أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الرواية السورية في مواجهة الاستبداد- أثرنا في مواجهة الزوال: شهادة















المزيد.....

الرواية السورية في مواجهة الاستبداد- أثرنا في مواجهة الزوال: شهادة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6734 - 2020 / 11 / 16 - 04:24
المحور: الادب والفن
    


إبراهيم اليوسف:
أثرنا في مواجهة الزوال
إذا كان استئنافي العمل، في مضمار السرد في تجربتي الكتابية، أو: ردتي السردية، وتخصيص الرواية منزلة في هذه التجربة حلمًا لطالما راودني بعد محاولة أولى كتبتها في مطلع حياتي، في هذا المضمار، ولم يشأ لها النشر، ولربما كان ذلك خيرًا لي، فإنّني لم أرَ في التوجه إلى هذا العالم ضرورة أكثر إلحاحًا، إلّا في ظل الحرب على السوريين، إذ كنت أحد من تناولوها بأشكال عدة: المقال والقصيدة والقصة القصيرة جدًا، بل حتى الظهور المتلفز، والمشاركة في الندوات، فضلًا عن التوجه إلى العمل السياسي في هذا المضمار، في أولى النويات التيتي ظهرت آنئذ للعمل الجماهيري، لآيسَ، وأرى أنّ ما يحدث أكبر من محاولات تناولنا لها كلها، لا سيما بعد أن غدت القصيدة أمام مهمات جديدة، تناولتها في أكثر من كتاب، مثلًا: «استعادة قابيل: صياغات جديدة للوعي والأدب والفن»، و«هكذا أكتب قصيدتي- الشاعر والنصّ في مهب النظرية».
أجل، تدريجيًا، بدا لي أنّ ما يجري على امتداد خريطة المكان، لا يمكن تناوله -كما ينبغي- عبر أدوات الكتابة المتاحة، ولا سيما قد أنجزت أكثر من مجموعة شعرية من بينها «ساعة دمشق» التي تناولت فيها -يوميات الثورة- ووجوه الشهداء الأعلام: ثوارًا وأمكنة ثائرة، منذ بداياتها، بل أنجزت نصوصًا ملحمية عن أشخاص وأحداث، لأرى أنّ ثمّة تفاصيل كثيرة لا بدّ من أن تتناول، وأنّ القصيدة التي باتت تفرض ذاتها إنما هي مختلفة عن تصوّراتنا، ونظرياتنا المُستظهرة، في شعر الحداثة، لأنّ النصّ الجديد لا بدّ من أن يتخفف من كثير من أناقته، وبهرجته، بما يتواءم مع رائحة الدم والدمار والخراب، لتؤدي الصورة مهمتها، ولا توأد.

هذه الهواجس، في ضوء تجربتي الشخصية مع القول والفعل تحوّلت إلى أسئلة ملّحة، لأرى أنه مع مرور السنوات، لا بدّ من الارتقاء إلى مستوى الحدث -أكثر- بخاصة أنّ جمهور الرواية بات يتعاظم، لدواع ليس هنا مكان استقرائها، على حساب انحسار القصيدة، مهما سمت، وأحاطت -بما هو ممكن بالنسبة إلى عالمها- لأنها لا يمكن أن تخرج عمّا هي محكومة به، لا سيما في حضرة قارئ آخر، مختلف، مغاير، بل في حضرة انتشار -الصورة- أو لنقل: شبكات التواصل الاجتماعي، بأشكالها، ومقدرة -الفيديو- على التأثير الكبير، حتى وإن كان معرّضًا لسوء الاستخدام، بعكس، الواقع، إلّا أنّ هذا الفيديو -بالنسبة إلى كاتب مثلي ووفق رؤاي- غير قادر أن يؤثّر أكثر، وأعمق، وأبعد، وأرسخ من دور الكتابة. من دور السرد، والروائي منه، تحديدًا.
عندما تعرّض شارع منزلي، في مدينة “قامشلي” لتفجير إرهابي، كتبت عددًا من المقالات ذات الطابع الأدبي، بل رحت أكتب عن وجوه الضحايا/ الشهداء، لأنّني كنت أعرف كثيرين منهم. إنهم جيراني. أبناء الحي الذي عشت فيه حتى آخر نفثة هواء، لكنني أحسست أنّ أرواح هؤلاء تستحق ما هو أكثر -شأن كل شهيد من أبناء وطني وبلدي- وهم في مواجهة آلة الدكتاتور الذي لم يتوانَ عن الإقدام على حرق المكان والكائن، من أجل محض كرسي زائل.
أتذكر، وأنا أتعرّض –للتحقيق- من قبل جلاوزة النظام الذين كانوا ينزعون إلى ممارسة التعذيب النفسي بحقّي، في إثر كتابة مقال، أو إبداء رأي، لم يكن لديّ غير أن أقول: سأظل أواجهكم بسلاح أعظم هو الكتابة، وهو ما كنت أفعله، ومارسته، وأمارسه على امتداد سنوات الثورة/ الحرب، بعد أن أعلن نظام دمشق هذه الحرب على السوريين، ليقابل: غصن الزيتون بالقذيفة، ويجعل المكان مرتعًا لكل المولعين بممارسة القتل واحتساء الدماء: من قبل مستقدمين من خارج البلاد كما من قبل أمثالهم من داخلها، ليحدث كل ما حدث وما يزال يحدث حتى الآن من تدمير وتهجير وسفك دماء وإزهاق أرواح وحرق تاريخ وحضارة وحاضر بل مستقبل قريب.
من هنا، جاءت تجربتي في رواية «شارع الحرّية» (2017)، لأتناول تفاصيل أحد جراحات جسد الوطن، كي يكون ذلك في إهاب سردي جمالي، بما يقارب الوثيقة، ولا يكونها في آنٍ، كما تقتضي طبيعة عالم الرواية، لأجمع بين شخصيات حقيقية وأخرى متخيّلة، وهكذا بالنسبة إلى الأسماء، والخطوط الرئيسة أو الفرعية للحدث، بعد أن أيقنت أنّ هذا النصّ مؤهل لمزيد من القراءة، وهو ما جرى، ليطبع هذا العمل أكثر من مرة، ويكون إحدى الوثائق الأدبية عن بشاعة الحرب. عن بشاعة العقل الإرهابي. عن بشاعة الأدوات التي آزرت نظام الطاغية، وقدّمت سند كفالة جديداً من دماء أبرياء أعرفهم، كما دماء كثيرين من أمثالهم، على امتداد خريطة سورية، من دون أن أظل أسير الوثيقة، أو المذكرة، أو السيرة -وكلها موجودة بشكل جزئي- ضمن إهاب عمل أردته أشمل، وأوسع، كما خطّطت له، وإن كنت هنا لا أدخل في نطاق التقويم، لأنه شأنه الناقد المتخصص.

