أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جواد عبادة - سفاستيكا : سيناريو مفترض لأفول السلطة















المزيد.....

سفاستيكا : سيناريو مفترض لأفول السلطة


علي جواد عبادة

الحوار المتمدن-العدد: 5991 - 2018 / 9 / 11 - 20:02
المحور: الادب والفن
    


ليس من المغالاة القول : بأن الرواية العراقية في حقبة ما بعد الانفتاح ٢٠٠٣م حتى يومنا هذه مولعةٌ بإعادة النص التاريخي ولاسيما تاريخ العراق الحديث وأعني تحديداً الحقبة الملكية ، وحقبة البعثيين ، على صعيد الملكية تناول السرد العراقي ثيمة قصر الرحاب , والمجزرة التي أنهت الحكم الملكي ، وعلى الصعيد الثاني تناول السرد الصراع البعثي /الشيوعي ، والحرب العراقية الإيرانية بوصفها طيشاً صدَّاميًا ، ، وحقبة الحصار التسعينيّ , وما خلفه من تصدّع في الشخصية العراقية ، وحتى الروايات التي اشتغلت على رصد تحولات المجتمع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي 2003م عرَّجتْ على ذكر هذا الحقب التاريخية من قريب أو بعيد .
إنَّ هذا الولع باستعادة التاريخ أوقع الروائي بمأزقٍ خطرٍ جدًا وهو تغليب التاريخ على السرد حتى لتبدو بعض الروايات وكأنها وثائق تاريخيَّة تمكننا من القول : بأن روائييها مؤرخون فاشلون ؛ كونهم يمتلكون الحقيقة التاريخية ويفتقرون للتحبيك السردي الذي يُذوب النص التاريخي , ويصهره مع الخيال الخلَّاق فينتج نصاً يستحق جدارة الرواية ، ويمارس الروائي مهمته الأولى : وهي التربّع على عرش الإله , وتشكيل عالم يكون هو سيَّده الأعلى .
من خلال هذه المقدمة ندخل إلى رواية علي غدير " سفاستيكيا " الرواية الحاصلة على جائزة بغداد للرواية العراقية للعام ٢٠١٦م ، والصادرة عن دار سطور للنشر والتوزيع في بغداد .
اعتمد غدير في روايته على إعادة النص التاريخي وتحديدا حقبة البعث المتمثل بصدام حسين ورهطه الزيتوني , زمن الرواية يمتدّ من نهاية السبعينيات حتى عام ٢٠٠٣م لكنّ الاحراجاتِ السردية دفعتْ غدير لأن يمدّ السرد في المشهد الختامي إلى عام ٢٠٠٧م ؛ لأنَّه أعتمد على السرد الدائري : أي الانطلاق من نقطة ثم العودة إليها . فقد انطلقت الثيمة الرئيسة للرواية من اللحظة التي رمى (حوّاس) : بطل الرواية نفسه تحت سيارة مارسدس سوداء اتضح أنَّها لنائب رئيس الجمهورية ، وانتهت الرواية باللحظة التي صدم فيها (وسمان) حوذياً بسيارته المارسدس واتضح أن الحوذي من ريف البصرة مثلما كان حواس من ريف كركوك .
في هذا البناء الدائري يتحرك النص التاريخي تارةً عن طريق التورية والترميز , وأُخرى عبر التصريح بالاسم الفعلي ولاسيَّما ذِكر اسم صدام حسين وبعض سلوكياته : ( حركة السيجارة ، طريقة الضحك ، العفية ) وألقابه المولع بها (القائد المفدى ،القائد العام ، قائد الضرورة ...) , وكذلك ذكر الحوادث التاريخية المعروفة في تاريخ العراق الحديث ولاسيما مقتل الزعيم .
