أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ترييف بغداد وإشكاليات المدينة الرمز















المزيد.....

ترييف بغداد وإشكاليات المدينة الرمز


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6945 - 2021 / 7 / 1 - 14:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قبل أيام نشرت الأستاذة سلوى زكو مقالا قصيرا على صفحتها الشخصية في الفيس بوك تناولت فيها ما يعرف بترييف بغداد وحقيقة موقفها من هذا المفهوم، وأشارت فيه إلى قضية الآباء الأميين والأبناء المبدعين ومستوى هذا التناقض وأثره في رسم واقع بغداد اليوم، عازية النتيجة في النهاية إلى أن الخلل الأجتماعي في العلاقات المشوهة الأجتماعية والسياسية وحتى الأقتصادية لا تعود بالضرورة إلى هجرة مئات الألاف من مناطق الوسط والجنوب إلى بغداد وفرض قيمهم وثقافاتهم ونمط أسلوب الحياة الأجتماعية على وجه المجتمع البغدادي، وترى السيدة الكاتبة وأنا أشاطرها في جزء محدد من التحليل والنتائج أن الإضطراب السياسي وضعف الحكومات وعدم قدرتها على بناء عدالة أجتماعية وسوء توزيع الثروة وفشلها في بناء مجتمع قادر على التماسك والتعاون هو السبب الأول والأخير في ترييف بغداد بل وفي مسخ معالم الشخصية البغدادية .
ولا بد لنا عندما نتناول قضية أجتماعية ذات أبعاد تأريخية وأقتصادية وسياسية وثقافية أن ننظر بعين التحليل العميق للقضية من عدة زوايا ومنطلقات، وأن لا ننظر لها من جانب أيديولوجي له بصمة واضحة في العرض وتلمس النتيجة، فالسيدة سلوى زكو وهو تعبر عن يساريتها المعروفة والتي نعتز بها جميعا إنما تنظر للقضية من جانب واحد هو جانب نصرة الطبقة الفقيرة وتبرير ما يجري وفقا للمبادئ الأساسية لليسار الذي يرمي دوما كل فشل أجتماعي أو نكوص ثقافي وحضاري على عاتق السلطة دون تحديد أسباب ونقاط هذا الدور، فبغداد المدينة التي نشأت وولدت بقرار سياسي وصارت مركزا ومرتكزا ورمزا للطبقة السياسية في كل العصور وبمختلف التوجهات كان لا بد لها أن تجذب في كل تحول سياسي أو أقتصادي أو حضاري الكثير من المؤمنين بهذا التحول وأنصاره في عملية تخادم بين السلطة ومن تمثل بغض النظر عن مكان الهجرة.
وهذا لا يعني أننا نهمل العوامل الأخرى التي ترافق عمليات التحول من تعزيز هذا الجذب والهجرة والتهجير، فعندما تسلط الأتراك في زمن العباسيين المتأخر حدث ذات الشيء وبدأت بغداد تفقد جزءا مهما من طبيعتها وجرى تتريك الكثير من المظاهر الأجتماعية والحضارية التي بقى الكثير منها لليوم، فقد تغيرت أسماء مناطقها ودخلت الكثير من المفردات الثقافية والحضارية لترسم وجه بغداد والمجتمع البغدادي وحتى في طراز المعيشة اليومية، وحدث هذا أيضا في التأثير الفارسي على بغداد في فترة الصراع القطبي بين الفرس والسلاجقة والأتراك والمغول والتتر في عصور لاحقة، وتوالت التغيرات الديموغرافية في بغداد ومجتمعها مع كل تغير سياسي في شكل السلطة وتركيبتها الأجتماعية خاصة وبشكل واضح بعد إنهيار الحكم العثماني أوائل القرن الماضي وخاصة من المناطق التي كانت جزء مهم من بناء السلطة وشكلها السياسي.
هذا الأمر يقودنا إلى حقيقة مهمة في علم الأجتماع وهي أن مدينة بغداد ومجتمعها الحضاري سريعة التأثير والتغير مع كل تغيير سياسي يحدث في هرم السلطة وصولا إلى أدق التفاصيل الأجتماعية فيه، ويمكننا القول وبدون تردد أن الأصالة المزعومة للمجتمع البغدادي هشة ولا تقاوم المتغيرات ولم تؤثر عليها في الجانب المعاكس، فمدينة تأريخية ولدت كرمز سياسي لا يمكنها أن تنأى بنفسها عن التأثيرات الثقافية والحضارية بسهولة وسرعان ما تستوعب هذه التحولات وتصبح جزء من نسيجها الأجتماعي العام، ولو فحصنا سجل التغيرات التي عاشتها بغداد أبان الفترة التي تلت أستقلال العراق من الحكم العثماني ولغاية ليوم نشهد أن الكثير من التحولات الديموغرافية المؤثرة والتي حملت معها تغيرات على مستوى الفعل الثقافي والحضاري لها قد تشاركت فيه كل المناطق العراقية وليس الجنوب والوسط وحدهما بالرغم من أن وضوح الهجرة بشكل حاد بعد أواسط الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي كانت أكثر وضوحا وتأثيرا عليها وذلك لحجم ونوعية الهجرة.
