أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]24 ((عَنْ الصديق))















المزيد.....

شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]24 ((عَنْ الصديق))


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6713 - 2020 / 10 / 24 - 14:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شرح كتاب فريدريك نيتشه
[هكذا تكلّم زرادشت]24
((عَنْ الصديق))

هذا الفصل مهم جداً وحيوي كمكمّل للفصلين السابقين "عن ذباب السوق" و"عن العفّة". المُراد هنا القول اّنه يجب أن يسعى الإنسان المتفوّق إلى التوحّد والعُزلة. ومع ذلك هذا لايعني أن تكون وحيداً بالمُطلَق: فالصداقة هي نمط من العُزلة الصحية والصحيحة: ((هل تستطيع أن تكون نقياً ووحدةً... لصديقك؟)). يرمز نيتشه إلى مجموعة متعدّدة الطبقات من الوظائف النفسية داخل الذات والصراع من أجل الهيمنة والتطهير، من خلال ثنائية موجودة داخل "الأنا" : إذ ينقسم زرادشت في عزلته إلى "أنا" و"أناي". (في مكانٍ آخر لدينا "ذاتي" و"عقلي" و"روحي" و"قلبي" و"نفسي"). إنّه يجري محادثات "عميقة" مع نفسه التي تميل إلى الانفلات والخروج عن نطاق السيطرة، هذه الصراعات من أجل إصلاح الدوافع، لكنّ هذه الصراعات ذاتها "دائماً شديدة الاتّقاد والحماس".

ثمّ يتناول نيتشه مسألة العري والتستّر ((تريد أن تكون عارياً أمام صديقك؟ سيكون ذلك شرفاً لصديقك أن تمنح نفسك له كما أنت... كل مَنْ لايتستّر يثير الاستنكار: هكذا يكون لكم سبب للخوف من العُريّ!)). ويثير هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلاً في كتاب "العلم المرح"، الكتاب الخامس، شذرة 352: ((الإنسان العاري يمنح عادةً منظراً مُخزياً – أتكلّم عنّا نحن الأوروبيين [ولا أتكلّم هنا عن الأوروبيات!]. لنفترض مجموعة ضيوف من أشَدّ الناس مَرَحَاً ترى نفسها بفعل خدعة ساحر قد تجرّدت من ملابسها وتعرّت، فإنّني أعتقد أنّ أمراً أكثر من انطفاء مَرَح الأمسية وتنغّص شهية الأكل سيحدث عندها- يبدو لي أنّنا نحن الأوروبيون لانستطيع البتّة أن نتخلّى عن تلك المسخرة التي تسمّى لباساً. لكن تُرى تقنّع "الأخلاقيين" وتخفّيهم تحت الصيغ الأخلاقية ومفاهيم الاستقامة، وكل التستّر بحسن نيّة على أفعالنا تحت مفاهيم الواجب والفضيلة والحسّ المدني ودواعي الشرف، ونكران الذات، تُراها دون موجبات وأسباب معقولة؟ لا أعني بهذا طبعاً أنّه ينبغي أن يُغَطّى على الخُبث والوضاعة البشرية، وباختصار على ذلك الحيوان المتوحّش الذي بداخلنا، بل إنّ فكرتي تذهب على العكس من ذلك إلى الاعتقاد بأننا بالذات كحيوانات مُدَجّنة نمنح مظهراً مُخزياً ونحتاج تبعاً لذلك إلى زِيّ التقنّع الأخلاقي، وأنّ الإنسان "الباطني" في أوروبا لم يَغدُ سيئاً بما فيه الكفاية كي يستطيع أن "يمنح نفسه للنظر" (كي يكون جميلاً). إنّ الأوروبي يتنكّر في زِيّ الأخلاق لأنّه قد تحوّل إلى حيوان مريض، هَشّ، كسيح له من الدواعي مايجعله يريد أن يكون "مُدَجّناً"، إذ هو سِقطٌ تقريباً، شيءٌ منقوصٌ، وأخرق... ليست فظاعة الحيوان المفترس هي التي تحتاج إلى تقنّع أخلاقي، بل حيوان القطيع بردائته العميقة وخوفه ومَلَلِهِ من ذاته. إنّ الأخلاق، لنَقرّ بذلك، هي حيلة الأوروبي التي تظهره في مظهر الأرفع شأناً والأكثر أهميةً والأكثر جَدَارَةً بالاحترام، في هيأة "الألوهية")).

