أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حاج في دبي، نعمة أم نقمة















المزيد.....

حاج في دبي، نعمة أم نقمة


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6687 - 2020 / 9 / 25 - 04:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حاج في دبي ، نعمة ام نقمة
ستبقى زيارة وفد بنك لئومي الاسرائيلي، الى دولة الامارات العربية المتحدة، علامة فارقة وحاضرة في اذهاننا، نحن المواطنين العرب في اسرائيل، كلما جيء على ذكر توقيع اتفاق التطبيع الامارتي؛ وذلك ببساطة لأن من ترأس وفد كبار رجال الاعمال الاسرائيليين كان الفلسطيني/الاسرائيلي الدكتور سامر حاج يحيى، ابن مدينة الطيبة التي في منطقة المثلث، وبصفته الرئيس المنتخب لمجلس ادارة هذه المؤسسة المصرفية الصهيونية العريقة.
لقد أثار انتخاب الدكتور سامر لمنصبه الهام، قبل أكثر من عام، نقاشًا متواضعًا، سرعان ما انطفأ وطويت صفحته في مشهد يؤكد، مرة أخرى، على أن "المجتمع العربي في اسرائيل" يعيش حالة من "فوضى الهويات" والتيه، حتى لم يعد صعبًا، على من يدقق في واقع الناس وتحرّكاتهم، أن يرى كيف يقفون وقد مسهم اللبس، على ناصيات عدد من المفارق، وبينها طبعًا "المفرق 48"؛ لكنه ليس وحيدًا.
لن تنتهي مناكفاتنا الداخلية عند تخوم دبي ولا في مياه البحرين؛ فهي لم تبدأ أصلًا مع توقيع هذين الاتفاقين ولا بسببهما؛ ولكن رب ضارة نافعة، فقد تقربنا تداعياتهما الى ما طالبتُ به منذ سنوات، وتجبر أولي الامر في مجتمعنا على اعادة حساباتهم بواقعية وبجرأة وبوطنية صادقة، فعساهم يتفقون على مجموعة مساطر واضحة ومقبولة، سيكون من شأنها أن تهدي المواطن الحائر، اذا ما اشتبك "الفردي" لديه "بالعام"، الى بر الأمان ؛ أو أن تحثهم من أجل وضع خارطة تحدد للمواطنين الأنقياء والعصاميين "حدود الاندماج" في أروقة الدولة، فنحن نعيش في واقع سياسي واجتماعي واقتصادي متحرك بشكل دائم.
لقد كان واضحًا أن إصرارنا المحقّ على نيل كامل حقوقنا المدنية من الدولة، سيفضي تلقائيًا الى نشوء خلافات حادة، خاصة بين من يمارسون مواطنتهم بشكل طبيعي ويومي وعصامي، وبين أولئك الذين يخفون مواقفهم الحقيقية ازاء مكانة الدولة وازاء مؤسساتها، أو من بقوا أسرى لقوالب عقائدهم السياسية التي بنيت على انقاض النكبة؛ فحياتنا، بعد سبعين عامًا من المواجهات والبقاء، أصبحت أكثر تعقيدًا وتشابكًا مع مؤسسات الدولة؛ وزيادة عددنا الى ما يقارب المليونين، لم يمد أحفاد المستعمرين الأوائل بمزيد من "الحطابين وسقاة الماء" بل على العكس تمامًا ؛ فقد كبرنا وكبرت انجازاتنا ولم نعد مجرد حفنات من رخويات تخشى لسعة الشمس وغرزة المخرز، ولا عكاكيز تُغمز بأرجل مخاتير من خشب باعوا ضمائرهم على وليمة منسف.
لم تغب حتمية حدوث هذا التصادم عن بال قيادات مجتمعنا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فقادة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، فيما بعد، ومعهم عدة قياديين وطنيين وشخصيات مستقلة وازنة، كانوا يناضلون من أجل نيل حقوق المواطنين العرب ومن اجل مساواتهم التامة في دولة طالبوا أن تكون لكل مواطنيها؛ وبالمقابل كانوا يديرون الصراع على حقوقهم القومية بوسائل لم تفرغ نصف المعادلة المدنية من مضامينها ولم تلغ نجاعتها؛ فهم، من خلال انتقاء الشعارات والبرامج السياسية المناسبة من جهة، وبناء الاطر الحزبية والحركية الملائمة من جهة أخرى، نجحوا باقامة التوازن القيادي الضروري والسليم، فكانت مبادرة بناء "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" ومعها "لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية" و"لجنة متابعة شؤون الجماهير العربية" وغيرها من اطر نقابية وحرفية وطلابية ونسائية - كانت تجارب رائدة وقفت في وجه سياسات اسرائيل واضطرتها الى تغيير بعض ممارساتها العنصرية نحو المواطنين العرب، خاصة فيما يتعلق بسياسة التعليم والتوظيف والاقصاء الجمعي والعشوائي، واستبداله، في بعض القطاعات، بسياسة ايجابية انتقائية استهدفت رعاية بعض الشرائح والنخب ودعم تطورها مدنيًا واقتصاديًا،كما جرى ويجري أمام أعيننا.
