أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهند عجلاني - فلسفة الإكتفاء الذاتي عند العقل العربي/المسلم















المزيد.....

فلسفة الإكتفاء الذاتي عند العقل العربي/المسلم


مهند عجلاني

الحوار المتمدن-العدد: 6704 - 2020 / 10 / 15 - 02:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المسلمون لم يكن لهم باع طويل بنهضة العلوم وتطوريها منذ البداية في الحقيقة، إلا شيئا يسيرا مقارنة بالعصر الحديث، أو كبيرا مقارنة بقبله، المقارنة ليست مهمة هنا الآن على كل حال. ولكن كان ذلك لا بد منه وشيئا طبيعيا بفعل التوسع الإمبراطوري الذي حصل وفتح البلدان، مما حتّم الإندماج والتعرف على ثقافات جديدة والتعايش مع أهلها والأخذ منهم.

وإلى الآن، ليس لديهم اهتمام بالعلوم وشأنها والإبتكار بها. لا أعتقد كثيرا أن لضمور دور المعتزلة في صدر التاريخ الإسلامي له شأن حاسم بتقويض النهضة وضعف العقل العربي، ولا لدور حركة الترجمة التي ابتدأت عند الرشيد وبعده المأمون... إلى أن أتى المتوكل العباسي وقضى على دور المعتزلة على الساحة السياسية والاجتماعية. ولا القادر بالله الذي أتى بعده حين أصدر الوثيقة القادرية، التي سدت الطريق نحو الإجتهاد وحكمت على المفكرين والفلاسفة بالكفر والسجن والإقصاء. مع ظهور الغزنوي له في نفس الفترة ومساندته بذلك. ولا بالغزالي بعدهما الذي كفر الفلاسفة وقوض أركان الفلسفة...إلخ.

أعتقد أن الأمر يكمن في صميم العقل العربي أصلا وككل، وليس بسبب النكسات التي لحقت الفكر العقلاني والفلسفي، الذي شهد أوج قوته عند حركة الترجمة وظهور المعتزلة ثم انطفأ. ثم أخيرا تخللت التاريخ الإسلامي فترات متقطعة من الفتور والإحياء لمسيرته الحركية إلى عصرنا هذا.

والدليل على هذا، ما أورده الأستاذ حسام عيتاني في كتابه "الفتوحات العربية في روايات المغلوبين" ص128، على لسان ابن خلدون في مقدمته ما نصه: ”وأما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما ونطاقها متسعا لما كانت عليه دولتهم من الضخامة واتصال الملك. ولقد يقال إن هذه العلوم إنما وصلت إلى اليونان منهم حين قتل الإسكندر دارا وغلب على مملكة الكينية فاستولى على كتبهم وعلومهم. إلا أن المسلمين لما افتتحوا بلاد فارس، وأصابوا من كتبهم وصحائف علومهم مما لا يأخذه الحصر، ولما فُتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتبا كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء، فإن يكن فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منها، وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله. فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا“.

ثم يعقب العيتاني أن ما أورده ابن خلدون وقبله ابن العبري، حين أورد أيضا قصة مشابهة لسالفتها، ولكن اختلف المؤرخون بصحتها، أن كليهما عموما، ينتميان إلى نخبة علمية تكن الإحتقار للبيئة البدوية التي جاء منها جنود الفتح. كما يتشاركان في التأكيد على قلة إهتمام العرب بالعلوم والثقافة.

ما أود الإشارة إليه هنا، أن مثل هذه الحوادث قد تكررت مرارا في التاريخ الإسلامي، مما يؤيد زعمي السابق أن المشكلة نشأت في صميمها ليس بسبب القمع الذي تعرض له المذهب العقلاني والفلسفي من قبل المتوكل والقادر وغيرهما، بقدر ما هو من عدم الإهتمام المتأصل وفلسفة الإكتفاء الذاتي التي رافقت مسيرة العقل العربي. وهذا ما كتبه العيتاني أعلاه مبينا لرأي ابن خلدون وابن العبري ”كما يتشاركان في التأكيد على قلة اهتمام العرب بالعلوم والثقافة“.

