أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - جون لوك ومثالية المنهج المعرفي















المزيد.....

جون لوك ومثالية المنهج المعرفي


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6695 - 2020 / 10 / 5 - 14:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقديم
جون لوك معروفة فلسفته النظرية المثالية المتطرفة في الاحتكام لمرجعية الحواس والعقل التجريبي الذي يبدأ بالحس وينتهي بالذهن والدماغ وهما البرهان الوحيد في معرفتنا صحة الترابط والعلاقات داخل التفكير العقلي في فهمنا حقائق الاشياء في وجودها الخارجي. ويعتبر لوك أن (الحقيقة تتضمن اتفاق الافكار وتناسقها بعضها مع البعض الاخر وليس اتفاقها مع واقعة حقيقية خارجية ) 1.أي ليس هناك رابطة بين الفكر والواقع يعطينا حسما معرفيا قطعيا بصحة كل حقيقة سواء أكانت حقيقة فردية منفصلة عن الواقع أم كانت حقيقة واقعية مستقلة تماما عن الفكر.. والمعرفة عند لوك خبرة تراكمية مكتسبة ولا توجد هناك معرفة فطرية يولد الانسان مزوّدا بها, وهذا بطبيعة الحال لا يشمل المورّثات الجينية البايولوجية الخاصة بشفرة جينات كل انسان منفردا.
تلازم الفكر والواقع في المعرفة
بدءا يتوجب التمييز بين أمرين :
اولا اتساق الافكار داخل تفكير العقل المجرد لا يعطيها ضمانة صحتها التوافقية المتطابقة مع ذاتها, فتطابق الفكر مع الذات داخليا لا يجعل من موضوع تفكيرهما حقيقة صحيحة عن عالم المواضيع والاشياء. ولا تكون حقيقة الاشياء هو في مطابقة الافكار مع حقائق العالم الخارجي المنفصلة المستقلة عن تفكير الذهن. علما أن تفكير الذهن الداخلي المجرد لا يكون افصاحا فكريا الا في تعبيره اللغوي بموضوع يلازمه الادراك به.
حقائق الاشياء والموجودات في الطبيعة وعالمنا الخارجي لا تكتسب حقيقتها الصائبة بدلالة صحة بعض الافكار مع بعضها الآخر في مرجعية الاحتكام للعقل وحده وما ينتج عنه من معرفة نظرية لا علاقة تربطها بوقائع العالم الخارجي الذي يكون الفكر وحده مصدر أدراكه ولا يكون الواقع أكثر من موضوع أدراكي للفكر لا يتداخل مع مدركه التفكيري العقلي بعلاقة جدلية. بل يتداخل معه بعملية ادراك معرفي منفصل متباين يدرك الفكر العقلي فيه تجريده عن المادة موضوع الفكر.
لا تعرف حقيقة الشيء الا بدلالة الفكر العقلي, كما لا تدرك حقيقة الفكر الا بدلالة تعالقها الجدلي في التعبيراللغوي عن موضوع مدرك.
ثانيا أن حقائق العالم الخارجي من المتعذر البرهنة على صحتها في واقعها المعزول عن حقيقة معرفة الافكار العقلية المجردة لها الا بعد دخول تصورات الفكر بعلاقة جدلية تخارجية مع موجودات العالم الخارجي كي ينتج لنا حقيقة معرفية يكون الاتساق الفكري النظري متطابقا فيها متداخلا جدليا مع حقيقة الاشياء في وجودها الخارجي الواقعي. وبغير هذه الآلية الجدلية تبقى حقائق الفكر معزولة عن حقائق الواقع المستقلة غير مبرهن على أنها تحمل صفة الحقيقة في أنعزالها عن مرجعية حقائق العالم الخارجي المادية المستقلة في وجودها. حقيقة الشيء واقعيا لا تعرف بغير حقيقة التعبير الفكري عنه. وحقيقة الفكر لا معنى لها من غير دلالة الواقع.
