أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان كريم - الغرب والإسلام السیاسي: تعایش أم تعارض؟















المزيد.....



الغرب والإسلام السیاسي: تعایش أم تعارض؟


عدنان كريم

الحوار المتمدن-العدد: 6729 - 2020 / 11 / 11 - 09:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الغرب و الإسلام السیاسي: تعایش أم تعارض؟

أعني بالإسلام السیاسي، بإقتضاب، سائر القوی والحرکات التي تستلهم الدین الإسلامي ( القرآن و السنة ) مرجعا و مصدرا لمنهجها السیاسي بمختلف أطیافها و تلاوینها بغض النظر لرؤیتها لکیفیة تحقیق الحکم الاسلامي المنشود وتطبیق الشریعة الإسلامیة کالصیغة المثلی لعالمهم المنشود. فالسمة المشترکة بین مجمل تیارات الاسلام السیاسي تتجلی في سعیها المحموم لتطبیق الشریعة الإسلامیة سواء بحذافیرها حینما تزف الساعة أو تدرجا عندما لا یستقیم الامور لسبب من الأسباب.
ولا تنحصر نطاق تحرك تلکم القوی وهواجسها بالشأن " الدیني " المجرد بمعناها المألوف لدی أتباع الدیانات الأخری، بل باتت تشکل، ومنذ ثمانینات القرن الماضي خاصة، حرکة أوسع تطرح نفسها لیس کبدیل للنظم السیاسیة القائمة فیما یسمی جدلا ب " العالم الإسلامي " بل لها أجندتها الخاصة والمتمیزة والتي تسعی لفرضها في کل صغیرة و کبیرة وفي شتی میادین و تفاصیل الحیاة السیاسیة و الإجتماعیة والثقافیة.
وبحکم طبیعة عالمنا المعاصر و سمتها المعولمة خاصة و إندماج قضایا الکون راهنا، لا ینحصر طموحات هذه الحرکة في الإطار الجغرافي ل " العالم الإسلامي " بل باتت تشکل قوة ذات بعد أممي لها طموحات کونیة تسعی من اجل تمدد نفوذها لتوظیف الإندماج المتزاید لقضایا عالمنا و دینامیة ترابط شؤونها، متکئة في ذلك علی جموع " مسلمة " ملیونیة تذررت في شتی بقاع العالم و خاصة في دول الغرب، بکل ما تمتلکه تلك الجموع من دفق و دینامیکیة و إمکانیات و طموحات جامحة.
هکذا إذن فقد بتنا بإزاء تیار فکري، سیاسي لها قاعدة شعبیة واسعة و متینة، لا تمثل فقط الملایین من بین سکان الشرق الاوسط و آسیا و أفریقیا ، بل عشرات الملایین ممن یعدون أنفسهم فکریا و سیاسیا ضمن تعریف " المسلمین " في أوربا و أمریکا و کندا و أسترالیا بل و حتی في أمریکا اللاتینیة. جموع یسهل إنقیاده و شحنه و ادلجة عالمه و جعله یدور في فلك التیار السیاسي الإسلامي و إن لم ینتم إلی منظمة إسلامیة أو لم یستسغ برامج القوی المکونة للإسلام السیاسي حرفیا.
فالتمدد الکوني لطموحات الإسلام السیاسي بکل ما تحویه من أفکار و ممارسات و تقالید و بکل ما تملؤه من حیویة و روح دینامیکیة یستحیل العثور علی نظائرها لدی الأدیان و المذاهب و الحرکات الدینیة - السیاسیة، تمثل إحدی سمات عالمنا المعاصر.
ولا تتجلی مکمن الخطورة في ما یحویه الإسلام والشریعة من افکار و قیم تتعارض مع الطبیعة البشریة فقط، بل بات العالم المعاصر أمام کوارث محدقة بسبب تحول التیار الإسلامي إلی حرکة سیاسیة متطرفة تتبنی نهجا تدمیریا و إقصائیا لا تقل خطورته عما مثلته صعود الفاشیة في أوربا في ثلاثینیات القرن الماضي.
