أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جواد عبادة - أزمات الرواية العراقية















المزيد.....

أزمات الرواية العراقية


علي جواد عبادة

الحوار المتمدن-العدد: 6681 - 2020 / 9 / 19 - 13:58
المحور: الادب والفن
    


الرواية فنُ العصر الحديث ـــ أو هكذا أُريدَ لها ـــ ؛ لما تمتلكه من قدراتٍ هائلة في تمثيل المرجعيات الثقافية للشعوب ، والافصاح عن هُوياتها ، والسرد الروائي حاملٌ أمين للتحولات الفكرية التي تشهدها المجتمعات ، والروائي متأملٌ خلاقٌ للهزات التي تتعرضُ لها الجماعات والأفراد . هذه السمات التي تتمتَّع بها الرواية حتَّمتْ على النقد تسويرها بهالةٍ مُضخَّمةٍ : فهي النوع الأدبي الأكثر تمثيلاً للطبقات البرجوازية كما يقول "جورج لوكاش"، والكلمة فيها آيديولوجيا كما يقول "ميخائيل باختين" ، وهي من المرويات الكبرى التي تساهم في صوغ الهويات الثقافية للأمم ، وتشكيل التصورات عن الشعوب كما يقول الدكتور "عبد الله إبراهيم" .
هذه القيمة المضخمة التي تُسوَّر بها الرواية داخل الخطاب النقدي تدفعنا لتساؤل عن حقيقة الرواية العراقية بوصفها فناً فرض حضوره على المشهد الثقافي العراقي ، فهل تنطبقُ هذه المقولات المُضخَّمة على الرواية العراقية ؟ أم أن الرواية العراقية ما زالت تحبو على الرغم من بلوغها المئوية الأولى ؟
الرواية العراقية أسيرة لمُحدّدات قبْلية على صعيد الموضوع ؛ إذ بين هذه الكم الروائي الهائل , الذي تجاوز الألف رواية , لا تكاد تجد رواياتٍ تخرِج عن موضوعي الدين والسياسة ! هذا التقوقع الثيماتي دفعَ السرد الروائي إلى الحيز الشعبوي المسكون بجدل الدين والسياسة ، فتأثرت لغة الرواية بالمباشَرَة ، وسقط بعضها في فخ الاصلاح الاجتماعي ؛ من خلال تكريس العالم الروائي للوعظ ، والسعي إلى ايجاد الحلول للمشكلات الاجتماعية , أو الانخراط في فضاء التحليل السياسي ؛ فتغدتِ الرواية وثيقةً صحفية لأزمة سياسية , أو مشكلة اجتماعية .
ثمة أزمة عضال في الرواية العراقية , تتمثل بأزمة المكان ؛ إذ كيف لرواية مُطالَبَة بالكشف عن المرجعيات الثقافية للشعب ، وتمثيل هُويات أفراده ، وتأمّل أزماته الكبرى أن تقتصِرَ على مكان واحد ! ؛ فليس سوى بغداد مكاناً لحركية الأحداث في الأعم الأغلب من السرد الروائي العراقي إن لم يكن كله ، والروايات التي لم تكن فيها بغداد مكاناً رئيساً ، فهو مساهم فعَّال في تطوير الأحداث ، ويمثل نقلةً نوعيةً في وعي الشخصية داخل الرواية .
هذا الإلحاح يُحتم تساؤلات العلِّية : لِمَ ؟ ألا توجد مناطق ذات عمق ثقافي غير بغداد ؟ ألسنا بلد الحضارات ؟ أم أن الروائي يجهل الجغرافية الثقافية للعراق ؟ والقارئ العراقي لا يستهوي مكاناً غير بغداد , أو" القارئ الكوني" لا يعرف عن العراق سوى بغداد ؟.
على الرغم من وجود بعض الروايات التي تتحرك عوالمها في فضاء مكاني خارج بغداد إلا أنها لم تنعتق من الطابع التسجيلي السِّيري ، ولم يتجاوز الروائي مهمة الشهادة على الواقع بتفاصيله ، فقد كرَّسَ روايته للتاريخ المدينة , وبتعبير أكثر دقة لتاريخ سيرته في المدينة , وحتى في هذه الروايات التسجيلية حضرت بغداد كحلم يراود البطل ويتطلع إليه , أو كمكان تقصده الشخصيات ؛ لتطوير أحداث السرد وتنويعها . وحتى روايات روائيي الخارج ظلت مسكونة ببغداد .
ويبدو لي أن حضور بغداد بوصفها مكاناً مهيمناً في الرواية العرقية فُرضَ فرضاَ على الروائي سواء أكان على وعي بذلك أم لا ؛ فبغداد تمتلك حضوراً في نفوس الشعب ؛ لأنها العاصمة ، ومدينة الأحلام الكبرى ، والمدينة التي يحبها الجميع ، وحمل لها إرثاً في ذاكرته , فلابدّ للروائي من ربط روايته بالإرث المُثمَّن في ذاكرة المتلقي ، ومحاولة جعلها تعبّر عن ذاكرته.
