أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رعد محمد حسن - العدالة في الفكر الليبرالي المعاصر















المزيد.....

العدالة في الفكر الليبرالي المعاصر


رعد محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6695 - 2020 / 10 / 5 - 23:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ان البحث عن العدالة قديم قدم الحضارة الانسانية , وبدأ يصبح اكثر شمولا عبر القرون حتى اضحى من المفاهيم الاكثر اهمية في عالمنا المعاصر, ورغم انها من الموضوعات التي حظيت بأهتمام بالغ منذ القدم وقد تناولها ارسطو وفلاطون وغيرهما من الفلاسفة القدماء الا انها اليوم تتصدر اهتمامات الفكر الانساني وكافة الانشطة الاكاديمية والسياسية والاقتصادية فاينما كان هناك اناس يريدون شيئاومتى ما كانت هناك موارد يراد توزيعها فان العامل الجوهري المحرك لأتخاذ القرار سيكون احد اوجه العدالة 1 .
ويعد مصطلح العدالة الاجتماعية مصطلحا كاثوليكيا بالاساس وبعد ذلك تم اخذه من قبل العلمانيين الحداثيين , وتم استخدام مفهوم العدالة الاجتماعية لاول مرة في العصر الحديث حوالي عام 1840 كتعبير من المفكرين السياسيين عن نوع جديد من الفضيلة اللازمة لمجتمعات ما بعد الزراعة ( المجتمعات الصناعية ) وقد تم تصميم المصطلح من قبل المفكرين الحداثيين العلمانيين ليعني توزيع الدولة الموحد لمزايا واعباء المجتمع . ويعتبر اول استخدام لمصطلح العدالة الاجتماعية عندما كتب قس ايطالي يدعى " لويجي تاباريلي " عن الحاجة الى استعادة الفضيلة القديمة عند ارسطو والقديس توما الاكويني ولكن بشكل معاصر .
لقد ظهرت تعريفات عديدة لمفهوم العدالة الاجتماعية واهتم المفكرون بأبعاد عدة ضرورية لتوافر العدالة الاجتماعية حيث ادعى روفائيل بان العدالة الاجتماعية لكي تتحقق لابد من توافر عنصران الاول ضرورة انطلاق جميع الافراد في المجتمع من نفس الخط والعنصر الثاني هو ممارسة الحياد من جانب الدولة , وربط روفائيل العدالة الاجتماعية بفكرة الثواب والعقاب وانها لا تتحقق في مجتمع تسوده الفوضى ويسود فيه الفساد 2.
ويدعي صاموئيل فليشاكير في كتابه " تاريخ قصير من العدالة التوزيعية " وجود اختلاف كبير حول مفهوم العدالة الاجتماعية بين الفكر السياسي الحديث والكلاسيكي , ساهم فليشاكير في توضيح تاريخ النقاش والصراع الفكري حول مفهوم العدالة الاجتماعية فنجده يؤرخ للمفهوم عند كل من ارسطو وادم سميث وروسو وكانط وان اختلفت مسميات الكتاب حول هذا المفهوم لكن جوهره يظل موجود في كتاباتهم , وقد اختلف فليشاكير عن روفائيل حيث فضل مصطلح العدالة التوزيعية واستخدمه كمرادف للعدالة الاجتماعية التوزيعية , واشترط مسؤولية تحقيق العدالة التوزيعية تكون بيد الدولة وليس بيد الافراد او الجماعات3.
لقد جاءت نظرية العدالة التوزيعية التي صاغها الفيلسوف الامريكي جون رولز (1921-2002) كأهم محاولة فلسفية بعد النظريات التعاقدية في القرن الثامن عشر لبناء قاعدة نظرية صلبة للممارسة اللبرالية والمعروف ان التقليد الليبرالي انحدر من نموذج العقد الاجتماعي الذي صاغه كل من توماس هوبز ( 91588-167 ) وجون لوك ( 1632-1704 ) وجان جاك روسو ( 81712-177 ) والذين يتفقون في تبصراتهم على ان البشر كانوا في حالة طبيعة ما قبل مجتمعية وفي هذه الحالة ليس هنالك ممتلكات خاصة ولا حكومة , وليس هناك سلطة خارجية يضطر الفرد الى الامتثال لها , فهو حر في انتزاع ما يشاء من الطبيعة ويحق له ان يفعل ما يشاء لا سيما في المسائل المتعلقة بالحفاظ على الذات , وعلى الرغم من النقد الهيغلي لنظريات العقد الاجتماعي التي اعتبر انها تضعف الكيان الجماعي باختزالها الدولة في نمط الترابط النفعي العرضي من منطلقات فردية مجردة في حين ان الدولة هي التعبير عن روح الامة , الاان نظريات العقد الاجتماعي ساعدت على القضاء على نظرية الحق الالهي المقدس للملوك والتي ظلت راسخة لفترة طويلة بما يحمله هذا القضاء على الحق الالهي المقدس للملوك من تحقيق لعلمانية الدولة اي نقل مصدر السلطة من السماء الى الارض .
لقد اسس العقد الاجتماعي لنظام سياسي يتساوى فيه الناس امام القانون اي يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية من دون تمييز بحسب الدين او الجنس او الاصل الاجتماعي لكن الليبرالية التي اهتدت الى هذا الحل الذي فتح الباب امام التطور الديمقراطي تركت مسالة الحقوق الاجتماعية – الاقتصادية للمنافسة اي لم تؤمن للجميع الحقوق الاجتماعية بمثل ما امنت الحقوق السياسية لذلك كان للماركسية الفضل في انها شددت على ان المواطنة التي تساوي المساواة السياسية لا تكتمل الا بالمساواة الاجتماعية اي المساواة في الحقوق الاجتماعية الاقتصادية . ينطلق جون رولز في بناء نظرية العدالة من خلال نقده للمرجعية التي تعتمدها الليبرالية في جميع مجالاتها