أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد ستار - من مكتبتي - سوء الحظ - ذكريات صحفي في زمن الانقلابات - سهيل سامي نادر















المزيد.....



من مكتبتي - سوء الحظ - ذكريات صحفي في زمن الانقلابات - سهيل سامي نادر


أسعد ستار

الحوار المتمدن-العدد: 6751 - 2020 / 12 / 3 - 10:57
المحور: الادب والفن
    


ونحن نحلق مع هذه الرحلة، وهي السيرة المهنية المكتنزة بالحوادث المهمة في الحياة الصُحفية لسهيل سامي نادر ، التي دونها في كتابه سوء حظ " ذكريات صحفي في زمن الانقلابات"، إذ كتب سهيل مقدمةً طويلةً أثار فيها مسألة مهمة حددها بأنَّ الصُحفي المثقف الذي يستند إلى الوعي والرؤية التبصرية عليه ترك العُجالة في إنجاز ما يكتبه والدخول بمضمار السباق الزمني، فضلاً عن ذلك الابتعاد عن الرؤية السوداوية التشاؤمية التي مزاجها الماضي، وقد سار بمضمار التوسع وكان عليه أن لا يتوسع باثنتين في هذه السيرة وهما (الحياة الشخصية والسياسة) ، إذ عانى كثيرًا في الاتجاه السياسي العراقي المثير وما حمله من انقلابات حدثت في ستينيات القرن الماضي، حتى مجيء البعث ومن ثَم الاحتلال الأمريكي ، وظف سهيل سامي نصب الحرية للراحل جواد سليم الموجود في ساحة التحرير ليكون إيحاءً جميلاً عن التظاهرات الأخيرة في العراق وتحديداً في" تشرين الأول / أكتوبر من عام 2019"، من خلال حديثه عن الانتفاضة التي حدثت أثناء مدة كتابة كتابه حتى قال "لقد صنعوا مأثرةً هائلةً حوّلت كل شيء في الساحة ، وأعادت وحدة المعنى السياسي والجمالي للنصب". ينتمي سهيل إلى جيلٍ حاذق وهو الجيل الستيني في العراق، الذي كان مميزًا بعد أن مهد له جيل الرواد الطريق ليصل إلى هذه القيمة في العطاء ، وكانت حينها السياسية العراقية لم تدمدم على أرواح المبدعين؛ كونها كانت تقدم وصفة لعلاج جراحها وتعالج تلك الانشقاقات الداخلية حتى يقول : " ابتداءً من منتصف الستينات استعادت الحياة الفنية والأدبية الكثير من حيويتها ، وباتت بعض المقاهي الأدبية مكانًا للتفاعل الثقافي بين الشعراء والفنانين والقصاصين والصحفيين وأصحاب المحاولات الأدبية ، ومن المثير أن السبب عائد إلى أن السلطة لم تعد عنيفة وتقترف الحماقات ، وهذا يؤكد دور العامل السياسي في الحياة الاجتماعية العراقية ..."، ثن ينتقل بنا سهيل سامي نادر الى عتبات الصحائف والمجلات والعمل بها والأحداث الشيقة، وكان يقدم رؤية سياسية ممتعةً وتحليلاً دقيقاً في وضع البلاد ،وكان يشير قبل ذلك إلى تأميم الصحافة " لعل قانون تأميم الصحافة ، الذي هو نسخة مهلهلة من التنظيم الناصري للصحافة ، جاء لتفادي هجوم المكبوتين لمدة طويلة والتقليل من حجم الآراء السياسية غير المسيطر عليها ، ولتحويل مهيجي الشارع ، وثوار المقاهي ، واليساريين السريعي التسلل والمشهود لهم بمعرفة الفروق الثقافية والسياسية وفن الكتابة ، إلى موظفين حكوميين، كنا جزءًا من ترس هذا الحل الغريب الذي سيرثه حزب البعث جاهزًا" ، وكان يشير إلى أسماء وشخصيات مهمة في الأدب العراقي التي