أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سرحان - رباعيات الخيام : شامة الجمال على خد الموسيقى العربية















المزيد.....

رباعيات الخيام : شامة الجمال على خد الموسيقى العربية


محمد سرحان

الحوار المتمدن-العدد: 6971 - 2021 / 7 / 27 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


رباعيات الخيام : شامة الجمال على خد الموسيقى العربية !
________________________________

(١)
ذات مساء ابريلي مطلع الخمسينات...
بينما يغسل القمر بضوئه قبة مسرح الازبكية،
كان عبده صالح يغمس اصابعه في قانونه لينقر مطلع رباعيات الخيام.

كان ذلك امام مرأى بضعة الاف من الحاضرين،
أما الملايين العربية فكانت آذانها تتمايل خلف جهاز (كان يصنع اللذة يوما ما) اسمه الراديو المصري!

وبنقرات ساحرة أمالت الاعناق..... كان اصبعا اخطبوط القانون يتدحرجان على مقام الراست الباذخ في مدة دقائق، بحيث يمكننا القول تقريبا : إن الموسيقى تتكلم!

ومن ثم ( وبما يشبه نبضات قلب حارس مرمى عند ضربة جزاء) طفقت الآذان تنتظر الجمال الذي سيتطاير من عبارة ( سمعت صوتا هاتفا في السحر)
هذا الجمال الذي كانت ستصنعه شفتا ام كلثوم بعد قليل.

كلمات الاغنية لعمر الخيام بلسان رامي...
أما اللحن فلتلك الرأس العظيمة، التي مضت (بالافعال لا بالادعاءات) تضع الطبيعة الفلسفية للوجود في مقطوعة موسيقية!
كانت تلك الراس لرياض السنباطي !

خرج رياض السنباطي (روح مصر الموسيقية) مرة اخرى منتصرا بلحنه الرائع..
اللحن الذي تلألأ ضياؤه كالهلال في سماء قاهرة الخمسينات.

[ شهرة في كل مكان]

أضحت "رباعيات الخيام" سيدة وصلات ام كلثوم الشهرية... تسمع في كل مكان، في طول مصر وعرضها ..

الذي عاصر تلك الحقبة الذهبية لا شك رأى الثناء الذي تدفق من أفواه الصحافة وقتها وهي تطبع قبلات الامتنان على جبين هذا الانتاج العبقري الخالد...

وتحت سماء القاهرة... اخذت كل الالسن تتكلم عن بديعة السنباطي بكل وقار وإعجاب..
تلك البديعة التي طيرت أغاني تلك الحقبة الى أشلاء!
و لربما الحياء وحده ما زجر الاذاعة المصرية من اعتبار ما سواه : الحانا غير مرغوب فيها!

السنباطي المنتشي بخمر النجاح، من الان فصاعدا سيكون له ثلاثة من الاصدقاء الطيبين : المجد، الشهرة، المال!

وسيكون سيد تلحين الفصحى، مدشنا بهذه الرائعة العصر الذهبي للقصيدة الكلثومية... ذلك العصر الذي سيصنع رياض احداثه لاحقا بروائع من وزن : (ذكريات - قصة الامس - ثورة الشك - نسمة الجنوب)

عموما باعتقادي إن رباعيات الخيام هي " اللحظة الرئيسة" في تاريخ ثالوث الفن، وإن شئت فقل ( المنعطف الجوهري ) لذلك الثالوث الذي اسميه ( عصبة الاباطرة الثلاثة! ) : رامي - رياض - ام كلثوم، أسياد الظاهرة الغنائية في الخمسينات بلا منازع!

[ ملك غير متوج]

بالرباعيات.. كان الجمهور أكثر اقتناعا ان التاج الموسيقي آل إلى السنباطي.
و كان على هذا الاخير ان يشعر بالفرح وهو يلهو وحيدا في بلاط الموسيقى العربية. لا سيما أن ظروفا وقفت الى جانبه، ومن ذلك :
القطيعة الغامضة بين زكريا وام كلثوم وقتها....
و موسيقار الامس " القصبجي" الذي اكتفى بالانحناء لتصفيق الايدي وهو يعزف الحان غيره خلف ام كلثوم.

وبالنسبة لام كلثوم.. عليها ان تثني ركبتيها عرفانا لعبقرية السنباطي.. الذي خلد اسمها بروائع اخترقت اجواز الفضاء!

رياض السنباطي بارون الموسيقى العربية المتخصص بصناعة الاساطير ...
دفعه نجاح اللحن ان ينغمس في طموحه لكتابة تاريخ جديد للموسيقى العربية... ونجح!

وستبقى الرباعيات هي العلامة التجارية الاكثر شهرة لعبقرية هذا الفنان الذي غير قواعد الاستماع ، فلم تعد الاغنية مجرد شكل من اشكال الهروب من الواقع عند المستمع... لا!