# ثم يعيد نيتشه إحياء صورة "شجرة الجبل": الانفراد والعُزلَة أو التوحّد يُغرِق الباحث المتحوّل في "أعماق كثيرة بعيدة وسحيقة". قد يواجه الشخص المنفرد العَدَمية أو نزعات تدمير الذات أو إغواءات خيانة النبالة (وهو ما حذّر منه الشاب في قسم "عن شجرة الجبل") وبالتالي قد يواجه الباحث أو الفيلسوف المنفرد إغراء البحث عن الصديق الخطأ أو غير المناسب، الذي يلجأ إليه لتوفير الراحة لنفسه أو التهرّب من صراعاته الداخلية. الصديق الحقيقي مطلوبٌ "لِرِفعته" _فإيماننا وثقتنا به يخونان ما نريد أن نؤمن به في أنفسنا، ممّا يسمح للصراع "الحَماسي المُتّقد" أن يظلّ مركّزاً على مَثَلِهِ الأعلى. وهكذا، كما كتب نيتشه في كتابه "العلم المرح"، فإنّ الذات والصديق ((يشتركان في توقهما لِمَثَل أعلى)) [قسم14]. ونحن نقترح أنّ نموّ الفرد يعتمد على مجتمع الأصدقاء. إنّ القدرة على إنشاء صداقات هي في حَدّ ذاتها حالة متطوّرة للغاية: لايستطيع العبيد أن يعثروا لأنفسهم على أصدقاء، ولا الطغاة يمكنهم ذلك أيضاً. لذا فإنّ قدرة الإنسان على العثور على صديق تشير إلى إمكانية التغلّب على الذات عنده. ما نحتاجه كشرط مُسبق للصداقة هو نوعٌمعيّنٌ من التعاطف: هذا التعاطف قادرٌ على معرفة ما إذا كان الصديق يريد أن يبادلك نفس الشعور. لعلّه ((يحبُّ فيك العين الباردة ونظرة الأبدية)).

يتسلّل الصديق من خلال التخمين والصمت إلى عقل صديقه أكثر من كونه يحاول غزوه أو فرض السيطرة والهيمنة عليه علانيةً. "كُنْ عَدُوّاً لي على الأقل": هي المرحلة الأولية لطلب صداقة شخص ما، لأنّها تتطلّب نفس النوع من الاحترام للآخر (هذا ما توضّحه أسطورة جلجامش مع صديقه إنكيدو إذ يتآخى هذان العدوّان اللدودان بعد صراعٍ ضارٍ بينهما ونفس الفكرة تتكرّر في الإلياذة عندما يلتقي غلاوكوس نظيره ديوميدس تحت أسوار طروادة. وبينما الرجلان يستعدّان للصدام، يسأل ديوميدس غلاوكوس عن أصله. وفي إحدى أكثر المقاطع تأثيراً والتي لاتُنسى، يجيب الطروادي: "لما السؤال عن أصلي ياديوميدس... مثل أوراق الشجر على هذه الأرض هي أجيال البشر، أوراق شجر قديمة تذروها الرياح على الأرض... ثمّ أوراق شجر يافعة تملأ الغابة الخضراء عند حلول الربيع... وهكذا يمضي الفانون، جيلٌ من الزهور يُزهِر حتى لو تلاشى آخر"، عندها يكتشف المحاربان أنّهما مترابطين وقريبين من بعضهما البعض، يشبُكان أيديهما، ويُعلنان نفسيهما صديقين متآخين). لقد تمّ تطوير الفكرة السابقة عن الصديق كأفضل عدوّ هنا، فعندما تتصارع ضدّ صديق ((إذ أنّه سيكون أقرب إلى قلبه عندما يناهضه)).

