أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (2من 7) هل كانت النخبة السودانية في موعدها؟















المزيد.....

هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (2من 7) هل كانت النخبة السودانية في موعدها؟


تيسير حسن ادريس

الحوار المتمدن-العدد: 6880 - 2021 / 4 / 26 - 17:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(11)
ليس عسير على المتأمل لخارطة الحراك السياسي والاجتماعي؛ قبيل ثورة 19 ديسمبر2018؛ -التي رفعت الشعارات الأكثر وضوحا في تاريخ الانتفاضات الشعبية السودانية-، أن يرى بوضوح أن النخبة السودانية لم تكن الفاعل الرئيسي؛ ولا الملهم التاريخي لشعبها المنكوب؛ بقدر ما تباينت أدوارها ما بين الانحياز الخجول للحراك الثوري، والحيرة في تأييده، أو التزام الحكمة النرجسية، والترقب متشبثة في معظمها بأطروحة (الهبوط الناعم)؛ والتغيير التدريجي ...، وغيرها من مقولات التبرير؛ والالتواء؛ والتأجيل؛ فهل كانت النخبة السودانية؛ فعلا على موعدها مع التاريخ في زمن التغيير؛ الذي حدث في 19 ديسمبر 2018م كما تدعي؟.
(12)
الأرجح أنها لم تكن كذلك؛ وأضاعت الموعد؛ رغم كل ما قيل؛ وقد يقال عن أدوارها الخفية المزعومة؛ وعلى العكس من ذلك فقد تقاعست؛ ولعب جل أفرادها ولا يزالون ادواراً مخزية؛ حيث يمكننا أن نلحظ بسهولة؛ أن معظم المثقفين والفنانين – إذا ما استثنينا منتمي اليسار -؛ قد كانوا غير مبالين كثيرا بروح الحراك الذي عرفته البلاد طوال فترة حكم الحركة الإسلامية، بل قد ارتمى قطاع مقدر منهم في حضن نظام الاستبداد؛ وتعاونوا معه؛ وانتمت طائفة منهم مباشرة لمؤسساته السلطوية؛ وانتسبوا فعليا لأجهزته القمعية؛ وفي الغالب ليس قناعة؛ بل طمعا في امتيازاتها وريع مجالسها فائقة السفه والتبذير.
(13)
وبينما التدافع السياسي والثقافي في البلاد على أشده؛ فضل العديد من أفراد النخبة الثقافية والفنية؛ الاستغراق في الذوات النرجسية؛ والفذلكات النظرية؛ أو الصفقات؛ والعقود؛ والمشاريع المستعجلة. حيث لم يسجل التاريخ؛ تفاعلا حقيقيا لهذه النخبة مع الحراك الاجتماعي المحتدم؛ أو إعلان موقف علنيا داعم لمشروع التغيير؛ إلا من منتمي اليسار والحزب الشيوعي على وجه التحديد؛ فوحدهم مثقفو وفنانو الحزب الشيوعي؛ قد كان لهم الحضور؛ والاثر الواضح في مقاومة الطغيان؛ والتزموا وكانوا دائما على استعداد؛ لدفع استحقاقات مواقفهم؛ رغم العنف؛ والبطش؛ الذي واجهتهم به قوى الظلام.
(14)
أما النخبة السياسية؛ التي تتقن "الخطب الخشبية"؛ وتجيد تبرير الإرجاء والانتظار؛ فقد انشغلت بمصالحها الذاتية؛ وكيفية استرداد حصتها من الكعكة السلطوية، وظلت تمارس في رتابة نفض الغبار عن أرشيفها الحزبي؛ وتجتر ذكريات نضالاتها؛ لعلها تحفظ بعض ماء الوجه، عاكفة تقرأ من ذات الكتب الصفراء؛ ولا تجيد غير تقديم مذكرات الخضوع السياسي؛ التي استغلها دوما نظام الاستبداد البائد؛ في فك الخناق من حول عنقه؛ في العديد من المنعطفات التي عصفت به؛ طوال عمر سلطته؛ حيث ظلت نخب الإصلاح؛ طوال الوقت؛ جاهزة لتقديم الغوث له؛ في صورة مذكرات؛ ومبادرات لرفع العتب ليس إلا؛ اطالت عمر نظام الطغيان؛ طمعا في تنازله؛ ولو عن جزء يسير؛ من كعكة السلطة والثروة.
(15)
لم تعي هذه النخبة السياسية العتيقة؛ التي احتكرت قيادة احزابها لعقود طويلة؛ تاركة جماهيرها في جب المعاناة؛ بأن الجماهير قد راكمت وعيا يكفي لخروجها ثائرة، بعد أن ايقنت ان قياداتها التي شاخت وتكلست؛ لم تعد صالحة لزمن التغيير، واقتنعت بأن السودان الذي يتخلق من جديد اليوم؛ لا يمكن أن يولد على يد ذات الوجوه والأفكار وبنفس نهج التآمر والدسائس والبطولات الكاذبة.