كان يعمل معها من خلال تلك المحطات في سيرته المهنية من جريدة( الثورة) قبل البعث ثم إلى (الثورة ) لكن لصاحبها حزب البعث وكان يوضح إلينا في هذه العتبة كيف تسلم حزب البعث السلطة في العراق بعد الانقلاب الذي حدث بين 17-30 تموز ، وكان موقف الحزب لايشكل قوة في الشارع ، وتنظيماته ضعيفة ويندب حظه ويقول " من سوء حظي أنني عملت في صحافة حكومية باشرت بناء نفسها توًا .." في هذه العتبة ذكر موقفين مع اسمين في القيادة البعثية وهما عبد الخالق السامرائي وطارق عزيز ، ثم مع بداية السبعينات انتقل لمجلتي و المزمار وكان من الرواد بتأسيس صحافة الأطفال بعد اشتغله في قسم التحقيقات ومن خلال هذه التحقيقات عمل على استرجاع ذكرياته الطفولية لمدرسته في الاعظمية ويعد اول تحقيق الى سهيل سامي نادر في تلك المدة يقدم على الزواج والتقديم على دراسة الماجستير في علم الاجتماع ، ثم يذكر سوء الحظ في نهاية العتبة في اضاعت مقالتين نقديتين ، الأولى عن رواية فاضل العزاوي " مخلوقات فاضل العزاوي الجميلة " ، والثانية عن رواية عبد الرحمن الربيعي " خطوط الطول والعرض " وكان يقول : " كان هناك فرق هائل بين العزاوي والربيعي ، النثر الذكي المفتوح على التأملات الفردية للعزاوي ، ونثر الربيعي الشاعري الاصطلاحي . بيد أن الاثنين كانا يمثلان ضربًا من التذوق الستيني للأسلبة والخيال الروائي .. "، من ثَم انتقاله إلى العتبة الرابعة وهي الجريدة الجمهورية التي جمعت نخبة من أفضل الصحفيين من الرعيل القديم كما يقول ويذكر أسماء وأدباء ، وكان كل عتبة يقدم لنا الأسماء الصحفية ، بدأت هنا الحركات في حزب البعث السيطرة على مجريات الصحافة ويقول : " بدأ حزب البعث حكمه السلمي بألعاب خطرة : إعدام من دعاهم بالجواسيس وبينهم يهود وتعليق جثثهم في ساحة التحرير ، جاعلًا من هذا الحدث أكبر تظاهرة ديماغوجية وإعلانًا عن وطنيته وتجريمًا للعهد القومي السابق ، كما ألقى القبض على جميع السياسين القوميين وجرى تعذيبهم بطريقة مقززة مع الإهانات ، وكان بينهم عبد الرحمن البزاز . لقد أراد الحكم الجديد أن يتفحص ضمائر السياسيين القدامى الذين ساندوه الذي اعتمد عليهم في. تنفيذ الاغتيالات والتعذيب أمثال عبد الستار كردي وأخوته وعدد من أشقياء الكرخ الذي ترعرع صدام بينهم أيام صباه " .
أخذ أسلوب الكتابة يتطور، وبات مطلوبًا من أكثر من موقع ويشير لذلك قائلاً " كنت على نحو ما أبني أسلوبًا خاصًا في الكتابة ، وسواء كان الموضوع عن الفن التشكيلي أو عرضًا لكتاب أو نقدًا لبعض الظواهر . كان الأصدقاء والمعنيون يستطيعون تمييز كتابتي حتى لو لم أضع اسمي عليها ، وما أكثر الكتابات التي لم أضع اسمي عليها ، ولا سيما أنني عملت في مكانين بسبب الحاجة ، وهذا ما سأوضحه فيما بعد ..." ، وأيضًا قد تطرق في هذه العتبة إلى أنه كان من المؤسسين الأوائل لرابطة النقد الفني ويتطرق إلى المشاكل الصحافة ، وتلك الرحلة لكشف الاثار ، وكتب ثلاثة تحقيقات مصورة عن آثار حمرين ، والتحقيق الرابع " أوقف نشره قرار مجلس قيادة الثورة المرقم 