وهي المرجعية النفعية اي المذهب النفعي الذي اسس له جيرمي بينتام وديفيد هيوم وادم سميث واخرين الذي سيطر على الفكر الاخلاقي والسياسي الليبرالي لعقود طويلة وهذا ما ظهر جليا في الولايات المتحدة الامريكية التي جعلت من المذهب النفعي المصدر الاساسي الذي تستمد منه كافة قراراتها السياسية والاقتصادية والاخلاقية , ويرى رولز ان التصورات التي رسخها المذهب النفعي سببت ما الت اليه المجتمعات الليبرالية من صراعات واختلافات وحروب وتوسع الفردانية وزوال التعاون داخل المجتمع , لذا جاء رولز ناقدا للمذهب النفعي وجاء بمشروعه كبديل لهذا المذهب , يقول رولز " اردت التوصل الى تصور في العدالة يقدم بديلا معقولا عن المذهب النفعي الذي ساد بشكل او اخر في التقليد الانجلوساكسوني في التفكير السياسي " 3, ان المذهب النفعي حسب رولز يحمل في طياته معالم الظلم والتمييز بالبحث عن تحقيق الرفاهية لفئات معينة من الناس على حساب فئات اخرى ومن خلال هذا خلص الى فكرة جوهرية في نقده للمذهب النفعي في كون هذا المذهب يهتم فقط بمقدار المصلحة والمنفعة ولا يهتم بالكيفية التي ستتوزع فيها هذه المنافع يقول رولز " ان المادة الاولية للعدالة هي البنية الاساسية للمجتمع او بدقة اكبر الطريقة التي توزع من خلالها المؤسسات الاجتماعية الرئيسية الحقوق والواجبات الاساسية وتحدد تقسيم المنافع الناتجة عن الشراكة الاجتماعية 4.
حاول رولز من خلال نظريته في العدالة ان يحدث اصلاحا للرأسمالية فقد اجرى نقاشا سياسيا مفتوحا في الولايات المتحدة الامريكية ناهض فيه الليبرالية الجديدة وهو الاتجاه الفكري والايديولوجي السائد في الغرب منذ منتصف السبعينات وحتى الان على المستويين السياسي والاقتصادي وهو اتجاه يدعو الى اتخاذ مجموعة من السياسات اهمها الاقلال من دور الدولة في الاقتصاد الى الحد الادنى وتفعيل حرية السوق وهذا ما ادى عند التطبيق الى انسحاب الدولة من كثير من مسؤولياتها الاجتماعية السابقة التي كانت تتولاها منذ بداية القرن العشرين , وفي ظل سياسات التحرر الاقتصادي والخصخصة اصبح مفهوم العدالة الاجتماعية مهملا اذ تم السكوت عنه وتناسيه لدى بعض مفكري الليبرالية الجديدة وتمت مواجهته بالانكار والهجوم والنقد اللذع من قبل اخرين من ممثلي هذا الاتجاه وأهمهم المفكر وعالم الاقتصاد النمساوي الاصل البريطاني الجنسية فردريك اوجست فون هايك (1992-1899) الحائز على جائزة نوبل وصاحب الانتاج الفكري الذي يشكل الدعامة الاساسية لأتجاه الليبرالية الجديدة , ولا نجد لدى هايك نقدا وهجوما على مفهوم العدالة الاجتماعية وحسب اذ يصفها بانها وهم وهذا هو عنوان احد اشهر مؤلفاته " وهم العدالة الاجتماعية " 5 بل نجد كذلك انكارا لبعض اهم مبادئ علم الاجتماع اذ ينكر شئ اسمه المجتمع من الاساس ويذهب الى ان كل ما هنالك مجرد افراد يرتبطون معا بعلاقات هي في جوهرها علاقات اقتصادية ترد في النهاية الى معاملات السوق . لقد انتقد المفكر فريدريك هايك مفهوم العدالة الاجتماعية حيث قال ان اعادة التوزيع القهرية للموارد في المجتمع تتضمن تعديا على الحقوق والحريات الاساسية للافراد وكان هايك ضد تدخل الدولة في الحياة السياسية والاقتصادية حيث رأى انه من الصعوبة ان تقوم الدولة بتحديد كيفية تخصيص الموارد على المواطنين حتى لو اخذت بمبدأ الجدارة والاستحقاق . فيما قدم روبرت نوزيك نظرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي على وجه الخصوص اعطى نوزيك في نظريته الدولة دورا محدودا قريبا من افكار الفلاسفة الليبراليين الكلاسيكيين حيث قال ان الدور الامثل للدولة يتمثل في عدم التدخل والتطفل بتوزيع الموارد لان اي تدخل للدولة سيمثل تعديا على الملكية الخاصة ودور الدولة ينبغي ان يكون هو حماية الفرد من تعدي الاخرين واسماها اي الدولة بالحارس الليلي . كان الحظ عنصرا اساسيا في نظرية نوزيك حيث قال ان الفرد عندما يولد فانه يتحدد مصيره بناءا على حظه فاذا ولد في عائلة غنية فانه يكون محظوظا واذا ولد فقيرا فانه يكون غير محظوظ ان تحقيق الضمان الاجتماعي في نظرية نوزيك لا ينبع من ارادة الدولة وانما من ارادة الافراد المحظوظين اي الاغنياء وبالتالي فان هؤلاء الافراد الاغنياء هم من يقرروا طواعية بمساعدة الافراد الاقل حظا منهم
ورغم ان نظرية رولز العدالة التوزيعية بأعتبارها انصافا تستهدف الفئات الاقل حظا والاكثر حرمانا الا انها تقدم الحقوق المتمثلة بالحريات على الخيرات المتمثلة في تكافؤالفرص في انتاج الخيرات المادية والمشاركة في مخرجاتها ورغم الكثير من النقد الذي تعرضت له الا انها لا تخلومن محاولة رولز ايجاد منطقة ما بين الاشتراكية باعتبارها اعلى مراحل العدالة الاجتماعية والليبرالية مطلقا عليها الليبرالية الاجتماعية في محاولة لتزيين وجه الرأسمالية من خلال تبني بعض فضائل الاشتراكية.


