أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - دَوْرُ المحروقات في إطلاق بعض الحُرُوب، من ليبيا إلى أذرْبيجان















المزيد.....


دَوْرُ المحروقات في إطلاق بعض الحُرُوب، من ليبيا إلى أذرْبيجان


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 6728 - 2020 / 11 / 10 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دَوْر المحروقات في إطلاق بعض الحُرُوب، من ليبيا إلى أذربيجان

ارتفعت حِدّة التّوتّر بمنطقة جنوب القوقاز، فرغم اتفاقات "التّهدئة" بين أذربيجان وأرمينيا، قصف جيش أذربيجان (المدعوم من تركيا) إقليم "قرة باغ" بالقنابل العنقودية (وهي أسلحة "مُحَرّمة"، لكنها تُصنّع وتُباع وتستخدمها بعض الجيوش )، في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، وشمل التّصعيد العسكري، استهداف المدن بالمدافع والصواريخ، وأعلن "سيرغي لافروف"، وزير خارجية روسيا، في مقابلة مع صحيفة "كوميرسانت" الروسية، أن تركيا "نقلت حوالي أَلْفَيْن من المرتزقة الإرهابيين، من سوريا ( إذ تحتل تركيا جزءًا من أراضي شمال البلاد) إلى أذرْبيجان"، حيث أصبحت تركيا تُوسّع رقعة الحُروب، وتدفع إلى عسكرة السياسة الخارجية (على غرار الولايات المتحدة)، وتراهن على السيناريوهات العسكرية، في منطقة ما انفكّت تَتّسع حتى شملت ضِفاف البحر الأبيض المتوسط، من ليبيا إلى قبرص، التي تحتل تركيا الجزء الشمالي منها، أو ما يُعادل ثُلُثَ مساحة الجزيرة، منذ سنة 1974، مع الإفلات من المُحاسَبة ومن العقاب، وشمل التّصعيد التركي كذلك منطقة القوقاز...

الأبعاد الجيوستراتيجية لهذه الحروب

منطفة شرق المتوسط:
تطرّقتُ في مقالات سابقة (انظر عناوين بعضها، أسفل هذا المقال) إلى نشاط التنقيب عن الطاقة، وإلى شبكات نقل وتسويق الغاز، في منطقة شرق المتوسّط، ومكانة المحروقات في العدوان على سوريا، والدّور المحوَري الذي يحتله الغاز والنفط في السياسات التّركية، إلى جانب العوامل الإيديولوجية، لتبدُو تركيا بمثابة القاطرة التي تَجُرُّ قطار تيارات الدين السياسي (الإسلامي)، وفي مقدّمتهم الإخوان المسلمون الذين يُديرون حكومات المغرب وتونس وجزءًا من ليبيا واليمن، بدعم مالي وإعلامي قَطَرِي...

نَفّذ جيش تركيا (عضو حلف شمال الأطلسي)، في شهر شباط/فبراير 2018، مناورات عسكرية استفزازية، لفترة أسبوعَيْن، قرب سواحل قبرص واليونان، واعترضت البوارج الحربية التركية، سفن الإستطلاع التي تستخدمها شركية "إيني" الإيطالية، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه الإقليمية لقبرص، ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى، ولكنها كانت القطرة التي أفاضت كأس الجدل بين تركيا وبعض دول حوض البحر الأبيض المتوسط، بشأن الملاحة والتنقيب عن الغاز في المنطقة، ثم أعلنت السّلطات التركية تنفيذ عمليات تنقيب عن الغاز، بين شَهْرَيْ أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2018، في منطقة بحرية اعتبرتها قبرص ومصر واليونان، ضمن المنطقة الإقتصادية الخاصّة بها، فيما أصْدَرَ الإتحاد الأوروبي، بيانات مائعة، وغير حازمة، تُنَدّد بحذر شديد، "بانتهاك تركيا للإتفاقات الدولية، ولقواعد القانون الدّولي"، واستفزازات تركيا (خاصة منذ سنة 2012) لدول أعضاء في الإتحاد، ويجدر التّذكير باحتلال جيش تركيا لشمال قبرص، وتهجير السّكّان الأصليين، منذ سنة 1974، وتوريد مُسْتَوْطِنين من تركيا، والإستيلاء على الأراضي والممتلكات، بدعم من ثلاثين ألف جندي تركي، وتُعرقل تركيا حاليا عمليات التنقيب وتطوير حقول الغاز البحرية لجمهورية قبرص (عضو الإتحاد الأوروبي) التي تعاقدت مع شركات عالمية منها "إيني" و "توتال" و "إكسون موبيل"...

