أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - انطون سعادة وفلسفة الفكرة القومية العربية (السورية) الحديثة (4)















المزيد.....

انطون سعادة وفلسفة الفكرة القومية العربية (السورية) الحديثة (4)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6825 - 2021 / 2 / 26 - 23:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عندما طبق انطون سعادة فكرته المنهجية على موقفه من "العروبة الوهمية"، فإنه وصل إلى وجود "عروبة أخرى هي التي تقول بأن العالم العربي أمما وشعوبا لكل منها خصائص ومقومات وحياة وإمكانيات... والمهمة تقوم في أن يعي كل واحد وجوده وحقيقته وأهدافه. من أجل بلوغ التعاون بينها" . وبالتالي فإنَّ موقفه القائل بانعدام وجود "مجتمع عربي" مبني على أساس "انتقاصه لخصائص المجتمع الصحيح الحي الفاعل وكذلك عوامل الاتحاد الاجتماعي" . ووجد في هذه النتيجة مقدمة الفلسفة الفاعلة للبديل القائم في الحركة السورية القومية ومضمونها الفعلي. من هنا قوله، بأن الأولوية في الفكرة السورية تقوم في مواجهة ما اسماه بالثورة على "خيال العروبة وهذيان الوحدة العربية وجيوش العرب والعروبة" في قضاياها ومصالحها القومية "التي تعنيها وحدها، والتي يجب أن تقوم هي بها إذا كانت تريد سيادة حقيقية وتحقيق أهدافها" . ووضع هذه الفكرة القومية تحت عنوان "عروبة العالم العربي"، وليس "عروبة الأمة العربية والقومية العربية" .
بعبارة أخرى، إن العالم العربي ككل واحد متمايز من مكوناته وخصائصه. وبالتالي لا تصلح له فكرة واحدة وقوالب واحدة. ومحاولة إرجاعها إلى عنصر الدين واللغة لا يحل الإشكالية، بقدر ما أنه يصنع أوهاما جديدة. من هنا دعوته للعمل "إلى سحق هذه الأوهام وسحق الرجعية والرجعية الجديدة". مما يفترض بدوره العمل من أجل "فصل الدين عن الدولة واعتبار الأمة مجتمع واحد وإقامة نظام نفسي ثقافي علمي يزيل الشاق ويمحو التفسخ ويبعث اليقين والإيمان والثقة" . ووضع كل ذلك في استنتاج نهائي يمكن أن نطلق عليه معارضة كمية الأقوام بنوعية القومية الجديدة. بحيث نراه يجد في "العروبة الوهمية"، "عروبة الأربعين أو الخمسين مليونا" مرضا مزمنا. وضمن هذا السياق يمكن فهم ردوده على من اتهمه بمعاداة العرب والعروبة، بأنه لا علاقة لذلك بما يقول ويسعى إليه. بل على العكس . بل نراه يكتب بهذا الصدد قائلا:"إذا كان في العالم العربي عروبة حقيقة صميمة فهي عروبة الحزب القومي الاجتماعي. فالجامعة العربية هي تحقيق ما كان يسعى إليه... ثم إننا جبهة العالم العربي وصدره ونحن سيفه ونحن ترسه... كما ناديت الأمة السورية إلى النهوض نفسها لتتمكن من الاشتغال في قضايا العالم العربي وتكون قوة فاعلة في تكوين الجبهة العربية" . وأن يضيف أيضا "إني أؤمن بأن الأمة السورية هي الأمة المؤهلة بنهوض العالم العربي، ولكنها لا تستطيع القيام بهذا العمل إلا إذا كانت ذات عصبية قومية في ذاتها تجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها فاعلة" . أما الحصيلة النظرية والعملية لهذا الموقف فتقوم في إبراز ما اسماه انطون سعادة برسالة الأمة السورية للعالم العربي. وكتب بهذا الصدد يقول:"إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد قبل كل شيء أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا" . أما مصدر هذه القوة الفعلية والرسالة التاريخية فهي الفكرة القومية السورية.
انطلق انطون سعادة في تأسيسه للفكرة القومية السورية من أن اهتمامها الجوهري وحافزها الذاتي يقوم في إبراز قيمة وأولوية المسالة القومية لا المسألة السلالية (العرقية) . من هنا توجهه صوب "خدمة أمة واحدة من أمم العالم العربي"، أي "الأمة السورية". والقضية هنا ليست فقط في احتياج "الأمة السورية" لذلك، بل وللرسالة المناط بها، بوصفها القوة الوحيدة القادرة في حال اكتمالها، على تحقيق الغايات الكبرى . الأمر الذي جعله، كما يقول عن نفسه، ينسى قليلا الاهتمام بالعالم العربي ككل، لكن ذلك لن يبعده عنه.