کانت الحرکات الإسلامیة في ثمانینیات و تسعینیات القرن الماضي، لا تشکل سوی جزر معزولة و بؤر صغیرة في افغانستان و لبنان والسودان و الجزائر وغزة و...، إلخ یمکن للغرب إبقائها تحت السیطرة ولا تشکل مخاطر آنیة ومحدقة علی السلام العالمي ولا تمثل کابحا لسیرورة الصراعات الجاریة في العالم ضمن سیاق الدیمقراطیة و التنافس بین الکتل السیاسیة العالمیة و نضال القوی المختلفة من أجل العدالة الإجتماعیة و الحریات و غیرها من نضالات و صراعات و تنافس کان النظام العالمي الرأسمالي قادرا علی تأطیرها و تحدید حدود المد و الجزر فیها. إلا إننا بتنا و منذ شروع القرن المنصرم أمام واقع و حالة جدیدة فیما یخص دور و مکانة و طموحات الإسلام السیاسي علی الصعید العالمي.
فقد بدأت و منذ الهجمات الإرهابیة في ١١ سبتمبر و الإطاحة بالنظام العراقي و القاعدة في افغانستان و علی الرغم من الضربات العسکریة التي تم توجیهها للمنظمات الإرهابیة الإسلامیة، مرحلة جدیدة من جموح و إنطلاق و إنفلات مد الإسلام السیاسي و تماهیها مع التیارات الإسلامیة الإرهابیة. إننا أمام واقع جدید لتحرك الإسلام السیاسي یختلف عن تحرکها الاولي الساعي لتعریف نفسها وولوجها مضمار العمل والنشاط کحرکات تنحصر نشاطها في جمع المساعدات لدعم نشاط " المجاهدین " الأفغان و سعیهم للتخلص من الإحتلال الروسي والتحرکات الخجولة الأخری لجمع الأموال بحجة مساعدة " نازحي " کشمیر وضحایا العنف بحق المسلمین في بورما أوتحت یافطات حملات التندید بقمع ناشطي المجتمع المدني في مصر أو جمع المساعدات و إیصالها ل" المنکوبین " في غزة و غیرها من مسمیات کثیرة کانت الحرکات الإسلامیة تتخذها لإخفاء مرامیها السیاسیة.
إننا نشهد في هذ‌ المرحلة نضوج الإسلام السیاسي بمعنی تخطي مرحلتها " الدعویة " و البدء بطرح نفسها لیس کبدیل سیاسي عن المنظومة الحاکمة في العالم الإسلامي فقط، بل کقوة تسعی کهدف آني للإطاحة بتلك الأنظمة و الشروع بإعادة بناء " العالم الإسلامي " وفق تطبیقات الشریعة الإسلامیة بصورة مباشرة و لیس عن طریق الضغط علی الأنظمة القائمة کي تقوم بها کما جری في الثمانینات في باکستان في عهد برویز مشرف وفي العراق في ظل الحملة الإیمانیة التي أجراها النظام البائد وفي الجزائر و مصر و السودان و غیرها من التجارب و الأمثلة.
کما تختلف مکانة الإسلام السیاسي الراهن أو فلنقلها بصراحة أکثر، تختلف طموحاتها الراهنة عن مراحل ولوجها الأولي لمضمار العمل السیاسي المباشر في ثمانینیات القرن الماضي، بتوسع نشاطها الجغرافي بحیث بات الغرب و إوربا بصورة خاصة هدفا و ساحة مهمة لتصفیة حساباتهم و ولوجهم میدان العمل الأممي.
وقد قامت حرکات الإسلام السیاسي و بدهاء بإستغلال الفراغ الذي نشأ إثر الإنهیار الکبیر للمعسکر الإشتراکي و مارافقه من إختلالات و فوضی في النظام العالمي، للتمدد و توظیف أمواج الهجرة التي تلت ذلك إلی أوربا کي تحول الغرب إلی ساحة و مسرح لعملیة إنطلاقتها الجدیدة.
کما لعبت الدول الرأسمالیة الغربیة دورا مشینا في تقویة الحرکات الإسلامیة و تشجیعها و تمویلها بمختلف السبل، سواء عن طریق دعمها و إستغلال نفوذها في محاربة الشیوعیة أثناء مرحلة الحرب الباردة و خاصة بعد الغزو السوفیاتي لأفغانستان أو في إسناد الأنظمة الدکتاتوریة ذي التوجهات الإسلامیة مثل المملکة العربیة السعودیة و السودان و باکستان و ترکیا و تشجیع تلك الأنظمة في التنکیل بالقوی التقدمیة و الدیمقراطیة و العلمانیة والیساریة وسلخ شعوبها حتی باتت نیران الفاشیة الإسلامیة المنفلتة من عقالها والحرکات الإسلامیة والمتطرفة تهدد الغرب في عقر دارها.
