أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]9















المزيد.....

شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]9


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6682 - 2020 / 9 / 20 - 15:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ديباجة زرادشت
[9] نام زرادشت طويلاً، ولم يمُرّ على وجهه نور الفجر فقط، بل وضياء الضحى أيضاً. لكنّ عيناه انفتَحَتا أخيراً، مندهشاً نظر زرادشت إلى الغاب من حوله محدّقاً في السكون، مندهشاً نظر في دخيلة نفسه. ثمّ نهض بسرعةٍ مثل بحّارٍ تَراءَت له اليابسة فجأةً، وأطلَقَ صيحة فَرَح، إذ رأى حقيقةً جديدة. وهكذا خاطب قلبه:
((لقد أُنيرَت بصيرتي: إنني بحاجة إلى رِفاق، وإلى أحياء _لا أمواتاً وجُثَثاً أُجَرجِرها حيث اشاء.
بل رِفاقاً من الأحياءِ أحتاج، رفاقاً يتبعونني لأنّهم يريدون أن يتبعوا أنفسهم_ وإلى هناك حيث أريد.
لقد أُنيرَت بصيرتي: ليس إلى الشعب ينبغي أن يتكلّم زرادشت، بل إلى رفاق! ليس راعيَ قطيعٍ وكلباً ينبغي أن يصير زرادشت!
أن أستميل الكثير إلى الخروج عن القطيع _ ذلك هو العمل الذي جئتُ من أجله. وسيبغضني عندها الراعي والقطيع: لصّاً سيسمّي الرُّعاةُ زرادشتَ.
رُعاةً أقول، لكنهم يدعون أنفسهم بالصالحين والعادلين. رُعاةً أقول، لكنّهم يدعون أنفسهم مؤمنين بالعقيدة الحَقّ.
انظرْ هؤلاء الصالحين والعادلين! على مَنْ يحقدون أكثرَ من أيٍ كان؟ على ذلك الذي يكسر ألواح قَمهم القديمة، المخرّب، المجرم _ لكنّ ذلك هو المُبدِع!
أنظر إلى المؤمنين من كلّ عقيدةٍ! على مَنْ يحقدون أكثرَ من أيٍ كان؟ ؟ على ذلك الذي يكسر ألواح قَمهم القديمة، المخرّب، المجرم _ لكنّ ذلك هو المُبدِع!
رِفاقاً يريد المُبدِعُ لا جُثَثاً، ولا قطعاناً ومؤمنين أيضاً. رفاق إبداعٍ يريد المُبدِع، يخُطّون قيماً جديدة على ألواح جديدة.
رِفاقاً يريد المُبدع ومشاركين في الحَصاد، إذ كلّ شيءٍ لديه ناضجٌ للحصاد. لكن تنقصه المائة مِنجَل، لذلك هو يقتلع السنابل اقتلاعاً ويستشيط غيظاً.
رِفاقاً يريد المُبدِع، وأولئك الذين يعرفون كيف يشحذون مناجلهم. مخرّبين سيدعوهم الناس ومستَهزئين بالخير والشر. لكنّهم هم الحاصدون والمحتفلون بالعيد.
رِفاق إبداع يريد زرادشت، رِفاق حصاد ورِفاق احتفال بالعيد يريد زرادشت: ما الذي سيصنعه مع القطعان والرُّعاة والجثث؟!
أمّا انتَ يارفيقي الأول، فلتَصحَبكَ السلامة! ها قَد دَفَنتكَ جيداً في جذع شجرتك الأجوف، وخَبّأتكَ كما ينبغي عن الذئاب.
لكنني الآن أتخلّى عنك، فقد انقضى الوقت. فيما بين فجرٍ وفجرٍ ظَهَرَت لي حقيقةٌ جديدة.
لا راعٍ ولا حَفّارَ قبورٍ ينبغي عليّ أن أكون. لن أريد حتى التكلّم إلى الشعب، وإنّ هذه لآخرَ مرّةٍ أتحدّث فيها إلى ميّت.
أريد أن أنضمّ إلى المُبدعين والحاصدين والمُحتَفلين بالعيد: أريد أن أريهم قوس قُزَح وكلّ درجات سُلَّم الإنسان الأعلى.
للنُسّاك المتوحّدين سأغنّي نشيدي وللوحيدين داخل الاجتماع، ومَنْ له أذنين بَعدُ لكلّ خارقٍ عجيب أريد أن أثقل قلبه بسعادتي.
