أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - الذاكرة المغربية وشخصية «ليوطي» في عهد الحماية الفرنسية














المزيد.....

الذاكرة المغربية وشخصية «ليوطي» في عهد الحماية الفرنسية


لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 6770 - 2020 / 12 / 24 - 17:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الحديث عن ليوطي «لوي هوبير كونسلاف»، Louis Hubert Gonzalve Lyautey، معناه الحديث عن الحماية الفرنسية بالمغرب البلد الجميل، كما نعته ليوطي نفسه. وإنه لعمل غير صالح تمجيد المحتل وتذكره، وفق القيم المحلية. لكن الأمر في حقل الذاكرة متصل بالآداء، بعيدا عن القيم، ولا معنى للحسن والقبح من الأفعال حين يتصل الأمر بعملية التذكر. ذلك أن الذاكرة ذاتية نسبيه تتصل بموقف شخص معين أو جماعة معينة. فإذا رجعنا إلى ذاكرة ليوطي نفسه، في مذكرته التي سمتها «يوم قصفنا بقوة الدار البيضاء في 05 غشت 1907»، تراه يحسب ذكرى الحدث، أنه بالنسبة للمغاربة، أو بالأحرى بالنسبة له، وهذا هو عين الصواب، أنه – الحدث- عنوان «لنهاية الفوضى والتفسخ ونهب ثروات هذا البلد الجميل، وخيرات أهله الجادين، الأذكياء والطيبين». ذلك أنه بدخول المحتل حصل، حسب ليوطي، «ترسيم النظام، والأمن ووحدة الإمبراطورية الشريفة، تحت السلطان والمخزن». وبمعنى آخر، يحسب ليوطي الاحتلال «تدشينا لمرحلة تنموية اقتصاديا واجتماعيا لم يشهد المغرب العتيق لها مثيلا من قبل». وهل انبعث المغرب بالاستعمار؟
كلما انثنينا إلى ملامسة الخطاب الكولونيالي، الخطاب الإيديولوجي، نصادف دُعيا مثل ليوطي يفصح أن رسالة الاستعمار تمدين القارة الأفريقية وإخراجها من أهوال التخلف، وبالتالي، لا يمكن قبول هذا الخطاب، بل تنبغي مواجهته، ويحق صده. ورغم ذلك، لا يحق لنا، نحن المغاربة، أن نبخس للقائد ليوطي عمله. لقد نُسب إلى المغرب منذ قيادته عملية احتلال توات سنة 1900، وشرفته إدارة الاحتلال الفرنسي بتعيينه أول مقيم عام. إنه «ليوطي المغربي».
كلنا يتذكر ليوطي، إذ قاد ما يسميه نفسه «حرب التهدئة»، تلك الحرب التي نسميها، نحن، «حرب الاحتلال»، تلك الحرب التي قاومناها بالسلاح لأن العدو دخل أرضنا، ومس بالقرح شرفنا وهويتنا. كلنا يتذكر الرجل لإعادته مجد القيادات القليدية الإقطاعية ودعمها لتعيث في الأرض فسادا، فمارس القواد القمع والاغتصاب. لن نصدق ذاكرة ليوطي إذ زعم، بالباطل، أنه قام بتحديث الإدارة المغربية.
عرفنا ليوطي في ميدان القتال، ولا نعرف عنه سوى النزر من شخصه، لأن الرجل اختفى خلف بدلته العسكرية، وخلف جيوش الاحتلال، و«الرجال تختفي بالطبع في ملابسها»، كما يقول المثل المغربي الأمازيغي.
برز ليوطي مقيما عاما في المغربي سنة 1912 بعد أنه تم رشده واكتمل، واكتسب تجربة في جزيرة مدغشقر، وفي موضع طونكان (Tonkin)، بالفيتنام وفي وهران. لقد جيء باليوطي إلى المغرب مهندسا راشد في عمر يداني 58 سنة. كان شعار ليوطي يقضي: «وجوب معرفة ماذا نريد وإلى أين نسير». وتكمن عقلانية الآداء لدى الرجل حينما يسأل نفسه عن رغبته ليفصلها عن المزاج والهوى، وأن يلجمها بالعقل ويسأل، فوق ذلك، عن المسار الذي سيسلكه لبلوغ القصد وتحقيق المراد. هذا الشخص الذي تنتظم حياته على هذا المنوال، عقلنة الآداء وتلجيم العواطف، يخلق لدينا فضولا مفاده السؤال عن جذوره. إنه ابن أسرة ذات إستراتيجية نهجا وسلوكا، أسرة تقود الحرب بالمعنى الضيق لكلمة إستراتيجية. ينحدر من أسرة نبيلة ذات تقليد عسكري منذ عهد إمبراطورية نابوليون في بداية القرن التاسع عشر. انتقلت الأسرة من الزراعة إلى الخدمة العسكرية لتشبثها بالملكية. فهل اختير ليوطي مقيما عاما في المغرب وفق هذه المواصفات؟
لا معنى لهذا السؤال في الذاكرة، وفي التاريخ. ولا معنى له إلا إذا جرى استحضار فلسفة الآداء. ويعنينا، هل أدى ليوطي مهمته على الوجه؟ إنه من الصعب الجواب بالنفي. لقد أقحم ليوطي ليصبح بطلا في الإمبراطورية الفرنسية في المرحلة الإمبريالية، وكُتب له أن يتقاسم معنا جزءا من ذاكرتنا الجمعية، نحن المغرابة.
نتذكر ليوطي وحسه الاستشراقي، وحبه الطابع المغربي في العيش. لقد أدرك بسهولة، منذ أن زار الجزائر صعوبة ممارسة سياسة الاستيعاب الكولونيالية «La politique coniale d’assimilation». رأى أنه من المستحيل دمج الجزائر، أو بالأحرى شمال أفريقيا بفرنسا. ولا غرو، فقد نجح ليوطي في تدشين مسار التعدد الثقافي في المغرب، فهناك أمازيغ وعرب، وهناك مسلمون ويهود. وما كان ليوطي غافلا عن وجوب احترام نهج الحماية في المغرب، ولقد جرى بعده إعمال سياسة الاحتلال المباشر مع المقيم ستيك، ابتدا من سنة 1926 «Steeg» والتخلي عن فلسفة الحماية التي طورها ليوطي وعمل بها
وإلى جانب إعمال العرف في المحاكم العرفية بالبوادي، اهتدى الضباط المحتلون إلى بناء معسكرات الجيش ومقرات الإدارة على شاكلة المعمار المحلي.
نتقاسم مع ليوطي، كما سلفت إليه الإشارة ذاكرة التعدد الثقافي واحترام الهوية الثقافية، ونكن له حبه للتوثيق وجمع التراث المغربي ودراسته. إنه موثق كلف الكثير من ضباطه بتدوين كل ما يفيد في السيطرة والاحتلال، ويسهل عملية الهجوم في أسوأ الأحوال، ولنهجه الفضولي نشأت السوسيولوجيا الكولونيالية والدراسات التاريخية. وبفضل ليوطي ساد احترام المعمار المغربي. وإنك لن تفرق بين مقر الحاكم الفرنسي بإملشيل ومسكنه وبين القصبات المجاورة هناك بكل جبال الأطلس الكبير الشرقي.
والشيء نفسه بمركز قصر السوق «الرشيدية حاليا»، ومركز أرفود، وكلميمة. ولن تفاجئك بناية الكنيسة بمركز الريش، على شاكلة القصر «الدوار» حيث تحمل أبراجا ذات دلالة. وإنك لن تدرك أن البنايات المذكورة مرتبطة بالاحتلال الفرنسي للمنطقة، إذا لم تقم باستقصاء الخبر عن التراث المادي للحماية الفرنسية بالمغرب. ولم يقتصر احترام ليوطي للعرف المغربي على البوادي فحسب، فقد شمل المدن المغربية أيضا.
وحسبنا بناية بنك المغرب في مواقعها بالمدن «الرباط، والدار البيضاء، وفاس»، وكذا البريد المركزي بالدار البيضاء والرباط، التي تذكر الواقف بجوارها بالتراث المعماري المغربي الأندلسي.
نتقاسم مع ليوطي الكثير من ذاكرته، إن هي إلا ذاكرتنا أيضا. وبفضل نزوع ليوطي الاستشراقي حافظنا على الكثير من تراثنا الرمزي الثقافي. ولن نغفر له ما انجر عن مهمته بما هو قائد حربي.