غير بعيد عن عالم هذه الرواية فقد كتبت رواية «شنكالنامه» (2018)، عن جرائم “داعش” ضدّ الأيزيديين، في مناطقهم، ضمن الجغرافيا الملفقة التي سمّوها، على امتداد مكانين في أطلس الاعتراف الدولي: سورية والعراق، بما فيهما من مفردات لها خصوصياتها، وتناولت محاولات محو هؤلاء لبشر مسالمين، لطالما عاشوا بيننا، وتعرضوا للإبادة، وكان هذا الغزو أو هذا السبي الأخير، محطة جديدة في “الفرمانات” التي مورست بحقّهم، لأتفاجأ بشهادات أبناء المكان، وبعض المحرّرات من الأسر ممن قالوا وقلن لي: “وكأنك كنت معنا”، على الرغم من أنّني كنت بعيدًا عنهم آلاف الكيلومترات جغرافيًا.
تأسيسًا على ما سبق، فإنّني أرى أنّ الرواية، وفي ظل انتشارها السريع والواسع، من أكثر الفنون الإبداعية التي تستطيع أن تنهض بالتفاصيل، ليس من أجل أرشفتها -وإن راح بعضنا يعمل في هذا المجال- وإنما من أجل تقديم نصٍّ مواز للواقع، يبيّن قبح صناع الحروب، والطغاة، والقتلة، لا سيما إن لم تكن هذه النصوص محض فانتازيا لا رصدًا حرفيًا للواقع، لأنّ أدوات التقانة، في عصر ثورة ما بعد الحداثة قد تجاوزت فجاجة التقريرية، وكسرت كل جدار بين المتابع المراقب والواقع، بعكس النصّ الإبداعي الذي يلبي حاجة جمالية لدى المتلقّي، إضافة إلى تحريضه، وهزِّه، من أعماقه.
مؤكّد، أنّ ما قدّمتُه من جهد ضئيل في هاتين الروايتين، إضافة إلى رواية أخرى صدرت للتو في عمان بعنوان «جمهورية الكلب» (2020) التي رصدت فيها واقع المُهجَّر، المقتلع من ترابه، في لحظة صدمة اللقاء بين الشرق والغرب، امتدادًا لحالة الحرب التي أراني أحد ضحاياها، وشهودها، وإن كنت أراني غير قادر -البتة- على قول إلّا ما هو جدّ ضئيل، بما لا يوازي أنّة أنثى اغتصبت على يدي قاتل، أو دمعة طفل تحت الأنقاض فقد بيته وألعابه، وقبل ذلك أخوته وأخواته وأبويه، فضلًا عمّا لا ينتهي من أمثلة من سلسلة تراجيديات الحرب القذرة، ليكون المتناول -من لدني- أشبه بمحاولة طائر يروم إطفاء نار تلتهم غابة فيها عشه وفراخه وفضاؤه، وهذا كله -أعني الفعل الكتابي وهو الروائي هنا- ما لا يستهان به البتة -في ترك أثر أراه جدّ ضروري، لأنّ الكتابة- كما رأى تولستوي مبدع رواية «الحرب والسلم» الأداة التي تجعلنا نترك أثرنا في مواجهة الزوال.
لم يغب عن بالي، كلما انتهيت من إنتاج عمل سردي سؤال جدّ مهم: ما القيمة الفنية لمثل هذا المنجز؟ حقيقة، إنّني جدّ معني بأن يكون لكل عمل أتنطع خلاله لتناول تفاصيل الألم، من منظور إبداعي، ألّا يكون ما أقدّمه محض مرجع تاريخي -فحسب- لأنّ كتّاب اللحظة، ومؤرّخيها -ما أكثرهم-، بل أكاد أقول: لم تعد ثمّة حاجة إليهم، أمام -الأقمار الصناعية- التي تصوّر حركة أي عصفور بعد انتفاضته في وجه أيّ قطرة مطر، أو نسمة، أو كف ريح، أو خطر أفعوان، أو سواه، ولقد جرى الحديث في حرب الخليج -عن بخار وجبة الطعام المقدّم لهذا المتواري عن الأنظار في أحد الأقبية تحت الأرض- إذ لا أحد خارج الرصد التكنولوجي، لهذا فإنّ مثل هذا التقويم متروك لاثنين: قارئ حقيقي ذي ذائقة، وناقد منصف ذي ضمير وحساسية، معترفًا -سلفًا- أنّ كثيرًا مما هو غثيث بات يُكتب، بسبب نيابة بعضنا عن دور المراسل الحربي في الكتابة عن الحرب، أو المؤرّخ وهو يرصد ما يدور في السجون أو حتى الحياة اليومية، خارجها، في ظل سقوط الرقابة، وانتشار المطابع كما الفطر، درجة أنها باتت موجودة في بيوتنا بكثرة، فضلًا عن النشر الإلكتروني الذي يسقط زمن النشر ليكون محض ثوان بعد الانتهاء من أيّ سفر كتابي عظيم.
أخيرًا، إنّني أرى كثيرًا من الروايات باتت تتحلّل -هي الأخرى كما الشعر أو اللوحة أو حتى الأغنية- من تبرجها، لتهيمن اللغة التقريرية -أنى كانت هناك أحداث ملتهبة الوطيس مقاربة للواقع- لتكون هناك -رواية حرب- بعلامات فارقة، فيها إعادة اعتبار للحياة، في نسختها -الأصيلة- وهي تواجه أعداءها، عبر ناص لم يذعن، وكان الأكثر استدعاء للتفاصيل، لا يفتأ يقدّمها في محاكمة ما: في حرب الخير والشر. الأفول والبقاء، يقدّم -حبل الخلاص- في اللحظة التي يعقد الحبل/ الأنشوطة، لرقبته، كما محيطه، إلّا أنّ حبر دواته لا يرعوي ولا يغيب قبالة أيّ دخان أو ألسنة حريق أو سيل دماء.
الرواية السورية
في مواجهة الاستبداد
-ملف موقع حرمون-