احتدّ الصراع بين حكومات بلدان شرقي البحر الأبيض المتوسط، بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز، في عرض السواحل الممتدة بين سوريا وليبيا، جنوبًا، واليونان وقبرص، شمالاً، ولم يقع اكتشاف الغاز في سواحل تركيا، التي تعتمد على التوريد، والتي افتعلت مشاكل مع معظم بلدان المنطقة...

حقّق الكيان الصّهيوني عدّة أهداف، من جراء اكتشاف شركة "نوبل إينرجي" الأمريكية، كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، في سواحل فلسطين المحتلة، ومن بين هذه الأهداف، نهب ثروات الشعب الفلسطيني، والتحول من مُوَرّد إلى مُصدّر للطاقة، وإنجاز الإستقلالية الإقتصادية، والإندماج في بلدان المنطقة، خصوصًا بعد الإعلان الرّسمي عن تأسيس "مُنتدى غاز شرق المتوسط" ( EastMed Das Forum ) في بداية سنة 2020، بين الكيان الصهيوني ومصر والأردن وسلطة الحكم الذاتي الإداري (رام الله) وقبرص واليونان وإيطاليا، بهدف "التعاون بين دول شرق المتوسط، وتقديم أسعار تنافُسِيّة"، فيما اعتبرت تركيا هذا المنتدى "محاولةً لعزل تركيا وتهديدا واضحا لمصالحها وحقوقها"، وتخوف تركيا، التي تريد أن تصبح موانئها مركزا لتخزين وتصدير الطاقة، ولعبور أنابيب الغاز، من آسيا الوسطى (من روسيا وأذربيجان) ومن المشرق العربي نحو أوروبا، ولكن المُنتدى يجعل من مصر والكيان الصهيوني مُنافِسَيْن لمخططات تركيا، وتَحَوَّل المُنتدى، في أيلول/سبتمبر 2020، إلى منظمة إقليمية للغاز، مقرها القاهرة، بهدف "إنشاء سوق إقليمية للغاز، وخفض تكاليف البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتأمين العلاقات التجارية، مع ضمان تلبية العرض والطلب من الدول المكونة للمنتدى"، وطلبت فرنسا الإنضمام كعضو، فيما تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحصول على صفة مراقب، ما يعزل تركيا، نسبيا، لأن تركيا عضو أساسي في حلف شمال الأطلسي، ولم تتخذ ضدها أوروبا أو الأمم المتحدة أية عقوبات جراء احتلال قبرص، و"تنتهج سياسات عدائية، ولا تلتزم بالقانون الدولي"، بحسب وزارة الخارجية اليونانية.
بدأت شركات الطاقة العالمية، منذ سنة 2000، تُقدّر الحجم الهائل للغاز الطبيعي في السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسّط، مع اكتشاف شركة "بريتش غاز"، التابعة لشركة "بريتش بتروليوم" (البريطانية)، مخزونًا بنحو تريليون قدم مكعبة على مسافة 36 كيلومتر من ساحل غزة، (حقل "غزة مارين" ) وفي بداية سنة 2009، اكتشفت شركة "نوبل إينرجي" الأمريكية، مخزونًا بقرابة عشرة تريليونات قدم مكعبة من الغاز، على مسافة تسعين كيلومتر من ميناء مدينة "حيفا" المُحتلّة (حقل "تمارا" )، بالتزامن مع اكتشاف حقل "أفروديت" جنوبي جزيرة قبرص، بمخزون قُدِّرَ بنحو تسعة تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وتواصلت الإكتشافات في سواحل فلسطين وقبرص ومصر.

