أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم جركس - الآخرة: الله ود. فرانكنشتاين














المزيد.....

الآخرة: الله ود. فرانكنشتاين


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 6673 - 2020 / 9 / 10 - 14:00
المحور: الادب والفن
    


=================

(ترجمة إبراهيم قيس جركس)

عندما تصل إلى الآخرة، تجد أنّ ماري ولستونكرافت شيللي، تجلس على العَرش الإلهي. تحظى برعاية خاصة وعناية مجموعة من المَلائكة. وبعد بُرهة من التساؤل، تكتشف أنّ الله مشغولٌ بقراءة كتاب، وأنّ كتابه المفضّل هو كتاب ماري شيللي "فرانكنشتاين". إذ يجلس الله وحيداً في الليل وبين يديه نسخة باليه من الكتاب يمسكه بقوة، يقرأ فيه تارةً ويحدّق في سماء الليل تارةً أخرى.
على غرار الدكتور فيكتور فرانكنشتاين، يعتبر الله نفسه طبيباً وعالم أحياء لا يشقّ له غُبار، وتربطه علاقة عتيقة وأليمة مع أي قصة تتعلّق بمسألة خَلق الحياة. كان لديه الكثير ليقوله بشأن عملية نفح الحياة في الجمادات والأشياء الميّتة. قلّة قليلة من مخلوقاته فكّرت بعمق في سر الخَلق وتحدّياته، لكنّ الأمر الذي خفّفَ وحدته بعض الشيء عندما قامت ماري شيللي بتأليف كتابها الشهير.
في المرّة الأولى التي قرأ فيها الله كتابها، كان ينتقد طوال الوقت المبالغة في تبسيط العملية المَعنية. ولكن عندما وصل إلى نهاية الكتاب، استحوذت عليه النهاية وأسَرَته، ولأول مرّة، هناك شخص ما يفهمه ويستوعب ما يعانيه. وعندها استدعاها إليه وأجلَسَها فوق عَرشه.
لكي نفهم مشاعر الله الدفّاقة هذه، علينا أولاً أن نفهم مسار مسيرة الله الطبية. لقد اكتشف الله مبتدئ الانتظام الذاتي من خلال تجاربه على الحميرة والبكتيريا. وقد انبهر بجمال مُختَرَعاته. وبمجرّد إتقانه للمبادئ العامة، ازدادت اختراعاته تعقيداً. فقد صمَّمَ بذوق فنّي رفيع خلد الماء المذهل، والخنفساء المُدمَجَة، والماموص الثقيل المغطّى بالصوف، وأجساد الدلافين المغزلية اللامعة. ازدادت مهاراته وأصبحت أكثر إتقاناً، وقد صمّمَت أصابعه الدقيقة _بدقّة فائقة لا تخلو من طموح_ جميع الحيوانات ضمن حدود خياله الجامح.
ولكن بعد ذلك، ومن غير قصد، اتّخذ خطوة جريئة لم يَكُنْ بمقدوره التراجع عنها، لقد خلق الإنسان: أغلى مخلوقاته وأقربها إلى قلبه. كنزه ومصدر كبريائه، تحفته الفنية، وهَوَسه.
على عكس جميع الكائنات الأخرى، التي كانت تعيش كلّ يومٍ كسابقه، كانت الإنسان مهتماً، ساعياً، توّاقاً، خَطّاءً، طمّاعاً، ومتألّماً _مثل الله تماماً.
تعجّب تماماً عندما شاهد الإنسان كيف كان يجمع من الأرض ويصنعُ الأدوات، وقد وصلت أنغام الآلات الموسيقية التي اخترعها الإنسان إلى أذنيه كسمفونية ساحرة. وقد شاهد برَهبَة البشر وهم يتجمّعون ويقيمون المُدُنَ ويشيدون الأسوار حولها. لقد شعر بفرحته وهي تتحوّل إلى خوف عندما بدأ البشر الشجار فيما بينهم. ولم يَمضِ وقتٌ طويلٌ قبل أن يُشرِعوا في غزو بعضهم البعض. اشتعلت حروب طاحنة بينما كان هو يحاول التحدّث بعقلانية مع من يصغي منهم.
سرعان ما اكتشف أنّ سيطرته على الأمور مانت أوهن ممّا اعتقد. كانوا كثيرين جداً بكل بساطة. لقد حاول أن يمنح الخير والعدالة للطيبين، ويجاري ويعاقب الخطّائين المذنبين. لكنه لم يكن يمتلك التكنولوجيا اللازمة لتطبيق ذلك. ارتفعت مناسيب أنهار الدماء إذ قام الآشوريون البابليون بإراقة دماء بعضهم الآخر، وهاجم المقدونيون الإغريق جيرانهم واعتدوا على أراضيهم، وانطلق الرومان في حَمَلاتهم حتى حصار البرابرة والقوطيين. صعدت الإمبراطورية البيزنطية ثم غرقت بالدم، هاج الصينيون وماجوا على سطح قارتهم، وتضارب الأوروبيون فيما بينهم. كانت الألوان الخَلابة الزاهية لأرضه الغالية تتخضّب بدماء البشر، ولم يكن بمقدوره فعل أي شيء حيال ذلك.
كانت أصوات البشر وتضرّعاتهم وصلواتهم في كلّ مكان تقرع على طبلتي أذنيه، كانوا يصلّون له ويطلبون مساعدته ضدّ بعضهم البعض. سَدَّ أذنيه قَدر استطاعته وصرخ وبكى أمام عويل ونواح أهالي القُرى المنهوبة والمحترقة، وصلوات الجنود المتحاربين، وتضرّعات أسرى أوشفيتز.
لهذا السبب هو الآن يقفل باب غرفته على نفسه ويعتزل بداخلها، ثم يتسلّل خلال الليل إلى سطح منزله وبيده يمسك نسخة بالية من كتاب "فرانكنشتاين"، يقرأ مراراً وتكراراً كيف يوبّخ ويهين وحش فرانكنشتاين عديم الرحمة خالقه الدكتور فيكتور عبر سهوب القطب الشمالي. ويجد الله العَزاء لنفسه في فكرة أنّ جميع أشكال الخَلق تنتهي على هذه الشاكلة بالضرورة: الخالقون يهربون، خائفين، عاجزين، من مخلوقاتهم التي خَلَقوها بأيديهم.