(16)
لقد كشفت ثورة 19 ديسمبر المجيدة؛ مدى تواطؤ غالب النخبة السودانية القديمة؛ مع الفكر الشمولي السائد؛ وعرت ضعف تأهيلها؛ وعجزها؛ عن تحرير المجتمع من الطغيان؛ فقد ظلت طوال عمرها المديد؛ غير راغبة في شيء سوى المحافظة على جماهير ميكانيكية مغيبة؛ تصفق لها وتقف منها موقف الثناء والتبجيل...؛ بينما هي غارقة حتى اذنيها في نرجسية مرضية؛ تدفع أفرادها لاستبعاد بعضهم بعضا، فكل فرد في هذه النخبة المعلولة؛ يرى في نفسه الفارس الأوحد؛ الذي لا يشق له غبار؛ والمخلص المنتظر؛ الذي ليس بعده.
(17)
ملت جماهير شعبنا مشاهدة مسرحية؛ معارضة النخبة الثقافية؛ للنخبة السياسية باللسان؛ وتواطؤها معها بالفعل؛ ضد الرؤى والأطروحات؛ التي تدعو لها وتلهج بها ليل نهار، متماهية معها تماهيا عجيباً؛ يجسد طبيعة النرجسية المرضية الصادرة عن عشق الذات؛ وهو ما يجعل تلك النخب (ثقافية وسياسية)؛ تسهم في إعادة إنتاج الأزمة الوطنية – عوضا عن معالجتها –؛ وخير دليل على ذلك اسهامها المتواصل؛ في تشويه الثورات؛ والانتفاضات؛ الشعبية السودانية الثلاثة لتأتي المحصلة؛ مزيدا من الهزال الوجودي؛ وضعف إرادة التحرر والتقدم.
(18)
المجتمع السوداني ليس بحاجة؛ إلى "نخبة متواطئة؛ تؤثث لديمقراطية شكلية ومؤسسات معطوبة، ولا إلى دعاة "شعوذة"؛ يحولون السياسة؛ إلى أضرحة وصكوك غفران ومزارات، ويحلون واقعنا السوداني إلى حقل الغام؛ ومؤسسات تمتهن السرقة والفساد؛ كما أنه لا يحتاج إلى مثقفين؛ يزورون التاريخ؛ ويحنطون الأفكار والنظريات أو يحولونها إلى أوثان تعبد؛ ومن بعد يحترفون الخضوع؛ والركض خلف العطايا السلطانية المغمسة بالذل، ولا إلى نجوم مجتمع؛ همهم الأول والأخير؛ الظهور على القنوات الإعلامية بدعوى الالمعية. إن كل ما يحتاجه المجتمع السوداني؛ هو وجود نخبة مخلصة وجادة؛ ملتزمة بروح التغيير؛ أي نخبة نزيهة تحول غَنَاء المجتمع وتنوعه وإمكاناته؛ إلى عملة حضارية قابلة للصرف والتداول، بالشكل الذي يكفل تطوير عناوينه الوجودية؛ وتجديد مفاهيمه الأساسية؛ حول العالم ونفسه، ولعمري ذاك هو الشرط الذي يعطي النخبة؛ مشروعية الوجود في أي مجتمع بشري.
(19)
يرجع بعض المحللين السياسيين؛ أسباب انتكاس الثورات الشعبية السودانية؛ بما فيها ثورة 19 ديسمبر 2018م الأخيرة؛ إلى التوظيف "المسرف للإيديولوجيات" من قبل النخبة بجميع تياراتها وتوجهاتها، الشيء الذي قاد الى تقليص دور الجماهير؛ ووقوعها تحت سطوة ما يعرف بـ (سلطة النخبة)؛ المالكة الوحيدة حصريا لحق الزعامة والقيادة، دون غيرها؛ هذا السلوك الاستعلائي المتعجرف؛ ما هو إلا محاولة بائسة؛ لإبعاد الجماهير وإقصائها عن المشاركة؛ في بناء الوطن وإصلاح حاله؛ وقد قاد هذا السلوك المعوج تاريخيا؛ إلى إفراغ الشعارات البراقة التي ترفعها النخبة الداعية للديمقراطية والحرية، من مضامينها بسبب عدم التزام ذات النخبة بممارسة هذه القيم داخل أطرها التنظيمية.
(20)
ومن مفارقات النخبة السودانية المدهشة؛ شغفها المفرط بعملية التغيير؛ ولكن من منطلق الوصاية لا الجدل؛ باعتبار أنها خازنة الحقيقة المطلقة؛ وأن أفرادها سدنة المعارف دون غيرهم؛ لذا نجد أن سعيها للتأثير في العامة مرتبط فقط بخدمة مصالحها الخاصة؛ وأما انتمائها للفضاء العام فهو انتماء نظري؛ لا يعي أهمية التواجد وسط الجماهير والتفاعل معها؛ وهو بذلك انحياز إن حدث يكون استعلائي ومتعجرف يتم عبر كوة أبراجها العاجية؛ نلحظ هذا بوضوح ونراه ماثلا في حالة الفصام بين اطروحات وأفكار النخبة؛ وما يحدث من تحولات عميقة؛ في المجتمع والواقع المعاش؛ الذي عادة ما يدحض هذه الأفكار؛ ويثبت عكسها.
يتبع



