أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدي النجار - للعقل وقت وللخوف وقت















المزيد.....

للعقل وقت وللخوف وقت


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1639 - 2006 / 8 / 11 - 08:00
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في دُنيا "الخراب الجميل" الذي يعيشه المجتمع العراقي الآن بعد انعطافته التاريخية الحاسمة، يتساءل المرء عما إذا كان باستطاعة العقل أن يتمتع بصلاحياته الإبداعية وينتج ثقافة تؤسس لنماذج حياة عقلانية زاخرة بالحب والأمل في غمرة هذا الدمار المروع وهذا الخراب المفجع، أم إن ثقافة الخوف والبكائيات وجلد الذات، المؤثثة بالأشباح والخرافات والأطلال والعصبيات هي التي سوف تنتصر وتستمر بإشباع عقل الفرد المندحر، اليائس، المتألم، الجائع، بأفكارها الخرائبية وشحناتها الاكراهية.يقول "جريبر"أثناء الحرب: "لقد انهارت عندي القيم الفاضلة بشكل رهيب " وتقول اليزابيث: "تخالجني أحيانا فكرة، لو تركونا ندبر أمورنا لعرفنا كيف نبدا الحياة".
هذان (جريبر واليزابيث) هما بطلا رواية "للحب وقت وللموت وقت" الصادرة عام 1954 للمبدع الألماني أريك ماريا ريمارك(اقتبسنا عنوان المقال من عنوان الرواية بعد تحويره) وباستطاعتنا أن ننطلق من هذين المحورين: انهيار"القيم الفاضلة"أثناء الحرب والدمار، والسؤال عن كيفية البدا بالحياة، هنا يتدخل العقل بأقصى إمكاناته ليقتحم طموحات العسكريين والسياسيين ومآرب المُلقنيين المشعوذين، ليصبح مشاغباً كبيراً، ومحرضاً خصباً للبحث عن حياة افضل بكل الطرق، ليسلط الضوء بأساليبه الإبداعية (الفنية والأدبية) أو أشكاله المعرفية الأخرى على الانتهاكات التي أصابت "القيم الفاضلة" والهوان الذي حلَّ بعموم الحياة،وكذلك مساعدة الناس المتألمين لمعرفة:كيف يبداوا الحياة!…سال "جريبر" أيوجد شيء مهم؟ نعم، ونظر إلى الضوء البارد الذي غمر الغرفة تدريجيا وقال :"لسنا موتى، لم نمت بعد…" هذا ما كان واضحاً عبر قراءة تفحصيه للتاريخ،بان المجتمعات وقيمها الفاضلة لا يمكن أن تنهار،ولا يمكن للحياة أن تموت، ويمكن راب الصدع بعد الضعضعات والانتكاسات ثم النهوض من جديد، من ناحية أخرى فان حقيقة إن حياة هذه المجتمعات قد ضاعت واستفحل المها لا يجب أن تتركنا صامتين من التساؤل عما إذا كان هناك نموذج عقلاني للحياة، وفي زمننا هذا (الزمن العراقي الصعب) يبدو قول مفكر ألماني: "إن هتلر كان ضروريا لجلب الديمقراطية إلى ألمانيا بعد 1945 " قولاً يستحق المقارنة، بمعنى هل إن الطاغية(أو غيره من طغاة الديكتاتوريات الصغيرة الذميمة التي ابتلت بها أوطان العالم الثالث) كان ضرورياً لجلب رياح الديمقراطية إلى العراق؟!.انه استنتاج يُثير السخرية، لان التاريخ العام العالمي، كما يقول فرنسيس فوكوياما في كتابه"نهاية التاريخ" :لا يحتاج إلى تبرير كل نظم حكم الطغاة وتبرير كل حرب ليتعرض لنموذج هام في التطور البشري.
ليست رواية "للحب وقت وللموت وقت" هي افضل ما كتبه ريمارك عن الحرب،كان افضل منها تلك الرائعة: "لا جديد في الميدان الغربي" التي فاجا بها العالم مفاجأة حقيقية في عام1929 ، والتي نجحت نجاحاً منقطع النظير،مما جعلها تحتل المكان الأول في الأدب الالماني، سواء من حيث الجودة أو الرواج،وقد ترجمت إلى معظم اللغات الحية، وبهذا الصدد يقتحم ذاكرتنا الكبير تولستوي في ملحمته الرائعة "الحرب والسلام"، وأيضاً تجذب انتباهنا نداءات وأسئلة "ياناروس" بطل رواية "الاخوة الأعداء"للكاتب الفريد كزانتزاكيس، والتي سنأتي على ذكرها سريعاً بعد قليل. إن ما يشدنا إلى رواية"للحب وقت وللموت وقت" هو تألق موضوعة العقل وسط خراب الحرب المدمرة، يقول ريمارك نفسه: "إن الهجوم والهجوم المضاد، مجرد كلمات، ولكن لو تَدرون ماذا تعني هذه الكلمات على الجبهة واثناء القتال؟! … إن أدب الحرب كله لا يمكنه تصوير مدلولها، وبشاعة هذا المدلول !" فمن أراد أن يصور الحرب على أنها دماء ونيران…فهو ساذج! ومن أراد أن يصور الحب على انه قبلات…فهو ساذج أيضاً! فالحرب في رأي ريمارك: قلب فارغ…معناها: لا أم ولا أب ولا حبيبه ولا بيت…معناها:لا اسم ولا وجه. ولكن في روايات الحروب نسال، هل يمكن الاستدلال على قوة العقل وامكانية اشتغاله