|
تيار السلفية المدخلية : المنشأ والمآل (3/3).
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6961 - 2021 / 7 / 17 - 14:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التيارات والانشقاقات . ككل التيارات الإيديولوجية ، سيعرف التيار المدخلي بروز خلافات داخلية انتهت إلى تشكيل تيارات يدين كل واحد منها لشيخ بعينه . الأمر الذي جعل هذا التيار يعرف زعامات كثيرة متنوعة ومتنافرة حد القطيعة . وبسبب الخلافات الحادة التي نشبت بين مكونات التيار السلفي المدخلي سيتوزع أتباعه إلى ولاءات متعددة لرموزه .فتعدد الولاءات أجج مهاجمة بعضهم لبعض كما فعل الشيخ محمد بن هادي المدخلي الذي هاجم العديد من دعاة وشيوخ التيار المدخلي بشكل عام ،حيث وصفهم بالصعافقة، وتعني "العبيد السود"، بسبب ميلهم لمبدأ "الجرح والترجيح" الذي يؤمن به دعاة التيار المدخلي. وبدوره هاجم محمد بن هادي المدخلي، في أحد محاضراته غالبية أتباع تيار السلفية المدخلية، ووصفهم بالمبتدعة والمغالين في تقديس شيوخهم مع إخفاء البدعة مثل الحزبية؛ كما انتقد غيرَه من مشايخ التيار المدخلي أمثال عرفات المحمدي، ونزار بن هاشم السوداني، وعباس الجوني، وعبد الإله الرفاعي، وأبو أيوب المغربي، وهانئ بن بريك، وعبدالله بن صلفيق. ولم تقتصر الخلافات والانتقادات بين شيوخ المدخلية على العالم العربي ، بل امتدت لتشمل فروع ومراكز التيار في بقية دول العالم ، مثل المسجد السلفي ببرنغهام، ودار الحديث بمكناس، ومسجد "تقي الدين الهلالي" بمدينة كولونيا الألمانية، ومسجد "ذي النورين"، في مدينة مونتريال بكندا، والجامع الكبير في كارننجار جاوى الوسطى بأندونسيا. وشهد اليمن مبكرا اختلافات حادة بين رموز التيار المدخلي حيث تم تبْديع أبي الحسن المأربي بتهمة التطاول على الصحابة ، بينما السبب الحقيقي يكمن في نفيه العودة إلى ربيع المدخلي (مؤسس التيار) في مسألة التبديع ؛ مما أثار حفيظة هذا الأخير فأمر بتبديعه . وبسبب حدة الاختلافات ، انقسم التيار إلى جناحين: جناح الولاء لعبيد الجابري بقيادة أبي عمار الحذيفي ، وجناح يوالي ربيع المدخلي ومحمد المدخلي . الموقف من المشاركة السياسية. التيار السلفي الوهابي عموما يرفض تشكيل الأحزاب وخوض الانتخابات ودخول البرلمانات . ولم يقبل الانخراط في العمل السياسي إلا اضطرارا في مصر بعد سقوط نظام مبارك فأسس حزب النور.ومادام التيار المدخلي ينطلق من نفس الخلفية العقدية والإيديولوجية ، فإن الشيخ ربيع المدخلي لم يتردد في اتهام العلماء الذين يجيزون الدخول في البرلمانات بالمكابرة ؛ إذ يقول في كتابه (جماعة واحد لا جماعات وصراط واحد لا عشرات)( ص28) تعليقا على كلام للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق حول مشروعية المشاركة في المجالس التشريعية (البرلمانات): (أقول: لا يعرف ضلال أو باطل يحمل مثل هذه المفاسد، ومنها فساد المشاركين فيه من السياسيين الذين يحسبون أنفسهم على الإسلام، فنحن نربأ بالإسلام أن يبيح عملا ينطوي على مائة وخمسين مفسدة، ولا أظن باطلا على الأرض ينطوي على هذا الكم الهائل من المفاسد، ولا نعرف مكابرا مثل مكابرة من يجيز هذا العمل بعد علمه بهذه المفاسد). ويقول في الكتاب نفسه (ص84-85): (إن السياسيين الجاهليين بتحزبهم مزقوا شباب الأمة، وفرقوهم