492 والمؤرخ في 1978/4/12 القاضي بنقلي وزملاء لي إلى وظائف إدارية في وزارات خدمية . كان التحقيق بعنوان " الحضارة والموت " ، وعندما نشرته بعد أكثر من عام في " آفاق عربية " اعترض المحرر على العنوان وأبدله بعنوان مضحك " تأملات حياتية " ، من ثم ينتقل إلى عمل إضافي في مجلة " الإذاعة والتلفزيون " في بداية العتبة يوضح للقارئ كيف كان الكاتب الصحفي يخفي اسمه خوفًا من السلطة الرثة لان الساحة صارت ضيقة بالهدوء حتى تم تبديل الكوادر لتكون عيون المراقبة مفتوحة ،وذكر في العتبات السابقة هذه الأمثلة موجودة ، وقال مسؤول صفحة آفاق محمد كامل عارف " وجدت مقالة جميلة مبتكرة من دون اسم كاتبها اقرأها لكي نعيد نشرها . فتح مجلة الإذاعة والتلفزيون أمامي وأشر إلى مقالة بعنوان تشريح الفيلم المصري . كانت تلك مقالتي . وقلت لن ننشرها لأنني أنا من كتبتها . قال " حدست أنك كاتبها من أسلوبها " . وأضاف ملاحظة مهمة تصف نزعة الانكفاء عندي : " أنت تكتب أفضل عندما لا تضع اسمك " ، وكان يشير إلى مقالات نشرتها في صفحة آفاق من دون أضع اسمي عليها " وكانت مرتبطة بقيادة محمد سعيد الصحاف شخصيًا ، وكتب مقالات مثيرة في مجال السينما ، ثم طلب منه زهير الدجيلي أن يفحص النصوص الغنائية في الإذاعة والتلفزيون تتضمن تلك القصائد التي قد تكون مرفوضة أو العكس على أنها مقبولة ، وكانت على ثلاثة أعداد تقدم في المجلة عن تلك الأغاني والتي تحمل عنوان " ثقافيات الأغنية العراقية " وقد قدم تلك المحاضرة في مقر النقابة .. ، وقد قدمت المجلة أهم إنجاز مجلة فنون ، كتبت فيها موضوعات فنية متعددة ، وظهور فقرة " مياسة " ..وسوف يذهب هذا الطائر للكويت بحثًا عن عمل ، وكان هذا العمل من اختيار رياض قاسم لكتابة سيناريو تربوي لمؤسسة البرامج المشتركة بدول الخليج ، ومن خلال هذه نقطة يتطرق إلى موقف مع ياسر ابنه وقال : " بدأت رحلتنا من ساحة النهضة من الأيام الأخيرة لشهر تموز عام 1980 أخذنا مقعدين مقابل الباب . آخر وجه رأيته كان وجه ابني ياسر يقف عند فتحة باب الباص حتى هذه الساعة . ( وأنا أكتب فاجأني اكتشاف أن عمر ياسر كان 8 سنوات وعمره الآن 48 عامًا . سمعت صوتًا في رأسي مثل نصل حاد خرج من نار : يا إلهي ماذا فعلت ؟ وما الذي أفعله الآن ؟ ) ومن سوء الحظ توفي ياسر ابنه بعد اصدار الكتاب بمدة قليلة قد تكون شهر أو شهرين ، وبعدها يذكر المواقف والشخصيات والأحداث في الكويت ، وكان يقدم رؤية رائعة حول الحروب الإيرانية بتحليل دقيق في النقطة الثانية " لا مفر .. يركضون خلفي " وبعدها عاد للعراق ليعمل في " آفاق عربية" ويذكر كيف تطور دور العمل الحزبي داخل الصحائف والمجلات عن طريق خلق مشرف سياسي على ما يُنشر، أي ما تمت كتابته صالحاً للنشر أم لا، إذ يقوم بقراءة ما يُكتب ليجري عليه الاستبدال في اسم المقال أو في استبدل جملة أو عدة جُمل .. ويوضح موقف طريف مع هذا المشرف السياسي " بعد شهرين من هذا الموقف ، كنت أجلس قبالته أعد مواد جديدة للصفحة ، بينما كان يتفحص العدد الذي سيصدر بعد غد . خطر في بالي أن أتحرش به وأكشف دخيلته .