أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - أفكار أولية للخروج من لعنة الاقتصاد الريعي















المزيد.....

أفكار أولية للخروج من لعنة الاقتصاد الريعي


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 6677 - 2020 / 9 / 15 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تكاد تكون معظم البلدان المنتجة للنفط عرضة لما يسمى بالمتلازمة الهولندية، حيث إهمال القطاعات الانتاجيه في الزراعة والصناعة و الخدمات والسياحة، والتركيز على انتاج النفط كمصدر رئيسي للثروة، مما يقود الى عدم استقرار الاقتصاد وتعرضه الى ازمات دورية بسبب تأرجح الاسعار العالمية للنفط، كما أن زيادة الايرادات المالية تسهم في رفع قيمة العملة المحلية وارتفاع كلفة انتاج السلع الوطنية، وبالتالي اضعاف قدرتها التنافسية في السوق مقارنة بالسلع المستوردة.

الأنظمة السياسية في ظل الاقتصاد الريعي أنظمة سلطوية، على شكل دكتاتورية فردية، أو رأسمالية قرابيه قائمة على المحسوبية، أو ديمقراطية زائفة تحتكر فيها السلطة و الدولة أحزاب فاسدة تمثل طبقة اوليغاركية نهّابة، وفي كل الحالات تنتشر ظاهرة الفساد ( وإنْ بنسب مختلفة )، إذْ يجري تسابق محموم بين ذوي النفوذ والسلطة للاستحواذ غير المشروع على ثروات شعوبهم، خاصة اذا ما ترافق ذلك مع سياسة نيوليبرالية منفلتة تحت يافطة الاقتصاد الحر، حيث الصفقات المشبوهه و العمولات.

توظف النخب الحاكمة الثروة لتعزيز سلطتها و بناء اجهزتها القمعية، و توزيع الهبات لمريديها بما يضمن بقاءها على قمة السلطة، ومن نافل القول ان تلك الهبات وسياسة الاغراء والترهيب تعمل على تشوّه العلاقة بين المواطن والدولة بما يخلق معوقات جدية في عملية بناء الديمقراطية، فهي علاقة تابع و متبوع قائمة على القسر والعطايا لا على محدّدات وإلزامات عقد اجتماعي، كما ان طبيعة تلك العلاقة تسهم في تنمية الروح الانتهازية و الاتكاليه، وينتج الاقتصاد الريعي مجتمعات استهلاكية يندر فيها الأنتاج والابتكار، وقد يؤجّج الريع النفطي صراعات عنيفة بين مكونات المجتمع على أساس قومي أو مناطقي، يستثمرها عادة الإنتهازيون من الساسة في تعبئة مناصريهم للتسلق الى مواقع النفوذ والسلطة، كأن يطالب مثلاً سكان المناطق المنتجة للنفط بحصة أكبر من الثروة، مما يثير غيض سكان المناطق غير المنتجة له، وقد يصل الامر الى تسويق مشاريع تقسيم وتفكك ( مشروع اقليم البصرة ، والتوتر الدائم بين المركز و أقليم كردستان أمثله على ذلك ). تفضي تلك الصراعات حتماً الى تمزق النسيج الاجتماعي وإضعاف الشعور بالمواطنة وانحسار روح التضامن بين ابناء الشعب الواحد.

في البلدان الديمقراطية ذات المؤسسات الرصينة يتم توظيف عائدات النفط لتدعيم قطاعات الانتاج وتقديمِ الخدمات ورفع مستوى الرفاهية لمواطنيها كما هو الحال في االنرويج. في ولاية ألاسكا بأميركا يتم استثمار نسبة من عائدات النفط في مجالات مختلفة ثم يتم توزيع الارباح على شكل منح مالية بالتساوي للبالغين من مواطني الولايه. وقد توصلت مجموعة من الدراسات الاقتصادية الى إن توزيع إيرادات النفط على المواطنين مباشرة بعد استقطاع بعض الضرائب منها ، ربما يسهم في تخفيف أو معالجة الاشكالات الاقتصادية والسياسية التي ذكرت سابقاً، وقد اقترحت نانسي بيردول و ارفند سبمارانيان في مجلة فورن أفيرز عام 2004 أن تحتفظ الحكومة العراقية بنصف العائدات السنوية للنفط، ثم توزع النصف الباقي بالتساوي على البالغين من المواطنين في حسابات تفتح لهم مجاناً في البنك المركزي، على أن تفرض عليها نسبة من الضرائب. وكان لهذا المقترح مؤيدون و معارضون.

يرى المؤيدون أن المساواة بتوزيع الثروة النفطية تعزز التماسك بين مكونات المجتمع، و تعمل على تنمية الشعور بالانتماء الى الوطن، وترفع من منسوب التعاضد الاجتماعي، كما تسهم في تخفيض نسبة الفقر والتقليل من الفوارق الطبقية، وتعيق ظهور طبقة أوليغاركية تحتكر الثروة، و السيولة النقدية لدى الناس تعمل على تحريك السوق الداخلي وتدوير رأس المال، وتمكّن البعض من انشاء مشاريع استثمارية صغيرة أو شراء الاسهم في مشاريع انتاجية أو خدمية، ومن الجدير بالذكر أن فرض الضرائب على المواطنين قد يسهم في تغيير طبيعة العلاقة بين المواطن والدولة، فمن جهة ترغم الدولة على تحمل مسؤولياتها ازاء المواطنين لانها بحاجة الى تعزيز الميزانيه من الضرائب، ومن جهة أخرى يتشكل لدى المواطن تدريجيا وعي جديد ورقابي لحكومته، ومدى استجابتها لتلبية حقوقه وما تقدمه من خدمات على اعتباره دافع ضرائب، اي ترتقي العلاقة من علاقه رعية تتوسل عطاءات الحكومة إلى علاقة مسؤوليه متبادلة و مشروطة.
أما محاذير ومخاوف المعترضين على فكرة رفع يد الدولة عن جزء من الثروة وتوزيعها مباشرة على ابناء الشعب، فهي جديرة بالتأمل والدراسة ايضاً.
- يرى المعترضون إستحالة تخلي النخب الفاسدة عن مصدر ثرائهم ونفوذهم طوعاً. ولكن التغيير الجذري مهما كانت صيغته لن يتحقق برضا وطيب خاطر النخب الفاسدة، بل بتنظيم حركة شعبيه واسعة موحدة ومتماسكة بحيث تشكل خطراً حقيقياً على شرعية النخب الحاكمة، وفي حالة العراق يبدو لي ان تعبئة الطبقات الفقيرة والمتوسطة للمطالبة بنقل ثروتهم المنهوبة لأيديهم ممكن مع حملات توعيه مكثفة، وتمثل إنتفاضة تشرين منعطفاً تاريخياً يمكن استثماره بهذا الأتجاه.

- يحذر المعترضون بان المبالغ التي يستلمها المواطنون ستعمل على تنمية روح التكاسل والاتكاليه، فلا يعود للمواطن أي حافز للعمل. لتجنب ذلك يمكن حساب حصة الفرد بحيث تكون داعمة فقط ولا تغني عن العمل، ويمكن أن تشجع الحكومة العاملين في القطاع العام بإعفاء أو تخفيض الضريبة على حصصهم عند استثمارها بشراء اسهم في الشركات التي يعملون فيها، وبهذا يكون للعامل حافز العمل الجاد ليس من أجل أجره فقط، بل لانه يمتلك أسهماً في الشركة، و بالتالي فهو يجدّ لزيادة الارباح وتحسين الانتاج، كما ان تعزيز العاملين لرأسمال الشركة المتواصل من حصصهم النفطية على شكل أسهم إضافية، سيعمل على اتساعها وتطويرها، ويمكن ايضاً للدولة ان تساعد مواطنيها على انشاء مشاريع استثمار يتم تمويلها من قبل العاملين فيها على شكل أسهم على شاكلة شركات موندراغون الاسبانية، التي مازالت تزدهر ولعقود مضت، ليس في نجاحاتها الاقتصادية فحسب، بل في التوزيع العادل للأرباح، والمناخ الديمقراطي في العمل واتخاذ القرارات * ( إقرأ الهامش)
من الجدير بالذكر أن المقصود هنا ليس بيع وشراء الاسهم أو المضاربات المالية على الطريقة النيوالبرالية، والتي تمثل نوعاً من سرقة فائض القيمة وتعرض الاستقرار الاقتصادي للخطر، بل المقصود إنشاء نماذج تشرك العمال في ملكيه وسائل الانتاج.