أحزابا وشيعا، كل حزب بما لديهم فرحون، وتابعوا الأحزاب الكافرة الظاهرة والخفية في التنظيمات السرية والمشاركة في المجالس والبرلمانات والديمقراطية الكافرة في البلدان التي استعمرت ورضعت لبان الاستعمار بكل ما فيه من تقاليد وقوانين وأنظمة كافرة). خطورة إيديولوجية تيار المداخلية : ــ إباحة دم المسلمين ، حيث وُجهت للمداخلية تهم القتل الجماعي والاغتيالات في كل من ليبيا واليمن ( النائب العام الليبي أصدر في حق 14 من جماعة الكاني أوامر ضبط داخلية، في 13 نوفمبر 2017، لكنها لم تنفذ لتحالفهم في ترهونة مع قوات حفتر. كما اختطف المداخلة في بنغازي (الكتيبة 106)النائبة سهام سرقيوة في يوليوز 2020. ومن أبرز المليشيات المسلحة التابعة لتيار المدخلية : كتيبة مجموعة الخمسين، بقيادة المطلوب دوليا محمود الورفلي ، وكتيبتا التوحيد وطارق بن زياد، وكتيبة العاديات من مدينة الزنتان، وسبل السلام من مدينة الكفرة، وقوة الردع في أجدابيا، فضلا عن مباحث صرمان وكتيبة الوادي في صبراتة. وفي اليمن ستظهر السلفية المداخلية المسلحة بقوة مع كتيبة أبي العباس، التي أسسها الشيخ عادل عبده فارع أبو العباس، والتي تعرف كذلك بـ"حماة العقيدة" في (تَعْز). ــ تقسيم الشعوب وتفتيتها : ففتاوى وعقائد التيار تعتبر أتباعهم وحدهم "الفرقة الناجية" وغيرهم في النار ، أي ضالون وكفار. ــ مناهضة الديمقراطية والقوانين المدنية ، ففي الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب العربية إلى إرساء دعائم الدولة الديمقراطية وإشاعة قيم المواطنة والمساواة ، يبرز إلى الوجود تيار المداخلية المناهض لتطلعات الشعوب في الحرية والديمقراطية ، ولم تكفه تنظيمات الإسلام السياسي وما جرّت من فتن على الشعوب العربية والإسلامية . ــ يوفر حاضنة إضافية للتطرف والتكفير اللذين يتغذيان على عقائد التكفير والكراهية والعداء للآخر. ــ يربي أتباعه على الولاء للمذهب وزعيمه وليس للوطن. إن مثل هذه التنظيمات التي يتجاوز ولاؤها حدود الوطن ، ومهما أظهرت "سلميتها" ودعمها للأنظمة الحاكمة ، لا يمكن أبدا الوثوق فيها أو الاطمئنان إليها . فمواقفها تدور مع فتاوى زعمائها تأييدا للحكام أو مناهضة لهم. خلاصة . إن الرهان على السلفية المدخلية لمواجهة تنظيمات الإسلام السياسي وتيار السلفية التكفيرية/الجهادية ، يظل رهانا خاسرا ؛ بل سيزيد الأوضاع السياسية والأمنية تعقيدا من حيث كونه يوفر حاضنة جديدة للتطرف ، كما يوسع من قاعدة مناهضي الدولة الديمقراطية والقوانين المدنية وإستراتيجية تحديث بنيات الدولة والمجتمع. فكل التيارات الدينية التي احتضنتها الأنظمة العربية ووظفتها ضد بعضها البعض انتهت إلى الالتقاء على قاعدة تكفير الدولة وقوانينها . فتيار السلفية الوهابية لم يقض على تيار الإخوان المسلمين كما كان مخططا له، بل تحالف معه في عقر الوهابية .والأخطر أن من صُلب السلفية الوهابية خرجت السلفية التكفيرية والجهادية (تنظيم القاعدة ثم داعش ). ونفس المآل سينتهي إليه تيار السلفية المدخلية الذي تم دعمه لمواجهة تنظيم الإخوان والسلفية الجهادية . وبدل أن يتضاءل نفوذ هذه التنظيمات ويتوارى خطرها ، نجد أعداد الخلايا والتنظيمات الإرهابية في تناسل متواصل ؛ بل تعاظم خطرها داخل الدول الداعمة للتيار المدخلي. فلا حدود بين عقائد الفصائل السلفية ، فهي تقوم على تكفير الحكام وتكفير من لم يكفّر الحكام. ومن لم يجهر بكفر الحاكم لأنه لا يحكم بما أنزل الله ، فإنما يفعل تقية إذ يظهر ما لا يبطن.