أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - الخوف من الموت من وجهة نظر فلسفية














المزيد.....

الخوف من الموت من وجهة نظر فلسفية


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6711 - 2020 / 10 / 22 - 13:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


=========================

منذ زمنٍ بعيد، وفي قلعة تحوّلت منذ زمنٍ بعيد إلى خَراب، كان ينام ملك، مغطّى بعرفه البارد. كان يحلم، بل بالأخرى كان يرى كابوساً. لقد رأى نفسه يقف وسط سهلٍ مفتوح، تغطّيه زهور الأقحوان، وكان يقف وحيداً - لم يكن هنا أحد في الأفق.

من زاوية عينه، طَرَف ظلاً باهتاً يقترب. مَدّ الظل يده ووضعها على كتف الملك. لمسة الظل أسرت قشعريرة باردة عبر عموده الفقري.

((لا تَخَف... ليس هناك شيئاً لتخشاه. عادةً أنا آتي بدون إبلاغ. ولكن كونك كنتَ ملكاً عظيماً وصالحاً، فد جئتُ لأعلمكَ بزيارتي لك في الغد))

بشكلٍ ما عرف الملك الإجابة في صميم قلبه، لكنّه اختار أن يسأل الظل بالرغم من ذلك: ((مَنْ أنت؟))

((أنا الموت. أنا موتك. تحضّر، فسنلتقي غداً عند مغيب الشمس))

بهذه الكلمات انتفض الملك في مهجعه متعرّقاً، مرتجفاً من رأسه إلى أخمص قدميه. استدعى على الفور مجلس حكماءه وأخبرهم عن حلمه، وطلب مشورتهم.

تناقش الحكماء فيما بينهم المسألة المطروحة، واختلفوا حول مدى جدّية هذا الحلم وما إذا كانت هناك حلول ممكنة. واستمرّ الوضع على هذا النحو حتى طلوع الفجر، لكن بدون جدوى.

كان بين الحكماء رجل عجوز وحكيم خدم الملك لعقود عديدة، قال له: ((هؤلاء المفكّرون العظماء لايتوصّلون لحلول أبداً. فليذهبوا للجحيم هم وأحاديثهم التي لا طائل منها. استمع إلى نصيحتي بدلاً من ذلك _امتطِ أسرع جوادٍ لديك، وابتعد عن هذه القلعة قدر الإمكان. ولا تَنطلق في رحلة العودة إلى هنا إلا مع غروب الشمس))

انطلق الملك على جواده. لم يتوقف للطعام ولا للشراب. ببساطة لم يَكُنْ هناك وقت. لكنّ الحصان أصابه التعب والإرهاق، وانهار على الأرض في النهاية.

لحسن الحظ، كانت الشمس قد غابت بالفعل، ولم يكن الملك قريباً من القلعة، كان المكان آمناً، أو هذا ما اعتقده.

ما أن تنفّس الملك الصعداء، شعر بيد باردة على كتفه. لقد وصل الموت وقال له: ((كنتُ قلقاً من ألا تصل في الوقت المناسب))

شعر الملك أنّ الحياة بدأت تنساب منه. انهار على الأرض كما انهار جواده قبله. لم يكن الأمر مؤلماً _العشب خفّف من سقطته. وآخر شيء رآه الملك قبل أن يرتطم رأسه بالأرض، صفوف زهور الأقحوان التي بدت مألوفة بالنسبة له

——————————

الموت جزء حيوي هام من الحياة ومتأصّل فيها. لا مجال للإفلات والهرب منه، مع أنّ البشرية لطالما بذلت جهودها لتحقيق ذلك. في يومٍ ما، سوف تموت.

قد يكون بعد شهرٍ أو شهرين من الآن، عندما يقع حادث مأساوي، كما تحدث غالباً. ربما قد يقع بعد سنتين من الآن، تقضي حياتك في حالة سبات. أو ربما تمرّ عقود عديدة لتموت في المستشفى، يتحلّق حولك أولادك وأحبّاءك بينما يتلاشى سقف المستشفى من أمام عينيك ثم تغفو غفوتك الأبدية.

الطريقة التي سيحدث بها الأمر غير مؤكّدَة إلى حدٍ كبير. لكنّ حدوثه محتوم ومضمون.
لا بأس في ذلك حقيقة، الموت حَقّ - وليس هناك ما نخشاه منه. الموت لا يخيفني ولا ينبغي أن يخيفك أيضاً. إليك الأسباب.

1] البديل عن الموت سيكون أسوأ بكثير
((إنَّ الآلهة تحسدنا لأننا فانون)) هذا ما قاله آخيل للأميرة برسيس في الإلياذة.
أكره أن أخرّب عليك فقاعة أمانك _حسناً أنا أستمتع في ذلك قليلاً_ لكن هذه هي الحقيقة: الخلود أمر رديء.

