أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد يعقوب ابكر - أمراض السياسة السودانية- التخوين















المزيد.....

أمراض السياسة السودانية- التخوين


احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)


الحوار المتمدن-العدد: 6671 - 2020 / 9 / 8 - 10:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


*أمراض السّياسة السّودانية – التّخوين(1)*

*أحمد يعقوب*

*مدخل:*
هذه المقالة؛ كانت نتاجٌ لمحاضرة قدّمتها في العام 2015 في معهد التّدريب السياسي بالأراضي المحررة حول " مفهوم الدولة وأنماطها" وآراء المفكرين حول الدولة وممارسة الفعل السياسي، وبطبيعة الحال قفزت إلى الذّهن أشكال الممارسة السّياسة في السّودان وأمراضها ، أُثير سؤال حول؛ هل هناك عقل سياسي سوداني يمكن تعريفه وطريقة عمله وآلياته وتأريخه بمفهوم الابستيمولوجيا، والحق ان الأمر كان مثار جدل شديد . وعلى كلّ فإن هذه المقالة لاتشكّل إلا اليسير مما قيل في تلك المحاضرة؛ وارتأيت أن أكتب عن أمراض السّياسة السّودانية مستنداً على تلك المحاضرة في حلقات خمس ستأتي تباعاً.

(1)
يخدع السّياسيون النّاس؛ عندما يعرضون عليهم صيغة كاملة ومثالية تضمن سعادة الإنسان، وكذلك عندما يصرون على أن قراراتهم وصيغهم التي يعرضونها هي التي ستجعل الناس سعداء، فالإنسان ليس مجرد شئ خاضع لمقاييس سياسيّة انه أكثر من ذلك ؛ كما يقول المسرحي فاتسلاف هافل" . يمكن للسّياسة أن تمنح أشياء محدودة كأن تمنح؛ حياة أسهل وتسهل للناس أن يعيشوا حياة أكثر كرامة ، وبإمكانها كذلك أن تضمن حريات معينة ولكنها على كل حال؛ لا تستطيع أن تضمن جنة أرضية كما لايسعها ان تعد الناس بسعادة ما دون ان يحركوا ساقا اويدا، وهذا هو الحد : الحد الاقصى حيث تنتهي المثالية وتبدأ اليوتبيا.