قَدّرت الهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي، سنة 2010، وجود نحو 3,6 تريليون متر مكعب من الغاز، و1,7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها بين 700 مليار و3 تريليونات دولار، بحسب أسعار الخام المتغيرة، وأدّت الإكتشافات إلى إعادة تشكيل التحالفات والإتفاقات بين دول المنطقة، من أجل ضمان حصة كل دولة، كما أصبحت المنطقة، التي تطل على ثلاث قارات، تمثل نقطة هامة لعبور المحروقات من جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط نحو دول الاتحاد الأوروبي، وتوجد كذلك كميات كبيرة من الغاز غير المُكتشف، في منطقة شرق المتوسط، في سواحل سوريا ولبنان وفلسطين ومصر وقبرص، وقُدِّرَ احتياطي الغاز في حقل "ليفيثان" (قرب مدينة حيفا) الذي وقع اكتشافه سنة 2012، بنحو 17 تريليون قدم مكعبة، كما اكتشفت شركة "إيني" (إيطاليا)، سنة 2015، حقل "ظهر" قرب السواحل المصرية، على البحر الأبيض المتوسط (قريبا من مدينة "بور سعيد")، باحتياطي قدره 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، ثم حقل "نور"، في البحر الأبيض المتوسط، شمال سيناء، مع الإشارة أن الشركات النفطية، العابرة للقارات، تُعدّ أكبر مستفيد من عمليات التنقيب والاستكشافات في هذه المنطقة، منها "إيني" الإيطالية، و"توتال" الفرنسية، و"نوبل إنرجي" الأميركية، ولئن كان حجم المخزون كبيرًا فإن الشعب المصري لن يستفيد من ذلك، قياسًا على الفترات السابقة، حيث كان النّظام المصري يبيع الغاز بأقل من سعر تكلفة الإنتاج إلى العدو الصهيوني، الذي سوف يكون أكبر مستفيد من الإكتشافات الحالية، لأنه عقد صفقات ضخمة، وعَزّزَ الروابط مع الأنظمة العربية، وتمكّن من تعميق جذور التطبيع الإقتصادي، الذي بدأ مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، وتطوّر مع دُوَيْلات الخليج والسّودان وشمال العراق والمغرب وقال وزير الطاقة الصهيوني: "يوفر المُنتدى تعاوناً إقليمياً مع دول عربية وأوروبية، وهو الأول من نوعه في التاريخ، مع عقود لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر بقيمة 30 مليار دولار، وهذه مجرد بداية". وبدأت مصر استيراد الغاز المَنهوب من فلسطين، منذ بداية سنة 2020، مع احتمال إعادة تصديره إلى أوروبا وآسيا.

مَكّن إنشاء المُنْتَدى من تمتين التّحالف بين اليونان وقبرص، في مواجهة الإستفزازات والمطامع التركية، في مياههما الإقليمية (كما في البلدان المجاورة لتركيا مثل سوريا والعراق )، وأدّى تأسيس المنتدى (ثم المُنظّمة) إلى عزل تركيا، وإلى تصعيد خلافاتها مع الإتحاد الأوروبي، وخاصة مع اليونان ("العدو التاريخي")، إذ أطلقت تركيا، في ظل حُكم حزب العدالة والتنمية (إخوان مسلمون) أزمة جديدة، منتصف أيلول/سبتمبر 2020، إثر توقيع اتفاقيات التنقيب عن الغاز، مع إحدى المجموعات التي تتقاسم ليبيا، والتي يُديرها الإخوان المسلمون، انطلاقًا من طرابلس، وتمديد المجال البَحْري التركي، حتى غرب ليبيا، ما أثار ردود فعل سلبية يونانية وأوروبية ومصرية، بالإضافة إلى عمليات تهريب الأسلحة والذخيرة العسكرية من تركيا إلى ليبيا وإرسال مجموعات من الإرهابيين من سوريا إلى ليبيا، للقتال إلى جانب الإخوان المسلمين (حكومة فائز السّرّاج)، وهدّد الإتحاد الأوروبي باتخاذ عقوبات ضد تركيا، بعد تحرشات بين سفن عسكرية فرنسية وتركية، في حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن الإتحاد الأوروبي لم يتجاوز عتبة التّهديد، رغم اعتبار النشاط العسكري البحري التركي "ممارسات عدوانية"، فيما أجْرى الجيش البحري لفرنسا تدريبات مشتركة مع جيوش إيطاليا واليونان وقبرص، ونشرت فرنسا قوّةً في قبرص...