وباعتماد الروائي على الموروث المثيولوجي ولاسيَّما السحر والكهانة تطورت الأحداثُ , ودُفِعت عجلتها إلى الأمام , فقد صار حوّاس بفعل قطعة النقود المبتور نصفها التي دسَّها في جيبه كاهنٌ تعرَّفَ عليه وهو في طريقه إلى بغداد ؛ لممارسة الجنس مع العاهرة دلال ، فلم يضفر ببغيته ، وضربه قوادو دلال ونهبوا ماله ، فضلّ في بغداد بلا ناصر ولا معين حتى عثر على عرَّافة , تفترش الرصيف قرأت له كفَّه , ووعدته بمستقبل كبير, وطلبت منه أن يرمي نفسه تحت سيارةٍ فارهةٍ ، فنفَّذ الأمرَ تحت سيارة نائب رئيس الجمهورية ، فأكرمه , وأحسن مثواه , وجعله صحفياً مرموقاً في مجلة ( ألف باء ) بناءً على أمنيته بأن يصبح صحفياً ، فاشتغل في المجلة دربته الدكتورة حوَّاء وهي عرَّاقة أيضاً ظنَّ حوَّاس أنها ابنة العرَّاف الذي لقيه في القطار ؛ لأنها تضع صورته في مكتبها , فطلبت منه حواء أن يُغيّر اسمه , فغيرته له من حوَّاس إلى ( وسمان ) , فتحسن حاله , واشتغل بالمكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية وأصبح من المقربين من حاشية الرئيس , والصديق الأقرب صالح : ابن عم الرئيس وزوج ابنته تغريد .
كشفت المخابرات أن أخا وسمان خميس متهم بترتيب محاولة اغتيال للرئيس تشبه المحاولة التي تعرض لها أنور السادات ، وعليه حكم الرئيس بإعدام وسمان ظناً منه بتواطئه مع أخيه , فأنقذه صالح , وسفَّره إلى الأردن , ولحقه هو وزوجته ، التقى صالح ووسمان بجبهة المعارضة خارج العراق , وصار يلقب بالدكتور وسمان وعاد إلى العراق بوصفه رئيساً لـ(حزب النجاة الوطني) ، الذي تشكلت نواته في شمال العراق ، وبفضل الأمريكان عليه صار نائباً لرئيس وزراء العراق بعد خلع صادم حسين , وسمحوا له بالإشراف على إعدامه فالتقى بصدام في زنزانته سمح لصدام أن يتمنى أُمنية أخيرة فقال صدام : أريد التجول في الكرادة ، ردَّ عليه الدكتور وسمان : بأن هذا مستحيل في هذه اللحظة , فطلب منه صدام أن يتجول هو نيابة عنه فوفَّى بالوعد , وتجوَّل , فصدم حوذياً نزل له وتعرَّف على هويته من ريف البصرة , ووجد نصف نقود في جيب الحوذي يكمل النصف الذي في جيبه الذي احتفظ به منذ ثمان وعشرين سنة , فتعجب للأمر , فأخبره الحوذي بأنه من رجل تعرَّف عليه في القطار ، بُهت من وسمان وسأل حارسه : هل ترضى أن يحكم شخص كهذا أبناءك في المستقبل ؟! فقتله في مكانه , ووضعه في صندوق السيارة .
بهذا السرد الدائري برع علي غدير في سرد سيناريو مفترض لأفول البعث ؛ من خلال إعادة النص التاريخي بالشكل الذي تغلب فيه الفني على الحقيقة التاريخية فقد ذوب الروائي الوثيقة التاريخية , وصهرها بخيال خلاق ، فانضوت الرواية تحت مفهوم التخيّل التاريخي الذي اجترحه د. عبد الله إبراهيم , وأثث غدير رواية عالية الدقة ، بلغة بعيدة عن الترهل السردي ، نائية بذاتها عن فجاجة التركيب الصحفي وجموده .
إن هذا السيناريو المفترض الذي خلخل العلاقة بين ثنائية السرد / التاريخ وانتصر إلى مفهوم التخيّل التاريخي وسع الوظيفة الجمالية والرمزية للسرد ؛ كونه لم يقرر الحقائق التاريخية ولم يُروّج لها ، بل جعلها علامة يتناسل منها المعنى ، وتتوسع آفاقه ، فالحلقة المغلقة التي دارت بها أحداث الرواية تُعزز الفكرة القائلة : بأن التاريخ يُعيد نفسه ، وإن الفكر ثابت ومتحجر ، والعنف أزلي في هذا البلد , والهوية الريفية التي ينحدر منها حوّاس الفتى الذي دخل بغداد ؛ لإرواء غريزته الجنسية المنفلتة ؛ بفعل الكبت ، وأصولية بيئته تكشف عن تسيد الريف على السلطة , وهذا بدوره سينشر الفكر القبلي الضيق , ويضع البلاد في دوامة الثأر والحرب والدماء , ولعنة تعطيل ذكورة الحواس الذي واكبته منذ أول يوم تحسّن وضعه حين كافأه النائب ولم يفِ بوعده للعرافة بأن يناصفها المبلغ الذي يحصل عليه علامة شؤمٍ , ودليل على عدم تناسل الظلم وديمومته .
ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى كون رواية " سفاستيكا " لم تقتصر على إعادة تاريخ العراق الحديث , فقد عمد علي غدير في بعض حوارات الرواية إلى استحضار النص الديني , ومشاكسته ؛ فلا يعرضه كما هو , ولا يتبناه بل ينفخ به من وعيه الفلسفي المشاكس , ففي حوار حواس مع صديقه ابن الشيخ قبل أن يسافر إلى بغداد تظهر مشاكسة الوعي الكهنوتي :
- يستطيع أبي أن يشتري الجنة بماله.
- صرخ حواس باستفزاز: أستغفر الله... لا تكفر؟
- بل أن أبي يستطيع أن يكون رفيق النبي في الجنة، وأصبر حتى أبين لك. زفر حوّاس غيظه، وهز رأسه متأففاً:
- هات ما عندك.
- لو أن أبي كفل يتيما من أيتام القرية بماله، حتى أبلغه أشده، وزوجه، وأوكل إليه عملا يقتات عليه هو وعائلته، فإن أبي سيندرج ضمن حديث النبي (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين(ص26.
وينظر حوّاس في حديث النبي ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) ويتهم المدرس الذي علمه هذا الحديث بالكذب لأنه (كلما نظرت تحت قدمي أمي، وجدت فطورا غارزة في كعبها، ورائحة نتنة تنبعث من بين أصابعها... كيف للجنة أن تكون سبخة نتنة؟ إنه يكذب( ص27 . إن هذه المشاكسة المتكئة على استحضار النص الديني , وتعريته تمنح الرواية بُعدا ستيطيقياً , وتدرجها ضمن سرديات ما بعد الحداثية التي تحرص على هدم المركزيات جميعها في كل مجال ومكان وزمان وخطاب كلامي, وبتعبير ليندا هيتشون : ( أن الهم البدئي لما بعد الحداثية هو تغيير طبيعة الطبيعي الخاص ببعض الصفات السائدة في طريقة حياتنا) .
على أن هذا لا يمنع وجود بعض الهفوات التي لم تقلل من براعة الرواية بقدر ما تجعل الجدل يحتدم ، ويصعب تحقق الإقناع ومن هذه الهفوات : لغة حوّاس الريفية التي أشار إليها الروائي , ونبّه إلى كون حواس يلفظ العبارة بلهجة ريفية نحو ( مايــخالف ) لكنه تنصَّل عن هذا التنبه , واستعمل اللغة الرسمية في حوارات حواس ولقاءاته حتى قبل بلوغه مراتب متقدمة في السلطة ، ربما يقول قائل : أنَّ حواس تغيَّر وضعه ؛ فتغيرت لغته ، أقول أن اللغة هُويَّةٌ متجذَّرةٌ لا يمكن للصدفة أن تنهيها نهائياً ، ولو أن الروائي ركَّز على تلعثم حواس وهجنته اللغوية لقدم الشخصية بدرجة عالية من الإقناع .
في الختام أقول : أن علي غدير يعي جداً اشتراطات كتابة النص ما بعد الحداثي , النص الذي يُقوّض السائد والمألوف والمتواضع عليه ، ويعي جدا خطورة ثنائية السرد والتاريخ التي يكتب فيها ؛ لذا تغلَّب حسَّهُ الفني على التوثيق التاريخي , وأنتج رواية غاية في الروعة والأهمية ؛ لما فيها من وعي عميق , وثقافة خلّاقة , إضافة إلى براعة الروائي في تشكيل الرُّقع الأرجوانية , والالتقاطات الفلسفية , والبراعة في سبر أغوار الشخصية , ومن ثَمَّ تحليل نفسيتها , تُفوّض القارئ القول : بأنَّ علي غدير يمتلك عقل عالم النفس , وملاحظة عالم الاجتماع , وقلم الأديب ؛ وروايته " سفاستيكيا " عمل مهم جدًا في خارطة السرد العراقي الحديث .



#علي_جواد_عبادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي جواد عبادة - سفاستيكا : سيناريو مفترض لأفول السلطة