- هناك من يعبر عن قلقه من تقليص حصة الدولة من عائدات النفط، مما يعيق أداءها في تقديم الخدمات وقدرتها على تمويل مشاريع البناء. إلا ان حاجة الدولة الى تعزيز مواردها المالية سيكون حافزاً لترشيق وزيادة كفاءة أجهزتها بما يضمن تخفيض نسبة الميزانية التشغيلية، وتطوير آليات تحصيل الضرائب وأجهزه الرقابة لايقاف ماكنه النهب والفساد، و يحفّز الدولة على تنويع مواردها عبر التنسيق مع القطاع الخاص مع التركيز على القطاع الوطني، لمكننة الزراعة ودعم الصناعات الخفيفة والاستثمار في المشاريع الخدمية والعقارية والسياحة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض نسبة البطالة والتقليل من نزيف الثروة الى الخارج وعدم الارتهان للديون الخارجية. وقد يفضي ذلك الى تغيير المعادله السياسية ايضاً، إذ تتوقف الدولة عن لعب دور المتحكم الواهب للمكرمات والعطايا لشراء الولاءات، بل سيكون الولاء مرهوناً بكفاءة برامجها ومستوى أداءها في تقديم الخدمات للمواطن.

- يشك البعض بجدوى التوزيع المباشر للثروة لانعدام الشفافية وضعف المؤسسات، وبالتالي فان آلية التوزيع سيثخللها الكثير من الفساد والتحايل. ولكن الشفافية والمؤسسات الرصينة في كل الاحوال هما شرطان ملزمان للتطور الاقتصادي وبناء الديمقراطية، بل باحتكار الدولة للثروة النفطية بلغ الفساد والفقر في الدول المنتجه للنفط أعلى مدياته. حسب دراسات الصندوق الدولي 34 دولة نفطية لا يتجاوز فيها دخل الفرد دولاراً واحداً باليوم، بل ان نسبة الفقر في نيجريا قد تزايدت الى أكثر من الضعف بعد اكتشاف النفط فيها بدلا من أن تنخفض، أما في العراق فان المؤسسات الهشة وثقافة الفساد التي خلفتها الدكتاتورية، ثم تفتيت الدولة ومؤسساتها عام 2003 بالتزامن مع فرض النهج النيولبرالي وشرعنة المحاصصة قد جعلت من البلاد مستنقعاً آسناً للمحسوبية والفساد و العمولات والرشى.

* هامش:
موندراغون سابع أكبر مجموعة صناعية في أسبانيا، أسسها عام 1956 قس كاثوليكي على أساس مبدأ الشراكة، اي يملكها العاملون فيها على شكل أسهم، وتوضع برامجها الاقتصادية والقرارات الخاصة بالانتاج، وآلية توزيع الارباح وما الى ذلك بطريقة ديمقراطية عبر تداول الآراء وانتخاب اللجان والتصويت، عدد العاملين في فروعها على مستوى العالم يبلغ 84 الفا في عدد من بلدان العالم. اكتسبت كنموذج اقتصادي ناجح ومستقر سمعة جيدة، مما دعا عشرات الشركات الى نسخ تجربتها في الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الاوربيه.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقة أولى ضحايا هيروشيما
- الصراع الهوياتي كظاهرة عالمية
- الشرطة الأمريكية: التمييز العنصري والطبقي بين الماضي والحاضر
- تأملات مستقبليه
- دور الاوبئة والحروب والازمات في التغيير.. الحلقة الثانية
- دور الاوبئة و الأزمات والحروب في التغيير
- حكم القانون في ظل الديمقراطية اللبرالية
- المشتركات بين انتفاضتي العراق و تشيلي
- إنتفاضة تشرين... بداية النهاية
- النظام الابوي كبنية تحتية لفكر اليمين والفاشية
- ماذا لو أضرب قادة العراق عن العمل!
- عصر رأسمالية الرقابة ج 2
- قراءة في كتاب: عصر رأسمالية الرقابة
- كرم سماحة الرأسمالي
- نيتشة ...عودة الى البربرية الجزء الثاني
- نيتشة ...عودة الى البربرية...... الجزء الاول
- السكين والتوماهوك ونظرية بودريار
- سي السيد وفلسفة اليمين المحافظ
- غاندي قراءة مختلفه .. الجزء الثاني
- غاندي. . قراءة مختلفة


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - أفكار أولية للخروج من لعنة الاقتصاد الريعي