أدّى اكتشاف الغاز في شرق المتوسط إلى تغيير العلاقات بين الدول الواقعة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، حيث اعترضت البحرية التركية، سنة 2018، سفن التنقيب الإيطالية التي تعمل في المياه القبرصية، قبل إنشاء منتدى "غاز شرق المتوسط"، الذي ردّت عليه تركيا بتوقيع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري، واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع إحدى المجموعات التي تتقاسم ليبيا، بنهاية سنة 2019، تلتها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين اليونان ومصر، وعزّزت الإتفاقية التّركية الليبية الوجود العسكري التركي في ليبيا، والمناطق القريبة منها، خاصة مع التّسهيلات التي يمنحها الإخوان المسلمون الحاكمون في تونس للجيش (وكذلك للإقتصاد) التّركي، في خطوة لتثبيت الدور التركي في هذه المنطقة من البحر المتوسط، في مواجهة محاولات عزل تركيا سياسياً واقتصادياً، في شرق المتوسط، ويمكن التأكيد أن اكتشاف كميات ضخمة من احتياطيات الغاز الطبيعي، حولت المنطقة إلى بؤرة توتر دائم، بعد حقبة التطبيع الرّسمي العربي مع الكيان الصهيوني، وتُجري تركيا عمليات تنقيب في المنطقة المحيطة بقبرص والقريبة من اليونان، ما أثار اعتراض قبرص واليونان باعتبار "انتهاكا لسيادتهما ومياههما الإقليمية"، وقاطعت تركيا شركة " إيني" النفطية الإيطالية قبل أن تربح الشركة دعواها أمام القضاء الأوروبي، كما تُعارض تركيا حدود المنطقة الاقتصادية المصرية المطلة على المياه القبرصية، ما عَجّل بتوقيع مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما...

تمتلك سوريا احتياطيًّا هامًّا من المحروقات، وشكّلت تحالفات النظام السوري، وقراراته بشأن الطاقة، وعبور الغاز الإيراني نحو ميناء "طرطوس"، إحدى أسباب العدوان الحربي المتواصل منذ 2011، مع سيطرة الجيش الأمريكي على مواقع حقول النفط بشمال سوريا، وكانت الحكومة السورية قد أبرمت، سنة 2013، عقدًا مع شركة "سويوز نفت غاز إيست ميد" الروسية، من أجل التنقيب في حقل "عمريت" البحري، الواقع ضمن المياه الإقليمية السورية، وتقدّر احتياطاته بنحو 45 تريليون قدم مكعبة، وتَوقّعَ الوزير السُّوري للنفط والثروة المعدنية، سنة 2019، بدء إنتاج الغاز سنة 2023، لكن الحرب لم تنته، بل ازداد تشديد الحصار والحَظْر والعُقُوبات.

تعتمد أوروبا على توريد ثلث حاجتها للغاز من روسيا، التي تتابع حكومتها ملف غاز شرق المتوسط، مع الإشارة إلى مشاركة الشركات الروسية في عمليات التنقيب في سواحل لبنان، وتقدم روسيا تمويلات لقبرص واليونان، كما أنها حاضرة بقوة عسكريا وسياسيا في سوريا، ولها اتفاقيات ثنائية مع حكومتها.

من جهة أخرى، تشكل تركيا، التي تفتقد إلى مصادر الطاقة، نقطة عبور للنفط وللغاز، من أذربيجان وروسيا وكازاخستان وإيران والعراق، إلى أسواق أوروبا، وتحاول تركيا التنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية بالبحر الأسود، كما تستخدم تركيا القوة العسكرية لحماية عمليات التنقيب في سواحل قبرص التي تحتل جزءًا منها، بدون عقاب ولا محاسبة، وتقتدي تركيا بالكيان الصهيوني الذي ينهب ثروات الشعب الفلسطيني، (ويحتل وَطَنَهُ)، وتقوم القوات الجوية والبحرية بحماية عمليات التنقيب عن الغاز الفلسطيني المسروق، بدعم عسكري وتقني وسياسي، أمريكي وأوروبي، بشكل أساسي.

تُشكل تركيا نقطة عبور للنفط والغاز المُستخرجَيْن من روسيا والدول الواقعة على بحر "قزوين"، وتصديرهما نحو أوروبا، ورغم وجود تركيا وَسَط مجموعة من البلدان المنتجة للمحروقات (من القوقاز إلى الشرق الأوسط والبحر الأسود والبحر المتوسط)، فإنها لا لم تعثر على النفط والغاز، في أراضيها أو في مَجالِها الإقليمي البَحْرِي، لذلك تستورد الغاز والنفط، ما يُشكل عبئاً ثقيلا، في ظل اقتصاد مُتأزِّم، ولذلك حاولت الحكومة التركية الإتفاق مع روسيا وأذربيجان وإيران، على تحويل تركيا إلى مركز وممر لتوزيع الطاقة، في مقابل الحصول على رسوم عبور، وعلى حاجتها من المحروقات بأسعار تفضيلية. تسعى روسيا، من خلال شركاتها، ومن خلال الإتفاقيات التي وقّعتها، إلى الحفاظ على مصالحها في شرق المتوسط، والمحافظة، في نفس الوقت، على حصتها من إمدادات أوروبا بالغاز باتجاه أوروبا.