#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل هي بداية مرجوة في توطيد الحكامة الأمنية في المغرب؟
- ندرة فعلية الحق في الخطاب الصحافي حول الجنوب الشرقي المغربي
- قيم التحصين والانغلاق بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية ق ...
- الذاكرة والتاريخ والقيم الأمازيغية في أحداث مقاومة الاستعمار ...
- ثوابت المقاومة بجبال الأطلس الكبير الشرقي المغربية -معركة جب ...
- عودة إلى ذاكرة سنوات الرصاص بالمغرب: ذاكرة امرأة سبب لها جما ...
- ذاكرة المجال وفائدتها في درء وقع كوارث الطبيعة بجنوب شرق الم ...
- الجفاف والفيضان متناقضان ملتقيان بجنوب شرق المغرب
- غزو بني هلال وبني سليم للمغرب...، دروس مفيدة للحاضر
- على هامش حرائق الواحات بحوض زيز بجنوب شرق المغرب: هل هي بداي ...
- حوض كير بجنوب شرق المغرب: أزمة التنمية والمجالية والهوية الث ...
- وضع حقوق الإنسان بجهة درعة تافيلالت من خلال الصحافة الإليكتر ...
- التحسيس لأجل قانون أسري ملائم يروم المساوة بين الجنسين في ال ...
- الإثنوغرافيا وأوهام تيسير المشروع الاستعماري الفرنسي للمغرب
- الدروع البشرية والتدبير الأمني في المغرب في نهاية القرن 19
- هل هي بداية حسنة للانقطاع لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماع ...
- جمعية «الأثر» وإشكال النهوض بالتراث المادي واللامادي لتافيلا ...
- ورزازات: زواج القاصرات بين تخلف التنمية وإشكال التعدد الثقاف ...
- الرشيدية: زواج القاصرات والنزوع إلى إعمال القاعدة القانونية
- تاريخ واحة «سكورة» بجنوب شرق المغرب وتراثها


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - الذاكرة المغربية وشخصية «ليوطي» في عهد الحماية الفرنسية