إلى هدفي أسعى، وفي طريقي أمضي، وسأقفز فوق جميع المتردّدن والمتلكّئين، وليَكُن مُضِيّي انحدارهم وأفولهم إذاً!
########################
يستيقظ زرادشت متأخّراً بعد الفجر، بل بعد "الضحى" _أي أنّه استيقظ في الظهيرة. لكنّه يقول "لقد أُنيرَت بصيرتي"، وقد حدث ذلك بين فجرٍ وآخر. بعبارةٍ أخرى، ترائت هذه الحقيقة له قبل أن ينام (على مستوى الإدراك والتبصّر أو التأثر الجسدي)، ولكن عند الظهيرة فقط ترائَت له الحقيقة الجديدة واستطاع استيعابها والتفكير فيها.
كما هو الحال مع جوعه، يحاول زرادشت باعتباره الكائن الروحاني الواعي فهم واستيعاب الحقائق التي يعرفها جسده مسبقاً، بالمعنى الأوسع للكلمة. لاتتمثّل مهمّة الأشكال الإنسانية العليا بالعودة إلى الأشكال الحيوانية، ولا الابتعاد عن الحيوان تماماً، بل إعادة تنظيم الكائن الروحي وتوافقه مع الجسد الحيواني.
لأسباب مختلفة، يعتبر الفجر مع الظهيرة (مع الشفق ومنتصف الليل على حدٍّ سواء) جانبين مهمّين عبر مختلف أنحاء الكتاب كَلَحظَتَيّ انتقال/تحوّل وإدراك.
قرّر زرادشت أنّه لن يتحدّث بعد الآن إلى الناس بشكل جماعي ولا إلى الموتى (فهو يشير إلى أنّ جميع هؤلاء قد يكونون من نفس الفئة). وبدلاً من ذلك، إنّه "يريد رِفاقاً أحياء"، فهؤلاء الرفاق لن يستمعوا إلى تعاليم زرادشت ويتعلّمونها فحسب، بل سيُصبحون هم أنفسهم مدمّرين (للأنظمة والقيم القديمة السائدة، إنّهم "مستهزئين بالخير والشر"، و"حاصدون") الصورة شبيهة بالسحابة المظلمة التي تحتوي على تراكم هائل للطاقة التي ستنبعث على شكل رعود وصواعق، كما أنّها يجب أن تذكّرنا بالمخلّصين من الماضي الذين تمّ ذكرهم في الديباجة، القسم الرابع.
كما أنّهم "محتفلون بالعيد" (أي يحتفلون بالحصاد، وذلك أيضاً مَديحٌ للأرض).
وهم مبدعون يخطّون قيماً جديدة على ألواح جديدة بعد كسر الألواح القديمة لذلك سيسمّونهم: مخرّبين، مجرمين. انظر كتاب "العلم المرح"، الكتاب الأول، الشذرة4: ((إنّ العقول الأكثر قوّةً والأكثر خُبثاً/شَرّاً هي التي ظلّت إلى حدّ الآن تدفع بالبشرية نحو التطور: على الدوام ظَلّ هؤلاء يشحذون جُذوة الهِمَم الغافية –كل مجتمع مرتّب يخدّر الهِمَم- هؤلاء لا يكفّون عن إيقاظ روح المنافسة والتناقض والرغبة في ما هو جديد وجسور وما هو غير معهود، ويرغمون الناس على مقارعة الرأي بالرأي ومواجهة أمثلة نمطية بأمثلة نمطية أخرى...)) وفي كتاب "الفجر1"، الفقرة 20: ((فَعَلَة أحرار ومفكّرون أحرار: كل من قام بقلب القانون الأخلاقي القائم ظَلَّ إلى حَدّ الآن يُعتَبَر إنساناً سيئاً، لكن عندما تغدو من بعدها إعادة بسط ذلك القانون أمراً غير ممكن وعندما يتعوّد الناس على الأمر المَقضيّ يشرع ذلك الاعتبار في التبدّل شيئاً فشيئاً، _إنّ التاريخ قائمٌ كلياً تقريباً على هؤلاء الناس السيئين الذين يكرّسون أناساً صالحين فيما بعد)).
من هنا جاء العنوان الفرعي للكتاب (كتاب للجميع وليس لأحد)، الكتاب مُتاحٌ لأيّ شخص يمكن قرائته _علاوةً على ذلك، فهو ليس كتاباً تقنياً أو غامضاً بشكلٍ مُتَعَمّد_ ومع ذلك فإنّ الجمهور القادر على فهمه وهضمه، ومن ثَمَّ تغيير نفسه وتحويلها من خلال هذا الفَهم، لَمْ يوجَد بعد.