أهمّيّة منطقة القوقاز:
وَرَدَ ذِكرث "القوقاز" (أو "القُفْقاز")، لدى المُؤرخين العرب منذ فترة خلافة "عُمَر بن الخطاب"، وهي منطقة شاسعة تقع بين أوروبا وآسيا، على الحدود بين روسيا وجورجيا وارمينيا وأذربَيْجان، وتصل كذلك إلى البحر الأسود وبحر قزوين وتركيا وإيران، وتشمل سلسلة جبال، تمتد على طول 1200 كيلومتر، وبها أعلى جبل بأوروبا (جبل ألبروز بعُلو 5642 متر)، وبها رُسوم تعود إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، قبل الميلاد.

تكمن أهمية منطقة القوقاز، حاليا، في دورها الأساسي كمحطة رئيسية لنقل النفط والغاز، وبخاصة "فجوة غانجا" ( Ganja Gap ) القريبة من منطقة "طوفوز"، شمال أذربيجان، والتي تعبر منها سنويا أكثر من ستة مليارات متر مكعب من الغاز، ونحو ثلاثمائة مليون برميل من النفط، باتجاه تركيا وأوروبا، بحسب موقع "أويل برايس"، وتتخوف روسيا وجورجيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا، من اقتراب المعارك من هذه المنطقة، التي تبعد حوالي ثلاثمائة كيلومتر عن "ناغورنو قرة باغ". كما تتخوف تركيا، التي لها ضلع كبير في غطلاق الحرب، من انقطاع إمدادات الغاز الروسي، لأنها تُعْتَبَرُ ثاني أكبر مورّد للغاز الروسي، بعد ألمانيا بنسبة حوالي 21% من حجم استهلاكها، ويصلها الغاز الروسي عبر خَطَّيْ أنابيب "السيل الأزرق"، ويمر أحدهما عبر البحر الأسود، والثاني عبر البلقان، ومنذ 2017، أصبحت تركيا تستورد تستورد 18% من احتياجاتها من الغاز الصّخري الأمريكي، إلى جانب الغاز الرّوسي، ومن أذربيجان ( 16% ) ومن الغاز الإيراني ( 15% ) ومن قَطَر ( 12% ) ومن الجزائر ( 10% ) ومن نيجيريا ( 7% )، وتُشكل الحرب الحالية بين أذربيجان المدعومة من تركيا، وأرمينيا التي تدعمها روسيا وإيران، لكن بشكل خفي، خطرًا على أمن الطاقة في القوقاز والبلقان، بالتوازي مع الحرب الفاترة التي أطلقتها تركيا الإخوانية ضد اليونان وقبرص، في منطقة شرق المتوسط.

تعتبر منطقة "طوفوز" استراتيجية، في إمدادات المحروقات، وتقع على الحدود مع منطقة تافوش في أرمينيا، القريبة من خط أنابيب الغاز، جنوب القوقاز، الذي ينقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا، منذ سنة 2006، عبر جورجيا، بطول 980 كيلومتر، وتقدّر طاقته بنحو 6,6 مليارات متر مكعّب، وتخضع أذربيجان لأوامر الإمبريالية الأمريكية، التي تمتلك قاعدة عسكرية استراتيجية، تراقب من خلالها إيران، كما يمتلك الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية في أذربيجان...

تعتبر آذربيجان أحد أكبر موردي الغاز لتركيا، وتصدّر أذربيجان الغاز والنفط إلى تركيا وإلى أوروبا، عبر خط غاز "تاناب" الذي يمر من خلال جورجيا وتركيا، إلى أوروبا، بطول 3500 كيلومتر، وعبر خط أنابيب النفط باكو (عاصمة أذربيجان) – تبليسي (عاصمة جورجيا) – جيهان (ميناء بجنوب شرق تركيا)، منذ 2006، وهو النفط القادم من حقول نفط بحر "قزوين".