كذلك من جهة أخرى فأن حقائق الواقع الخارجي من غير تداخلها الجدلي مع الافكار العقلية المتسقة صحتها مع بعضها البعض تبقى مواضيع غير مبرهن على صدقها من زيفها بغير دلالة الواقع وليس دلالة الفكر المجرد في التعبيرعنها. والفكر من غير موضوع مادي يتمّثله ادراكا عقليا يكون لا معنى له ويتعذر حصوله في التفكير...كذلك اشياء الواقع في موجوداتها بالعالم الخارجي مستقلة تبقى لا قيمة حقيقية لها من غير تناولها حسيا ادراكيا ذهنيا بالفكر.
الحقيقة المعرفية لا تكون متاحة بمجرد أنها تعبّر عن موجود واقعي في العالم الخارجي من غير ادراك التفكير العقلي بها القائم على تجربة برهانية تؤكد تطابق الفكرة مع دلالتها الواقعية, وكذا المعرفة الذهنية تبقى تجريدا خادعا بانفصالها عن جدل الواقع معها. صحيح جدا أن تفكير الذهن الداخلي يتعامل مع ادراكه موجودات العالم الخارجي بالافكار المجردة التصورية في تمثلاتها الواقع. لكن الأهم هو أن الافكار المجردة لا تعطينا حقائق الموجودات على الارض بمجرد ادراكها...موجودات الواقع هو مصدر الافكار وتفكير العقل المنهجي بها يعطيها حقيقتها الصادقة من حقيقتها الزائفة الكاذبة. الواقع هو مصدر تفكير العقل لكن تمّثلات العقل للواقع هي تخليق مضاف جديد مغاير للموجودات الواقعية المدركة خارجيا ولا يخلق الفكر مواضيع ادراكه ذاتيا, فمواضيع ادراك التفكير العقلي أما أن يكون مصدرها واقع العالم الخارجي وموجوداته, أو يكون مصدرها الخيال الفكري الذي تكون الذاكرة مصدره.

مثالية جون لوك والمعرفة
النظرة الفلسفية المثالية الذاتية التي يحملها جون لوك حول معرفة الحقيقة هي منهج تجريبي فكري ينكر على الواقع أن يكون له دورا في تشكيل معارفنا عن حقائق الاشياء فكل شيء مادي في عالمنا الخارجي ندركه بالفكر التجريدي داخل المخ. وفي غياب هذا الادراك الفكري لموجودات الواقع وعالمنا الخارجي ليس ثمت عالم خارجي موجود.هذا الفهم هو موجز الفهم الخاطيء في فلسفة جون لوك وبيركلي وهيوم وغيرهم من فلاسفة المثالية.
والمنهج التجريبي المثالي الذي يعتمده لوك أن الافكار لا تلتقي الواقع الا عن طريق ادراك موجوداته حسيا ثم معالجتها بالفكر المجرد وحده وليس بدلالة ماهية وصفات الموجودات الواقعية التي يتناولها الفكر تجريدا فلسفيا فكريا من غير ما تداخله معها في علاقة جدلية متخارجة.. بل كل شيء يدركه الفكر التجريدي حسّيا يكون بهذا الفكر الادراكي يتحقق وجوده في عالم الاشياء.. وما لا يدركه الفكر تجريدا حسيّا لا وجود حقيقي له في عالم الاشياء الخارجي. .
معرفة صواب حقيقة الشيء عند جون لوك تقوم على اتساق الافكار بعضها مع بعض بالذهن داخليا فقط بمعزل عن وجود الشيء خارجه., وما لا يدركه الذهن لا وجود له. وليس مهما مرجعية معارفنا الذهنية الفكرية المجردة تكون في معرفتنا الموجودات الواقعية المستقلة بالعالم الخارجي. فمرجعية افكار الذهن هي افكار العقل ذاته. كما ليس مهما أن نسعى الى مطابقة صحة الافكار العقلية بدلالة بعضها مع البعض الاخر مع حقائق الاشياء في العالم الخارجي ومحاولتنا ربط استقلالية الفكر مع استقلالية موجودات العالم الخارجي التي لا وجود واقعي لها الا بضوء ما يظهره لنا الفكر مجردا ونلتزم به عبر ما تنقله لنا الحواس فقط بصرف النظر عن حقيقة الحواس خادعة لا تنقل موجودات الاشياء على حقيقتها, ولا يؤخذ بما تنقله من أحساسات أنها صحيحة وليست زائفة..
