أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عوض حبيب - الآمن القومي العربي وأطماع دول الجوار















المزيد.....


الآمن القومي العربي وأطماع دول الجوار


عوض حبيب
كاتب / دكتور العلوم السياسية والعلاقات السياسة الدولية والقانون الدستوري

(Awad Salim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 6938 - 2021 / 6 / 24 - 17:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ا
لأمــــن القومـي العـــربـي وأطماع دول الجوار










يُعد المجال الجغرافي عنصراً مهما في مجال الأمن القومي , فهوا يشكل بْعدً ا دائماً في الحسابات الجيوبوليتكية في منطقة "الوطن العربي " والتي كان منذ ظهور الدولة بالمعنى الحديث للكلمة آنذاك , و لذا يقول "ألكسندر دوقاي": "مع ولادة الدولة في الوطن العربي قبل ثلاثة آلاف سنة من العصر الميلادي، اكتسب المجال بعدا جيوسياسياً دائما، ذلك أن هذا المجال قد أصبح رهانا وميدانا لنشر القوة , وليس عبر السيطرة على الطرق الاستراتيجية والثروات الحيوية فقط " ولكن أيضا السيطرة على الأراضي أو على "الأمكنة الرمزية" ثم إن مثل هذا التداخل يجعل من المجال الجغرافي خاصة في زمن العولمة وثورة الاتصالات أرضا للمناورات المحلية والإقليمية والدولية.

وفي إطار هذا السياق يمكن القول أن المنطقة العربية تشغل مجالا حيويا في قلب العالم حيث تتربع على مساحة تقدر ب: 11.969.706كلم2 , و تعتبر نقطة تقاطع مهمة بين أوروبا، وآسيا وإفريقيا وبين الشمال والجنوب، وبين الشرق والغرب، وتتحكم المنطقة بمجموعة من أهم مواقع المرور الدولية، وهي: قناة السويس بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ومضيق باب المندب بين البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، ومضيق هرمز بين الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي ، ومضيق جبل طارق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطي .

لكن تبقى الإشارة إلى أن المدلول المعاصر للجيوسياسية ضروري لمقاربة مفهوم الأمن القومي العربي ضمن سياق ملائم للتطورات الحاصلة، حيث يرى "الكسندر دوقاي" أن الجيوسياسية ثمرة تلاقي ثلاث مكونات رئيسة هي :علمية ، تكنولوجية ، سياسية , ويحدد الكسندر دوقاي ثلاث دول ساهمت في ازدهار هذا المفهوم المعاصر وهي المملكة المتحدة ، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية, لكن السؤال الأهم المطروح الآن: أين يقع مفهوم الأمن القومي العربي من هذه الاعتبارات المعاصرة للجيوسياسية؟.
ومن هنا كانت العودة بالإهتمام بهذا المجال له صلة بنهاية الحرب الباردة , وتفكك الإتحاد السوفيتي , وصعود الولايات المتحدة كقطب أوحد , وذو أجندة خاصة في المنطقة وعلي أولوياتها أمن إسرائيل , إلي جانب نصيبها في الطاقة من منطقة الخليج وليبيا ومصالحها الإستراتيجية , و في هذا الإطار تزايدت الصراعات الإقليمية، إضافة إلى أن الجيوسياسية المعاصرة أصبحت تصنع الوسط الجغرافي، فالتقدم التكنولوجي المحقق يحرر السياسة من مستلزمات الوسط الجغرافي.
ومن هذا المنطلق تتواجد المنطقة العربية ضمن إطار جغرافي تتجاذبه مصالح وأجندات القوى الكبرى، حيث أصبح إقليما أو ساحة مفضلة لممارسة الصراع والأطماع وتدافع المفاهيم الأمنية المتناقضة والمتقاربة، وهو ما أثر على تراجع مفهوم الأمن القومي العربي , ولقد تعددت مضامين مفهوم الأمن القومي على اختلاف توجهات تعريفه , من أمن قومي، أو أمن وطني، أو أمن إقليمي.
إضافة إلى ما عرفته البيئة السياسية العالمية بعد الحرب الباردة من تطورات تكنولوجية معلوماتية كما سبق أن أوضحنا ،وقد أفرزت تهديدات أمنية جديدة أعادت طرح قضايا متعلقة بالأمن القومي (اللين) على محك البحث والتساؤل, حيث لم يعد الأمن مقتصرا على الأبعاد العسكرية التقليدية كما كان، فقد شكل البعد المعلوماتي أحد العوامل الجديدة في معادلة الأمن القومي ،وإن لم يكن عاملا أساسيا، فإن هناك نوع من الضرر الجسيم الذي يمكن أن يلحقه التأخر في هذا المجال بالأمن القومي .
ومؤخرا قد تغير مفهوم "الأمن القومي" فهو يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين, فكان تقليدياً من قبل كان يتم تعريف الأمن القومي على أنه الحماية من الهجوم الخارجي، أو من عدو يريد أن يحتل أو يستعمر أو جوار يريد أن يقتطع جزء من الأرض , وبالتالي فقد تم النظر إليه بشكل أساسي على أنه يعني دفاعات عسكرية في مواجهة تهديدات عسكرية, وقد ثبت أن هذه الرؤية ضيقة جيداً جدا، وإنها قصيرة النظر , وإتضح مؤخراً أن الأمن القومي يتضمن ما هو أكثر من تجهيز قوات مسلحة واستخدامها.
وقد تكلم كثير ممن تخصصوا في هذا المجال أمثال تريجر وكرننبرج فهم يعرفون الأمن القومي بأنه "ذلك الجزء من سياسة الحكومة الذي يستهدف خلق الظروف المواتية لحماية القيم الحيوية", وكذلك يعرفه هنري كيسنجر بأنه يعني "أية تصرفات يسعى المجتمع – عن طريقها – إلى حفظ حقه في البقاء , أما روبرت ماكنمارا فيرى أن "الأمن هو التنمية، وبدون تنمية لا يمكن أن يوجد أمن، والدول التي لا تنمو في الواقع، لا يمكن ببساطة أن تظل آمنة .
ويوضح باري بوزان تنوع تعريفات مفهوم الأمن القومي أن هناك قدراً من القصور النظري للمفهوم, ويذكر عدة أسباب لذلك القصور ، وهي :
 أن الأمن القومي مفهوم معقد ومركب لدرجة يصعب معها جذب الدارسين إليه، حيث انصرفوا إلى مفاهيم أكثر مرونة، أي أنه مفهوم مثير للخلاف والاختلاف.
 التشابك بين الأمن القومي ومفهوم القوة، لاسيما بعد بروز المدرسة الواقعية التي رسمت فكرة التنافس من أجل القوة في العلاقات الدولية، وبحيث يُنظر للأمن على أنه مشتق من القوة وأنه أداة لتعظيمها.
 ظهور موجة من المثاليين ترفض المدرسة الواقعية وتطرح هدفاً بديلاً للأمن القومي وهو السلام.
 غلبة الدراسات الإستراتيجية في مجال الأمن القومي واهتمامها بالجوانب العسكرية للأمن، وتكريسه لخدمة المتطلبات الدفاعية والحفاظ على الوضع القائم، مما أسهم في تحجيم الأفق التحليلي والبعد النظري للمفهوم.
 دور رجال السياسة في تكريس غموض المفهوم، لتوفير فرصة أكبر من المناورة عليه سواء في أغراض الاستهلاك الداخلي أم الصراع الخارجي.
وإذا تحدثنا عن الأمن القومي العربي علي وجه الخصوص , نجد أن الدول العربية في قممها المتعددة وأضعافها , قد قامت على مستوى العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول العربية ببحث ملف الأمن القومي العربي ، وما يواجهه من تحديات وتهديدات ، والتي تزداد عاماً بعد عام، حتى وصلت ذروتها كما لم تصل من قبل ، وحري بالذكر قبل أن نتطرق لتهديدات الأمن القومي العربي في 2011 , 2015أن نذكر بمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل الذي خلصت إليه في ثوراتها, مجموعة عمل من الخبراء والمتخصصين تنفيذا لقرار اجتماع الجامعة العربية على مستوى القمة رقم 336 بشأن الأمن القومي العربي المنعقد في القاهرة 18 ـ 19 يوليو 2007 إلى اقتراح التحديد التالي لمفهوم الأمن القومي العربي بمعناه الشامل .