ينتهي الفصل بزرادشت مستخدماً نفس عبارة الفعل المعقّدة hinwegspringen über "سأقفز فوق" التي استخدمها من قبل فيما يخصّ المهرّج. هل زرادشت مهرّجٌ هو نفسه؟!!!... يرتبط هذا السؤال ارتباطاً وثيقاً بالسؤال الذي طرحناه في القسم السادس المتعلّق بالشفقة. إذ يجب أن يصبح زرادشت على استعداد "للقفز فوق كل المتردّدين والمتلكّئين" دون شفقة، أولئك الذين يغرقون/ يأفلون عند محاولة العبور. إنّ منحه للحكمة لا ينبغي أن يجعل منه "عُكّازاً" يتّكئ عليه كل مَن يتّبعه (الكتاب الأول، القسم6، "المجرم الشاحب"). يجب أن يصبح المخادع الجاد، الشخص الذي يعطي الإنسان المعنى الذي هو الإحساس بالأرض والوفاء لها.
عند نهاية القسم القادم يبدأ زرادشت بالأفول أو الانحدار، وندرك من هذه الحقيقة أنّه لايَعفي حتى نفسه من هذا الاختبار (تعود شخصية المهرّج في الكتاب الأول، القسم الثالث). كما انّ اختبار الشفقة سيعود في نهاية الكتاب الرابع.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]8
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]6و7
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]5
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]4
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]3
- الآخرة: الله ود. فرانكنشتاين
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]2
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]1
- يوم عاشوراء: مابين المأساة الكونية وعقيدة الفداء في الفلسفة ...
- المباهلة مابين العقيدة النصيرية العلوية والرواية الرسمية
- فلسفة العَبَث [الحلقة الأولى]
- الوجودية[15]: موت الله والدين
- أمام القانون: فرانز كافكا [قصة قصيرة]
- الوجودية[14]: المُثُل في مكانٍ آخر
- الوقت [قصة قصيرة]
- الفلسفة كأسلوب حياة[4]: محبّة الحكمة
- الفلسفة كأسلوب حياة[3]: قوّة المعتقد
- الفلسفة كأسلوب حياة[2]: الأسئلة التي ينبغي طرحها
- الفلسفة كأسلوب حياة[1]: الحياة المفحوصة
- الوجودية[13]: قتل الإله الذي يسمّونه عقلاً


المزيد.....




- -ما تفعله اختطاف-.. فيديو يُظهر شابة متشبثة بشجرة وملثمون يح ...
- غموض وتساؤلات حول تداعيات قرار الحد من صلاحيات القضاة في الو ...
- مصر.. تحرك من السيسي بعد مصرع -عاملات اليومية- بحادث تصادم م ...
- الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء أحياء في غزة، و81 قتيلاً خلال 2 ...
- صحيفة: جدّ رئيسة الاستخبارات البريطانية كان جاسوسا لألمانيا ...
- انقسام في الولايات المتحدة بشأن نجاعة الضربات الأمريكية ضد إ ...
- هل نضجت ظروف اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة؟
- مسؤول عسكري أميركي: لم نستخدم قنابل خارقة للتحصينات في أصفها ...
- ويتواصل تدهور أوضاع الشعب التونسي
- باكستان: مقتل 16 جنديا في هجوم انتحاري غرب البلاد وإصابة مدن ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]9