سألته : هل تسمح ؟ رفع رأسه وأجابني : طبعًا .. تفضل !قلت : فهمت أنك تعتقد أنني شيوعي أو ماركسي ، لكنني -والله - لست شيوعيًا ولا ماركسيًا ، أنا فينومينولوحي ، لكن لو سألتني ما الفينومينولوجيا فلن أجيبك لأني لا أعرف ماهي ! ندت منه قهقهة عالية ، جعلتني أضحك أنا الآخر ، ثم رفع كفه وضرب كفي بقوة بمصافحة حميمة . منذ ذلك الحين بتنا أصدقاء وانتهى تدخله في مقالاتي . أحببت منه هذه النهاية الجنونية ، وغفرت له سيئاته ، لكن مقالتي عن رافع ضاعت ولم أستطع استعادتها حتى من الذاكرة " بعدها ترك العمل من مجلة " آفاق عربية " بسبب خوفه من النتائج التي تكون مليئة بالمصادفات ومصادر التشويش ،ويقول " بعد هذا التاريخ رحت أبيع الجوارب لكي أعيش " و " لسنتين متتاليتين لم تتجرأ أي صحيفة أن تطلبني للعمل . عملت في هاتين السنتين بياعًا للجوارب ، مستخدمًا سيارتي الشخصية في توزيعه كما عملت مراقب عمل في معمل نسيج . هذه الأعمال وفرها لي أصدقاء وأخواي سمير وسعد اللذان عملا محاسبين في شركات إنتاج الجوارب " ويتنقل بالعمل مع ناظم رمزي وتطورات أخرى مثل العمل في مجلة " فنون عربية " من رئيس تحريرها والذي كان جبرا إبراهيم جبرا ، وأيضًا تشكلت رابطة النقد الفني برئاسة جبرا إبراهيم جبرا الذي وضع اسم سهيل ضمن هذه الرابطة التي كانت مرتبطة بوكيل وزارة الإعلام نزار حمدون، وقد قدم سهيل مقالات ودراسات مهمة في الأعمال الفنية مثل جواد سليم وشاكر حسن ال سعيد ، ثم ينتقل لآمرية الجيش الشعبي التابعة الكرخ بعد هروبه لسنتين من الجيش الشعبي ، وكان ينام في الجريدة ليلًا حتى لايجري اصطياده ، ومن ثَم وينتقل بالأحداث عن ناحية المحلبية غرب الموصل وبعدها يذكر البصرة عندما كتب مقالاً " عتبات دائرية تصعد إلى البصرة "، وكان ولدته في هذه المدينة وبعده انتقلت العائلة من البصرة إلى السماوة عندما كان طفلًا بسبب والده الذي كان معلمًا ولديه نشاطات سياسية .
ثم ليعمل في مجلة " ألف باء " الشهيرة بطلب من كامل الشرقي وسيكون سهيل سامي نادر سكرتير التحرير بعد رفع الحجب أو المنع عنه ، وجاء ذلك الشي بسبب الحاجة والتأثير جبرا إبراهيم جبرا وسيذكر لأن الأحداث المتضاربة في تلك المدة ، ومجلة " ألف باء " التي تأسست قبل انقلاب البعث في سنة 1968 بأشهر قليلة " واعتمدت منذ البداية على عناصر ذات كفاءة .
وفي السنوات الأولى لحزب البعث ، سنوات القفاز الحريري ، استطاعت المجلة تثبيت شخصيتها كمجلة منوعات، كان معظم محرريها وكتابها الرئيسين من غير البعثيين : فاضل العزاوي ، سالمة صالح ، محمد كامل ، صادق الصائغ ، يوسف الصائغ ، جمعة اللامي ، جليل حيدر ، هادي حيدر ، حسين مردان ، سلام خياط ، نبيل ياسين ، ابتسام عبدالله ، زيد الفلاحي ، المصور جاسم الزبيدي ، رسام الكاريكاتير بسام فرج . كانت قيادتها بعثية متنورة ، لم تفرض وجهات عقائدية في الإدارة الثقافية ، ولا في بناء الموضوعات واختيارها ، وتركت محرريها وكادرها الفني بمن فيهم قدامى البعثيين كضياء