#تيسير_حسن_ادريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (1من 7) مفا ...
- الفترة الانتقالية بين الثورية والرَّكُوسيّة النخبوية
- إستبهام الثورة السودانية وارتكاس التحالفات المرحلية
- الْمُرُوقُ قولا ومقالا
- ثورة 19 ديسمبر اكْتِناز الوعي الجماهيري وضُمُور الزيف النخبو ...
- في الاستراتيجية والتكتيك وما بينهما!!
- أم الفضائح .. الحركة الاسلامية تستكمل فصول سقوطها
- الحركة الاسلامية السودانية أكل النفس ونحر الذات
- في طريق كسر الحلقة الشريرة (2) ... تسقط بس!!
- في طريق كسر الحلقة الشريرة (1) عفارم.. عفارم.. يا شعباً مسال ...
- من دفتر يوميات الثورة .... الحركة الاسلامية السودانية الرهان ...
- حيرة مقتفي الأثر عند حافة الفكر اسقاط النظام أم الامبريالية! ...
- مبادرات رفع العتب وآليات تجريف الوعي من يأمر ومن ينفذ؟
- لب المقاومة السلمية وقشورها
- تفرّيغ النظريات السياسية من مضامينها وتدجينها
- لَعَلَّ الْدَافِعُ خَيْرًا!!
- التَّنُّور والفُلْكُ
- من هنا نبدأ!
- عفوا سادتي لن نمضي معكم في هذا الطريق!
- هَذَا الْحَجَرُ لَيْسَ قَلْبِي


المزيد.....




- قطر تعلن عن -خطوة جديدة- بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ...
- فرنسا: وفاة الإعلامي الشهير برنار بيفو عن 89 عاما في ضواحي ب ...
- تشاد: بدء الفرز في الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها رئيس ...
- ?? مباشر: قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي على رفح وقطر ترسل وفدا ...
- واشنطن تدرس رد حماس على مقترح الصفقة وشكوك بنوايا نتنياهو
- الجزيرة.. عمود الإنارة الوحيد الذي يريدون إطفاءه
- إرجاء إقلاع مركبة بوينغ الفضائية -ستايلاينر- بسبب عطل فني
- تسعة قتلى في قصف إسرائيل على رفح جنوبي غزة
- لماذا خسرت إسرائيل سردية الحرب في غزة؟ بلينكن يجيب
- قضاة أميركيون يقاطعون خريجي جامعة كولومبيا بسبب المظاهرات ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تيسير حسن ادريس - هل أضاعتها نخب المساومات مثلما أضاعت سابقاتها ؟! (2من 7) هل كانت النخبة السودانية في موعدها؟