‏Sum: Forty Tales from the Afterlives
‏Eagleman, David



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]2
- شرح كتاب فريدريك نيتشه [هكذا تكلّم زرادشت]1
- يوم عاشوراء: مابين المأساة الكونية وعقيدة الفداء في الفلسفة ...
- المباهلة مابين العقيدة النصيرية العلوية والرواية الرسمية
- فلسفة العَبَث [الحلقة الأولى]
- الوجودية[15]: موت الله والدين
- أمام القانون: فرانز كافكا [قصة قصيرة]
- الوجودية[14]: المُثُل في مكانٍ آخر
- الوقت [قصة قصيرة]
- الفلسفة كأسلوب حياة[4]: محبّة الحكمة
- الفلسفة كأسلوب حياة[3]: قوّة المعتقد
- الفلسفة كأسلوب حياة[2]: الأسئلة التي ينبغي طرحها
- الفلسفة كأسلوب حياة[1]: الحياة المفحوصة
- الوجودية[13]: قتل الإله الذي يسمّونه عقلاً
- الوجودية [12]: إذا مات الله، هل تغدو الحياة بلامعنى؟
- الوجودية[11]: الوجود يسبق الماهية
- الثالوث النصيري: {المعنى علي، والاسم محمد، والباب سلمان ج2}
- الثالوث النصيري: {المعنى علي، والاسم محمد، والباب سلمان ج1}
- الشيطان [2]: روبرت غرين إنغرسول
- الشيطان [1] روبرت غرين إنغرسول


المزيد.....




- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم جركس - الآخرة: الله ود. فرانكنشتاين