أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - لحظات كريهة في حضرة الموت














المزيد.....

لحظات كريهة في حضرة الموت


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6695 - 2020 / 10 / 5 - 02:10
المحور: الادب والفن
    


# يوم تشريني ،أوائل الثمانينات ،ما هذا ؟ إنَّه أشبه بشريط سينمائي يمر من هنا ، الطرف الأيمن من عيني اليمنى ؛ها أنا في الخامسة من العمر ألهو مع دجاجات جدتي و معي أخي الأكبر مني بسنتين فقط،ها هنا غزال جدّي مربوط تحت ظل شجرة السدر الكبيرة في باحة المنزل..ماذا دخلنا المدرسة معاً ،الوالد يعطينا عشرة فلوس و أحياناً عانتين (ثمانية فلوس) هنا نلعب كرة القدم بكرة صغيرة مضغوطة في الزقاق..مع أترابنا من أبناء المحلة ،الصف الرابع الابتدائي كان صعباً علينا،هنا امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي 58م،يوم الجمعة كنا نلعب في زقاقنا الصغير (كبولة)يوم 14 تموز سمعنا بأخبار الثورة.. صور الزعيم عبد الكريم قاسم في الأسواق و المدارس،كان الجو حار جداً ،و تراب المحلة يشوي بواطن أقدامنا ،اعلان زحف للطلاب الراسبين من مرحلة الى اعلاها بلا إمتحان،من بركات الثورة الفتية..هذه الكلمة الساحرة التي لم نسمع من قبلُ ..الشريط يمر بسرعة هائلة و لكن يعرض أشياء و أشياء بدقّة متناهية لكنّها بسرعة أبولو 11،أو لونا الروسية يقال إنّها لحظة الموت - صحوة الموت - ..إمتحان الصف الثالث الوزاري ؛و دار المعلمين الإبتدائية في بعقوبة بادارة المدير القدير حسين بستانة رجل وقور ذو هيبة إنه شاعر مجيد،لم نتمتع بوجوده المهيب بسبب 8 شباط 1963م حين اعتلى الادارة الشاعر عصام عبد علي ، و من بعده عبد الرضا الفلوجي. وأمر التعيين في قرية دوشيخ،و الخطوبة في بغداد،و الزواج أطفال 1-2-3-4-5-6 السادسة ما أجملها و هي ابنة السنتين و النصف تركتها قبل يومين فقط يا سبحان الله أتذكر طفولتي منذ السنة الرابعة ..الشريط يمر و يمرُّ وهو مكتظ بالمعلومات و الصور و الخواطر الى السفرة أخرج الى خارج البلاد (تركيا – بلغاريا- هنغاريا)..يا إلهي هذه سنوات عمري ..و ها أزيز الطائرات،و هدير المدافع ..والجندي يسحب أقسام بندقيته الرشاشة من نوع (جي- سي) على تلال (كيسكة) ليختم نهاية الشريط الذي لم أجد مثله، آن للشريط أن يصل نهاية الطرف الأيسر من عيني اليسرى ،و أنا في غيبوبة رزينة مع ضيفي : الشريط المتحرك و الجندي المحارب الذي المتهيأ لإعدامنا والجو كتلة من النيران الحمراء من كل جانب .استسلام مطلق للردى على تلك الهضاب التي غدت جحيماً لا مفر من مواجهته ..هي لحظات قلائل و لكنّها طويلة كقصص إحسان عبد القدوس ،و البؤساء لفكتور هيجو ..كلمات محبوسة في الصدر،و تساؤلات عجيبة ما لها بدٌ من الانتحار السريع،هل صحبي الممتدون معي أمام الملجأ لهم نفس المشاعر و الأحاسيس و هم و أنا معهم في ضيافة المنيّة .. لست أدري ؟؟..
استسلم للأمر الواقع مع أصدقائه الأربع،و كان لابدّ من ذلك ،الاستسلام يعني الموت،و عدم الاستسلام الموت أيضاً ،و لم أر هنا فرق بين الإثنين أي الحالتين ..و لكن الموت الثاني أشدُّ وقعاً رغم أنَ فيه نوع من الشموخ و الكبرياء.. و تذكرت في تلك قول الشاعر:
اذا غامرت في شرف مرومِ فلا ترضى بما دون النجومِ
فطعمُ الموت في أمر حقيرٍ كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ
و لكن يختلف الأمر هنا فنحن ضحايا طاغوت أهوج.لا يعي عواقب الأمور..
استفاق من تلك الهنوة..و نظر الى الجندي الغاضب و تتطاير شرار من عينيه المثقلتين شبه حمراوين من السهر و التعب ..و هو ماسك بندقيته بقوة.
إذاً ضغطة خفيفة على زناد جي سي يقضي على عمر مداه 32 سنة 17 منه يعلم الصغار ليكونوا أعضاء نافعين للمجتمع ..إنها مهزلة ..و أية مهزلة ،هباء في هباء..نزوة طاغوت أهوج،وزناد هائج ،و الروح رخيصة بين الإثنين ،ماذا يريد أن يقول د.علي الوردي ،و ما هي تحليلات دايلي كارنيجي ،و د.علي شريعتي،ومحمد فتحي ،و لقمان الحكيم ؛في هذا الوضع المزري !!..أين أنت يا افلاطون لكي تفهم من لا يفهم الغاية من الحكم ..تعالَ هنا ابنِ جمهوريتك العظيمة .. بين سيقان طائرة ،و رؤوس مهشمة ،و أمعاء نازفة ،و عيون مفقوءة .. و أنظار لا ترى الا صواعق الموت .. و الردى مرفرفاً على الرؤوس بلا حياء، و يهلهل الطاغوت في برجه العاجي بكل وقاحة (اتبع يا حوم اتبع لو جرينا) ثم يتغذى لحم الغزلان،تتبعه سيكارة هافانا ..و المشروب الراقي الذي نجهل حتى اسمه ..
تعال هنا أيها الوحش الجبان المختفي تحت سروال الجنرال ،و بين سيقان الغواني ..و هو يعلم جيداً بأنّ الهوسات (العزيز انت) من حناجر المساكين المرغمين على ذلك ما هي استهزاء به،و سخرية منه،لأنَّه لا يملك من الحكم الا البطش اللامتناهي و القسوة النادرة ضد أبناء جلدته ..و هو الهزيل من معالم الحضارة و الانسانية ،و الهزيل جداً بادارة البلاد.
فاذا بصوت خفي من الأعماق نادى:
- وداعاً يا سنوات عجاف..مع عتاة ..طغاة .. و الحياة في ظلهم موت ثقيل بطيء ..رفع بصره الى السماء الفسيحة..و رفة الرموش تحمل أسفاراً من معان كثار ..و الرموش تصرخ بلغة خاصة :تباً لكل جبار معتوه ..
وداعاً يا بلادي العزيزة..وداعاً يا أبنائي الصغار الست ..وداعاً لكل شريف أصلاً و أخلاقاً ..أذكرونا إذا ما تنعمتم بحاكم شريف يهوى شعبه و بلاده أكثر من نفسه و عياله!!أذكرونا حين ترفرفُ الحمائم فوق سعفات النخيل ..أذكرونا حين تداعبُ زرقة السماء مياه الرافدين .