ومن جهة أخری فإن سیاسة النسبیة الثقافیة التي تنتهجها معظم الدول الاوربیة و أسترالیا و کندا، لعبت دورا کبیرا في تقویة المنظمات الإسلامیة ووفرت لها مجالا رحبا للتحرك و إمکانات مالیة وفیرة و شبکات تمویل ومدارس و...إلخ إستغلتها بدهاء و فطنة في عملیة تمدد لم یسبق لها مثیل سواء علی الساحة الاوربیة و الغربیة عموما أو في بلدان " العالم الإسلام " بشکل خاص. ففتح المدارس و المساجد الإسلامیة بتمویل سعودي – قطري والسماح بممارسة شتی صنوف التطرف علانیة و نشر سموم فکرهم المتطرف علانیة و دعمهم مالیا تحت یافطات المنظمات الخیریة و المدنیة والسماح لهم بجمع اموال هائلة تحت مسمیات دعم منکوبي غزة وکشمیر و غیرها هي أمثلة فقط لما وفرته الدول الغربیة لهذه التیارات تحت لواء إستراتیجیة ( النسبیة الثقافیة ).
إن دعم الدول الغربیة لتلك البؤر والأطر التنظیمیة الخطرة و تصویرذلك الفعل المشبوه کإحترام ل ( الآخر المختلف مذهبیا و دینیا و ثقافیا ) والسماح لإستغلال الدیمقراطیة و النظام العلماني لقوی تحاول جهارا نهارا نخر و تفکیك تلك البنیة الدیمقراطیة و العلمانیة و المدنیة و تنفیذ تلك الأجندة الخطرة من خلال جیوش من المهاجرین الهاربین من قمع و تهمیش و إفقار و مطاردة الأنظمة و المجتمعات الإسلامیة، لهو أس النفاق. کما إن الواقع المذکور لنشاط القوی الإسلامیة في الساحة الغربیة تمثل إستغلالا فظا لمکتسبات الشعوب الغربیة و حقوقها المکتسبة عبر قرون من النضال من أجل الحریات المدنیة و فصل الدین عن الدولة والمؤسسات الدیمقراطیة و النظام العلماني و الضمانات الإجتماعیة و الصحیة، من أجل بث سموم فکر و قیم و منظومة اخلاقیة تتنافی بشکل صارخ مع کل تلك الحقوق و المنجزات الإنسانیة التي لطالما تفیأ بظلالها الملایین من الفارین من قمع و مطاردة الا‌نظمة الشمولیة والرجعیة والقومیة و الدکتاتوریات الإسلامیة في العالم الثالث.
کما لعبت الموجة الإسلامیة الجدیدة التي تجتاح أوربا وسائر الدول الغربیة، في تعزیز صفوف التیارات الیمینیة المختلفة والنزعات القومیة الضیقة کما یبدو ذلك جلیا في ألمانیا و السوید و الدنمارك و بریطانیا متذرعین بما تشکله الإسلام السیاسي من مخاطر محدقة علی البنیة الثقافیة و المجتمعیة في بلدانهم.
تحاول التیارات الاسلامین جعل العالم الغربي مسرحا لتجربة مشروعها التوسعي إذ تسعی بشتی الطرق دفع المجتمع الغربي والمواطنین المسلمین من حملة الجنسیات الغربیة إلی ما قبل مرحلة عصر التنویر و جعلهم یخضعون للشریعة الإسلامیة في قلب أوربا و لیس مواطنین متساوو الحقوق و الواجبات تحکمهم الدولة العلمانیة والمدنیة و نظام فصل السلطات بغض النظر عن خلفیاتهم و معتقداتهم الدینیة التي هي موضع إحترام من قبل النظام القضائي و السیاسي في المجتمعات الغربیة.