لقد وجد انطون سعادة العلاقة المثلى والصيغة العملية المناسبة في المعادلة النموذجية "للأمة السورية" بالبقية الباقية من "أمم" العالم العربي. وبالتالي لا يعني أولوية الاهتمام الأكبر "بالأمة السورية" سوى النتيجة المترتبة على إدراكه بكونها القوة الوحيدة القادرة في حال تكاملها للنهوض بأعباء جر "أمم العالم العربي" ورؤيتها أو تأدية واجبها أمام العالم العربي، كما نعثر عليه في قوله الجازم:"إنني أؤمن بأنَّ الأمة السورية هي الأمة المؤهلة للنهوض بالعالم العربي. لكنها لا تستطيع القيام بذلك قبل أن تتكامل في عصبية قوية في ذاتها تجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها نافذة" . من هنا وقوفه بالضد من فكرة "الهلال الخصيب" مع أنه استعمل لاحقا عبارة "الهلال الخصيب السوري".
لقد أراد انطون سعادة أن تتماه الفكرة والعبارة مع الأمة. ووجد في التجربة التاريخية السياسية والقومية للعالم العربي ما يؤيد مواقفه هذه، عندما أعتبر تبرير نكبة فلسطين بوضع أوزارها على القادة والعسكريين غير صحيح. ووجد في ذلك أسلوبا "يهوديا" من خلال تعليق كل آثامهم وهزائمهم على ماعز يطلقونه في البرية لكي يذهب إلى "عزرائيل" ! واعتبر هذه النكبة والهزيمة أمرا متوقعا. فقد كتب عنها وحذر منها منذ عام 1925، أي قبل وقوعها بفترة طويلة. بينما لا يرى أصحاب "الهلال الخصيب" وأمثالهم من أصحاب "العروبة الوهمية" الكارثة إلا بعد وقوعها! ووضع هذه الحصيلة في فكرة تقول، بأنه لا مهرب من الواقع، كم انه لا أفضل من الوجود ولا أبدع من الحقيقة! وليس هذا الواقع والوجود والحقيقة بالنسبة له سوى الفكرة السورية وسوريا الطبيعية. إذ وجد في "سوريا الطبيعية التاريخية" كيانا وقوة أفضل من "مرعى الهلال الخصيب".
لقد أراد انطون سعادة نقل الفكرة القومية من ميدان الجغرافيا والمصالح العابرة إلى ميدان التاريخ والمستقبل والحقيقة. لهذا نراه يعتبر "بناء النفوس في النهضة السورية القومية الاجتماعية" هو الأسلوب الوحيد لإنقاذ "سورية من الفوضى والتفسخ الداخلي"، وبالتالي إنهاضها وإنهاض العالم العربي معها. وذلك لأن "القضية السورية القومية الاجتماعية" هي أولا وقبل كل شيء أسلوب وفكرة مهمتها الانتصار على ما اسماه بعقلية التعلق بتوحيد ما ليس واحدا في الاجتماع والأرض، وبتجزئة ما هو واحد في الاجتماع والأرض. ووجد في هذا الانتصار مقدمة نهوض "الأمة السورية". وبنهضتها يمكن إنشاء "جبهة عربية أمكن وأقوى من الجبهة التي تشكلت في "الجامعة العربية" في وضعها الذي أفلس" . ذلك يعني أن "الحركة الاجتماعية القومية السورية" كما فهمها وخطط لها انطون سعادة تسعى لتأسيس وإبراز أولوية الرؤية البديلة وليس النقد المعجون بنفسية وذهنية السخط والانتقام. أنها "حركة نهوض قومي اجتماعي وحل المشاكل النفسية والاجتماعية والسياسية التي تمنع الأمة من السير إلى عزها وخيرها". من هنا معارضته الشديدة والمتجانسة لما اسماه بتصنيع العقائد المزيفة للأيديولوجيات والأحزاب الطائفية والجهوية بدون استثناء. وليس مصادفة أن تفعل هذه الأحزاب أساسا على "محاربة الحركة السورية القومية الاجتماعية التي أوجدت القضية القومية الاجتماعية ونادت ببطلان القضايا الرجعية القائمة على الحزبية الدينية والمصالح العائلية" . إذ وجد فيها مطية الاستعمار الأجنبي والتحلل الداخلي. لهذا نراه يقول، بأن "تحبيب لبنان الأجنبي الثقافة" و"كره الاسم السوري" سوى الصيغة الظاهرية لهذا الاستلاب المادي والمعنوي والإفلاس التاريخي. فالحقيقة الجلية التي تقف بالضد من ذلك تقوم في استحالة مضاهاة الأمم الغربية المتقدمة المتفوقة إلا بوعي "الحقيقة السورية الأصيلة واستخراج النهضة منها ومن روح الأمة ومواهبها" .
