أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - خطورة الاكتفاء بالضمير الديني!















المزيد.....

خطورة الاكتفاء بالضمير الديني!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 6685 - 2020 / 9 / 23 - 13:41
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لا أقصد هنا اللجوء للضمير الديني لتوجيه المرء لصلاح نفسه وخدمة المجتمع؛ ولكنني أعني الاكتفاء بالضمير الديني وجعله الحاكم والمتحكم في سلوكيات الفرد أو الجماعة أو المجتمع أو السلطة، تنفيذية أو قضائية أو تشريعية!
الضمير الديني ليس بالضرورة مصنوعا في السماء، أو تُحركة إرادة عليا فأي شخص يمكنه الاستعانة به لأغراض دنيوية دنيئة ثم الزعم بأن السماء راضية على أفعاله، كالمجرم القاتل أو المُغتصب الذي يقف أمام القاضي مُدعيا أنه أتىَ إلى المحكمة وبصحبته الله، ليشهد على صحة أقواله.
كل تجار المخدرات يشكرون الله لأن البضاعة وصلت سليمة، بل إن بعضهم يدفع رشوة إلى السماء لأنها، على حد زعمه أخفته عن رجال الأمن، فيُسْكِت ضميرَه الديني الهشّ بمساعدة بعض الفقراء والمساكين وإقامة موائد الرحمن!
الضمير الديني قد يكون مناهضا للدين وفاتحا المجال لكل الشرور مع صبغة مقدسة ومظاهر خادعة والاستشهاد برب العباد.
إذا أراد ديكتاتور سادي وفاشي تمرير جرائمه من بين صيحات الاستحسان التي يطلقها الساذجون من رعيته فإنه يرتدي مسوح الرهبنة( إسلامية أو مسيحية أو يهودية) فجان بيدل بوكاسا أراد الحصول على تصريح من بابا الفاتيكان ليًسْكِت المؤمنين في جمهورية أفريقيا الوسطى، ثم اقترب من الإسلام ليمد يده في جيب العقيد معمر القذافي، لكن العلمانية أيضا دعمته فرنسيا بنفقات تنصيبه إمبراطورا.
أنت قد تؤمن بالله وتصلي في مسجدك أو كنيستك أو معبدك فتظل في دائرة السلوكيات المفيدة لك ولمجتمعك عندما يحركك ضميرك الاجتماعي حينما تمارس شعائرك الدينية؛ ولكن إذا كان اللجوء شبه الوحيد للضمير الديني فثغرات سلوكياتك اليومية تتضاعف وتزداد وتتوسع، فكل لص وطاغية وقاتل وإرهابي لن يجد صعوبة في البحث في أسمىَ الآيات عن تبرير لأعماله المشينة.
الخطورة في الضمير الديني أن المحكمة قد تُعقد بعد مئة عام أو ألف أو مليون، بل يمكنك أن تتوب أرضيا ظنا منك أن القضاء السماوي لن يعقد جلساته، فالتوبة كلمات وصلوات وأدعية بعدما تكون قد آذيت أو سفحت أو قتلت أو سرقت النفس التي حرم الله.
الضمير الديني يظن أن الاغتسال والصلاة والبخور وقليل من الصدقات يهيل التراب على جريمتك، لكن الضمير الاجتماعي يربطك بكل ما حولك، ولا يشغلك بالفروقات العقائدية والمذهبية ولا يُفرّق بين الذكر والأنثى.
الضمير الديني يُربك حياتك في إدخالك نفق الحرام فقط، وكلما أتت أمُّةٌ أضافت للمحرمات قناعاتها الجديدة مع مزجها بأقوال أناس أكلهم دود الأرض، والضمير الاجتماعي يعاملك كإنسان يخطيء ويصيب ويُعاقَب ويُكافَـأ وصراطه المستقيم هو احترام قوانين ذكية وعادلة وصالحة ومتقدمة ونهضوية لا تطلب شهادة موثقة بالقداسة من باعة الأديان وتجار العقائد.
أتذكر الشاب المهذب السعودي الذي تعرفت عليه منذ سنوات في مدينة الطلاب هنا في أوسلو. جلسنا في كافتيريا فطلبتُ مياه غازية وطلب هو زجاجة بيرة. ذهب الظن به أنني خجل منه فقلت له: أنا لم أرتشف نقطة خمر طوال حياتي في أوروبا، لكنك حُرٌ فيما تفعل!
تعجب وقال: لكنك تعيش في دولة اسكندنافية ولا أراك ملتحيا أو تُزيّن جبهتــَـك زبيبةُ صلاة، هل أنت خجل مني لأنني قادم من مكة المكرمة؟
قلت له: إن الله في السعودية هو الله في النرويج، فبُهتَ الضيف و.. لاذ بالصمت.
الضمير الديني يرى الخطيئة في المرأة والجنس فيرتكب الحرام في الخفاء، وأكثر جرائم الجنس والتحرش بالأطفال تجدها في مجتمعات تُغطي نفسها بالضمير الديني والنواهي والأوامر والمحرمات، وأنا عني شخصيا لو خُيرّت بين ترك طفل بمفرده مع رجل دين في معبد أو في غرفة مغلقة أو بين تــَرْكـــِه مع حشّاش أو مجرم بلطجي فلن أتأخر عن الاختيار الثاني، فالأول يضع الشيطانُ أمامه حسابا بعد الموت وسيتوب عنه قبل حضور حفّار القبور، والثاني يضع هو أمام نفسه صورة المجتمع والأهل وأطفال جيرانه والتحضر والتمدن حتى لو كان مقيما دائما في غرزة مخدرات.
الضمير الديني قد لا يقبل توبتك أو استغفارك أو ندَمَك فيقطع رقبتك على طريقة داعش وبوكوحرام وشباب الصومال وطالبان، والضمير الاجتماعي تُحركه أنظمة وقواعد وقوانين وأحكام.
الضمير الديني لا يخجل من القسوة والوحشية وجزّ الرقبة، ومن استعباد الأفراد والجماعات، ومن تجارب الإبادة على الشعوب.
هكذا فعل كريستوفر كولمبس في العالم الجديد باسم الدين حتى أن ملكة إسبانيا رفضت هديته المكونة من أرقاء تمخر بهم سفن اللصوص عباب البحر، فجريمته أغمض الضمير الديني عينيه عنها، ونفس الجريمة أيقظ الضمير الديني للملكة ضميرها الاجتماعي فرفضت. طبعا من الصعب الدخول في تفاصيل الدين والمجتمع في تلك الفترة فقد دفع المسلمون واليهود ثمنا باهظا، ودفع المسلمون والمسيحيون ثمنا باهظا أيضا في فلسطين المحتلة بعد خلط الضمير الديني بالفكر الاستعماري وزعم وعد الرب أنه يُقرب إليه الاحتلال.
خلافات واختلافات المهاجرين تزداد شراسة إذا استعانوا بالضمير الديني، فتنبت الطائفية والكراهية والجهل بالتاريخ والاستعانة بكتب مقدسة، ويقف في المقدمة الاستعلاء والظن أن بعضهم من الفرقة الناجية أو من شعب الله المختار أو من الجنس النقي والدماء الزرقاء وربطها بأحقية الاستعمار.
لم يكن لدىَ الضمير الديني مانع أن يُصلي جنوب الأفريقي الأسود في كنيسة للواقعين تحت الاحتلال ويرفعون أدعيتهم لمسيح اسمر، ويرتدي البيض ملابس أنيقة يوم الأحد وينتظرهم كاهن ليؤدي مع قُداسا أمام مسيح أبيض البشرة، وربما أزرق العينين.
الضمير الديني للمسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والكونفشيوسي والهندوسي يبرر بنفس القدر الذي يستعين به سُنّي وشيعي إذا اختلفا في إيران والعراق ولبنان، أو بروتستنتي وكاثوليكي في بلفاست إبان الحرب الأهلية.
إبادة المسلمين في الجزائر من الكاثوليك الفرنسيين، كإبادة الروهينجا من البوذيين كإبادة الأرمن من المسلمين كإبادة البوسنيين المسلمين من الأرثوذوكس الصرب كإبادة الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين من الصهاينة المستعينين بكتب اليهود.
هشاشة الضمير الديني لم يجعلني يوما واحدا أبتعد عن الله والدين والتعاليم، لكنني لا أثق بمن يحاكمني انطلاقا من فهمه للدين.
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 23 سبتمبر 2020