وبالنسبة لمبدعين كثيرين.. ستظل الرباعيات هي " الوحش المؤلم" الذي سيطارد احلامهم بقية ليالي الخمسينات اللاحقة!
فمن ذا الذي سيقدر على فعل شيء بعد لحن رباعيات الخيام؟!

(٢)

[ الصومعة التي كانت تحكم القاهرة موسيقيا! ]

في بيت هادئ بالقاهرة الفاتنة التي تمزق قصورها اديم السماء ، كان السنباطي - وبعينين تعكسان ثقة راسخة - يرسم بريشته مشاهد لوحات الخيام الرباعية... تلك المشاهد التي بالتأكيد ستكون أبعد من كونها للترفيه فقط!

رياض كان طموحا جدا... بحيث فكر أن يمنحها عمرا طويلا، يضارع عمر " منقرع" ذلك الهرم العجوز القابع على مقربة منه.

ويمكن العثور على كل شيء رائع في هذا اللحن :
دراما موسيقية مذهلة...
عواطف شديدة....
اوبرا سنباطية.....

طبعا بعيدا عن الثرثرة الموسيقية.... فبالنسبة لصرامة رياض : كل مقطع هو " منطقة ملتهبة".. ليس هناك موسيقى للحشو!

وباختصار : قيض عود السنباطي كل الشهرة لهذه التحفة. وصنع منها اوبرا شرقية.... جعلت ( اوبرا عايدة) بالقياس لها تمسح الزبد من شفتيها الشاحبتين!


(٣)

[ ملحمة موسيقية! ]

منذ البداية يستيقظ وحش الموسيقى داخل رياض
ومن بين المقامات التي انعكست هالاتها على مقلتيه، ظهر الراست للسنباطي بضوء ذي جودة افضل... فمضى يهوي بريشته لينتزع اجمل نغمة سترضي أذنيك!

وهذا مؤشر اولي لحنكة رياض..
كيف؟
السنباطي يتعامل مع نص فلسفي يتطلب انتباها في حده الاعلى، ليسبر المستمع غور معانيه..

ولما كانت الحماسة إحدى مؤثرات مقام الراست المبكرة، فسيكون من المناسب إحداث اليقظة منذ البداية. وتقديم الفكرة الفلسفية بسهولة ويسر.
(وبالمناسبة سيكون الراست زائرا منتظما بين الكوبليهات خلال كرنفال المقامات اللاحقة.)

والراست مقام كثير التناسل، تتولد منه فروع من مقامات كثيرة ( سوزناك - سوزدلر - يكاه... الخ)
هذه المقامات سيرسم منها رياض قوس قزح موسيقيا في المقدمة مع المذهب .

ولأن عود رياض يمتاز بالحس البوليسي.. فلا يمكن لاي شذرة من الجمال ان تهرب في المقطع..
( عوده يقف مع زوجين من المسدسات!)

وبالنسبة للفرقة.... لقد قدمت جهدا بطوليا!
يبدو ان التنقلات المقامية كانت مضمارا يختبر فيه الحفناوي وزملاؤه قوة اصابعهم وهي تعدو لاهثة على اوتار كمنجاتهم..

اما المستمعون - الذين هزهتهم جمل رياض طربا - فكانت شرارة النشوة هي كل ما ارادته اذانهم.. ولكن كان هذا فقط نصف ما اراده رياض!
(فبعد قليل سيستخدمون كل اعضائهم في شتى الحركات الرياضية زهوا وطربا! )

ثمة ملحوظة:
لاحظ الناي ( الالة الشرقية العجوز) الذي انطلق يهدر في اعلان واضح على شرقية اللحن...
لا نعلم على وجه اليقين ماذا كان يدور في خلد السنباطي لحظتها.. ولكن ربما كان صفير الناي يمثل في بعض اهدافه صوت مناجاة.


**********

[ المزيد من هذا يا رياض من فضلك!]

يستمر الراست في المقطع الثاني ( لا تشغل البال بماضي الزمان)
وابتداء من نهاية المقطع الثاني ستتفجر قريحة السنباطي بشلال من المقامات التي بدات تنزلق كما سنرى.

في كل مقطع.. صنعت اوتار عود رياض لافتة ترحيبية مكتوب عليها :" العبقرية هنا "

******
والان ما رأيك عزيزي بخريطة ذهنية سريعة لمقاطع الرباعيات الخالدة ( إن لم يكن لديك عمل تقوم به في هذه اللحظات.. فتعال!)

(غد بظهر الغيب) [ مقام نوا اثر]
---------------------------------------------------------
هذا المقطع رسم فيه عود رياض " تمثالا نصفيا للفلسفة"!
من مقام نوا اثر.
النوااثر مقام صوفي.. يستخدم عادة في الابتهالات.