من جهة اخرى نشطت حركة التبادل التجاري، منذ العام 2017، إثر افتتاح خط النقل الحديدي، لقطار يربط آذربيجان بتركيا عبر جورجيا (خط "باكو ـ تبليسي ـ قارص")، ينقل نحو خمسين مليون طن من البضائع سنويا، ويمكنه نقل مليون مسافر سنوياً، بالإضافة إلى نقل البضائع بين البلدان الثلاثة، وأنعش حوالي مائة مليون من السائحين الأذربيجانيين (سنويا) سياحة وفنادق تركيا، وتعتبر تركيا سوقًا هامة للصادرات الآذرية، ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الطرفين 3,3 مليار دولار، سنويا، منها 1,8 مليار دولارا من الصادرات الأذرية، ويستهدف البلَدان رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، بنهاية 2022...

تُخطّط تركيا لجعل ميناء "جيهان" محطة أساسية لنقل الغاز والنفط إلى جنوب أوروبا، وتعتمد على أذربيجان، لتحقيق غاياتها، لأن نظام أذربيجان خاضع تمامًا للإمبريالية الأمريكية وللكيان الصهيوني، وكذلك لتركيا، خلافًا لروسيا أو إيران، ولكل منهما مخططات تراعي المصالح القومية للبلاد، وكان تركيا وأذربيجان قد وقّعتا عدة اتفاقيات (منذ سنة العدوان على سوريا، سنة 2011)، بشأن خط "تاناب" لنقل الغاز من حقل "شاه دنيز" الضّخم بأذربيجان (مرورًا بجورجيا)، إلى تركيا، بتكلفة حوالي سبعة مليارات دولار، وتعول تركيا على توسيع طاقة خطوط "تاناب" و "تاب"، لتتحول تركيا لحلقة مهمة في تأمين إمدادات الطاقة لجنوب أوروبا...


خاتمة:
انخفضت أسعار الغاز إلى ما دون تكلفة الإنتاج، وتوقفت الشركات عن ضخ استثمارات جديدة، وتحركت خريطة توزيع النفوذ بين الشركات إلى وضع توازن جديد تشارك فيه الولايات المتحدة، وذلك بعد أن تحوّل الصراع على ثروة النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط من المنافسة الإقتصادية إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية، لأن رأس المال يلجأ إلى الحرب، كوسيلة للخروج من الأزمات، وجاء التدخل الأمريكي، بعد استحواذ شركة "شيفرون" على شركة "نوبل إنرجي" ( بعد عجزها عن تسديد ديونها، وهي التي دعمت الكيان الصهيوني في عملية نهب ثروات الشعب الفلسطيني) وبذلك تستحوذ "شيفرون" على امتيازات التنقيب عن النفط والغاز التي تملكها "نوبل إنرجي" في كل من قبرص ومصر وفلسطين المحتلة، وبذلك تصبح "شيفرون" الأمريكية منافسا (في شرق المتوسط) لشركات "إيني" الإيطالية، و "رُوسْ نفط" الروسية، وشركة "شل" البريطانية-الهولندية و "بريتش بتروليوم" البريطانية و "توتال" الفرنسية.

يجري الصراع على غاز شرق المتوسط بين محور تركي يضم حكومة الإخوان المسلمين في طرابلس (ليبيا)، ومحور يشمل اليونان وقبرص ومصر، يدعمه الكيان الصهيوني، بشكل غير مباشر، ويجري الصراع على المناطق البحرية التي تحتوي الجزر اليونانية والقبرصية، وكاد الصراع أن يُؤدّي إلى أزمة عسكرية، أشعلتها تركيا، بين دول حلف شمال الأطلسي (تركيا واليونان وفرنسا...)، غير أن الولايات المتحدة دعت (صيف 2019) إلى "دعم التعاون بين الكيان الصهيوني واليونان وقبرص".