لم يفاجئني صديقي محمد عندما سألني: يعني أما زلت متحمسًا ومباركًا لتبوأ د. سامر حاج يحيى لهذا المنصب؟ وذكّرني بمقالة كتبتها بعد انتخابه رئيسًا للبنك، تناولت فيها بعض تعقيدات حياتنا في اسرائيل وقلت: "يرمينا واقعنا الاسرائيلي في كل يوم بمعضلات هي افرازات طبيعية لحياتنا المركبة؛ وقد تكون رئاسة مواطن عربي لادارة "البنك القومي الاسرائيلي" واحدة من تلك المعضلات". ثم أردفت قائلًا: "انا شخصيًا لا أراها كذلك، ولن اتردد بتهنئة د. حاج يحيى على جميع منجزاته وتفوقه، وآخرها فوزه بالمنصب، وهو منصب رفيع وحساس ومؤثر ولا يشبه ما سبقه من تعيينات." لم أندم على تهنئتي للدكتور سامر حاج يحيى، فأنا لم اعتبر فوزه "انجازًا تاريخيًا لمجتمعنا العربي"، لكنني، رغم ذلك، اعتبرت أن فوزه بالمنصب "يعدّ تاريخًا، صنعه فرد مميز يستحق أن نبارك له انجازه الشخصي الكبير". لكنني، مع ذلك، اعي وجود اشكال في تصرف الدكتور حاج يحيى الفردي، فاستعماله لحقه الشخصي قد يتناقض وواجبه تجاه مجتمعه، خاصة بعد ان صرح انه عاد الى الطيبة من الغربة كي يضمن مستقبلا افضل لاولاده، ولا أظنه قصد مستقبل اولاده دون مستقبل الآخرين من أولاد مجتمعه.
لنترك قضية الدكتور حاج يحيى، ولنفكر بعقلية مواطن صالح كدح لسنين طويلة حتى يؤمّن لابنته، وضحى، فرصة لتتعلم الطبابة. أرسلها وراح ينتظر بحرقة لمدة ثمانية أعوام، فعادت اليه طبيبة ناجحة بامتياز ؛ فحلم، وهو يحتضنها، بأن تصبح نطاسية يشار اليها بالبنان، فصارت؛ فطمح بأن ترأس القسم الذي تخصصت، فرأسته؛ فصلى.. فاصبحت علمًا تتسابق عليها المنصات العالمية ، وعضوة في ارقى المنتديات العلمية وسطع نجمها بين الامم؛ فهل نؤنبها ونخوّنها لأنها قبلت أن تجلس على مقعد وأمامها علم دولتها اسرائيل؟ وهل نوبخ أباها لانه لم يحسن تربية ابنته فاسمها العربي يضيء الشاشات ولكن بعده يكتب: عالمة من اسرائيل؟
استطيع أن أغرق القراء بكم هائل من هذه الامثلة، فالمتفوقون من أكاديميين وحرفيين ورياضيين وتقنيين يملأون قرانا والمدن وقد تم استيعاب بعضهم في عدة وزارات ومؤسسات وشركات رائدة، وتبوأوا فيها أعلى المناصب وذلك رغمًا عن كونهم عربًا. فلماذا لم نواجه هذه الحالة في الماضي؟
لم ننتبه في الماضي لوجود هذه الحالة لأنها لم تكن موجودة فعلًا، وذلك بسبب عنصرية الدولة؛ فاسرائيل ومنذ قيامها لم تحتمل أن يمثلها مواطن عربي حتى لو كان فذًا في مجاله وفريد عصره، وقد تحكمت اجهزتها، خاصة جهاز الشاباك، بسياسة قبول الطلاب العرب للجامعات، لا سيما في كليات الطب والهندسة والقانون، فكانت اعداد الطلبة العرب المقبوله في تلك الكليات قليلة ومحدودة وفرص انخراط الخريجين منها في مؤسسات الدولة ضعيفة أو معدومة؛ هذا علاوة على اغلاق عدة كليات جامعية او معاهد تدريسية عليا ونخبوية، مثل معهد فايتسمان، في وجه المواطنين العرب.