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكرإبراهيم محمود أحد أغزر الكتاب المعاصرين يصدر ثلاثين كت ...
- بعد تحويل وتحريف بوصلة الثورة محاولات- وأد- رئاتها الثقافية ...
- صاحب نظرية «تأريض الإسلام» فيروس كورونا يضع حداً لحياته ومشر ...
- في مواجهة شبح كوفيد التاسع عشر: كرسي فارغ في مجلس العزاء
- من وراءهذا التناقض في ثنائية الموقف من الكردي؟ اعترافات أنشر ...
- واحد وستون*- حكيماً -سورياً شهداء مواجهة كورونا النظام الحاك ...
- التدرؤ وراء اسم نورالدن ظاظا من جديد! تعالوا نتحاور من دون ا ...
- أطباء الوطن في مواجهة حربين كبريين! جاء دور رفع التحية لكم!
- قانون الغاب
- في لباس النقد ذلك الوباء الكريه!
- حذار من انتهاكات الأرض والعرض! رسالة إلى- الإدارة- اللاذاتية ...
- فن اصطياد الهفوات العابرة.. والإعدام الثأري
- نحو تأسيس نقدي مقوم ومواز للنص السياسي استقراء أول في تجربة- ...
- مصطلح «صديق الشعب» المرتبة والاسترتاب
- ثنائية الكراهية و التسامح الواقع ومقاربات تدقيق المصطلح
- لا لدولة المواطنة
- أحلام المواطن السوري وطموحاته
- في غموض النص الشعري السليمبركاتي و وضوح قضيته!
- وجوه عصية على النسيان! المراثي مطهراً لألم الغياب
- ليس دفاعاً عن سليم بركات


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الرواية السورية في مواجهة الاستبداد- أثرنا في مواجهة الزوال: شهادة