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة من مصري لابنه شهيد ثورة يناير!
- عبقرية الديكتاتور الفاشي!
- قاطعوا إسرائيل و.. لا تقاطعوا الإمارات!
- الإنصات لأنفاس الأرانب!
- هل تريد أنْ تربح رضا الرئيس؟
- كورونا والسجناء وأوهام الأمل الكاذب!
- معاناة الجيل الأول مع وطن غادروه!
- فيروس كورونا يرفع الحصار عن قطر!
- رؤيتي للرئيس السيسي!
- متى بدأ المصريون يكرهون القراءة؟
- الفضيلة أن نقتل جميع النساء!
- عبقرية المصافحة بين الرجل و .. المرأة!
- تمنياتي لسوزان مبارك بالشفاء!
- ماذا لو كان عبد الناصر؟
- كلمات غضبٍ عن مقارنات الإسلام والمسيحية!
- معجزة السيسي بدون منازع!
- الخِطابُ الجنازة!
- أسباب الفشل المؤقت للإطاحة بالسيسي!
- رسالة حُب من مصري مؤيد للسيسي!
- رؤيتي لمحمد علي!


المزيد.....




- فوائد التدليك العلاجي للجسم
- نسخة صينية مقلدة من شاحنة ماسك المثيرة للجدل
- Beats تعلن عن سماعاتها الجديدة
- وسائل إعلام: خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات تتعلق بانعقاد ...
- بنما: إغلاق صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة والرئيس السا ...
- قيادي كبير من حماس: النصر قاب قوسين أو أدنى وسننتصر ونهدي ال ...
- مصارعة الثيران: إسبانيا تطوي صفحة تقليد عمره مئات السنين
- مجازر جديدة للاحتلال باستهدافه 11 منزلا برفح ومدرسة للأونروا ...
- الجراح البريطاني غسان أبو ستة يتحدث عن المفاجأة الألمانية في ...
- العثور على جثث يُشتبه أنها لأستراليَين وأميركي فقِدوا بالمكس ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عبد المجيد - خطورة الاكتفاء بالضمير الديني!