وشكلت "الحقيقة السورية الأصيلة" مضمون الفلسفة القومية السورية بمستواها النظري والعملي، التي سعى انطون سعادة لتأسيسها التاريخي والثقافي والسياسي. ووضع ذلك في ما يمكن دعوته بالنزعة السورية التي تتميز بتاريخ ذاتي خاص تبلور في مجرى آلاف السنين، الذي صنع الخصوصية السورية التي لم يغير من حقيقتها الأصلية تقلبها في تيار الزمن. وابتدع لهذه الخصوصية مصطلح "الإثم الكنعاني"، أي السرّ الذي ألزم ويلزم الكينونة السورية بالرجوع إلى ذاتها بوصفها أسلوب ديمومتها الفاعلة. وهذا بدوره كان النتاج الملازم لما أبدعه السوريون ووضعوه في أساس الحضارة الإنسانية. فقد كان الكنعانيون والفينيقيون أول من أرسى هذه الأسس الخاصة والمميزة للإبداع السوري التاريخي، ومن ثم للكينونة الثقافية الأصيلة . فقد أعطى الكنعانيون "للدين الاجتماعي فكرته الأساسية للعالم". كما أنهم كانوا أول شعب تمشى مع قاعدة محبة الوطن والارتباط الاجتماعي وفقا للوجدان القومي وللشعور بوحدة الحياة ووحدة المصير. وأنهم أول من انشأ الدولة المدنية التي كانت طرازا لما جرى عليه لاحقا الإغريق والرومان. وهم أول من أسس الملكية الانتخابية وجعلوا الملك منتخبا مدى الحياة. وهم أول من أسس الدولة الديمقراطية. إذ ليست هذه سوى دولة الشعب أو دولة الأمة. وهي الدولة القومية المنبثقة من إرادة المجتمع الشاعر بوجوده وكيانه. كما كان انتشارهم بفعل الإمبراطورية انتشارا قوميا وجاليات استعمارية ظلت مرتبطة بالأرض الأم وتتضامن معها في السراء والضراء. وأخيرا أنهم لم يدخلوا الأقوام الغريبة التي أخضعوها بالفتح في نظام حقوقهم المدنية والسياسية التي شكلت دليلا، بغض النظر عما إذا كان في ذلك مصدر قوة أو ضعف، "على روحهم القومية ومحافظتهم على وحدة مجتمعهم" .
لقد أراد انطون سعادة القول، بأنَّ الفكرة الاجتماعية المرتبطة بفكرة الدولة القومية ونظامها السياسي المناسب، والارتباط الجوهري بالأرض (الوطن الأصلي)، والاحتفاظ بالكيان الذاتي الخالص هي الأسس التي شكلت مضمون "الدين الجديد" بوصفه "دينا اجتماعيا"، والذي تكوّن الفكرة القومية لاهوته وناسوته. (يتبع...).



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطون سعادة: مؤسس الفكرة القومية العملية(3)
- انطون سعادة: مؤسس الفكرة القومية العملية(2)
- انطون سعادة: مؤسس الفكرة القومية العملية(1)
- بوتن: سرّ المستقبل الروسي
- المستعرب الروسي الكبير كراتشكوفسكي
- قسطنطين زريق وثالوث الثورة والعقل والحرية
- قسطنطين زريق وفلسفة الفكرة القومية الحضارية
- المستشرق الروسي كريمسكي (1871- 1942)
- المستشرق الروسي بارتولد (1869-1930)
- فلسفة العروبة عند الحصري
- ساطع الحصري ومفهوم الكينونة العربية
- الارسوزي وفلسفة العبقرية القومية (5)
- الارسوزي وفكرة الأصول الثقافية للقومية العربية(4)
- الارسوزي : اللغة العربية والفكرة القومية (3)
- الارسوزي وتأسيس وحدة اللغة والفكر والثقافة القومية (2)
- فلسفة الفكرة القومية عند الارسوزي(1)
- الصعود الأول للوعي القومي العربي الذاتي
- مستقبل الفكرة القومية العربية(2-2)
- مستقبل الفكرة القومية العربية (1-2)
- حقيقة الكمال الإنساني عند الغزالي


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - انطون سعادة وفلسفة الفكرة القومية العربية (السورية) الحديثة (4)