حسين أحرارًا في ما يكتبون و يفكرون و يطبقون من تجارب، تلك كانت البداية على أية حال ، وهي بداية جيدة تلائم الأسلوب الذي اعتمده البعثيون في العمل بهدوء للقبض على السلطة والمجتمع بقبضة من حديد . كانت بداية ألف باء من الالتماع والثبات على تقديم مادة صحفية غنية جعلتها تجتاز الكثير من محن استبدال رؤساء التحرير ، وكل واحد منهم لديه طريقة . في النهاية أطبق عليها ثقب السياسة الأسود واللامبالاة بمصيرها ، فقد تسرب المحترفون منه وهاجروا ، وتبعهم رئيس تحريرها حسن العلوي بعد إعدام ابن خالته عدنان حسين مع عدد كبير من قياديي الحزب . قبل أن يتسلم كامل الشرقي مسؤولية إدارة تحريرها عام 1983 كانت مجلة ألف باء قد وصلت إلى الحضيض . تتكوم في المكتبات ولا أحد يشتريها . سمعتها ، بوصفها أول مجلة عراقية حكومية لم تعد تنقذها " وبعدها يتطرق إلى تسع نقاط داخل عتبة هذه المجلة التي عمل فيها وتكون ( الممارسة الديمقراطية في الأمن العامة ، تهديد ووعيد من السكرتير الصحفي للرئيس ! ، شكوى ضد إعادة الصياغة تنقلها الرئاسة ، الأمن العامة تقرأ عبر المكبرة ! ، ضابط الأمن يدافع عن الشيوعية ، الخوف ينجينا من المهالك ، في الطريق إلى الحرب ، بيع عربات الزبالة ، حادث جلل في اليوم الأول من انتهاء الحرب ) ، وكانت هذه المحطة قريبة من حياة سهيل سامي نادر ..ويذكر في سنوات عتعتة باتجاه الحرب والفوضى في التسعينات بعد تركه العمل في مجلة ألف باء مع الإحالة على التقاعد ، كيف كانت مجريات الحياة صعبة عندما يكون الراتب مقدره دولار واحد يعادل علبتي سكائر ، يقول على تمييزه بالكتابة في" سنوات التسعينات بنشاط واسع لي في الكتابة . أثناء حرب 1991 كتبت نصًا طويلًا شبه روائي بعنوان " حمى النجمة " لم أنشره لحد الآن ، وفصلًا من رواية سميتها " الجندي البشوش في قاطع الشوش " لم أنهها ، فصلًا عن رواية ثانية لم اسمها ولم أنهها كذلك.
بعد انتهاء الحرب باشرت بكتابة رواية " التل " التي أنهيتها بنحو شهرين ، ثم أهملتها . ومقالة طويلة عن شارع الرشيد أضعتها في مكان ما كانت كارثة الحرب قد جعلتني شائطًا حزينًا أعالج حياتي بخلق حيوات أخرى لا أعرف كيف أطلقها كلها وأتصرف إزاءها ، فكنت أبقيها معلقة مثلما أنا معلق . كان حبس الدكتاتورية قد طال ، معتقدًا أن الخلاص منه بواسطة الاحتلال سيكون كارثيًا ولا أخلاقيًا ، ورحنا نمضي إليه بخطى حثيثة " ، وسينقلنا سهيل سامي بكتابه إلى جحيم آخر وهو زمن الاحتلال الذي عصف بالعراق ، ويتناول أحداث حصلت معه الذي تزامن مجيء ثائر حفيده مع الحرب ، وكتب المقال الأول وكان بعنوان " مرثية لسقوط الدولة " ، ومن خلال تلك المدة ليوضح شيئاً مهماً وهو انَّ الصحافة الاجنبية من زرعت الطائفية داخل المجتمع العراقي وصدم بسؤال الصحفي الألماني : هل أنت سني أم شيعي ؟ ويقول " أخبرته وأنا يائس منه وغاضب بأنني لن أجيب على هذا السؤال فانتمائي الطائفي لم يكن له شأن في موقفي السياسي في أي يوم من الأيام، بعد يومين فقط ، وفي المكان نفسه تكرر الأمر مع صحفي أمريكي فبعد أن حدثته عن أخطاء الأميركان القاتلة في العراق ، سألني عن مخاوفي منهم في المستقبل ، فأجبته بأنني أخاف من أن تتلبس أميركا حالة " آخاب " بطل رواية موبي ديك لملفل ، فقد انتهى الأمر بسبب الغضب واللؤم ، إلى موته ومقتل الحوت الأبيض وغرق السفينة بملاحيها . وذكرته بأن البروتستانتية التلمودية المؤثرة في السياسة الأمريكية اليوم ، الأقل فصاحة من آخاب ، ستغرق السفينة بمن فيها، فاستغرب محدثي من إطلاعي على الثقافة الأمريكية ، لكنه مثل الألماني أنزلني إلى الحضيض : هل أنت سني أن شيعي ؟"، وسيكون من المؤسسين في العتبة الأخيرة دار " المدى " قبل غربته خارج العراق ، والتي ستنطلق من حديقة قاعة الحوار " كنت جالسًا هناك ووجدت فخري كريم أمامي ، كان معه زهير الجزائري فهذه هي المرة الثانية التي أراه فيها ، وقبلها رأيته في بيت يوسف الصائغ، قال سمعت أن عندك الكثير من الأصدقاء هنا فهل تدعوهم لاجتماع من أجل إصدار المدى ؟ على هذا النحو تحقق الاجتماع الأول لهيئة تحرير الجريدة . كان مرتجلًا ومن دون إعداد لكنه أطلق خواطرنا السياسية والتخطيطية بطريقة فعالة ،وجرى تأجير شقة أرضية في شارع فلسطين بدأ منها العمل من أجل إصدار العدد الأول ، فيما أجّر فخري كريم بيتًا بغداديًا بحديقة واسعة على شارع أبي نواس ، انتقلنا إليه بعد أن جُدد لاستقبالنا ، وصار المقر الرئيس، كنا مجموعة من المثقفين المستقلين امتلكنا تدريبًا ثقافيًا متنوعًا يقع مابين التخصص باللغة ، والخبرة الصُحفية ، والتحقيق التراثي ، والأدب وكتابة الرواية، والحال بدت المدى صحيفة مثقفين ، على الرغم من أن قيادة الجريدة كانت بيد الكادر الصحفي : فخري كريم رئيس التحرير ، الدكتورة سلوى زكو و زهير الجزائري ( نائبًا رئيس التحرير ) ، عبد الزهرة زكي ( سكرتير تحرير ) ومني ( مدير التحرير ) قبل أن أحتل موقع رئيس التحرير التنفيذي " ويذكر لان المأساة التي حدثت في بداية السقوط مثل اغتيال أحمد فرج في الفلوجة ، وبدأت منظمات إسلامية سنية وشيعية تأجج الموقف السياسي في البلاد ، وبدا الانحراف في الدولة لحرب طائفية من الأحزاب الإسلامية ، وسيذكر لنا موقفاً من تلك الذكريات المؤلمة، إذ يقول " أتذكر أننا نشرنا خبرًا احتج عليه رجل دين في مدينة الصدر معروف بروحه الاعتدائية ، فأرسل من يخبرنا أنه سيهاجم الصحيفة . اتصل به زهير الجزائري طالبًا منه التعقل مؤكدًا أن يخاطبه هو حفيد المجتهد الشيعي وأحد قادة ثورة العشرين عبد الكريم الجزائري . رضخ قليلًا لكنه خاطب زهير بجملة تليق بصدام حسين : أنا اقتنعت لكن ما الذي يقنع ( الويلاد ) الذين هم في الطريق إليكم ؟! في أحد الأيام سقط علينا صاروخ فتح ثغرة في جدار غرفة الإدارة المتداخلة مع غرفة رئيس التحرير وأثار فيهما الزوابع ثم سار حتى وصل السلم المؤدي إليها وإلى مكتب هيئة التحرير ، ولحسن الحظ لم ينفجر ! "، هكذا كانت تدار الأمور السياسية بلا عقل . وبعد ذلك يتكلم عن موضوعات بارزة في تلك المدة داخل هذه العتبة متمثلة في نقطة النفط مقابل الغذاء وفضيحة كوبانات