حيث انصرف مفهوم الأمن القومي العربي إلى قدرة الدول العربية مجتمعة كليا أو جزئيا على الدفاع عن نفسها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها وسلامة أراضيها وتقوية ودعم هذه القدرات بتنمية الإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية والتقنية استنادا للخصائص الجيوسياسية والسياسية والحضارية التي تتمتع بها أخذا بالاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لِكُلّ دولة والإمكانات المتاحة والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي الذي يعتبر الركن الأساسي في الأمن الإقليمي وفي استقرار المنطقة .
كما إن مفهوم الأمن القومي العربي يعتبر وسيلة للحفاظ على الإنتماء القومي وتعزيز الهوية العربية ويمثل عنصرا أساسيا في الربط بين الدول العربية وصيانة مصالحها الوطنية والقومية وتحقيق نمائها المطلوب طبقا لمتطلبات الأمن القومي العربي, ومن هذا المنطلق , يتبين من التعريف السابق أنه ينطوي على خلط لمفاهيم أمنية متعددة ومتشعبة لا يمكن معها إعطاء صفة محددة للأمن القومي العربي كما تقتضي الضرورة , ولكن من التعريف السابق يمكن أن نضع أيدينا على متطلبات الأمن القومي العربي التي يجب أن تجد الأنظمة العربية لتحقيقها من خلال ضبط سياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الثنائية أو متعددة الأطراف كالتالي :
1. أن يكون متكاملا و قائما على الوحدة والتعاون .
2. أن يكون واقعيا ومنطقيا وقابلا للتطبيق .
3. أن يمتلك القدرة على الردع وبسط السيادة .
4. أن يمتلك الموارد والأدوات اللازمة لتحقيقه.
5. أن يحمل في داخله قيم الحضارة الإسلامية و الإنسانية.
وبالنظر إلى المعايير والمتطلبات السابقة مقارنة بالتعريف الذي سبقها يتبين لنا مدى التفاوت والهوة الكبيرة بين التعريف والمتطلبات التي ينبغي أن يكون عليها مفهوم الأمن القومي العربي بين المفقود والمأمول !! وبمناقشة المتطلبات السابقة نجد أن الواقعية مثلاً ,هي من أهم الخصائص اللازمة للأمن القومي التي ستسهم لو وجدت في بناء أمن قومي عربي , وهنا سؤال في غاية الأهمية ويضع الأمور في نصابها .
• هل الوضع الحالي للأمة العربية بما يشهد من حالة تشرذم وتفكك وسيولة يجعل من الأمن القومي العربي أمراً واقعيا؟ .
• هل حجم التهديدات الموجهة إليه تجعل من مقاومتها أمرا ممكنا؟ .
• هل القيادة السياسية حرة في قراراتها , أم تابعة تستسقي قراراتها حسب أجندات أخري؟
وتستدعى الإجابة على هذه التساؤلات مناقشة أهم المتطلبات اللازمة لصيغة نظرية الأمن القومي العربي وهي:
1. مدى توفر وامتلاك الإرادة السياسية.
2. تحديد ماهية المصالح القومية العربية.
3. الوقوف على طبيعة التهديدات الحقيقية التي تواجهها الدول العربية.
4. القرار فيما إذا كان هنالك عدو حقيقي وآخر وهمي ثالث محتمل.
5. صياغة التحالفات الممكنة التي تحقق الأمن القومي العربي.
6. تحديد المتطلبات ومقارنتها بما يمكن تطبيقه وتحقيقه.
7. وضع الخريطة الشاملة لنظرية الأمن القومي العربي.
ولاشك أن هناك عدة من العوامل المؤثرة في صياغة نظرية الأمن القومي العربي , وهناك الكثير من هذه العوامل إيجابية و أخري سلبية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند صياغة خريطة شاملة لنظرية الأمن القومي العربي ومنها :
1 ـ إتّساع رقعة الدول العربية وكثرتها التي تبلغ إلي العدد ( 22 ) دولة.
2 ـ دول الجوار الجغرافي وتعدد مصالحها وتقاطعها في بعض الأحيان.
3 ـ مراعاة البعد الدولي و الإقليمي الحاكم بالوجود الفعلي على الأرض العربية.
4.ـ تفاوت الوضع السياسي الداخلي للدول العربية .
5.ـ تفاوت الوضع الاقتصادي للدول العربية المعنية بنظرية الأمن القومي العربي.
6.ـ اختلاف أنماط التحالفات البينية العربية ومدى تأثيرها سلبا أو إيجابا .
7ـ إختلاف أنماط التحالفات الإقليمية والدولية ومدى تعارض هذه التحالفات
8 ـ أثر الاتفاقات التي أبرمتها بعض الدول العربية ،مثل اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ومعاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية .
9 ـ الإختراق العميق الذي تعرض له الأمن القومي العربي بفعل الاختراقات الصهيونية والأمريكية والإيرانية والروسية وأثره السلبي على صدقية الإلتزام القومي العربي ، وليس أدل على ذلك من الموقف العربي السلبي من الحصار (الصهيو- أمريكي) لشعبنا في غزة ، والموقف السلبي من التدخل الروسي والإيراني في سوريا .
10 ـ مراعاة البعد الطائفي وامتداداته، والحواضن السنية والتيارات الحركية والسياسية وتأثيراتها على الأمن القومي العربي.