إن ما یتمتع به المسلم کفرد و کمجموعة إثنیة و دینیة مختلفة من حقوق و إمتیازات وحریات ثقافیة و دینیة و فردیة أخری، سواء من قبل الشعوب الغربیة أو حکوماتها وفي ظل نظامها العلماني و تحت رایة فصل الدین عن الدولة، لا نظیر لها إطلاقا في أکثر الدول أو المجتمعات الإسلامیة إنفتاحا و إعتدالا عبر تاریخها. لذا فإن الدعوات التي تنفخ في بوق الإسلاموفوبیا و التململ مما یسمی بالقیود التي یواجهها المسلمین في الغرب لیس إلا جزء من اجندة الإسلام السیاسي و إن کان من بین مطبلیها بعض من القوی غیر الإسلامیة التي تتباکی علی تضییق الحریات علی الجالیات المسلمة في الدول الغربیة نفاقا و بحثا عن موطيء لها قدم بین صفوف المهاجرین المسلمین.
کما إن إستحضار نماذج من تاریخ الإستعمار الغربي و ممارساتها المشینة في العالم الثالث، ممارسات رغم بشاعتها و وحشیتها، لا یمکن مقارنتها بالتاریخ الدموي للإسلام منذ نشوئه و لحد آخر جرائمه في ڤینا و باریس و نیس، لیس الهدف منها سوی ذر الرماد في العیون و إمتداد لمساعي التجییش الفکري و تهیئة الأرضیة و إختلاق الذرائع و تبریر التمدد الممنهج الذي یمارسه الإسلام السیاسي.
کما إن إنفلات المد الإسلامە و تصدره المشهد السیاسي في العالم الغربي یمثل تهدیدا لنضالات الشعوب الاوربیة للدفاع عن حقوقها أمام حکومات بلدانها حیث تمثل الحرکات الإسلامێة تهدیدا یشق صفوفهم عبر شحذ الإنقسامات الدینیة و المذهبیة و العرقیة.
وینبغي التنویه هنا بوجود جالیات من مختلف شعوب الارض و أصقاعها إختارت الهجرة إلی الغرب أو إضطرتها ظروف القمع و الدکتاتوریات و غیرها من الا‌سباب للجوء إلی الدول الغربیة و تشکل جالیات کبیرة هناك کالجالیات الصینیة و الکوریة و الروسیة و الهندیة و الفیتنامیة، و تعرضت شعوبها إلی صنوف من الإستعمار و النهب من قبل الدول الغربیة سابقا، دون أن یلجأ مواطنیها للقیام بعملیات الإرهاب و التطرف بحجة الإنتقام من تعرض شعوبهم و بلدانهم للإستعمار الغربي.
کما ینبغي أن لا تنطلي علینا ما تقوم به القوی الإسلامیة في مجال إستغلال التذمر و السخط المشروعین لشعوب ما یسمی ب " العالم الإسلامي " من سیاسات و ممارسات الدول و الأنظمة الغربیة، من أجل تعزیز مکانتها مع العلم الأکید بأن منطلق القوی الإسلامیة في نقدها لتلك الدول و سیاساتها هي منطلقات رجعیة و مخادعة و ذو نفاق ظاهر.
إن الصراع الجاري بین فرنسا و ترکیا، لیس إلا الجزء الظا‌هر من صراع أوسع و ما خفي منها هو الأعظم.
إن جوهر ما یجري هو إزمة أوسع ألا وهي تحول الإسلام السیاسي إلی ظاهرة خطرة تهدد السلام العالمي و الحریات المدنیة و الأمن و الإستقرار لیس في سوریا و العراق و أفغانستان أو فقط بل أصبح العالم بأسره أمام موجة جدیدة من التمدد السیاسي و الفکري لتیار إسلامي لا یخفي اهدافه الفاشیة و مرامیه التوسعیة و الإقصائیة. کما إن جزء من الأزمة الراهنة یرجع إلی غیاب رؤیة استراتیجیة عقلانیة موحدة واضحة لدی المجتمع الدولي بصدد کیفیة التعاطي مع هذه الآفة والکارثة المحدقة بالإضافة إلی السیاسة الإنتهازیة التي تمارسها الحکومات الغربیة في مجال التعاطي مع الاسلام السیاسي و مایرتبط به من ملفات.