في نهاية السبعينات وفي ذروة سطوة نظام الحكم الشمولي المسيس برؤية طائفية فتحت أبواب الهجرة لفئات معينة وحرم على أخرين موضوع الهجرة والتنقل إليها بدواعي سياسية وطائفية أرادت حماية مكون سياسي ووجه محدد لبغداد، وصدر قانون ملزم بعدم السماح لأي شخص من الأنتقال والسكن في بغداد ممن لم يكن مسجلا فيها حسب تعداد عم 1957 حصرا، مع أستثناء كبير لطبقة محددة هي التي شكلت الهجرة الجديدة، فقد أنتقلت عشرات الألاف من العوائل للسكن في بغداد تحت فقرة الأستثناء السياسي والقانوني لعل في ذلك أن يشكل نجاح في إعادة التوازن مع واقع يميل في غالبيته إلى الطرف الأخر، هذه الهجرة السياسية المقوننة لم تشكل محل دراسة ولا تذكر في الدراسات الأجتماعية لليوم، لكن الحدث الأكبر كان مع سقوط بغداد بيد الأحتلال الغربي وفتح كل الأبواب أمام أنتقال شبه جماعي لتركيبة السلطة الجديدة وداعيمها حتى لم يعد هناك أمل في الحفاظ على ما تبقى من وجه بغداد القديم أو على الأقل الحفاظ على ما تبقى منه، فتحولت العاصمة في ظل الفوضى والإضطراب إلى قرية كبيرة بكل ما تحمل كلمة القرية من معاني أجتماعية وحضارية.
هناك حقيقة مهمة في دراسة عمليات النزوح إلى بغداد وأهدافها وحتى الشكل العام لها، السلطة عندما تريد أن تثبت أركانها وتجسد وجودها بقوة في موقع القرار فإنها بحاجة دوما إلى حاضنة أجتماعية تدافع عنها وتكون قريبة منها، هذا التوجه وهذه الفلسفة هي المعنية بالدرجة الأساس في تفسير ظاهرة الهجرة مستغلة أولا للواقع الأقتصادي الذي تعيشه الحاضنة المفترضة وكيفية تسخيرها لذلك، فعندما حدثت الهجرات الأولى بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة كانت الطبقة البرجوازية والمرتبطة مع نظام الحكم الملكي بحاجة إلى دور الطبقة الوسطى من المتعلمين ومن أصحاب رؤوس الأموال أو ذوي النفوذ الأجتماعي العام، فشكل ذلك دافع للكثير من أواسط هذه الطبقة للهجرة والسكن والعمل في بغداد وخاصة من المناطق التي تشكل فيها أو على العموم نوعا من الأستقرار والتعليم، على العكس من الهجرة من الفرات الأوسط والجنوب التي جاءت نتيجة للتطورات الأقتصادية التي حدثت في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات في العراق الذي لم يشهد تطورا شاملا وممنهجا، بغداد التي تمثل مركز الحركة الأقتصادية النشطة نوعما وبين الوسط والجنوب المدقع بالفقر والجهل والمرض والأمية.
يبقى هناك نقطة أثارت التساؤلات في مقال السيدة سلوى حول دور الأبناء المبدعين أولاد الرجال الآباء الأميين الذين ظهروا في فترة ما بعد الهجرة ودورهم في بناء الثقافة والفن العرقي المعاصر وتحديدا في العاصمة بغداد، وهذا الأمر غير منكر ولا مستنكر ولكن لو تأملنا طبيعة هذا الإبداع وجوهره لا نجده يعبر ولا يجسد روح بغداد الحضارية بقدر ما كان يمثل نفسه وصراعه مع الواقع السياسي والأقتصادي الطبقي، فلم يكن نتاج هؤلاء المبدعين نتاج لروح بغداد وتأثيراتها عليهم، بل هو نتاج طبقي ذو روح متمردة يساري في معظمه تحول لاحقا وفي جزء مهم منه إلى توجه مناقض أصلا لروح بغداد المدنية، فهو يمثل شكل الأنعتاق من سطوة الريف وقوانينه وتقاليده لكنه بروح غربية أو مستغربة متأثرا بالوافد الثقافي أكثر من كونه إرهاص لمرحلة التحولات الأجتماعية المحلية، هذا بالإضافة إلى الثمن الذي دفعته بغداد من جراء وفادة المهجرين الأميين، فعشرات بل ربما المئات من المبدعين هناك جيوش تقدر بالملايين لم ينفكوا عن الإرتباط ببيئتهم القديمة وشكلوا نوعا من الطبقة الرثة فكريا وحضاريا شكلوا سوادا قاتما أضاف الكثير من الريفنة وقرينة المدينة التي مازالت تعاني من الهجرات اللا منسقة والتي أثقلتها بعبء فوق طاقتها لتجعلها تتخبط بالأزمات دون بوادر حل أو أمل في معالجة حضارية وحقيقية لواقع مدينة تنتكص كل يوم للوراء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات أحرى
- مكابدات إنسان حائر
- رواية السيد حمار بعد التطوير ح4
- رواية السيد حمار بعد التطوير ح3
- نداء..... للشهيد مصطفى المعلق على جسر
- رواية السيد حمار بعد التطوير ح2
- رواية السيد حمار بعد التطوير ح1
- الصعود الحضاري للمجتمعات القديمة بين فاعل القيم مفعولية الفر ...
- الصعود الحضاري للمجتمعات القديمة بين فاعل القيم مفعولية الفر ...
- طبيعة الطرح الموضوعي في القرآن الكريم
- معادلة الوجود والعدم كما يفهمها النص القرآني.
- وهم القوة
- محنة
- فرات
- ماذا افعل؟....
- الخطة الأقتصادية... أداة نهوض وبناء حقيقي
- صوفيات 2
- لماذا التنمية الأقتصادية؟.
- الصيام شهر أم أيام معدودة
- خلق آدم بين مشهدية سفر التكوين ورواية القرآن. ح3


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - ترييف بغداد وإشكاليات المدينة الرمز