يتوق الإنسان إلى التجديد، وبعمر لانهائي، ستزداد الأمور الجديدة ندرةً مع مرور الوقت. بعد مرور فترة من الوقت ليست بطويلة (ألف سنة أو أكثر بقليل) ستكون الشيء الوحيد الذي ترغب به هو الرغبة ذاتها. ستكون الحياة مملَة بشكلٍ لايُطاق -ستتمنى لو كنتَ ميتاً. فقط فكّر في الأمر وراقب قناديل البحر الخالدة، هل رأيت واحداً منها مبتسماً؟

2] من الناحية التقنية، لن تموت
طبعاً إنّ عملية وتجربة المَوات أو الاحتضار إلزامية. لكنك لن تشعر بالموت بحدّ ذاته. لأنك أنت وموتك لايمكن أن تتواجدا في نفس الوقت وفي آنٍ واحد. يقول أبيقور في حكمه الأساسية:
((الموت، أفظع الحوادث، لاشيء بالنسبة إلينا، إذ يفقد الشيء الذي ينحلّ القدرة على الإحساس، والشيء الفاقد للإحساس هو لاشيء عندنا. لذلك، عندما أوجد لا يوجد الموت وعندما يكون الموت لن أكون موجوداً)).
هل يبق أن اُغمِيَ عليك، أو فَقَدتَ الوعي أو دخلت في نومٍ عميق من قبل؟ كيف كان شعورك آنذاك في تلك اللحظات التي كنت فيها فاقداً للوعي؟ لاشيء -صحيح؟ لاشيء على الإطلاق. انعدام التجربة ليس تجربة جديدة.

3] لاشيء جديد في تجربة الموت-حقاً، لقد كنّا هناك من قبل.
كنّا هناك طوال ملايين السنوات قبل أن نولد، كنّا معدومين، في فضاء العَدَم، ثمّ وُلِدنا. لم يكن الأمر بذلك السوء أليس كذلك؟
((انظر إلى الوراء وشاهد كيف أنّ عصور الأبدية التي انقضت قبل ولادتنا لم تكن شيئاً بالنسبة لنا. وهذه مرآة ترينا من خلالها الطبيعة كيف سيكون الأمر بعد موتنا. هل ترى أيُّ شيء مخيف في الموضوع؟)) لوكريتيوس

4] الموت ما يمنح الحياة معنى
غالباً ما يكون "قضاء الوقت" بدلاً من "تضييع الوقت" أمراً مدفوعاً بوجود الموت نفسه والاعتراف به. لتعرف أنّ وقتك قصير وأنّ أيامك معدودة -تلك المعرفة لا تدعو إلى الحزن والاكتئاب، بل مجرّد دافع لعيش لحظة الحاضر بكل تفاصيلها والاحتفال بها.

# الموت للوجود، ولتحيا الحياة
———————————
يقول الكاتب الصحفي ستيوارت أيسوب: "الإنسان المحتضر يحتاج إلى الموت، كما يحتاج الرجل الإنسان النعسان إلى النوم. وتأتي لحظة تكون فيها المقاومة خاطئة وغير ضرورية".

تتحمّل الأمّهات آلام الولادة لإنجاب الأطفال. كما يثابر الرياضي من خلال التدريبات الصارمة للمحافظة على نفسه ولياقته. ويكافح الكاتب مرات كثيرة من الرفض قبل أن ينجح في نشر كتابه وبلوغ الشهرة. وبالمثل علينا ببساطة أن نقبل عدم فَنائَنا وعدم ديمومتنا لكي نعيش حياة ذات معنى. لذا أنا لا أخاف الموت. ولا ينبغي أن تخافه أنت.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]23 ((عَنْ العفّة))
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]22 ((عَنْ ذُباب ال ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]21 ((عَنْ الصنم ال ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]20 عن الحرب والشعو ...
- زرادشت و-موت الإله-
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]19 عَن دُعاة الموت
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]18 عَن شجرة الجبل
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]17 عَن القراءة وال ...
- شرح كتاب -ماوراء الخير والشر-: (9)
- دليل نيتشه لتجاوز وجودك والتغلّب عليه
- الآخرة: غير قابل للوصف ديفيد إيغلمان (ترجمة إبراهيم قيس جركس ...
- -غريب- كامو: اللامبالاة تجاه العالم
- سيزيف: أسطورتنا الحية إلى الأبد
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]16 عَن المجرم الشا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]15 ((عن صبوات الأف ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]14 ((عن المُستَهين ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]13 ((دُعاة الماورا ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]12 عن منابر الفضيل ...
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]11 خُطَب زرادشت: ع ...
- الآخرة: المرتدون


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - الخوف من الموت من وجهة نظر فلسفية