إن السبب الکامن وراء هذه الأزمة یتمثل بالسعي المحموم لحرکة سیاسیة تمتد نفوذها من حدود الصین و تمر عبر آسیا الوسطی و الشرق الأوسط و أفریقیا لتتجه جنوبا نحو جنوب شرق آسیا و اندنوسیا و بنغلادیش، لفرض نفسها و التمدد عالمیا خارج فضاءات منظومة المجتمع الإسلامي أو الشرقي و إملاء شروطها کمقدمة لفرض شرعیتها و الأخذ برأیها و نیل حصتها والإقرار بمکانتها المتمیزة فیما یخص النظام العالمي و حتی داخل المنظومة المجتمعیة و الثقافیة في المجتمعات الغربیة مستغلة في ذلك نفوذها في العالم الشرقي الإسلامي و المجتمعات و الجالیات المسلمة في الغرب عموما. کما إنها تعبر من جهة أخری عن عجز الإسلام عن مجاراة الحضارة البشریة الراهنة وولوج عالمنا الراهن و التقید بقواعد مباراتها بصورتها الحضاریة و الثقافیة بل تحول الفکر الإسلامي و نشاط الاسلام السیاسي إلی خطر محدق في عقر دار المجتمعات الغربیة بعد أن تم التغاضي من قبل الغرب عن سطوتها في المجتمع الشرقي لقرون. فالإسلام السیاسي تیار یغرد خارج سرب الحضارة الراهنة و تیاراتها الفکریة و السیاسیة و المذهبیة وخارج منظومة الصراع و الجدل الدیمقراطي لعالمنا المعاصر والتفاعل الحي و العضوي معها. کما ینبغي الإقرار صراحة بتحول الإسلام السیاسي إلی حاضنة للإرهاب تقوم وظیفتها في تبریر ما تقوم بها المجموعات الإرهابیة الإسلامیة الأخری وتوفیر التمویل المالي و البشري لها بوسائل و آلیات عدیدة و بطرق مباشرة و غیر مباشرة.
ولا تتورع الإسلام السیاسي عن إستخدام شتی الوسائل و السبل من أجل نیل اهدافها ضمن الاستراتیجیة المذکورة بدء من فتح المدارس الدینیة و إنتهاء بإستغلال العملیات الجهادیة في قلب العالم الغربي أو تبریر تلك العملیات بحجة النیل من مقدسات الإسلام ورموزهم.
إن تصویر کل نقد أو بحث في تاریخ الإسلام والمجتمعات الإسلامیة و عقائد المسلمین و رموزهم و کأنها إهانة للمسلمین کشعوب و إثنیات و التخفي تحت ستار مشاعر الشعوب القاطنة في الدول المسماة بالإسلامیة التي تعاني الأمرین من جراء جور و طغیان و إرهاب المنظمات الإسلامیة التي تهتدي بصریح القرآن و السنة و رموز الدین الإسلامي، هو نقیض تام للعقلانیة و الدیمقراطیة و حریة الرأي و المعتقد.
إننا هنا إزاء حرکة سیاسیة تلغي الآخر و تصادر حریته في إبداء الرأي فیما یخص أکثر الشؤون المثیرة للجدل في عالمنا ألا و هو الإسلام و الفکر الإسلامي. فکر مشبع بالکراهیة للآخر غیر المسلم و یفتقر إلی الحد الأدنی من الحس العقلاني السلیم. فالإسلام کدین و فکر و عقیدة و تاریخ هو المرجع الأول و الحاضنة الفکریة و المذهبیة لکل ممارسات الحرکات الإسلامیة من أقصی یسارها إلی اقصی یمینها إن شئت.
و بخلاف سائر التیارات والمذاهب الفکریة و السیاسیة و الدینیة الأخری، التي من الممکن الدخول في صراع معها و نقد بنیانها بشدة و لکن التعایش معها في الوقت ذاته ضمن آلیة الصراع و التعایش، کاللیبرالیة و القومیة والعلمانیة و الإشتراکیة الغربیة المعاصرة والمسیحیة، فإن الإسلام السیاسي و الدیني بوجهیه، ینفرد بخاصیة قویة للطرد و الإلغاء والإقصاء و النفي والترهیب. فخلافا لسائر التیارات الأخری من الصعب إیجاد مساحة مشترکة ولو صغیرة للتعایش مع الإسلام السیاسي من قبل حملة الرأي المعارض والناقد لها بل یموج التاریخ و الحاضر الإسلامي بموجات من المذابح و المطاردات الدمویة المتبادلة بین أتباع المذاهب المختلفة ضمن الدین الإسلامي نفسه.