# ينتهي الخطاب بإظهار أوجه الختلاف في المواقف بين الجنسين تجاه الصداقة، وهو محور الموضوع في قسم لاحق بعنوان "عن المرأة شابةً وعجوزاً"، ويتطلّب هذا الموقف نفس النوع من التوضيح: إنّ قراءة زرادشت/نيتشه ورأيه حول المرأة لايخلو من صعوبة وإشكالية بالنسبة إلى قارئ يقرأ له بعد مرور أكثر من قَرن. يُقال هنا أنّ النساء يتأرجَحنَ من أقصى طرف إلى النقيض الأقصى ((داخل المرأة هناك دائماً عبدٌ وطاغية متستّرين)), إنّ المرأة تتذبذب وتتأرجح كالبندول مابين الحب والكراهية، أو تنشئتها الاجتماعية (أبقارٌ مُجتَرّة، غير مُضحكة بشكلٍ خاص). إنّ نشاط التوسّط في الصداقة أو بين الأقصيين، والتباعد المحترم، لم تتعلّمه المرأة وترفض اعتناقه.

أخيراً يتساءل زرادشت عمّا إذا كان الرجال هُم أيضاً حيوانات ملائمة للصداقة أكثر من النساء. حقيقةً إنّه من المُسَلّم به أنّ الرجال أيضاً هم حيوانات قطيع من نوع مختلف (رِفاق) وغير قادرين على الصداقة، وهذه الحقيقة تؤيّد التصريح المتعلّق بالمرأة والصداقة، ولكنّه لا يخفّف من مذاقه المُرّ واللاذع.

إبراهيم قيس جركس 2020



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوف من الموت من وجهة نظر فلسفية
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]23 ((عَنْ العفّة))
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]22 ((عَنْ ذُباب ال ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]21 ((عَنْ الصنم ال ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]20 عن الحرب والشعو ...
- زرادشت و-موت الإله-
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]19 عَن دُعاة الموت
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]18 عَن شجرة الجبل
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]17 عَن القراءة وال ...
- شرح كتاب -ماوراء الخير والشر-: (9)
- دليل نيتشه لتجاوز وجودك والتغلّب عليه
- الآخرة: غير قابل للوصف ديفيد إيغلمان (ترجمة إبراهيم قيس جركس ...
- -غريب- كامو: اللامبالاة تجاه العالم
- سيزيف: أسطورتنا الحية إلى الأبد
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]16 عَن المجرم الشا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]15 ((عن صبوات الأف ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]14 ((عن المُستَهين ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]13 ((دُعاة الماورا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]12 عن منابر الفضيل ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]11 خُطَب زرادشت: ع ...


المزيد.....




- أضاءت عتمة الليل.. لحظة تفجير جسر لاستبداله بآخر في أمريكا
- إطلاق سراح محسن مهداوي.. كل ما قد تود معرفته عن قضية الناشط ...
- بسبب جملة -دمروا أرض المسلمين- والدعوة لـ-جحيم مستعر-.. القب ...
- من النكبة ثم الولاء للدولة إلى الاختبار -الأكبر-... ماذا نعر ...
- كلمة محمد نبيل بنعبد الله خلال اللقاء الوطني تحت عنوان: “ال ...
- سلطات تركيا تنفى صحة التقارير عن عمليات تنصت على أعضاء البرل ...
- بلدان الشرق الأوسط بحاجة إلى حلول
- تزايد معاناة عمال فلسطين بعد 7 أكتوبر
- إسرائيل تطلب مساعدة دولية جراء حرائق ضخمة قرب القدس وبن غفير ...
- المرصد السوري: 73 قتيلا غالبيتهم دروز في اشتباكات طائفية وار ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]24 ((عَنْ الصديق))