النقابات قادرة على ازاحة الاحزاب

مضر فارس

الحوار المتمدن-العدد: 6742 - 2020 / 11 / 24 - 22:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بعد الفشل الكبير الذي خلفته سياسات الاحزاب التي مسكت زمام السلطة بعد عام 2003 ولا زالت مستمرة بمنهجها الفوضوي مني العراق بخسائر لا يمكن تجاهلها من دون ايجاد بدائل عن تلك القوى السياسية، اذ لم يترك مفصل من مفاصل الدولة والمجتمع الا ونخره الفساد والتخبط وسوء الادارة وغياب التخطيط وضياع الفرص، من دون أي شعور بالذنب او تحمل للمسؤولية، ولم يرى الشعب العراقي نية صادقة لوضع حد لمهازل ادارة الدولة. ومن اجل المضي في الحياة السياسية وعدم السماح بانهيار النظام السياسي والعملية الديمقراطية التي كلفت العراقيين الكثير من الدماء والشهداء والاعاقات المجتمعية فضلا عن الجسدية لضحايا الارهاب، اذ ان الفضاء السياسي ليس حكرا على الاحزاب وحدها بل هناك مؤسسات اخرى بإمكانها ان تسحب البساط من تحت اقدام الاحزاب الفاسدة ومحاسبتها متمثلة بالنقابات ومنظمات المجتمع المدني وجميع التكتلات الاجتماعية سواء كانت شبابية او قبلية.
ان النقابات تعد من أكبر منظمات المجتمع المدني واكثرها أهمية وتأثيرا في المجتمعات، كونها ترتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا مع أصناف وطبقات المجتمع على حد سواء، ولها قدرة توجيه فئاته بما ينسجم وتطلعاته. فالنقابات المهنية والعمالية في العراق يجب ان يكون لها محوراً مفصلياً في كل ما يتعلق بالعملية الاصلاحية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال الدور المهم الذي من الممكن ان تلعبه، وتضغط بشكل مستمر على صناع القرار لتحصيل المنافع المجتمعية ، إذ يمكن بناء تكتلات نقابية ضاغطة على صُناع وتنظيم حملات لتوجيه الرأي العام في القضايا المصيرية فضلاً على مراقبة السلطات التنفيذية والتشريعية واجبارها على تعديل مسارها من خلال الوسائل السلمية التي كفلها الدستور.
اذا ما افترضنا جدلا ان كل نقابة تقدم مرشح واحد لها في كل محافظة وتدعمه ليصل الى قبة البرلمان فيجوز لنا ان نتخيل ان اكبر كتلة ستتشكل في البرلمان هي الكتلة الاقرب للمواطن والاكثر احتكاكا به كونها صاعدة من بين الموظفين والعمال واصحاب الدخل المحدود وحتى من بين معدومي الدخل . اذ تعد النقابات مؤهلة لمثل هذا الدور لما تتمتع به من قدرات إدارية ومؤسسية وجاهزية الهياكل التنظيمية والادارية للنقابات لوجود الهموم المشتركة وامكانية العمل الجماعي وسهولة فتح قنوات الاتصال مع الجمهور ، كذلك امكانية التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية، وأيضا مع الأطراف الفاعلة في العملية السياسية، ولما متوفر للنقابات من استقلال مادي و خبرات متراكمة لعراقتها وقدم تجربتها، وعدد الاعضاء الكبير الذي يصل في بعض النقابات الى عشرات الالاف، و تمتاز بالتنوع الديني والعرقي والطائفي للأعضاء والممارسات الديمقراطية من خلال انتخاب النقيب والاعضاء كذلك المشاركة في صنع القرارات داخل النقابات نفسها
الا ان ما يعيق فاعلية النقابات العراقية هو سيطرة المال السياسي والتأثير على بعضها وضعف ايمان الجماهير بأهمية وضرورة العمل النقابي وعدم إدراك فاعليتهن في ايجاد الحلول لازمات العراق ومشكلاته كذلك افتقار النقابات لنية التوسع والإنطلاق نحو مجالات أوسع من العمل النقابي، والتي ترتقي إلى مستوى المشاركة في صياغة السياسات العامة للدولة.
لذا يتحتم على النقابات الاضطلاع بمسؤولياتها السياسية ، لتكون شريكا أساسيا في مجريات العملية السياسية، وعدم التركيز على الجانب المطلبي فقط ، بل يجب ان تمارس تأثيرها السياسي ليساهم بتعزيز دور النقابات وتأثيرها في تنمية طبقات المجتمع سياسيا، وقدرتها على ممارسة الضغط على الأجهزة التنفيذية والتشريعية ، والعمل على بناء جسور الثقة مع الطبقة الممثلة عنهم ، فالنقابة تستمد قوتها ووحدتها من الطبقة الممثلة عنها وقدرتها على التأثير في الواقع الذي تعيشه و تحقيق أهدافها ومصالح الجمهور من خلال الضغط بالاتجاه الذي يضمن تطبيق متطلبات واهداف النقابات لتحقيق الاصلاح السياسي والاداري.
ايضا النقابات مدعوة للشروع بالإصلاح داخل النقابات نفسها من خلال تكريس العمل الديمقراطي والتعددية والحث على المشاركة الفاعلة داخل النقابات نفسها وعدم جعلها حكراً على أشخاص محددين و فتح قنوات تواصل مع الجماهير وتكثيف ورش العمل والمؤتمرات والندوات من أجل تعريف المواطن بأهدافها الاجتماعية ومطالبها التي تسعى للضغط بها على صانع القرار التشريعي أو التنفيذي للحد من تأثير التكتلات الحزبية والقوى السياسية عليها وجعلها مستقلة لتقوم بعملها بحرية تامة وخلق ارادة ورؤية في ان تتطور وترتقي إلى مستوى أوسع من العمل النقابي بل يتعداه الى المشاركة في رسم السياسات العامة ، عند ذلك يمكن للحركة النقابية أن تصبح قوة ضاغطة وفعالة لها ثقل على المستويين الشعبي والحكومي، ولها مقدرة على التأثير في السياسات الوطنية بما يخدم العراق ارضا وشعبا.

#مضر_فارس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل