أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - التسامح وقبول الاخر















المزيد.....

التسامح وقبول الاخر


مهدي النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1633 - 2006 / 8 / 5 - 04:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من التحديات الأساسية التي تواجه الثقافة العربية الإسلامية هي كيفية التعامل مع مفاهيم الحداثة الكونية وكيفية تضمينها وتبيئتها في حقول هذه الثقافة،ثم تصعيدها إلى مستوى الممارسة،أي إخراجها من القوة إلى الفعل،من المفهومية إلى العمل ،من النظر إلى الإجراء،خاصة ونحن نعيش مطالبات ملحة تتعلق بنقل هذه الاجتماعيات من أوضاعها المتردية والمتقهقرة التي تهيمن عليها أنماط الاستبداد القروسطية الحاكمة بالقوة الجائرة والاعتباطية إلى أوضاع معاصرة تسمح بتأسيس دول الحق والقانون،أهم مكتسب توصلت إليه أوربا بعد الحداثة ، وتُلخص هذه المطالبات بما يسمى الإصلاحات الديمقراطية للشرق الأوسط الكبير التي تشمل بطبيعة الحال تغيير البنى الإنمائية والمعرفية ونقلها إلى حال يتناسب ويتساوق مع الإصلاح السياسي،بل إطلاقا لا يمكن تحقيق إصلاحات سياسية نوعية من دون العمل السريع والعميق والواسع في مجالات التنمية وحقول الثقافة، لأننا نلمس بوضوح تعايش وتنامي وازدهار ثقافة الإكراه والعنف والتوحش وانتشارها بشكل سافر في بيئات الفقر والتكاثر السكاني المريع وتفشي الأميات الأبجدية والتقنية، لم يعد الناس قادرين على فتح صدورهم لأنظمة سلالية شمولية،َصعدت من أزماتهم وفقرهم وهمومهم،فانكفأوا للانخراط في التيارات الأصولية املين الخلاص،راحوا يصغون بقنوط إلى نداءات الضغينة التي تظهر عبر فتاوى التكفير وخطب التحريض ،التي تلعب دورا خطرا في تأجيج مشاعر الاعتداء على الآخرين واباحة قتلهم وقتل أطفالهم وسلب ممتلكاتهم وتخريب تجمعاتهم واحتفالياتهم وأماكن ممارسة أفراحهم وطقوسهم،مع كل هذا الذي يرتكبونه من أعمال عنف وتعصب يزعمون إن ثقافتهم(أو معتقداتهم)قد أعلنت التسامح منذ زمن طويل بل ومارسته تاريخيا على طول الخط،ويرمون الكرة في ملعب الغير،دائما الآخر هو المتعصب ونحن المتسامحون،ولاندري عن أي تسامح يتحدثون،وأية مرجعيات أو تشريعات خولت الناس للانقضاض بعضهم على بعض،وفوضتهم حق استلاب حقوق مخالفيهم بالرأي والاعتقاد؟!!ونتساءل بمرارة مع الأستاذ عبد الجبار الرفاعي في افتتاحيته لمجلة قضايا إسلامية معاصرة،معتمداً عدة نصوص قرآنية كريمة تحدد نمط دعوة الرسول الآخرين إلى الدين فتصفه بأنه(مُبشر،ومُذكر،ومُنذر،وشاهد،وسراج منير،ورحمة للعالمين،وما عليه إلا البلاغ ،وليس بمسيطر،وليس بجبار،وما أنت عليهم بوكيل،الخ…)
يتساءل الرفاعي: (فإذا كان النبي(ص)وهو صاحب الرسالة،لم يُفوض في إجبار الناس وإكراههم،فكيف يفوض غيره بذلك؟!وان كان ذلك ليس من وظائف النبي فكيف يُسوغ لاتباعه سلب حرية الناس ومصادرة حقهم في اختيار المعتقد؟! ) مجلة قضايا 28،29 /2004 .
لاريب إن المروجين لثقافة الإكراه وطرد الآخر يزعمون بكل قوة ولهجة آمره إن (ثقافتهم)هي وحدها تمتلك(كل الحقيقة) ومن اجلها تستحق أن تسفك الدماء، وبسبب غلبة الوعي التبجيلي على الوعي التاريخي لديهم فانهم يختزلون الحاضر والمستقبل بتجربة الماضي وبها يواجهون تحديات الحداثة بوصفها غزوًا فكرياً أو حتى عدواناً على ثقافة الأصول،لذا فمثل هذه التيارات الإحيائية المتشددة لم تعش الحداثة ومفرداتها المفاهيمية بصفتها ظاهرة تاريخية وكونية في آن واحد.