وسط العفونات، بمعنى اخر، هل هناك وقت للعقل أثناء الخوف يستطيع فيه أن يبحث عن نموذجه العقلاني للحياة، لان الخوف ظاهرة غالباً ما تحدث وسط عوالم الدمار والخراب، الخوف الذي يتسلل إلى جوف الانسان، خوف بارد غريب، لم يكن رعباً أو ثورة، ولم يكن صرخة عاجلة من صرخات الوجود تطلب الهرب والحماية، بل هو الخوف البارد الساكن الذي ليس بوسع المرء التغلب عليه. ولانه غير ملموس فهو لا يقهر، لقد خبر "جريبر" أنواعا من الخوف لا حصر لها، خوف حاد،و خوف كبير، وخوف أمام الموت…ولكن خوفه الآن مختلف عن هذا: انه خانق، متزايد،غير محدود،مُهدِد، يدفع الإنسان إلى الوضاعة والقذارة والتحطيم، ولا يمكن إدراكه والإحاطة به، كما لا يمكن مواجهته، انه خوف الانهيار والشك المدمر. انه الخوف على الآخر الذي يُدفع إلى الانحلال، الخوف على ضحايا لا ذنب لهم، الخوف على المُطارد بغير حق، الخوف من الطغيان والقوة الوحشية، انه الخوف الأسود الذي يسيطر على هذا العصر. يحس "جريبر" بالعجز، فيتساءل بحسرة: "ماذا صنعت الدولة بنا. إننا شباب ووجب أن نكون سعداء، ما شاننا بحرب أثارها غيرنا؟!".
جميل أن يحيا الإنسان (هذا ما تقوله اليزابيث حبيبة جريبر) فما يعتبره غيرنا شيئاً طبيعياً نعده نحن مغامرة. مثل الهواء النقي الذي لا تشوبه رائحة القنابل، والعشاء بدون رائحة البارود، والمدن المضاءة غير المدمرة، بل حتى الكلام دون حذر، والحياة بلا خوف. إن أفكار ريمارك تتلخص بهذه الأمنية البسيطة، العذبة كما جاءت على لسان بطله جريبر: نعم، فكرت، كم يكون رائعاً لو استخدم الإنسان يديه وذراعيه في شيء آخر غير إطلاق النار وقذف القنابل !!.
نعود الآن إلى نداءات (أو بالاحرى محنة) الأب "ياناروس" في رائعة كزانتزاكيس "الاخوة الأعداء" 1954 حيث قرر هذا الأب الورع أن يقف ضد الحرب التي وقعت في قرية "كاستللوس" بين الأنصار الشيوعيين( أصحاب البيريه الأحمر) والمدافعين عن الملكية (أصحاب البيريه الأسود)، اخذ على عاتقه أن يمنع المذبحة، كان يصيح من أعماقه المتألمة: المحبة! المحبة! والجثث تتساقط حوله، والحقد يأكل القلوب، هنا تكمن محنته (وهي محنة العقل وقت الخراب والخوف)، يريد أن يجد الله على الأرض لا بعيداً في الأعالي، يشعر به في قلبه وبين ضلوعه، وعندما جرت انهار الدم وتمرغ أطفال القرية يبتلعون الوحل صرخ: أنى ذاهب افضح هذا العالم أمام الله!!…وهناك في الكنيسة، تضرع إلى صورة المسيح واخذ يصيح:
ـ يارب! انظر إلى الأطفال المشوهين والأشلاء المبعثرة واطلال الحياة! انزل من السماء! فهاهنا نحتاج إليك، اصنع معجزة يا الهي!
ولكن الصورة صماء، والسماء ساكتة، والصياح لا يجد سوى رجع الصدى وعاد القسيس يصرخ: أين تقف يا رب حتى اتبعك، أنت مع مَن حتى أسير خلفك؟!…
واخيراً ارتفع من أعماق قلبه صوت الرب هادئاً عذباً: تسألني أين اقف؟ اقف في السماء، في الأعالي. لقد خلقتك يا أب ياناروس حراً، وعليك أن تختار طريقك..



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسلام والفكر المعاصرحوار مع المفكر محمد أركون
- التسامح وقبول الاخر
- الاسلام والمعابر الى الديمقراطية
- الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة
- الإطار المفهومي للعلمنة
- كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ - مقابلة مع محمد اركون
- جدلية الحداثة المادية والحداثة الثقافية


المزيد.....




- السيسي يكشف عن أرقام مهولة تحتاجها مصر من قطاع المعلومات
- -عار عليكم-.. مظاهرة داعمة لغزة أمام حفل عشاء مراسلي البيت ا ...
- غزة تلقي بطلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- نصرة لغزة.. تونسيون يطردون سفير إيطاليا من معرض الكتاب (فيدي ...
- وزير الخارجية الفرنسي في لبنان لاحتواء التصعيد على الحدود مع ...
- مقتل شخص بحادث إطلاق للنار غربي ألمانيا
- أول ظهور لبن غفير بعد خروجه من المستشفى (فيديو)
- من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما ...
- إصابة جندي إسرائيلي بصاروخ من لبنان ومساع فرنسية لخفض التصعي ...
- كاميرا الجزيرة ترصد آخر تطورات اعتصام طلاب جامعة كولومبيا بش ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مهدي النجار - للعقل وقت وللخوف وقت