أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين البعقوبي - صديقي العصفور














المزيد.....

صديقي العصفور


حسين البعقوبي

الحوار المتمدن-العدد: 6702 - 2020 / 10 / 13 - 02:17
المحور: الادب والفن
    


كنت في الثامنة من العمر . أساعد أبي في دكان العطارة . ولأنني صغير السن . كان أبي يرسلني إلى البيت عند الظهيرة مع العامل الذي يعمل عنده في الدكان . كان ذلك العامل يبلغ من العمر خمسة عشر عاما تقريبا . واسمه مهدي .
مهدي كان يضعني أمامه على الدراجة الهوائية وينطلق بي سريعا . في ذلك اليوم توقف مهدي في منتصف الطريق .. وكان الطقس حار جدا . وثمة جدول صغير على امتداد الشارع تحف به أشجار الكالبتوس العملاقة . لم أعترض حين توقف مهدي ليغسل وجهه ويديه من ماء ذلك الجدول .
كان هناك الكثير من العصافير والحمام يحلق عاليا فوق الأشجار ويصنع بهديله وسقسقته موسيقى خلابة تمنح تلك الأجواء الصيفية مظهرا أو طقسا ساحرا . لكنني لاحظت عصفورا صغيرا اقترب من الضفة المقابلة من الجدول الصغير .. يبدو أنه كان يشعر بالعطش .. ولا خبرة لديه بما يمكن أن يبدر من الإنسان من أفعال عدائية . في تلك اللحظة انتبه مهدي للعصفور .. فرماه بحجارة أسقطته في الماء . كان العصفور يستنجد بمن يخرجه من الماء بينما مهدي يضحك بشدة وهو ينظر الى العصفور . رجوته ان يخرجه من الماء . لكنه بدلا من ذلك صار ينتقي بعض الحصى القريبة منه فيقذف العصفور بها ويخطئ الإصابة ثم يكرر المحاولة وهو يضحك . حاولت ان امنعه لكنه لم يستجب . فقلت له عد إلى الدكان وأنا سأذهب إلى البيت . قال : والدك سيعاقبني إن لم أوصلك إلى المنزل . قلت له : لا تهتم .. اذهب أنت وأنا سأقول له انك أوصلتني للبيت .
ويبدو أن كلامي هذا قد اقنع مهدي لأنه سارع إلى ارتقاء دراجته ومضى عائدا إلى الدكان . كانت نبضات قلبي تتسارع ، وأنا أفكر بالعصفور متمنيا أن لا يكون قد غرق . اقتربت من حافة الجدول في اللحظات الأخيرة قبل أن يغرق العصفور .. فأخرجته من الماء ووضعته على الجرف وهو مبلل بالكامل ويكاد يلفظ أنفاسه .
جلست على الأرض قبالة العصفور ، وأنا أنظر إليه بحزن وألم ، وأدعو الله أن لا يموت . بعدها بدقائق قليلة تحرك العصفور . نفض الماء عن ريشه ونظر إلي بطريقة غريبة .. وكأنه فهم أنني أنقذت حياته . قلت له : لا تغضب من مهدي فهو إنسان جاهل لم يدخل مدرسة ، ولم يتعلم معنى الرفق بالحيوان . قال العصفور : ولكن أنا لم أفعل له شيئا .. فلماذا يريدني أن أموت .
عندما تحدثت مع العصفور . كنت أحاول أن أقول أي شيء له وأنا أعلم انه لن يفهمني ولن يرد علي . لكن حين سمعت صوته شعرت بالخوف .. وتبادر لذهني حكايات جدتي عن العفاريت أو الجان الذي يمكن أن يتلبس أي شخص أو حيوان . لكن يبدو أن العصفور قرأ أفكاري .. فقال : لا تخف .. نحن نتحدث مثلكم .. لكن لا نتحدث إلا مع الأطفال الذين يحبوننا ويخافون علينا .. لكن لي عتب صغير عليك . لماذا قلت لذلك الولد الشرير أنك ستخبر والدك بأنه أوصلك إلى بيتك . أليست هذه كذبة ؟
أجبته : نعم أنا أعلم أنها كذبة .. وأنا أشعر بالندم لأنني كذبت .. لكن هذا كان السبيل الوحيد لإنقاذ حياتك . لأنني لو أخرجتك من الماء أمام مهدي كان سيقتلك .. ولو أنني تركتك وذهبت معه إلى البيت كنت ستموت غرقا .
اقتنع العصفور بحجتي . لكنه طلب مني أن لا أكذب مرة أخرى . لأن الكذب ليس سلوكا جيدا . طار العصفور محلقا وهو يغني مسقسقا بأجمل الأصوات .. فسرت متجها إلى بيتي وهو يطير فوق رأسي .
ومن يومها كلما فتحت النافذة في الصباح أجده قريبا مني يحلق بين أشجار حديقتنا حينا .. وحينا يقترب من نافذتي مغردا .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائر التحرير


المزيد.....




- قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
- المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
- إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر ...
- وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية - ...
- موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا ...
- الوجع والأمل في قصص -الزِّرُّ والعُرْوَة- لراشد عيسى
- المخرج المصري هادي الباجوري يحتفل بعقد قرانه على هايدي خالد ...
- سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري ...
- سينمائيو بلغاريا ينصرون غزة ويغضبون إدارة مهرجان -سيني ليبري ...
- تايلور سويفت تواصل تحطيم الأرقام القياسية.. بيع 4 ملايين نسخ ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين البعقوبي - صديقي العصفور