أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم الحمو - ضد القانون














المزيد.....

ضد القانون


كرم الحمو

الحوار المتمدن-العدد: 1618 - 2006 / 7 / 21 - 06:41
المحور: الادب والفن
    


نظر ذو البنطال القصير إلى الآخر ذي البنطال الطويل، وجده محاطاً بهم، يتمسحون به، يقبلونه، يلعقونه. وهو يستشعر العظمة. داهمته الغيرة وتفاقمت في بدنه حتى أصبح الألم رفيقا لها في نهش جسمه.
تمالكته بعض الأفكار فنفض رأسه رافضاً. أعاد النظر آملاً أن تكون عينه قد خدعته فيما رأى، لكن المشهد صار أفظع، فقد راحوا يسجدون لذي البنطال الطويل متضرعين أن يقبل، فيما كان يحملق في السماء مفكراً ويُُنظرهم ممتلئاً بالثقة.
شعر ذو البنطال القصير بأنه ضعيف وعاجز:
"هل تحولت إلى لا شيء بعد أن كنت...؟!"
"لا تتهرب! أجب! هل أصبحت الآن لا شيء؟"
"كيف أسأل أصلا وأنا لم أكن شيئا ً ًلا قبلا ًولا بعداً.."
" قبلا ً! قبل ماذا؟! لقد بدا سجودهم وكأنه منذ الأزل".
حاول أن يغالب ألمه بالضحك، ولكن فكرة داهمته منعت حتى الابتسامة المرة:
"هل أهرع إليه؟"
"أرتمي عند قدميه؟!"
" أتذلل له! أتضرع! وأرجوه قبولي في الملكوت! ملكوته!!
خيال أمه مقطب، رمت بتلك العبارة الخشنة: "عليك التحلي بالقوة" وهمت بالمغادرة.
حاول أن يرفض، بأن يسخر منها مثلاً، أو يشتمها، يركلها، يدير ظهره بكل وقاحة، أو أي شيء. لكنه أمسك، ربما لعلمه أنه غير قادر على السخرية من أحد. أو أنه كره العودة للمشهد السابق الفظيع أو.. وربما لأنه أدرك ولأول مرة أن أمه قد ماتت منذ ألفٍ وسبعين عاما ً وأن ما ينتصب أمامه الآن، ليس إلا خيالاً يلوح بيديه. ولكن هذه الفكرة الأخيرة قد زودت الأسى.
تراءى له ذاك الجندي الجبان يقف ماثلاً أمام مجرد عريف. أمر العريف الجيش بأن يسير. جيش مكون من جنديٍ واحدٍ بحذاءٍ بالٍ. ثم أشعل العريف سيجارته وقبع في مكانه بانتظار الأوامر.
هز ذو البنطال القصير رأسه ينفض كل هذه التخيلات. التفت ثانية إلى صاحب البنطال الطويل ليتابع المشهد ويتجرع المزيد من الألم.
يسجدون، ثم يعتدلون ثم يسجدون ويعتدلون بتواترٍ آلي أشعره بكثيرٍ من الاشمئزاز وكثير من البؤس.
"كيف أطلب ملكوته وهو لا يملك أي ملكوت..؟ ذاك الحقير المبتذل.."
"يالي من أحمق، هو ليس حقيراً، فهاهم حوله يتضرعون بشدة. حبهم خالص، لا يشوبه كره أو خوف. ولكنه حب عظيم هو ذاك الذي يدفعهم لتحسس قدميه طالبين أن يقبل..كانوا يمرغون رؤوسهم في تراب قدميه فرحين، دون أن يكترثوا ما ستكون ردة فعله."
أعاد النظر طويلا ً وظل يتابع ذا البنطال الطويل وهو يٌظهر بعض القبول. تابعهم وهم يترقبون لحظة قيامه، حتى ابتلعت الغيرة جسده كله فلم يبق منه إلا العينان، ترقبان وترجوان أن يطول تردده كما سجودهم الأزلي فلا ينتهي لا إلى القبول ولا إلى الرفض.
نظر إلى عينيه فرآهما بلون الأرض تمامًا، خاملتين، باردتين، وبلا حياة..لمعت عيناه بوهج مفاجئ.
نظر من جديد، إنما الآن بثقة.
توجّه بهدوء، وقف أمام خصمه، فيما الكل ساجدون، قبّله من وجنته اليسرى، متجاوزاً مراحل تساميهم من الأرض تحت قدميه إلى تقبيل إليتيه.
لم يقتلوا صاحب البنطال القصير أو يضربوه، ولم يشتموه. لكنهم وللحظة كانت غير قصيرة تركوا البنطال الطويل وانحنوا على يد ذي القصير يقبلونها بامتنان.
سرعان ما تسلل البرد إلى القدمين العاريتين اللتين لم يغطهما البنطال القصير، ليعود الجمع لارتقاب بنطال الأول يغطي قدميه وهو يهم بالنهوض من مجلسه موافقاً.
ارتفعت أصواتهم بالصياح فرحين.
غادروا المكان خلف طويل البنطال واختفوا بسرعة في الأفق، بينما وقف ذو القدمين الباردتين واليد البالية يرتقب الملكوت ولون الأرض يملأ المكان.
سوريا، حماه، 4/6/2005






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناجاة
- الفقر وتناقض الثروة في العالم العربي


المزيد.....




- مصر.. غرامة مشاركة -البلوغرز- في الأعمال الفنية تثير الجدل
- راغب علامة يسعى لاحتواء أزمة منعه من الغناء في مصر
- تهم بالاعتداءات الجنسية.. فنانة أميركية تكشف: طالبت بأن يُحق ...
- حمامات عكاشة.. تاريخ النوبة وأسرار الشفاء في ينابيع السودان ...
- مؤلَّف جديد يناقش عوائق الديمقراطية في القارة السمراء
- الأكاديمية المتوسطية للشباب تتوج أشغالها بـ-نداء أصيلة 2025- ...
- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم الحمو - ضد القانون