النفط ، إذ كان يرى أن هذه الفضيحة ستحقق الشهرة لصحيفة " المدى " بعد تورط سياسيين و مؤسسات ، ويقول استغرقت في هذا التحقيق يومين متتاليين لم أنام ، ودخنت أكثر من ستين سيجارة ، وكان هذا الخبر له أصداء وتفاعل في أوروبا وأمريكا ، وبعده يذكر محاكمة صدام وإعدامه كانت معدة إعلاميًا والإطار السياسي والأمني الذي أحاط بالمحاكمة حولها إلى مهزلة ، ويقول " لم أكتب عن المحاكمة إلا بعد أن أعدم صدام حسين في فجر عيد الاضحى 30 كانون الأول 2006 وكنت حينها أعيش في دمشق وأعمل في دار المدى للنشر .." ، ثم يتحول الى "كتابات نقدية : علم بلا دولة ومشروع إعادة نصب الجندي القديم " ومن خلال هذا العنوان داخل عتبة المدى يذكر أصدقائه الذين رحلوا وكتب عنهم وهما فائق حسن الذي توفى سنة 2003 وشاكر حسن ال سعيد الذي وافاه الأجل سنة 2004 ، وسيكتب عن رفعت الجادرجي على الرغم هو أحد المعجبين بإعمال هذا الفنان ويقول " لم أتوقع أنني في ظروف الاحتلال سوف أكتب عن رفعة الجادرجي بطريقة نقدية لا تخلو من غضب . لقد سجل على المعمار المثقف رفعة الجادرجي حدثان فنيان في الإطار الرمزي الوطني بت بهما من دون أن يناقشهما أحد خلال أقل من خمس سنوات . الأول هو تصميمه للعلم العراقي ، الذي أجهضته السياسة والحالة الجمعية قبل العوامل الفنية والجمالية . والثاني إعادة نصب الجندي المجهول القديم الذي لم يعرف به أحد لو لا أن الدكتور خالد السلطاني قدمه وأشاد به ، ثم طواه النسيان لعدم معقوليته "، ثم يذكر لنا كيف اصطدام بقائد شيوعي وهو حسان عاكف ، وكان لم يخطر في بال سهيل سامي نادر أن يصطدم في يوم من الأيام بأحد قادة الشيوعية على جريدة المدى، إذ يقول : " كتبت افتتاحية لم أضع عليها اسمي عن قضايا التوريث السياسي ، وكيف أن النظام السياسي يصنع معارضة تشبهه . قدمت أمثلة تؤكد هذا الرأي من تاريخ العراق السياسي ، و وصفت بنحو سطرين 14 تموز 1958 كانقلاب عسكري . بدا هذا الوصف كفرًا بالنسبة لعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السيد حسان عاكف ... " بعد صفحتين يقول : على أية حال شكلت هذه القضية عتبة أولى لمشكلات مع الصحيفة انتهت إلى خروجي منها بطريقة مهذبة في نهاية عام 2010 "، من ثم يسعى إلى نقطة مهمة في حياة سهيل سامي نادر وهي التهديدات وانخطافه و ستكون المحطة الأخيرة في بغداد ، وكان يستذكر هذا الشي ويقول : " لست على يقين من تاريخ الذي أخبرتني فيه استعلامات الصحيفة بوجود مكالمة لي ، كان الهاتف الخارجي هناك تصلني بعض المكالمات على الهاتف الخارجي، إذا كان الأمر اعتياديًا أن أنزل قاطعًا مسافة 250 مترًا . استعجلت وبدأت ألهث في فم الهاتف وأعلن عن نفسي . ناداني صوت اسماني ب " سهييل " ، بتسكين السين والهاء وتطويل الياء . كانت تلك لهجة جنوبية تشترك فيها اللهجة الغربية كذلك في تلفظ اسمي العربي القديم . قلت نعم . أجابني بسلسلة من الشتائم : ابن القحبة ، منيوك ، شيوعي ، أمريكي ، صهيوني ، إذا لم تخرج من جريدة فخري كريم سوف تقتل . لا تقل إننا لم ننبهك !