وكما يصعب دراسة الأمن القومي العربي بمعزل عن التأثيرات والانعكاسات العالمية، فقد أدت التحولات البنيوية والمتغيرات العالمية إلى التأثير على النظام العربي، بحيث بدا الأكثر اختراقاً على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى القيمية، حيث عمدت الدول الكبرى للتغلغل والحيلولة دون بروز نظام عربي قوي،
وذلك عبر اختلاق محاور للصراع بين عدد من الدول العربية من ناحية، أو بين الدول العربية ودول الجوار من ناحية أخرى.

كما جعل في ظهور (واشنطن) وحلفائها بصورة الضامن الرئيس لأمن
دول المنطقة، والمهندس لميزان القوى الإقليمي لها, وأفضى ذلك إلى بروز مصادر تهديد جديدة للأمن القومي العربي، أو تعاظم مصادر تهديد كانت قائمة، التهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي , من خلال استقراء الواقع والحالة التي يعيشها الأمن القومي العربي في 2015 تتمثل أبرز التهديدات التي يواجهها فيما يلي :
1ـ الإرهاب وأدواته ووسائله وأبرزه تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش).
2ـ التهديد النووي الإيراني بالدرجة الأولى تهديداً أمنياً خطيراً لدول مجلس التعاون الخليجي.
3 ـ الإختراق الإيراني كما في العراق واليمن ولبنان وسوريا .
4 ـ الحضور الأمني الأمريكي في الخليج العربي.
5 ـ التهديد الإسرائيلي الإحتلالي في فلسطين.
6 ـ التهديد البيني بالتحالفات المتعارضة بين بعض الدول العربية.
7 ـ الإحتراب الداخلي بين مكونات بعض الدول العربية كما في العراق واليمن وسوريا .
8 ـ التدخل الروسي العسكري في سوريا.
9ـ تهديد السلم الأهلي بسبب الإحتراب الداخلي كما في مصر وليبيا واليمن بسب الثورات والثورات المضادة .
10 ـ الجاليات الأجنبية (الأسيوية على وجه التحديد) عنصر تهديد لأمن دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر إلى نسبتها العالية إلى عدد السكان ولتباين أصولها وثقافاتها ومرجعيتها.
11ـ الرعب النووي بين الهند وباكستان اللتان تمثلان الجوار المباشر لدول المجلس ومن جهة الجنوب الشرقي.
12 ـ التهديد الناجم عن الهجرة وتزايد عدد اللاجئين من أثر الأزمة السورية.
13 ـ الفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية التي توجد بها إثنيات عرقية وطائفية.
14 ـ الحروب الوشيكة بسبب التنازع على المياه كما في حوض النيل.
15 ـ الخلافات على الحدود كما في الخلاف الجزائري - المغربي حول الصحراء فضلاً عن استباحة المياه الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية للمغرب وموريتانيا وعدم قدرتهما على حماية هذه المناطق على بما تيسر لها , و هناك العديد من التهديدات الأخرى التي تحتاج لدراسات موسعة وتقسيمات على حسب نوعها وخطرها وطبيعتها , والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن :
هل يصلح النظام الأمني العربي الحالي للدفاع عن الأمن القومي العربي؟
ولعل إستعراض التهديدات المشار إليها تبين قصور النظام الأمني العربي فاتفاقية الدفاع المشترك وما تمخض عنها لم تعامل بالجدية المطلوبة كما لم تضع الدول العربية نظرية أمنها القومي القابلة للتطبيق , ويتجلى ذلك في إنّ استمرار الإلتزام الأمريكي الصريح والمعلن بأمن إسرائيل بقي مبدأ يهدد الأمن العربي، وتصاعد هذا التهديد في ظل غياب قوى عظمى حتى الآن في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كانت حرب الخليج وما نجم عنها من تفكك للنظام العربي.
وإتساع الخلافات العربية – العربية على الصعيدين الإقليمي والدولي، علي سبيل المثال بين السعودية وسورية , والسعودية وقطر , وقطر ومصر , وقطر وليبيا , والجزائر والمغرب , وما نتج عنها وما أفرزته من نتائج خطيرة على مستقبل العلاقات العربية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وآثارها التي أدت إلى زيادة الخلل في الميزان العسكري لصالح إسرائيل عبر تدمير قوة العراق، واستثناء إسرائيل من أي مبادرة أو تصريح أو إعلان ينص على منع انتشار الأسلحة الصاروخية الباليستية أو أسلحة الدمار الشامل , ومحاسبة الجميع علي الأسلحة النووية إلا إسرائيل بإعتبارها الأبنة المدللة لأمريكا لسيطر بها علي الوطن العربي .
لكن ولإستجلاء أثر تطورات الصراع العربي- الإسرائيلي وظروف التسوية النهائية على الأمن القومي العربي، فإننا نلاحظ أن المعاهدات والمفاوضات الجارية والحروب التي تلتها (حرب لبنان وقطاع غزة) تحاول التمهيد لقيام مشاريع إقليمية تعاونية، كما هو الحال في مشروع الشرق أوسطية أو المتوسطية , وصفقة القرن , المقترح الأمريكي الإسرائيلي بتفريغ فلسطين من أهلها وترحيلهم للوطن البديل مثل الأردن , بإعتبار في وجهة نظر إسرائيل وأمريكا أن الأردن هي أرض فلسطينية , ومباركة دول مجلس التعاون بعد التطبيع مع إسرائيل وعقد مؤتمر وسُمي بورشة عمل , وأطلقوا عليه إتفاقات إقتصادية للمنطقة (( ضحك علي الذقون)) بهذا الغرض في مملكة البحرين .