من جهة أخرى أنقذ أنظمة التطبيع الرسمي العربي في مصر والأردن الكيان الصهيوني، الذي لاقى صعوبات في تصريف إنتاج الغاز وبيعه في الأسواق العالمية، وعجزت الشركات عن توفير الإستثمارات لعمليات تطوير حقلي "تمار" و"ليفياثان"، فتوقفت عمليات التطوير، إلى أن وقع الكيان الصهيوني عقودًا لتصدير الغاز إلى كل من مصر والأردن بقيمة 30 مليار دولار، ما جعل المصارف تستأنف التمويلن وما جعل قادة الكيان الصهيوني يستأنفون مخططات مد خط أنابيب لنقل حوالي عشرة مليارات متر مكعب سنويا، من الغاز من حقول المياه الإقليمية الفلسطينية والقبرصية، بقيمة ستة مليارات يورو، إلى اليونان وإلى إيطاليا، وتُشكل الشركة الصهيونية "ديليك" ركيزة أساسية من ركائز التنقيب في قبرص واليونان، وبالإضافة إلى عقود الغاز، تعمل شركة "ديزرتيك" الألمانية على استغلال شمس الوطن العربي، لإنتاج الطاقة الشمسية، تحت مُسمّى "الطاقة الخضراء"، عبر خطوط بحرية، بمشاركة هامة من الكيان الصهيوني، وتمتد الخطوط من صحراء المغرب إلى المشرق العربي، ليربط شبكات كهرباء الشرق الأوسط بشبكة الكهرباء الأوروبية، وتعاقد الكيان الصهيوني مع النظام الأردني "لتطوير إنتاج الطاقة الشمسية والغازية في الأردن"، لإمداد أوروبا بالطاقة.

لم تنجح سياسات الغطرسة التركية والتهديدات العسكرية (عَسْكَرَة الدبلوماسية ) في شرق المتوسط، باستثناء احتلال جزء من سوريا، وذلك بسبب انتماء قبرص واليونان إلى الإتحاد الأوروبي، وبذلك انتقلت إلى مكان آخر، يسهل فيه الضغط على روسيا، فأطلقت الحرب بين أذربيجان ( التي تُعتبَر قاعدة عسكرية وسياسية صهيونية وأطلسية) وأرمينيا (العدو التاريخي لتركيا التي أبادت مئات الآلاف من الأرمن، سنة 1915)، وتُشكل الطاقة (والغاز بشكل أساسي) ركيزة من ركائز الحرب، ومن ركائز الإستراتيجية السياسية التركية، سواء في شرق المتوسط، وفي ليبيا، أو في منطقة القوقاز، فضلا عن العداء التاريخي للعرب، الذي تجسّم في العدوان على سوريا، مباشرة، وعبر تدريب وتسليح وإرسال الإرهابيين إلى سوريا، ثم إلى ليبيا وأذربيجان.

تكمن خطورة النظام التركي، وحكومة الإخوان المسلمين التركية، في وجود طابور خامس (من الإخوان المسلمين "العرب")، يدعمها، ويدافع عن سياساتها المعادية لشعوبنا، ويمثل المصالح التركية داخل البلدان العربية، يستورد الإنتاج الغذائي التركي، ويُساهم في تقويض الأمن الغذائي العربي، في المغرب وتونس وقطر واليمن (حزب "الإصلاح") وليبيا وغيرها...

...
يُرجى مراجعة بعض المقالات السابقة، من بينها:
مكانة الطاقة في العدوان على سوريا (كانون الثاني 2020 )
الغاز أداة تطبيع (كانون الثاني/يناير 2020)
سوريا، الحرب على الجبهة الإقتصادية، ومكانة النفط (كانون الأول/ديسمبر 2019 )
احتلال عسكري وحصار اقتصادي (كانون الأول/ديسمبر 2019)



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأسمالية القرن الواحد والعشرين، على ضوء أزمة 2008 و أزمة -كو ...
- القضاء على الجوع، بَدَلَ إطعام الجائعين
- فرنسا - تحويل وجهة الصّراع
- في الذكرى الرابعة للإنتفاضات العربية
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 257
- نشرة اقتصادية أسبوعية عدد 256
- فرنسا، لمن تدق الأجراس؟
- نشرة اقتصادية أسبوعية عدد 255
- ضد التطبيع ولو كان -حلالا-
- نشرة اقتصادية عدد 254
- تونس: انتخابات 2014 بين المال الفاسد ولإنتكاسة السياسية
- نشرة اقتصادية أسبوعية عدد 253
- نشرة اقتصادية أسبوعية عدد 252
- نشرة اقتصادية أسبوعية عدد 251
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 250
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 249
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 248
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 247
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 246
- نشرة اقتصادية اسبوعية عدد 245


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - دَوْرُ المحروقات في إطلاق بعض الحُرُوب، من ليبيا إلى أذرْبيجان