هذه المرة، بل أدنى من ذلك، تتبّعت أين تسقط نظراته، إنّه ينظر إلى صدري.
كان القميص الذي ارتديته قد فقد أحد أهمّ أزراره، ممّا جعل طرفَي القميص ينسابان، تاركين لعينَي الرجل حرّيه التجوال في مناطقي المحرم النظر إليها بدون ستار. حشرت قطعة التوست كلّها في فمي، وأمسكت طرفَي القميص بيدي، أمنعه هو وأيّ شخص من أن ينال هذه المتعة؛ وبينما أنا كذلك توقّف الباص فجأة، ما دعاني إلى أن أمسك بيدي العمود الحديدي من أجل أن لا أسقط. شعرت وقتها بحرارة نظرات الرجل مرّة أخرى تسقط على جسمي، لففت ذراعَيَّ حول العمود وأمسكت القميص مرة اخرى، وبعد دقائق وصلت إلى مكان عملي. أن تعمل في مكان نسبة الذكور فيه 90٪ هذا أمر يعني أني لن أسلم من النظرات المحرومة، لذلك لا بدّ من إيجاد حلّ. فكّرت في أن أذهب لشراء قميص في فترة الغداء، لكن علىَّ أن أنهي جميع أعمالي المتأخّرة. كيف يمكن أن أجعل هذا الصباح يمرّ من دون أدني مضايقة؟ وضعت الأوراق على مكتبي، أخذت أبحث عن أيّ شيء لأغلق هذا القميص، أن تمتلك صدرا مكتنزا يعني أن تحصد الكثير من العيون التي تتحسّر وهي تنظر إلى ما هو أسفل المنحر وفوق السرة. خطرت لي فكرة أن أستخدم كابسة الورق، لكن سوف أبدو ساذجة، وهذا لا يتناسب وطبيعتي. مرّت نصف ساعة وأنا أبحث عن حلّ، أخبرتني إحدى الزميلات أنّه قد أجد ما أريد في صندوق المفقودات؛ أسرعت إليه لأجد فيه زرًّا واحدًا من بين الاشياء المفقودة، كان لونه يتنافى مع لون قميصي تمامًا ولا يشبه بقية الأزرار لا شكلًا ولا ملمسًا. الخيط القصير الذي أخذته من الفتاة نفسها لم يكن كافيًا لعقد نهايته وتثبيت الزر بإحكام على القميص. تحسسته طول الوقت، حتى أني شعرت به يتذمّر كلّما مرّرت أصابعي لأتأكد من وجوده. مرّ النهار الذي كان طويلًا جدًّا لدرجة أنّي أنهيت كلّ أعمالي المكتبية المترتبة عليَّ منذ أكثر من أسبوع. في طريق العودة ،جلست وأنا أتحسّس الزرّ بين الحين والآخر لأطمئنّ أنّ الستار مسدول؛ وبينما أنا جالسة على المقعد المواجه للباب الخلفي توقّفت الحافلة بسرعة، فاندفعت بكامل جسدي بحركة إلى الأمام، ثمّ عدت إلى الخلف. كانت هذه الحركة سببًا لأن يقفز الزرّ هاربًا من قميصي فرِحاً. أمسكت قميصي بيدي مرّة أخرى، ولم أكلّف نفسي عناء البحث عن الزرّ، بل إنّه لم تتبقَّ سوى دقائق وأصل إلى سكني. ترجّلت من الحافلة، حملت بيدي حقيبتي وأنزلت يدي من القميص، لم تعد يدي تسعفني، بدت ثقيلة جدًّا، لذلك لم أشعر برغبة لجذب طرفَي القميص هذه المرة. سرت باتّجاه المصعد، وكان هناك زوجان يسكنان في الطابق الرابع بانتظار المصعد معي. وبينما الزوجان ينظران لي مستغربَين من حال القميص، بدأت فكرة غريبة تظهر في رأسي؛ لِمَ أنا أخشى أن يرى الناس ما أخفي تحت القميص؟ توقّف المصعد، ترجّل الزوجان، بدأت أحرّر أزرار القميص واحدًا بعد الآخر؛ ولأني أعلم أنّ من يسكن في الطابق معي هما رجل وامرأة لا يخرجان من غرفهما إلّا عندما يتعرضان لحالات طارئة. في الطابق التاسع، وبعد أن انتهيت من تحرير الأزرار كافة، أخذت شهيقًا عميقًا. وقبل أن أخرج فُتِح باب المصعد لأرى أمامي مجموعة من رجال الشرطة والإسعاف، يضحكون بعد أن تمكّنوا من إنقاذ العجوز الذي سقط وهو يحاول أن يفكّ أزرار بجامته داخل الحمام. خرجت من المصعد من دون أن أدرك أن أزرار قميصي محررة بالكامل، وحتى الرجال لم ينتبهوا لذلك قط.



#اغصان_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سكر
- الرسالة الاخيرة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اغصان الصالح - زر مفقود