ولا يشير لوك الى أحتمالية أن يكون ماينتجه الفكرتجريدا عن الاشياء مخطوءا زائفا ولا ما تحمله حقائق الاشياء المادية في الواقع عن معطيات ودلالات خاطئة لا يمكن الاعتماد عليها بما تنقله الحواس, بل نجد لوك ينحاز الى ما يقوله العقل الذهني التفكيري الواصل اليه عبر الحواس تجريبيا صحيحا بالمطلق في ادراكه موجودات وظواهر العالم الخارجي بعيدا عن ارتباط جدلية الفكر بالموضوع.
وبهذا التفسير يكون الفكر وحده هو الذي يخلق حقائقه على الارض ولا يخلق الواقع حقائقه في الذهن والتفكير. وموجودات الواقع التي لا تدركها الحواس ويعالجها الفكر ذهنيا تصبح لا موجودة ولا أهمية لادراكها جدليا بتعالقها مع الفكر.
بالتاكيد يضعنا جون لوك في مرجحة فكرية قلقة أمام حقيقة اذا ما وجدنا افكارنا المتسقة ذهنيا مع بعضها داخليا البعيدة عن أية صلة تربطها بحقائق العالم الموضوعي هي ليست صحيحة وتمثل واحدة من شطحات التفكير غير المتزن. ثم الغاء لوك أهمية المجانسة الذهنية مع حقائق موجودات الخارج الواقعية لا يمنحنا حقائق الاشياء. فما يذهب له تفكير الذهن المجرد يمثل حقائق الارض وليست حقائق الارض تفرز صواب أو زيف حقائق التفكير بها..من الصحيح اننا لا نمتلك وسيلة لادراكنا موضوعات العالم الخارجي غير لغة التجريد اللغوي التصورية في تمثّلاتنا, لكن يبقى ادراك وجود الشيء هو غير معرفته الحقيقية.
اليس من الاحتمال الوارد الكبير أن افكارنا المتسقة معرفيا مع بعضها البعض كاذبة وزائفة.؟ أنفصال الفكر عن الواقع لا يمنحه تفويضا أنه صحيح بدلالة محاكمة مرجعية التفكير الذهني للعقل وحده بمعزل عن عالم الاشياء الخارجية.. ثم الا يكون أحتمالا كبيرا أن تكون أخطاءنا بالتفكير المجرد يقودنا الى أخطاء بعيدة عن حقائق الواقع والحياة؟ وبذلك يكون تجريد الفكر غير الجدلي مع الواقع لا قيمة حقيقية له؟ لأنه معدوم الدلالة التوكيدية في البرهنة على صحته.
أنه لمن الجدير التاكيد عليه أن حقائق الواقع هي التي تصنع التفكير الذهني المجرد الذي لا يقدرهو بدوره تصنيع حقائقه المادية على ارض الواقع...فالواقع موجود مستقل قبل ادراكه الحسي وقبل ادراك التعبير اللغوي الذهني عنه.
حقائق العالم الخارجي هي ايضا تؤكد صحتها وتفرز حقائقها عن زيفها في مرجعية الاحتكام للعقل في تجريده التعبير عنها. وموجودات العالم الخارجي كمدركات وجودية مستقلة لا تمتلك حقائقها الذاتية بنفسها الا في تعالق تفكير الفكر جدليا بها. كل موجود مستقل في عالم الاشياء يكون هو مصدر الفكر لكن ليس بمستطاع الفكر خلق حقائقه الارضية بمعزل عن أدراكها واقعيا مستقلة الوجود قبل ادراكها.