إن جميع الثقافات بما فيها الدينية والدنيوية لديها مشتركات قوية يمكن تداولها والتعامل معها والحوار بشأنها من اجل فلاح البشر وتحجيم عوامل قهر الإنسان وتأسيس مجتمعات كريمة تُغرس فيها القيم الروحانية الخلاقة وتتوازن فيها العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتطرد من حقولها قيم الاقهار والعدوانية خاصة إذا نظرنا إلى تاريخ الثقافة العربية الإسلامية فسنجده بلا شك ينتمي إلى نفس الفضاء الواسع بالمعنى الجغرافي والمعرفي الذي تنتمي إليه تراثات الثقافة أو الحداثة ألا وروبية فهي،أي الثقافة العربية الإسلامية أيضا وريثة التراث الثقافي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط(الفلسفة الإغريقية/التراث الديني التوحيدي)من هنا تحصل إمكانية أدراج التسامح على راس هذه المشتركات الذي يقتضي بدوره قبول الآخر والتعايش معه.
إن مفهوم التسامح كما هو سائد في الفرنسية والإنكليزية(to lerance) بالمعنى الحديث للكلمة يعني بالضبط ما يأتي: (الاعتراف للفرد ـ المواطن بحقه في أن يُعبر داخل الفضاء المدني عن كل الأفكار الدينية أو السياسية أو الفلسفية التي يريدها ولا أحد يستطيع أن يعاقبه على التعبير عن آرائه إلا إذا حاول فرضها عن طريق القوة على الآخرين ) ومع ظهور التسامح( القرن السابع عشر)ظهرت مجمل الموضوعات الخاصة بحقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة الفرنسية بمعنى(إن لكل إنسان الحقوق ذاتها بصفته أنسانا فقط ،أي بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه أو اصله أو فصله…).
إن كلمة التسامح مشتقة حديثة العهد في اللغة العربية،مشتقة من السماحة أي الجود والمسامحة:المساهلة،وسمح بمعنى جاد أعطى عن كرم وسخاء (ابن منظور/ لسان العرب ) هذا يختلف جوهريا عن المفهوم الحديث للتسامح حيث :
-لا يعني التسامح كما في الدلالة اللغوية بالجود والكرم،أو نوع من الشفقة والإحسان بمعنى شفقة من طرف أعلى على طرف أدنى،شفقة الغني على الفقير ،المالك على المملوك،الحاكم على المحكوم،القوي على الضعيف،الأغلبية على الأقلية،من اللافت إن هذا النوع من التسامح لا يمكن أن يسير باتجاه عكسي،فلا يمكن أن يشفق المملوك على المالك إنما يجب الانصياع له واحترامه وطاعته.
-لا يعني التسامح مرحلة تكتيكية أو مؤقتة بمعنى التغاضي عن وجود الآخر وثقافته لاسباب قاهرة وقبوله كأمر واقع،إذا ما زالت الأسباب يتم إلغاء الآخر أو احتواؤه.إن المفهوم الحديث للتسامح هو الاعتراف الكلي بالآخر كخيار وجودي في إطار مبدا ما نسميه بحق الاختيار وحقيقة التعددية البشرية.
-لا يعني التسامح تفضلا ومنة من طرف على طرف أو اختيارا ذاتيا بل هو كَسَب عبر تأسيسه الفلسفي والثقافي الحديث قوة بلغت المجال القانوني الملزم.
-لا يعني التسامح انتهازية تعايشيه،أعطيك فرصة حتى تتحول إلى مذهبي،تنصهر في قوميتي،تعتنق ديانتي….هذه المناورة مستبعدة كليا في المفهوم المعاصر للتسامح الذي يعني تقبل الآخرين كما هم وان من حقهم(كما من حقي) أن يعتنقوا ما يشاءون وينتموا إلى ما يريدون.
ليس ثمة عوائق في ثقافتنا العربية الإسلامية تؤول دون التعامل بروح التسامح بمفهومه الحديث الذي يعني أولا واخيرا الاعتراف بالآخر والتعايش معه على أساس حرية الرأي وحرية التعبير والاعتراف لكي يتمتع جميع البشر بحقوق إنسانية متساوية من حيث هم بشر ليس إلا.



#مهدي_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسلام والمعابر الى الديمقراطية
- الثقافة الاسلامية وتصحيح الاسئلة
- الإطار المفهومي للعلمنة
- كيف نفهم الإسلام اليوم ؟ - مقابلة مع محمد اركون
- جدلية الحداثة المادية والحداثة الثقافية


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي النجار - التسامح وقبول الاخر