کما إن الإسلام السیاسیي مهووس بنبذ و نفي کل ما هو تقدمي و عقلاني وسائر منجزات الحضارة البشریة کالمساواة والأخاء و التعایش و المباراة السلمیة بین حملة الآراء المختلفة و نقد العقل الدیني و الماورائي والإبداع و حضور المرأة و مساواتها في سائر میادین الحیاة و نقد الظواهر و الرؤی المختلفة و تجاوز کل التابوات في هذا المضمار و غیرها من المنجزات التي لا یتصور المنطق العقلي التخلي عنها لصالح المقدس الدیني.
إن ما ینبغي الدفاع عنه و الوقوف معه في جبهة واحدة أمام خطر إنفلات مد الإسلام السیاسي من عقاله لیس ماکرون و تاریخ الإستعمار الفرنسي والاوربي و سیاسات التقشف و جعل المواطن الغربي یدفع ثمن الأزمات الإقتصادیة ، بل ماکرون في دفاعه عن اوربا الحریات و حریة نقد الدین و غیره والتعایش و المنجزات و ثمار الحضارة الممتدة لمئات السنین و المساوة بین الجنسین و العدالة الإجتماعیة و المئات غیرها من القیم و المثل و المنجزات التي دفعت شعوب العالم ملایین الضحایا من أجلها. تلك المنجزات التي باتت مهددة من تیار دیني و سیاسي یسعی لتقسیم العالم إلی دار الحرب و دار السلم و إلی مسلمین یتحتم هیمنتهم و کفار ینبغي إخضاعهم بشتی السبل. إن ما ینغي القیام به في الصراع الجاري هو ردع هذه الهجمة الشرسة للإسلام السیاسي علی حریة الرأي و الوقوف صفا واحدا مع کل من یستمیت في الدفاع عنها کمنجز حضاري. أي الوقوف في خندق الجانب المشرق و الإنساني و الحضاري من الغرب کحریة الرأي والنظام العلماني و الدیمقراطیة و التعدد العرقي و الثقافي و المباراة الفکریة السلمیة في أجواء سلیمة بعیدا عن الخوف و الملاحقة والتکفیر، و سائر القیم و المنجزات المکتسبة عبر قرون من النضال الذي أصبح وجها مشعا للحضارة البشریة الراهنة التي تتصدرها في هذه الحقبة التاریخیة المجتمعات الغربیة.
إنها لیست مجرد قضیة حریة الرأي و أن بدا ذلك کساحة المنازلة الأولی، بل تتعداه کصراع بین عالمین من القیم و المثل و المنجزات یبدو وکأنه یصعب التعایش السلمي بینهما. بین عالم یرنو نحو توسیع آفاق سموه و تقدمه الحضاري و ترسیخ منجزاتهە الإجتماعیة و الثقافیة و العلمیة و المعرفیة والتربویة و کل منظومة حیاته و عالم یؤله السبي و الغزو و الفتوحات و عبادة النصوص و تقلید رموز عهود البربریة و أخذ الجزیة. بین عالم یبني جسورا نحن بأمس الحاجة لها بین الشعوب و الثقافات و الحضارات و عالم یؤلب اتباع الحضارات و یحض علی القتل و الدمار والتکفیر و توسیع الهوة بین الشعوب و تقاتلهم.

نوفمبر ٢٠٢٠



#عدنان_كريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنین و الکاوبوي. التنافس الصیني - الأمری ...
- المرجع الشیعي و النظام السیاسي القائم في العراق: ...
- جبار مصطفی : سیزیف المارکسیة المعاصر ...
- عدنان کریم - کاتب و ناشط سیاسي من اقليم كردستان ...
- الإستفتاء في اقلیم کردستان : ماذا وراء الأکمة ؟
- سعدي يوسف اسير عقدة العروبة !
- سقوط الإخوان في إمتحان الديمقراطية!!!!
- حرکة التغییر في کردستان العراق : خلفیتها و ...
- حرکة التغییر فی کردستان العراق : خلفی ...
- بيان من المركز الثقافي الكردي-استراليا بصدد خطبة تاج الدين ا ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان كريم - الغرب والإسلام السیاسي: تعایش أم تعارض؟