أمام هذا التضاد المنهجي الابستمولوجي يصبح معنا التشكيك المشروع السليم أنه لا حقائق الفكر لوحدها تجدي نفعا في معرفتنا حقائق العالم الخارجي, ولا حقيقة العالم الخارجي تعطينا كفالة ضمان أنها حقائق لا تتعارض صدقيتها مع أفكار العقل التجريدية والتجريبية التي تقوم على الجدل وليس على التسليم القاطع أن الفكر لايلتقي المادة في معرفة الحقيقة الشيئية له. وبهذا الانفصال التعسّفي لا نفهم الاشياء على حقيقتها بدلالة الفكر المجرد المعبّر عنها, كما لا نستطيع فهم الاشياء في واقعها المستقل عن تفكير العقل.
كل معرفة حقيقية مكتسبة عن الاشياء بواقعيتها الادراكية السليمة المستقلة هي كانت مبتدأ بداية اكتساب المعرفة , بدليل أن الفكر في تفكيره بالاشياء وفي التعبير عنها مصدره اكتساب الخبرة والمعرفة عن موجودات العالم الخارجي المستمدة من الواقع. التجريد الفكري هو في كل الاحوال تعبير عن معارف مكتسبة سابقة مصدرها الواقع ليس في ثباته فقط وانما في تغيراته وتطوراته المستمرة, ويصبح العكس أعتبار أن الفكر يقوم بتصنيع حقائق الواقع رأي لا يكتسب ادنى صدقية معرفية. فمثلا حين نعمل وفق بديهة رياضية هندسية أن المثلث يتالف من ثلاثة اضلاع وثلاث زوايا مجموعها 180 درجة, وهي حقيقة علمية مسلم بها ولا يمكن دحضها بعد الاف السنين, لكن التساؤل هل الفكر أستمد معرفة المثلث وصفاته بالفكر التجريدي أم بسابقة مادية معرفية اكسبت الفكر حقيقة علمية ما هو المثلث منذ عصر فيثاغورس وربما قبله, وهل المثلث أبتداع فكري آني جديد أم هو نتاج مادي تم تصنيعه واختراعه ميدانيا وليس نظريا فقط قبل أن يصبح حقيقة علمية بديهية متوارثة علميا لا تحتاج البرهان عليها بمرور الزمن؟.
التفكير النسقي المنّظم والمنطقي المجرد الذي يتم داخل الفكر لا يكفي معرفة حقائق العالم الخارجي بدلالة براهين العقل المجردة بدون خلفية معرفية مادية سابقة عليها أعطت الوجود المادي صفة مصدر الافكار بنفس وقت الواقع يستجيب لنتائج تلك الافكار في معالجة الذهن لها. بمعنى جدل الفكر مع الواقع يعمل ليس فقط على ادراك كلا منهما علميا بل بأعتبار الجدل التخارجي بين الفكر والواقع يمنحهما تطورهما التلازمي معا. وكلا بمواصفاته الخاصة بدلالة أحدهما على الاخر في تعالقه الادراكي العقلي.
الفهم المثالي لصواب الافكار
يدعم اسبينوزا في تطرف مثالي تفكيرديكارت المنهجي في محاولتيهما ارضاء الكل على حساب طمس وتضييع الصائب عن الزائف, في مثل تعبيرات ديكارت السطحية قوله " تكون الافكار الواضحة والمتميزة صادقة. اذا ما كانت واضحة ومتميزة, بخلاف الافكار الغامضة فهي غير كافية أو كاذبة )2 .
لا يمكن الركون الى صواب صحة الاستدلال في فرزنا الافكار صادقها مع زائفها بدلالة الوضوح والغموض في التعبير اللغوي, فمعيارية هذا الفرز لا يقوم على وضوح لغة التفكير من غموضها في التعبير عن مواضيعها المدركة. بل فرز الصواب عن الخطأ يتم بدلالة مخرجات التفكير العقلي في تعبير اللغة عن الاشياء المدركة. التفكير خاصية عقلية تجريدية وتعبير اللغة وسيلة توصيل تفكير العقل. بمعنى نقص وعدم وضوح تعبير اللغة عن الافكار منشؤه الدماغ والذهن.