المصادر:-
1- مفهوم العدالة في الفكر الاجتماعي /فارس كمال نظمي
2- قراءة في مفهوم العدالة الاجتماعية تأصيل نظري /عبد الرحمن الحديدي
3- نظرية في العدالة / جون رولز
4- المصدر السابق
5- موقف الليبرالية الجديدة من مفهوم العدالة الاجتماعية /لشرف حسن منصور



#رعد_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اين لنا مثل غيلان الدمشقي !
- تحت مسمى التوازن
- هل تملك داعش فرصة للحياة
- الذمة المالية لكبار المسؤولين
- ازمة الكهرباء قرار سياسي
- لنستمع الى صوت الشعب


المزيد.....




- وزير إسرائيلي لنتنياهو: يجب استبعاد أردوغان من أي دور في مفا ...
- عدوى احتجاجات الطلاب تصل إلى جامعات أستراليا.. والمطالب واحد ...
- -حزب الله- ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي عند الحدود ...
- كينيدي جونيور يعارض ضم أوكرانيا للناتو
- لم يبق سوى قطع العلاقات.. تركيا توقف التجارة مع إسرائيل
- اشتباكات مع القوات الإسرائيلية شمال طولكرم وقصف منزل في دير ...
- الاتحاد الأوروبي يعتزم اتخاذ إجراءات ضد روسيا بسبب هجمات سيب ...
- شهداء ودمار هائل جراء قصف إسرائيلي لمنازل بمخيم جباليا
- اشتباكات بين مقاومين والاحتلال عقب محاصرة منزل في طولكرم
- وقفة أمام كلية لندن تضامنا مع الطلاب المعتصمين داخل الحرم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رعد محمد حسن - العدالة في الفكر الليبرالي المعاصر