قد يرجع السبب لغاية إشهارية مفادها: إنَّ العالم لا يعرف عن العراق سوى بغداد ، وحتى بعض مناطق العراق لا تعرف سوى نفسها , ومناطق مجاورة لها , وبغداد ؛ فلكي يصل الروائي إلى أكبر عدد مُمكن من القراء لابدّ له من الاشتغال على المتفق عليه ، والمثمن في اللاوعي ؛ بغية ديمومة التشويق .
وقد يعود السبب إلى بغداد نفسها بوصفها مركز الصراع والآيديولوجي السياسي؛ فهي الحلبة التي تصارعت فوقها الآيديولوجيات , وما زالت تتصارع ، والمكان الذي احتضن الجميع ، وشتتهم في الآن نفسه .
أما الأزمة الفتاكة التي نخرتِ الرواية العراقية , وزعزعت ثقة الروائي بأدواته ؛ فتضخم إثرها خطابُ الكراهية , والتنابز بالألقاب هي تعويلُ الروائي على "النقد الأكاديمي" ـــ إن كان ثمة نقد بهذا المفهوم ــــ ؛ إذ أن مشكلة الروائي العراقي - وربما العربي - أنه يُعوّل على النقد الأكاديمي تعويلاً مفرطاً , ويتخذه معياراً للتباري ، ويظن أن تدبيج الكلام المُدعَّم بأسماء فلاسفة ونقاد غربيين يتقن "الأكاديميّ" حياكتها بين سطوره الانطباعية هو : الشهادة ، والجائزة ، وخاتمة المطاف ، ويعتقد أن دراسة روايته في رسالة ، أو أُطروحة بمثابة نوبل للآداب !, ربما لم يدرك الروائي أن النقدَ الأكاديميّ في أغلب تجلياته قوالبٌ جاهزة ، ورؤى مُحنّطة : تصلح للروايات كلها ، ومن الطبيعي جدًا أن تصلح للقصة ، والأدهى في طبيعته : إن هذا النقد يُجوّز ما يقال عن الرواية أن يقال للشعر !
ثمة أزمة أخرى معقدة في تكوينها -تشذ منها بعض الروايات- , تتمثل في ظاهرة (الاستعمال الواحد) – إن جاز لنا التوصيف - ؛ نتيجة التدوير وإعادة الإنتاج ، فالبضائع التي توفرها معامل التدوير وإعادة الانتاج غالباً ما تكون ذات استعمال واحد ، كذلك الإبداع ؛ إذ المبدع الذي يُعيد الرؤى والأفكار الرائجة ، ويتقمص فنون الإبداع العالمي ، ويستلهم السينما ، ويطوع مشاهدها ؛ عبر تحويلها إلى مكتوب غالباً ما يصلح إبداعه للاستعمال الواحد ، ومثالنا الرواية الآن فهي هجين يعتمد على التدوير وإعادة الإنتاج ؛ لذا فهي لا تدفع المستهلك لأكثر من قراءة ، ولا تشحذ همّة التأويل ، ولا حتى للاشتياق لعوالمها ؛ لأن صلاحية استعمالها انتهت بالقراءة الأولى , في حين الإبداع الروائي الخلَّاق الذي يشتغل بعيداً عن معامل التدوير وإعادة الإنتاج , غالباً ما يدعو للتأمل, وإعادة القراءة , والاشتياق ؛ بل يشعر القارئ بحميمية مع الابطال , وتفاعل مع حيواتهم ؛ إذ كثير مِنَّا يشعرَ بأنه صديقٌ لـ(غريغور) كافكا , و(راسكولنيكوف) دوستوفيسكي , ومشتاقٌ لحكمة(زوربا) نيكوس كازانتزاكيس .
الرواية العراقية - خلال قرن من نشأتها - ثيمات مُركَّزة حول جدلية الدين والسياسة , تهيمن بغداد على فضائها المكاني هيمنةً تجعل الرصد النقدي الدقيق يُجردها من القدرة على الافصاح عن هُوية الفرد العراقي ، أو تأمل أزماته , ويجردها من قدرتها على تمثيل المرجعيات الثقافية تمثيلاً سردياً نابعاً من تأمل تلك المرجعيات ومن ثم سردنتها لا نقلها نقلاً يكاد يكون حرفياً , فضلاً عن طابعها الجماعي في التفكير ؛ فعالمها الروائي يحسب الإنسان جرماً مطوياً في العالم الأكبر , ينفعل بالمؤثرات ولاسيما الديني منها والسياسي , ولا يفعل , ويبدو أنها عاجزة عن تأمل العالم الأكبر المطوي في الإنسان نفسه ؛ لتتأمل أزمة الفرد نفسه , لا محنة الجماعة من خلال الفرد .


أكاديمي عراقي



#علي_جواد_عبادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرد بالعاميَّة العراقية
- العُرف النقديّ !
- سفاستيكا : سيناريو مفترض لأفول السلطة


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جواد عبادة - أزمات الرواية العراقية