أغلقت الهاتف من دون أن أشعر بأي انفعال أو الخوف ، إذ امتلكت قوة الاحتقار للسلطة والإرهاب ، وكانا يغذيان بعضهما بعضًا بالحقد والعنف . نسيت الحادث بمجرد أن صعدت إلى مكتب التحرير وانشغلت . فيما بعد ، ومن دون أن أخبر فوزي كريم بالتهديد ، طلبت منه تزويدي بمسدس ، وحصلت عليه وأخذت أحمله معي في السيارة " ويذكر الأحداث في تلك الصفحات القتل والجثث في شوارع بغداد وعمليات الاختطاف والتهديدات بالناس مستمرة حتى بدأت الهجرة للخلص من تلك الجماعات الإرهابية والتنظيمات الخارج عن السلطة ، ويذكر كيف كان وضعه الصحي تعبان وبطريق ذهابه للطبيب والمعالج نوري مصطفى بهجت بشارع السعدون بعدما كانت مغلقة حدث اختطافه في ذلك اليوم الثالث بعد تفجير مرقد الإمام العسكري (عليه السلام) في سامراء ، وكانت الفوضى تغطي العاصمة بغداد ويصور لنا الأحداث بين صفحتي 236 -243 ، و بسبب الحرب الطائفية انقذت روح سهيل ويذكر " ارتفع صوت الرصاص ، وراحت السيارة تمشي ببطء وتلكؤ ، وسمعت أصوات مشاورات هامسة بين الخاطفين. ميزت جملة من يقبض على رأسي : أين أدخلتنا ؟ أجاب السائق : لكن هذا هو الطريق الوحيد . باتت لعلعة الرصاص قريبة جدًا ، لعلعة تتوسطها أصوات رشاشات ثقيلة وقذائف . طلب الشخص الذي يحاصرني على اليمين من السائق أن يوقف السيارة لكي ينزل قائلًا له بغموض أنت تعرف . هناك الكثير من الخريان . ماذا يحدث ؟ نزل . رجعت السيارة إلى الخلف . ونزل بعده من يركب في المقدمة لأني سمعت صوت فتح الباب ومشاورات ثم أغلق الباب . فتح من يقبض على رأسي الباب ونزل ، ثم سحبني إليه . أجلسني على الأرض وشاورني : سهييييل أنت محظوظ . سوف نطلقك الآن لكن سوف نرجع إليك . نعرف مسكنك وعملك . يمكن أن تموت هنا بعد قليل .. وبيني وبينك اشلع ! " وبعد هذا الحدث المروع والرعب الذي عاشه سهيل سيتأخذ طريق الخروج من العراق بعد مساعدة فخري كريم ، وطريقة الخروج كان تمثل حالة اسم الكتاب سوء الحظ ، ويقول : ليس تغربًا بل هروب . ليست هجرة بل خروج . هذا ماشعرت به وأنا أودع وطني بضربة من قبضة عريضة كسرت لي عويناتي وبإطلاقتين الأولى فوق رأسي والثانية تحت قدمي . هذا هو وداع جنازة . كان سوء الحظ يلقي عليّ موعظة ، وكنت لا أتعظ ، إذ واصلت الكتابة وعيني على العراق . فات الأوان على الاتعاظ. بيد أنني بث دائم الغضب لا أثق بالعالم من حولي ، وشكوكي الأصلية عن البشر وخبثهم وضعفهم تأكدت بتجربتي الخاصة ، أبكي في عز الليالي بصمت، توقفت عندي وما عدت أصدق ، ولم يخطر في بالي أنني أنا المريض بتصلب الشرايين الحاد كنت أتقدم حثيثًا إلى ما يدعى ب Panic Attack”هكذا يغادر العراق إلى الأردن من ثم لسوريا وبعد ذلك إلى الدنمارك ، كان سهيل سامي نادر يندب حظه بسبب الأحداث التي تحدث معه كلما ابتعد القارئ بالأحداث يقترب من ذاك السوء الحظ الشخصي المتعلق بسهيل ، معاناة هذا الرجل مرعبة ، وكان يتطرق إلى فقرة مهمة في الكتب ذكرها ثلاثة مرات وهي أن " الأزمان القصيرة تنتصر في العراق " وكانوا يقول للمتلقي هذا ما يحدث في العراق ، ويعطي تنبيه للقارئ في بداية الكتاب ووسط الكتاب ونهايتها ، وكان ما يميز سهيل بتناوله مقالاته على طوال المذكرات ، وكثيرًا ما أذهب أبحث في المقالات في الكتاب الثاني الذي اصدر سنة 2020 " نزولا من عتبات البيت " ، والجميل في هذه المذكرات يتناول خمسة عقود مهمة في مرحلة الصحافة العراقية .



#أسعد_ستار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مكتبتي - سوء الحظ - ذكريات صحفي في زمن الانقلابات - سهيل ...
- من مكتبتي (الهوية والآخر _ قراءات في ضفاف النص الشعري ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد ستار - من مكتبتي - سوء الحظ - ذكريات صحفي في زمن الانقلابات - سهيل سامي نادر