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أولاد و نبال
- عشائر مندلي1
- الكورد الفيليون ونجم الفيلي
- الثقافة بين الذات و التطبيق
- سوسم اوغاريت في مندلي
- دوستويفسكي والإنسان
- من الأدب العالمي / بوشكين
- موسوعة مندلي / 178الشهيدة
- موسوعة مندلي /176ظمأ
- موسوعة مندلي /177خان
- موسوعة مندلي /175تباريح
- موسوعة مندلي / 174 الكورد الفيلية
- موسوعة مندلي /172الجلبي
- موسوعة مندلي /172 باب الأزج
- موسوعة مندلي / 171 قصص3
- موسوعة مندلي/170 درويش
- موسوعة مندلي /169قصص2
- شخصيات فيلية /8 نوزاد
- شخصيات فيلية /9منير
- موسوعة مندلي / 166 أضواء 1


المزيد.....




- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة
- غزة في المتحف العربي للفن الحديث عبر معرض -شاهد- التفاعلي با ...
- بجودة عالية الدقة HD.. تردد قناة ماجد 2024 وشاهد الأفلام الك ...
- استقبل تردد قناة MBC2 على جميع الأقمار الصناعية لتستمتع بأفض ...
- كيف استغلت مواهب سوريا الشابة موسيقى الدراما التصويرية في ال ...
- -فنان العرب- محمد عبده يعلن إصابته بالسرطان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - لحظات كريهة في حضرة الموت