وعلى نفس منهج ديكارت المثالي يعمد سبينوزا في حكمه على صدق الافكار بمرجعية الاحتكام لله. قوله (معرفة الله هي الاكثر يقينا في كل ما لدينا من معارف, وما عداها من حيث أنها ممكنة نستمدها من معرفتنا الله, أو يمكن على الاقل أن ننظر اليها على ضوء معرفتنا بالله.)3 وهذا نفس المنطلق الذي ارساه بيركلي بعدهما.
هنا لا نريد نذهب بعيدا في وهم حقيقة أن سبينوزا الفيلسوف الكبير لا يفرق بين الافكار وبين الاخلاق عن غير قصدية مسبقة. فهو يعتبر الافكار هو ما يحتويه اللاهوت الديني من مواعظ ورقية لا رصيد لها في التطبيق وهذا ليس مجال التفصيل به. لكن هنا علينا محاكمة صحة الافكار بما يقوله العلم والتجارب المعرفية وليس ما يقوله اللاهوت من مواعظ أخلاقية لا رصيد لها على ارض الواقع والتطبيق.. أفكار تعبيرنا عن الحياة في مناحيها كافة, لا يغني عنها دلالة صحتها بمرجعية الايمان الديني بأفكار الاخلاق. الاخلاق ليست هي كل افكار الحياة التي نتعامل بها. رغم بديهة التسليم أن كل فكر يحتوي أخلاقه الانسانية يكون مقبولا لكن لا يكون ما يحمله من أخلاق مستمدة من الدين تجعله صحيحا يمكننا تطبيق أخلاقيته في كل مجالات الحياة.
أسبينوزا في عباراته السابقة يتماهى مع فلسفة باسكال وبيركلي في محاكمتهم ادراك الوجود بأكمله بمنطق اللاهوت الايماني الديني فما يعجز عنه الادراك ولا تستطيعه اللغة والافكار نجد حلوله جاهزة فيما يقوله اللاهوت المستمد من وحي الله به. فالاخلاق التي تعلو منزلة الافكار المعرفية يكون قبول رفضها أو صحتها هو بالتعالق السببي لها مع الايمان الديني. لكن الاكثر أهمية هو أستحالة تطبيق مانجده صحيحا بأخلاق الدين يكون بالضرورة الحتمية صادقا صحيحا منطبقا على افكار الحياة خارج افكار الايمان الديني.. بمعنى لا يمتلك الانسان ضميرا أخلاقيا بمعزل عن الايمان الديني كما يريده سبينوزا وبيركلي.كما يؤكد جون لوك أن الاخلاق المنطقية تقوم على وجود الله, وأنكار ذلك سيقوض جميع الالزامات الخلقية والمدنية.
لكنما السؤال المحرج الذي يبقى بلا جواب كيف يستطيع من لا يمتلك ايمانا دينيا تمييز افكار واخلاق الصح من الخطأ بغياب مرجعية اللاهوت في دلالة الايمان الديني المنهج الوحيد في ادراك الوجود؟ وما هو معيار الصح والخطا في تفكير الانسان وفي أخلاقه خارج الايمان الديني؟ هل نعاملها بمنهج الوضوح والغموض التي يقول به ديكارت أم يبقى تعطيل العقل عن التفكيرالعلمي بالاجابة هو الحل؟ ما لم يتم التسليم مقدما بالاحتكام الى مرجعية الايمان الديني قبل العلم وقبل الوضوح اللغوي الديكارتي؟
هل من المعقول تصديق فرضية سبينوزا أنه يحاكم صحة وصواب الافكار بمقياس مقارنة زيفها بالايمان الديني معتبرا الاخلاق هي اساس صحة الافكار في كل مناحي الحياة بدلالة لاهوت الاديان.؟ سبينوزا في التماهي مع النزعة الايمانية الديكارتية القائمة على فوبيا الخروج عما كان سائدا في هيمنة الكنيسة المطلقة الرهيبة التي ارعبت ديكارت في محاكمتها غاليلو وأحراق برونو.... ذهب الى الازدواجية العلمية – الدينية بالفلسفة في أعتباره أخلاق الدين هي مصدر ومرجعية كل صواب تفكير ناجح وصائب بالحياة... وبذلك جعل اسبينوزا ميتافيزيقا الايمان هي جوهرالاخلاق وسلامة الافكار معا... سبينوزا كفيلسوف كبير لا يمكن أن يقع بعدم اقراره أن أخلاق الانسان كفكر وسلوك تطورت انثروبولوجيا تاريخيا رغم ما شابه من عصور همجية ألا أن سلوك الانسان المؤنسن بالتعايش مع الانسان من نوعه كان سابقا على ظهور أخلاق الاديان الوثنية والتوحيدية الذي رافق أختراع الانسان الكتابة والتدوين ثلاثة الاف سنة قبل الميلاد... أخلاق الحياة الانسانية سابقة على أخلاقيات الاديان وسابقة على أنها مستمدة من الدين... وبعدما فقدت الاديان الكثير من مرتكزاتها التاريخية اللاهوتية على رأسها (معجزات ) الانبياء التي بدأت الشكوك الجادة تطال نكرانها ولا عقلانيتها , لم يتبق أمام الاديان غير المتاجرة بأخلاق السماء المتعالية جدا على أخلاق رجال الدين الكاذبة على الارض.
من الصحيح الذي لا جدال فيه أن الاخلاق في مرتكزها الايمان الديني تعلو جميع المفاهيم النظرية الاخلاقية الفلسفية وفي علم الاجتماع وعلم النفس الفطرية منها والمكتسبة التي تتماشى مع التطابق المفهومي الاخلاقي الديني. وبغير ذلك يمكننا أعتبار انثروبولوجيا وجود الانسان الى ما قبل ظهور الاديان الوثنية والتوحيدية, كان بلا أخلاق انسانية لا فطرية ولا مكتسبة من تجارب الحياة مهما كانت بسيطة.
الاخلاق فطرة غريزية غير جينية موروثة كان يحملها الانسان بهذا التعبير أو ذاك قبل ظهور الاديان في حياة الانسان. التي لا أحد يفكر اليوم أنها في جوهرها التطبيقي الصحيح لا تعطي الانسان المكانة الرفيعة التي أرادها الخالق له على الارض. ولا من المنطقي انكار حقيقة العديد من عباقرة العلوم في جميع تخصصات المعرفة انجزوا أعمالا خالدة افادت البشرية بما لا يمكن حصره, ولم ينكروا اولويات هرم الاخلاق هي تلك المستمدة من الدين التي لها دور كبير في تماسك المجتمع, لكن لا يعني هذا أن من لم يأخذ باخلاق الدين كان فاقدا الضمير الاخلاقي الرادع عن كل ما هو خارج الاخلاق الانسانية العليا السامية.
لهوامش:
1. وليم رايت/ تاريخ الفلسفة/ صفحات 116, 171



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمات فلسفية في الحياة والوجود
- تحقيب الزمان الارضي والمطلق الكوني
- كيف يكون الزمان الحاضر وهما وحقيقة معا؟
- افلاطون واسبقية المكان في تنظيم عشوائية الزمان
- الذات والماهية في الفلسفة الوجودية
- ديالكتيك الفلسفة الوجودية
- الايمان الديني والعقل
- تموضع الذات في تجريد اللغة
- الماهية والفلسفة
- الموضعة اللغوية في الاشياء
- الوعي بالصفات لا بالماهية
- هل الوعي مادة؟
- الايمان الديني, لايبنتيز وسبينوزا وفيورباخ
- اللغة والفكر في اسبقية الدلالة
- نقد في الفلسفة الغربية المعاصرة
- الكلام وصمت الفكر بالكتابة
- الاسبقية بين الكلام الشفاهي والكتابة اللغوية
- اللغة والفكر واسبقية الدلالة
- اللغة العربية ومصطلح ما فوق اللغة
- تأويلية بول ريكور وشعور السعادة الزائف


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - جون لوك ومثالية المنهج المعرفي