وهذه المشاريع كلها لم يكن هدفها فقط إستكشاف آفاق التعاون في مرحلة ما بعد السلام بقدر ما هي عملية تغيير جذري في الأولويات، ومحاولة خلق وقائع مادية، وبنى تنظيمية ومؤسسية تسهم بتشكل تدريجي وتراكمي في إعادة تشكيل خريطة المنطقة العربية، وفقاً لصيغ جديدة ذات أبعاد أمنية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية، تمس بنية الأمن القومي العربي، وتتجاوز الهوية العربية، والإستعاضة عنها بهوية متعددة القوميات من خلال إختزال الوطن العربي كوحدة إقليمية، والتعامل مع أجزاء منه، وضم أطراف أخرى إليه عبر إدخال إسرائيل في نسيج هذه المنطقة.
ولقد رأت تركيا أن تحركها في الدائرة العربية ودائرة آسيا الوسطى يشكل فضاءات أرحب لحركتها الإقليمية، ونفوذها الدولي، وقدراتها العسكرية والسياسية والإقتصادية، لهذا عمدت إلى تقوية دورها في عدة محاور وركزت عليها بدءاً من المشاركة في مشاريع نقل المياه، وإنشاء صندوق للتنمية في المنطقة ومشاركتها في المفاوضات متعددة الأطراف ورعايتها كوسيط للمفاوضات السورية – الإسرائيلية مسبقا.
ثم إلى موقفها من حركة الإحتجاجات الشعبية العربية في بعض الدول العربية، حيث يرى البعض أنها بدأت تخاطب الشعوب العربية من فوق رؤوس حكامها بعد أن كانت قد سعت إلى (تصفير) مشاكلها مع معظم الدول العربية وخاصة سوريا والعراق، إلا أن المرحلة الأخيرة شهدت إنتكاسة لعلاقاتها مع هاتين الدولتين ومع السعودية بمقتل الصحفي مزدوج الجنسية خاشقجي في السفارة السعودية بتركيا , و لأسباب سياسية تتعلق بموقفها من الأوضاع الداخلية في سوريا ورعايتها مؤتمر دول أصدقاء سوريا (الذي يدعم الحركة الاحتجاجية) .
وإختلافها مع العراق على أثر تداعيات عمليات حزب العمال الكردستاني التركي وتوغلها داخل الأراضي العراقية والسورية ، وإثارتها أزمات الأراضي المتنازع عليها مع هاتين الدولتين، أو حصص المياه التي تم إقتسامها عبر نهري دجلة والفرات, خلاصة القول أنه رغم المد والجزر في العلاقة العربية- التركية فإنها محل خلاف على الصعيد العربي حول ما إذا كانت عامل دعم للأمن القومي العربي أم مصدر تهديد مباشر له , وخصوصا إحتوائها العناصر الإرهابية من الإخوان المسلمين المحظورة والمعارضين لمصر والسعودية الأن .
أما إيران فتسعى القوى الكبرى (الولايات المتحدة والغرب) إلى محاولة إقناع الجانب العربي أن إيران تشكل تهديداً لأمنها القومي وخاصة دول الخليج العربي, الأمر الذي يقلل من الطابع التعاوني للعلاقات مع الجانب العربي، يُغيِّر من إدراكات الجهات الحاكمة الخليجية تجاه إيران عبر المبالغة في تأثير التهديد الإيراني على الأمن الخليجي، وإستبعاد إسرائيل من كونها تمثل تهديداً حقيقي , لهذا نرى الموقف الخليجي ومعه بعض الدول العربية تجاه إيران ومحاولتها كسر التحالف الإستراتيجي السوري- الإيراني، والعمل على التعاون مع الولايات المتحدة لتشديد العزلة عليها وإستخدام الملف النووي الإيراني كإحدى الوسائل المهمة لتحقيق هذه الغاية, مع أن إسرائيل هي العدو الحقيقي , وإيران دولة إسلامية من دول الجوار , ذات صهر ونسب .
ومن هذا المنطلق فإن كل المحاولات التي تفعلها الولايات المتحدة الأمريكية وتحاول أن تقنع به دول مجل التعاون , أن إيران هي العدو اللدود لهم وأن إيران تريد أن تبتلعهم , علي العكس أن أمريكا تجعل من إيران فزاعه لدول الخليج لتبقي أمريكا الحارس الأمين لهم لتمتص دمائهم متي يأتي اليوم ويتحد العرب ويكونوا يدا واحدة ويعتمدوا علي الله أولا ثم علي تعاونهم ويتركوا ثقتهم بالغرب الذي يخوفهم من بعضهم ومن جيرانهم.
فلم يذكر التاريخ يوما , أن دولة تمكنت من السيطرة على مقدرات العالم، وأحكمت سيطرتها عليه، ومن ثم حققت لنفسها الأمن المطلق، وهذا يعود لسبب واحد وهو أن الأمن المطلق لدولة ما يعني التهديد المطلق لأمن كل الدول المجاورة، بل حتى الدول التي إختارت طريق الحياد لا تعيش في أمن مطلق، بل يمكن تهديد أمنها بفعل القوى ذاتها التي حافظت على حياد تلك الدول والتاريخ ملئ بالعبر والأمثال في تلك الواقع .
وعلي الجانب الآخر يكون سعي الدول لزيادة هامش أمنها دافعاً للأطراف الأخرى لسد الفجوة، أو تعويض النقص، وبالتالي تدخل كل الأطراف في تسابق أمني هائل ليس له سوى نتيجة واحدة وهي الإخلال بالأمن, ومن ثم فإن ما تسعى إليه كل الدول عادة هو تحقيق الأمن القومي النسبي لها آخذة في الاعتبار أمن الدول المجاورة، أو تلك التي تدخل معها في علاقات وثيقة، كما أن مفهوم الأمن القومي نسبي من الناحية الإيديولوجية، فتغير نظام الحكم في دولة ما بشكل أساسي، أو تغير الإيديولوجية التي تأخذ بها النخبة الحاكمة، كلها تطرح تأثيراتها على مفهوم الأمن القومي