يُشكّل العمل السياسي بما ينطوي عليه من سلطة وخطاب ومال وجماهير؛ المساحة الخصبة لإذدهار نظام (التّفاهة) كما يقول استاذ الفلسفة آلان دونو .عدة قضايا تبرز للسّطح، حين الحديث عن الممارسة السّياسية في السّودان؛ وأُولى هذه القضايا طريقة تصدّي الزّعماء السّياسيين للقضايا العامة وقضايا أحزابهم الداخلية وآليات التعامل مع اختلافات الرأي على المستوى العام والحزبي.
يُلاحظ أن السّاسة في بلادنا يتعاملون مع الشعب على أنه؛ احتياطي بشري نمتطيه وسيلة لبلوغ مآربنا ونعتبره جاهلاً عاجزاً عن اتّخاذ القرارات، ويُلاحظ ذلك أيضاً في تعامل السّاسة مع جماهير أحزابهم، هذه العقلية ؛هي استعلائية في المقام الاول- يُرى ذلك في نمط التّعامل مع الجمهورعلى صعيد القضايا العامة حيث الإغتراب عن الواقع وبيع الأحلام والأوهام، بالإضافة لخلط الأجندة الحزبية الضيقة ؛ بالأجندة الوطنية وهناك البحث الدّائم عن انتصارٍسياسي على الأحزاب الأخرى في قضايا لا تحتمل التّخندق الايدولوجي بل تحتاج إلى إصطفاف وطني؛ الأمر الذي يظهر بوضوح في الفترة الإنتقالية المفصلية التي تعيشها بلادنا بعد الثورة.فالجماهير هي الطرف المقابل للسلطة وتؤثر بالسّلب أو الايجاب على السلطة ، ولايمكن فهم منظومة الحياة السياسية والاجتماعية بغير فهم التركيبة النفسية لكل من السلطة والجماهير وديناميات العلاقة بينهما؛ فمثلما توجد أصوات تُعلي من قيمة الجماهير وتتملقها ؛ فهناك أيضاً من يصفها بأوصاف سلبية ( راجع غوستاف لوبون).
(2)
ثاني قضايانا الشائكة هي: شيوع ظاهرة التّخوين وسط نخب سياسية وثقافية متباينة ويكاد يتحول إلى سمة فكرية مجتمعية بالغة الخطورة تُستخدم فيها أساليب " تافهة" في التعامل مع الخصوم من كافة التيارات السياسية وحتى داخل الحزب الواحد نفسه خاصة مع أؤلئك الذي يبدون أراء مختلفة عن رأي من يديرون الحزب، وإن المرء ليقف حائراً أمام إيجاد وصف دقيق لسياسة التعامل هذه غير وصفها بـ(المكارثية ) بعد اختفائها فترات طويلة حيث عـادت “المكـارثية” السياسية لتطل برأسها من جديد، لكن في بيئة مختلفـة عن تلك التي ظهرت من قبل، وظروف سياسية مغـايرة، وربما بعيدة كل البعـد عن التي نشــأت في كنفها لأول مرة. وتنسب “المكارثية السياسية” لسيناتور أميركي عن الحزب الجمهوري يدعى جوزيف مكارثي، اتهم عددا من موظفي وزارة الخارجية الأميركية بالتآمر في عقد الستينات من القرن الماضي، في ذروة الصراع بين واشنطن وموسكو، واتهمهم أنهم شيوعيون ويعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي السابق، وتبين في ما بعد أن معظم اتهاماته بنيت على غير أساس. ( راجع مقال التخوين والتكفير السياسي في صحيفة العرب16-8 2016).
ودخل المصطلح؛ القاموس السياسي بحسبانه معبراً عن حالة إغتيال الخصوم معنويا، عبر اتهامات تطعن في شرفهم ووطنيتهم والتنكيل بهم وإقصائهم؛ الامر الذي يمارس مابين الاحزاب وداخل الاحزاب نفسها وضد عضويتها.
يصدر التخوين؛ عن عقلية إقصائية وعن سلوك يحيل الى (القتل الرمزي) وكلاهما يرتبط بأيدولوجيا احادية اقصائية؛ وهو أزمة سلوكية وفكرية سياسية بل أخلاقية تعاني منها جميع التيارات السياسية على المستوى العام؛ هذه الأزمة أنجبت فقراً سياسياً تمخضت عنه نزعات شمولية جعلت زعماء أحزابنا السياسية مستبدين ومحتكرين للدور التاريخي الامر الذي يُمكّن ومكّن الانتهازيين من الاستحواز على الممارسة السياسية،والامر يتبدّى جليّاً في شكل الدولة السودانية بعمرها الذي يجاوز الست عقود ونيف .