فظهور المتوكل والقادر والغزالي...إلخ ووقوفهم بوجه المذهب العقلاني والثقافوي وقمعهم له، هو نتيجة محتمة لفلسفة الإكتفاء الذاتي المتأصلة ببنية العقل العربي منذ الأول. أما لدور ابن رشد وابن خلدون والمعتزلة وغيرهم في إحداث شرارة النهضة وتطويرها، فهم متأخرين نسبيا ومقارنة بمذهب الأصل، وهو مذهب المتوكل وأمثاله. وهذا طبيعي كما قلت سابقا، فأي بيئة متحضرة ومتمدنة، ستكون محتضنة لثقافات وأعراق مختلفة، مما يحتم ظهور روّاد لأفكار مغايرة ومتمايزة عن السائد العام أو التوجه الرسمي.

هذا ليس تنظيرا فلسفيا، بل هذا الواقع الذي أراه بنفسي وأمامي من المسلمين، أنهم غير مهتمين في الحقيقة، ولا تجذبهم مثل هذه المناقشات والجدالات، بل تثير نفورهم وحفيظتهم نحوها بالرفض وعدم القبول. الأسباب كثيرة، ولكن أعرف أن من أهمها ما سبق ذكره، فلسفة الإكتفاء الذاتي وعدم الاهتمام المتأصل ببنية العقل العربي.

قد يخبرني أحدهم أن كل هذا جدالات فلسفية ونظرية في النهاية، وقد تكون عقيمة في إنتاج معرفة عملية وملموسة على أرض الواقع.

هذا غير صحيح، فلا توجد نهضة من دون عقل ناهض كما قال الدكتور الجابري. النهضة بجميع العلوم تبدأ بمجالها وحقلها الفلسفي/العقلي والنظري أولا، ثم تنتقل إلى مجالها العملي والتطبيقي على أرض الواقع. وهذا ما يشهد له تاريخ المرحلة الاعتزالية في الفكر الإسلامي وظهور حركة الترجمة المشهورة. فالعلوم الفيزيقية أصلا، لم تنتعش إلا على يد هؤلاء ولم يكن لها دور فعّال ومرموق يذكر، إلا حين انفتح العالم الإسلامي على ثقافات وعلوم الشعوب الأخرى، مما حصل الاندماج والتعددية بالأفكار والعقائد، ثم انبثقت المبادرات المتتالية جرّاء ذلك نحو العلوم الأخرى والحقول المختلفة.

غير ذلك وهذا ما يهمني هنا كوني أدرس علم النفس، المعتقدات والأفكار هي مرآة السلوك والتصرفات، والسلوك بدوره هو الذي يترجم هذه الأفكار على أرض الواقع. فإما أن يترجمها على نحو إيجابي بحيث يبني الواقع، أو يترجمها على نحو سلبي مؤديا إلى تخريبه وتمزيقه.

لذلك، عندما ينحو بعضهم باللائمة علي كوني أبحث وأقرأ عن هذه القضايا زاعمين أنها لا تجدي أو كفاهم الله هذه المسائل بأفضل منها، فعليهم أن يدركوا أن الأفكار هي التي توجه السلوك، والسلوك هو الذي يؤثر سلبا أو إيجابا على الواقع. وهنا هذا يقع ضمن مجال اختصاصي.

والسؤال الآن، ألا ترون سلوك بعضكم وسلوك المسلمين حولكم، بدون أن أعمم، لكن أليس شيئا يبعث على القرف والإقياء حقيقة، جراء هذا الكم من الخبث والنفاق؟ أليس شيئا يبعث على الغضب من الحمق والغباء الذي يترجمه السلوك على أرض الواقع؟ بل والتعصب الأعمى له! أو مجرد التعصب للجهل بشكل عام. ألا ترون كل هذه الازدواجية والتناقض التي يتستر أصحابها ببطانة القيم والصدق، ثم يخفون ورائها الكذب والخداع والدجل؟ هذا يقع حتى على الذين ينعدم العلم عندهم، فالجهل ليس عذرا بل هو مثلبة بحد ذاته، والواجب أن يسعى المرء لمعرفة الحقيقة ويتحلى بالتسامح والتواضع كي يدرك الخطأ ويتقبل الصحيح من أمره. هذا الإنغلاق الذي يعاني منه العقل العربي/المسلم أوقعه في براثن الجهل، مع إضافته إليه هالة من التعصب الذي يحميه. وسبق أن الجهل يؤدي إلى التعصب، والتعصب بدوره يؤدي إلى العنف كنتيجة حتمية.