#عوض_حبيب (هاشتاغ)       Awad_Salim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم توازن القوة في العلاقات الدولية
- حالة المجتمع الدولي السا ئدة اثناء الحرب الباردة 1945 1991م.


المزيد.....




- مسؤول أمريكي لـCNN: سقوط قذائف بالقرب من موقع تفريغ لرصيف مس ...
- حزب الله ينفذ 11 عملية ضد القوات الإسرائيلية ومواقعها العسكر ...
- لماذا علقت الولايات المتحدة شحنة أسلحة تضم قنابل ثقيلة الوزن ...
- إيطاليا تمنع طائرات المنظمات غير الحكومية من الإقلاع من جزر ...
- رفح.. نزوح قسري جراء الضربات الإسرائيلية
- رفض فلسطيني لاحتلال إسرائيل معبر رفح
- صافرات الإنذار تدوي في الجولان السوري المحتل
- بيسكوف يدعو لعدم تهويل صعوبة المباحثات الروسية الأرمنية
- جبران باسيل لـRT: حزب الله لا يحقق شيئاً للبنان بحربه لمساند ...
- عضو بالكنيست الإسرائيلي: إما صواريخ أمريكية دقيقة أو سنقوم ب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عوض حبيب - الآمن القومي العربي وأطماع دول الجوار