يبدأ الأمر عادة بتحفظات أفراد أو مجموعات على بعضهم البعض داخل الحزب الواحد او في الفضاء السياسي العام ؛بسبب خلاف في الرأي السياسي حول قضية من القضايا، ثم يستفحل ليبدأ (الهمز واللمز) وينتهي الأمر إلى التخوين، الأمر الذي يعني إخراج هذا الشخص أو تلك المجموعة من دائرة الانتماء الواسعة والدخول في دائرة الجريمة (المزعومة)، وهذا الأمر قد يتخذ طابعًا علنيًا أو سريًا لا يشعر معه المستهدف إلا بآثاره. وقد يكون الخلاف شخصيًا وينتهي سياسياً أو العكس . وهذا الامر يهدّد بناء الوطن والديمقراطية نفسها كما يهدد أي اصلاح حزبي أو تطوير وكما يقول المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي: "إذا غابت الفكرة، بزغ الصنم"، فإن ظاهرة التخوين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بغياب الرؤية السياسية وآليات إدارة الخلاف وفهم أساسيات العمل السياسي.
ومع إنّ بلادنا تعيش تاريخاً مفصلياً منذ أن تكونت مايعرف بالدولة الحديثة؛ ومع أننا كسودانيون معروفين بتبديد الفرص وإهدراها بسذاجة مثلما فعلنا في ثورتي أكتوبر1964 وأبريل 1985 فإن ميراث التبديد والإهدار يكاد يكون واضحاً في ممارساتنا وطريقة تعاطينا مع القضايا الراهنة في دولة مابعد الثّورة وهذا على مستوى الدولة، أما على مستوى طريقة ادارة احزابنا السياسية؛ فميراث الهدر الذي يمارس الان سيمنع بناء دولة ديمقراطية والتوصل الى مشروع للبناء الوطني وستتحوّل احزابنا السياسية الى أحزاب منغلقة الفكر عاجزة عن فهم الأجيال الجديدة من عضويتها .
وأزعم أن مخاطبة قضايانا القديمة المتجددة لسودان مابعد الثورة لم تبارح محطات العقلية القديمة ، فالعقل السياسي السوداني لم يدمن الفشل ممثلاً في نخبته فقط حسبما عبّر د. منصور خالد في سفره بل؛ أن هذا العقل يكرر نفس الممارسات والأخطاء وينتظر نتائج مختلفة.
ان السؤال الذي طُرح في القرن السادس عشر يبعث نفسه باستمرار وسط حالة التخوين هذه وهو: ما الذي يفعله أصحاب العقول من المفكرين والمثقفين؛ حين يصطدم علمهم وثقافتهم وحرصهم على مساعدة بلادهم وتطوير واصلاح احزابهم بموجة تخوين عاتية محملة بأشكال من الجهل والسطحية وكراهية المعرفة وانكار الواقع والولع ببناء قصور من الرمال؟ ومثلما ان الاجابة صعبة فان؛ العيش وسط بيئة سياسية تمارس مهام عمل محاكم التفتيش الدينية لامر يبعث على القنوط.
ان مهمة جيلنا اليوم ؛ مهمة عظيمة ونبيلة في آن، فبناء الوطن وإيجاد مشروع وطني يحترم التنوع والتعدد والاراء المختلفة تقتضي منّا تثوير العقل السياسي السوداني وتغيير آليات عمله ليواكب المتغيرات التي تطرأ باستمرار على عالمنا المتجدد بقضاياه كل يوم، مهمة هذا الجيل اصلاح وتطوير وتحديث الممارسة السياسية السودانية بعيداً عن التخوين والخروج من حالة الفشل التي لازمت الأباء المؤسسين للبلاد واؤلئك الديناصورات الذين يتغذون على تاريخهم الذي أفل فالتاريخ ليس ملكية إنه مشاع.
أخيراً : فالكتابة ميثاق شرف ثلاثي بين الكاتب والنص ومن يقرأونه، ويقوم هذا الميثاق على الصدق والنّزاهة والحقيقة وأي خيانة لهذا الميثاق تعني خيانة للحقيقة ، أقول هذا في وقت أفضّل تسميته ب(عام الرمادة) للوطن فالثورة لاتزال تحتاج لجهدنا . لقد حان الوقت للأجيال الجديدة للاضطلاع بمسؤلياتها تجاه قضايا الوطن وإصلاح العمل السياسي.
يتبع........



#احمد_يعقوب_ابكر (هاشتاغ)       Ahmed_Yagoub#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاثنية كوعي طبقي
- ذاكرة المدينة الشاحبة
- حفريات في ذاكرة إمرأة
- ثًلاثُونَ عَاماً من عُمري قدْ مَضَيْن - سِيرة التّشظّي، القل ...
- عام على غروب شم الصوفي
- عامٌ على غروب شمس الصّوفيُّ
- تأملات حول المنفى ( إحياء لذكرى أنثى ضائعة)
- فصل في جحيم الكتابة (اللاتماسك)
- سيرة النهايات والخيبات (قراءة في تخدير العقول ومسارح العبث)
- منفستو الموت (خيبات الالهة والمرأة والوطن)
- في سيرة المدن الكئيبة (انثربولوجيا التلصص)
- مراثي لشهيد السودان الجديد (د. جون قرنق)


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد يعقوب ابكر - أمراض السياسة السودانية- التخوين