اذن "للحقيقة وجهان" واحد نستطيع نحن المواطنين العرب رسم ملامحه والآخر يبقى تحت "رحمة" الدولة، فعندما كانت علاقتنا بالدولة وعلاقتها بنا تراوح بين احتمالين، كانت خياراتنا بسيطة وواضحة، ولكن عندما تعددت الفرص وفتحت الدولة، كما طالبنا، بعض مساماتها أمامنا، صارت الامور اعقد والمعضلات كثيرة؛ وفي غياب حلول لها، اصطدم بها الافراد بانفسهم.
من تفاجأ أو استفز من زيارة الدكتور حاج يحيى لدبي ستميته المفاجاءت القادمة أو سترهقه؛ فقضيتنا لم تولد مع فوز "الحاج" بمنصبه في "بنك لئومي" ولن تنتهي اذا استقال منه او اذا لم يذهب للزيارة أو لم يشارك في غيرها؛ مشكلتنا كبيرة ولا تنحصر في سلوك فرد قيّض له النجاح الشخصي بسبب تفوّقه وتميّزه؛ فنحن نواجه حالة شاذة، تعريها احيانا نجاحات أولئك الاشخاص، وهي قد ولدت من رحم المواطنة نفسها، وكبرت منذ طالبنا باسم المواطنين بتخصيص وظائف تساوي نسبتنا من تعداد سكان الدولة، فحينها استشعرت وجود مشكلة وكتبت: "ماذا نريد ومن يملك تحديد المساطر وتوزيع المماحي والبيكارات؟ اين حدود المسموح وما الممنوع؟ أتريدون حقًا وظائف تساوي نسبة عددنا من سكان الدولة في كل وزارة ودائرة وشركة وجهاز ومحفل ؟ وهل يجب أن نناضل من أجل استعادة كراسينا المسلوبة في شركات الدولة أو في هيئة موانيء اسرائيل ومصلحة الضرائب والجمارك وهيئة البترول والغاز والبورصة وبنوك اسرائيل ؟".
صرخت وضاعت صرختي في واد. لم يرِث أحدٌ جيلَ الكبار وتعاقبت الاجيال من دون رعاة وقادة، وبقيت الاسئلة القديمة عالقة تنتظر الخلاص، فمن يقرر ماذا ؟ ومن يضع قواعد الاشتباك بين الفردي والعام ؟ ومن يرسم حدود الاندماج ؟
قد لا يأتينا الفرج قريبًا، ولكن ذلك لا يعفي قامة مثل د. سامر حاج يحيى من ان يبادر كقدوة ويرسي سابقة، فيعمل من اجل مؤسسته باخلاص، ويمثل، في نفس الوقت، قضايا مجتمعه ويدافع عنه من على كل منصة ومنبر. عليه ان يجد الوسيلة، فاذا فعل هو ذلك وفعل مثله الآخرون فقد تصبح ريوع المواطنة بركة لعامة الناس والمجتمع، لا أرصدة شخصية في حساباتهم الشخصية وحسب.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -طوبى لصانعي السلام- أريد مسيحًا يسعفني
- ويبقى السؤال كم مرة ومن قتل يعقوب ابو القيعان؟
- عندما يصيب -كوفيد15- رئتي القائمة المشتركة
- عندما اعتدت شرطة نتنياهو على رئيس الشاباك
- اتفاقية اسرائيل-أبو ظبي ونهاية حلم الامة الواحدة
- كيف سرق قاضيا المحكمة العليا دولتهما، إسرائيل؟
- عندما تذكر الشاعر بيروته
- في القدس، في يبوس،لا ينام الزمن
- حروب الطحينة أولًا، وبعدها حروبنا مع الكورونا
- مبروك عليكم -الستاتيكو-.. وكفكم على الضيعة
- صوت التاريخ يجب ان يسمع
- صفقة بيع أم خطوة على طريق التصفية الكبرى
- العنف باق في مجتمعاتنا
- بيرني ساندرز نجم مظاهرة تل-ابيب، ضد الاحتلال
- أهل فلسطين بحاجة الى الأمل
- كما كان يجب أن يكون والأسرى أولًا
- تطبيع وفوضى ومكان
- الدروز في اسرائيل، خطاب جديد
- قضية بين جائحتين: جهل ونكبة
- إسرائيل الجديدة، وتحدياتنا مع حكومة الرأسين


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - حاج في دبي، نعمة أم نقمة