عموما.... قليل من لا ينهي سماع هذا المقطع دون ان يرنو ناظراه نحو السماء!
(اذا كنت من هواة قراءة كتب احد الفلاسفة لا بأس من ان تجعل هذا المقطع خلفية موسيقية تمهيدا مناسبا)

(القلب قد اضناه ) [ مقام حجاز]
--------------------------------------------------------
الطابع العاطفي الحزين للحجاز تم استخدامه ببراعة هنا ليتوافق مع تاوهات الخيام

لاحظ كيف يضغط رياض على كلمة ( زلال)
( عبقرية مدروسة)!

شخصيا كلما سمعته اطلق صرخات من نوع : اه.. اوه.. ايه

( أولى بهذا القلب) [ مقام كرد ]
-----------------------------------------------------------

مقطع يضج بالحسرة
لاحظ نشيج الكمنجات وهي تذرف الدموع في لازمة هذه الرباعية الحزينة

(عند اعادة سماعه : اوصي ببعض الملابس الداكنة ولا باس ببعض النحيب الخفيف!)

(افق خفيف الظل) [ مقام بياتي]
-------------------------------------------------------------
هذا المقطع بالتحديد هو نقطة التحول برأيي في الاغنية
وهو "العنصر الترفيهي" بعد الرباعيات السابقة
لماذا؟
لاحظ كيف ينطلق صوت ام كلثوم المفعم بالبهجة والحيوية
يبدو ان مقام البيات مقرب لقلب ام كلثوم.

موال ( فكم توالى الليل بعد النهار... .
-------------------------------------------------
موهبة ام كلثوم وتركيبة صوتها غير العادية معروضان بالكامل هنا
(في كل لحن يحرص رياض ان يتيح لام كلثوم ممارسة ابتكاراتها الخلاقة)
تأمل مثلا كيف تتلاعب شفتاها العبقريتان بهذا الموال في خليط عجيب من المقامات!
( اذا اردت ايقاظ روح الانبهار بداخلك فعد لحفلة الرباعيات في المغرب.. تمتع بارتجالاتها! )
بالمناسبة ستستمتع بالحس الفكاهي لام كلثوم في ثنايا هذا الموال)

لا توحش النفس
------------------------
في مشهد ملحمي ملئ بالتوسل والضراعة يعود رياض الى الحجاز في هذا المقطع.

بالمناسبة مقام الحجاز يقدم خدماته المجانية في مواقف الضراعة والتوسل..

سيستمر التضرع بعض الوقت قبل ان تلمع جملة راست رائعة في ( اطفىء لظى القلب... الخ)

ومن ثم يعود إلى نقطة انطلاق العمل كله وهو [ الراست] في :
(لبست ثوب العيش لم استشر)

يا من يحار الفهم في قدرتك [ مقام الهزام]
---------------------------------------------------
هل جربت سماع المناجاة يوما؟
أنصحك بهذا المقطع

لاحظ العبقرية في استخدام النقر بالكمنجات وهي تواكب تركيب ( اطمع في رحمتك)

كلما سمعته يتراءى لي مشهد انسان يركع حافيا رافعا باطن راحتيه لله العظيم
بالمناسبة ( ما رأيك ان نذكر الله الان.. لا اله الا الله )

(٤)

رياض كتب الرباعيات بحبر العبقرية السحري
ولا أظن ان أجيالا من الكيميائين. من بعدها أجيال..ثم من بعدها أجيال... ستقف على سر هذا الحبر!

بالنسبة لي :
إن مجرد مناقشة هذه المسلمة أعلاه تضعني في سوء فهم مع الفهم نفسه!

(٥)

[مع موسيقاك قد حلمنا يا رياض ... ومعها ما زلنا نحلم! ]

*** محمد سرحان ***



#محمد_سرحان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحن اقبل الليل : لقاء الغروب المشرق!
- شبيحة الدعوة والتحرش
- أدوات التيار العلماني في مواجهة التيار الإسلامي في مصر (1)
- بشاعة


المزيد.....




- -زعلانة من نفسي-.. مها الصغير تعتذر من فنانة دنماركية وفنانو ...
- onlin نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول برقم الجلوس عل ...
- الفنان المصري إدوارد يكشف رحلة مرضه من حقن التخسيس إلى الجلط ...
- ثبتها الآن واستعد لمتابعة البرامج الثقافية المفيدة “تردد قنا ...
- Sigg Art in Monte Carlo: A hybrid vision of what it means to ...
- -سيغ آرت- في مونتي كارلو: رؤية هجينة لما يعنيه أن نكون بشراً ...
- -النجم لا ينطفئ-، ظهور نادر للفنان عادل إمام يطلق تفاعلاً وا ...
- ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي ...
- حاتم البطيوي: سنواصل فعاليات أصيلة على نهج محمد بن عيسى
- رسومات وقراءات أدبية في -أصيلة 46- الصيفي استحضارا لإرث محمد ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سرحان - رباعيات الخيام : شامة الجمال على خد الموسيقى العربية