وما تلقنه دور القرآن التابعة للسلفية الوهابية على اختلاف تياراتها لا يختلف مطلقا على عقائد التنظيمات الجهادية، فهي تُدرّس نفس الكتب التكفيرية التي تتداولها تنظيمات السلفية الجهادية(أبو النعيم الذي يظهر الطاعة لولي الأمر سرعان ما كفّره عند منع الصلاة الجماعية في المساجد بسبب وباء كورونا). إن السبيل الأمثل لمواجهة خطر التطرف والإرهاب وتنظيمات الإسلام السياسي يتمثل في تجفيف منابع هذه التنظيمات ، سواء المادية أو الفكرية ، والعمل على بناء مواطنين أسوياء وتربيتهم على قيم المواطنة واحترام الحق في الاختلاف.لقد ازدادت حدة الانتقادات للأحزاب في المغرب بسبب ضعف الأداء وتأطير المواطنين ،ولن يكون في صالح الدولة السماح لمزيد من تفريخ تنظيمات الإسلام السياسي التي تستهدف أسس الدولة الوطنية والمشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي بمعاداة الأحزاب ومناهضة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وإقامة محاكم التفتيش .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيار السلفية المدخلية : المنشأ والمآل (2/3).
-
تيار السلفية المدخلية : المنشأ والمآل (1/3).
-
محاربة الفساد شرط لمصداقية الانتخابات .
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (6).
-
أخرجوهم من مؤسساتكم إنهم قوم مُفسدون .
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (5).
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (4).
-
إسبانيا الجار العدو الذي لا يُؤمَن مكره .
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (3).
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (2).
-
العرض السياسي للبيجيدي نكوص وانفصام (1).
-
الاستثمار في الأزمات هي إستراتيجية البيجيدي .
-
العثماني ووهم انتصار حماس.
-
مخطط الجماعة للسطو على الذاكرة وتقويض جهود الدولة.
-
تحديات النجاح الأمني للمغرب في محاربة الإرهاب .
-
تشريعات لازالت تسمو على الدستور.
-
أحزاب في خدمة البيجيدي.
-
خطط تنظيم الإخوان للإطاحة بالنظام .5.
-
خطط تنظيم الإخوان للإطاحة بالنظام .4 .
-
خطط تنظيم الإخوان للإطاحة بالنظام .3 .
المزيد.....
-
بحماية شرطة الاحتلال..مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى
-
جيروزاليم بوست تنشر قائمة بأكثر 50 يهوديا تأثيرا في العالم
-
كيف علّق إيهود باراك على تصريحات نفتالي بينيت لـCNN بشأن -أع
...
-
الرئيس الايراني : الابادة الجماعية بغزة هي نتيجة انقسام ولام
...
-
الرئيس الايراني : اذا لم نتحد امام العدوان بغزة ولبنان فسيأت
...
-
الهيئة الصحية الاسلامية: استشهاد 7 من مسعفينا بغارات على مرك
...
-
إيهود باراك لـCNN: إسرائيل لا تستطيع تغيير الشرق الأوسط بمفر
...
-
الرئيس الايراني لوزير خارجية السعودية: نعتبر الدول الاسلامية
...
-
“نزلها الآن” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل سات
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: استهدف مجاهدونا تحركات لقوات ال
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|