إذن، فلسفة الإكتفاء الذاتي وعدم الإهتمام المتأصل ببنية العقل العربي، هي من ثبطتنا عن الخوض نحو هذه المسائل وحل مشاكلها وإصلاحها. وهي التي أورثت لدينا الفهم الأعوج للإكتفاء والرضا الواهم أو الأمل الفارغ الذي يخلو مضمونه من أي فلسفة واقعية وجدية نحو الإصلاح والحقيقة. على الرغم أن بينهم أصدقائي وأعرف سوء حالهم، فما الذي يدفعكم للرضا عن حالكم البائس وتثبيطكم بآمال عديمة الجدوى. يقول عبد الله القصيمي: ”من أكل وشبع وحَمِد الله، فقد أهان ملايين الجائعين“. بغض النظر عن توجه القصيمي، فإن كلامه هذا يصب في فلسفة حديثي، وهو أن الإكتفاء والرضا بالحال عموما، سواء تعلق بفرد أو بأمة، يورث التثبيط عن الفعل والعمل نحو البناء أو الإصلاح ويدفع الشخص لعدم التغيير لخلو الحاجة لذلك كما يظن. وبالذات عندما يكون ذلك الإكتفاء والرضا خاطئا وزائفا، فإن المشكلة حينها أكبر. وقد سمعنا مؤخرا ذلك الشخص الذي يقول أنه لا حاجة لنا للنهضة والعمران والاختراعات كما يفعل الغرب، "فما لهذا خُلقنا" كما زعم بالحرف، وإنما خُلقنا لنعبد الله فقط.

على الأقل إن كنتم لا تأبهون لشأنكم وشأن أمتكم، فأبهوا لحياة أبنائكم وأجيالكم القادمة فقط، وإلا فلا تنجبوا أبناءا كي لا يقعوا في نفس الكارثة والمشكلة التي وقعتم بها. حري أن يفكر المرء إذن في حلول ومخارج لمثل هذه المشاكل الراهنة على أرض الواقع، على نحو ما سبق من الطروحات وغيرها، ليس لأجلكم إذا كان هذا لا يعنيكم، وإنما من أجل أبنائكم في المستقبل، الأجيال القادمة. وإلا فإن إنجاب الأبناء في أوضاع مزرية وحال سيئة، فهذا هو الإجرام بعينه ويجب أن يعاقب القانون عليه.



#مهند_عجلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبغى المعبد
- يكذبون، وفوق كذبهم تبني الطيور أعشاشها!


المزيد.....




- كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما ...
- على الخريطة.. حجم قواعد أمريكا بالمنطقة وقربها من الميليشيات ...
- بيسكوف: السلطات الفرنسية تقوض أسس نظامها القانوني
- وزير الداخلية اللبناني يكشف عن تفصيل تشير إلى -بصمات- الموسا ...
- مطرب مصري يرد على منتقدي استعراضه سيارته الفارهة
- خصائص الصاروخ -إر – 500 – إسكندر- الروسي الذي دمّر مركز القي ...
- قادة الاتحاد الأوروبي يتفقون على عقوبات جديدة ضد إيران
- سلطنة عمان.. ارتفاع عدد وفيات المنخفض الجوي إلى 21 بينهم 12 ...
- جنرال أوكراني متقاعد يكشف سبب عجز قوات كييف بمنطقة تشاسوف يا ...
- انطلاق المنتدى العالمي لمدرسي الروسية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهند عجلاني - فلسفة الإكتفاء الذاتي عند العقل العربي/المسلم