أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين صغيرون - حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (2)















المزيد.....

حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (2)


عزالدين صغيرون

الحوار المتمدن-العدد: 6669 - 2020 / 9 / 6 - 09:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فض الاعتصام إذن كان ذروة طقوس قتل الأب.
وفي التأويل السسيوسياسي للحدث تم القتل وفقاً لاستراتيجية الطقوس السودانية: اللاعنف والعصيان المدني.
وتكاد تكون هذه الآلية للتغيير ماركة سودانية مسجلة حصرياً في تاريخ الثورات السودانية الحديثة.
وكما قلنا قبل، فإن خصائص المكان، أو الحيز الديمغرافي للأحداث في السودان، ورواسبه في العقل السياسي الجمعي يلعب الدور اللامرئي لنمط الأحداث فيه، وتحديد اقتصاديات تكلفة الدم اللازم لعملية التغيير. وبشكل عام، يمكنك أن تلاحظ بأن السودانيين ضنينون بالدم. وصبورون لا يتعجلون النتائج، وفيهم "مهلة" وسعة بال وأناة، بتأثير من الحيز المكاني الكبير بتنوع موارده الذي يشيع الطمأنينة في النفس.
(المطلوب .. مسح الطاولة )
لم يكن "الأب" المقصود بالقتل في طقس الاعتصام، أو مجمل طقوس "الحدث" السبتمبري/ الديسمبري (18 – 19) هو البشير ودولة الإسلامويون. فعلى مذبح التغيير كان يتمدد "النظام السوداني" المتوارث منذ عصور السودان الوسطى، والمتمثل في السلطنات والممالك والمكوك في سنار ودارفور وتقلي والعباسية وحلفاية الملوك والممالك القبلية الشمالية، مروراً في العصر الحديث، بمرحلة الاستعمارين الإنجليزي/ المصري، وبينهما دولة المهدية، انتهاءً بمراحل الدولة الحديثة ما بعد الاستقلال.
ذلك أن ما آل إليه السودان الآن من حال بالغ السوء، لم يكن من صنع عصابة الإنقاذ المتأسلمة، وإنما هم يمثلون الحلقة الأخيرة في مسلسل من حلقات لخطأ يشبه العاهة ظل يلازم المسار التاريخي للمجتمعات التي تتكون منها الدولة السودانية، وظل يتراكم، هذا الخطأ، عبر محطاتها التاريخية المختلفة على مرّ العصور، إلى أن أفرز أخيراً هذا النظام المافوي الديني/ العسكري الشمولي، الموغل في تسلطه وإقصائيته.
إذ قبل أن تتوحد سلطنات سنار، دارفور، المسبعات، تقلي وممالك الشمالية، في دولة مركزية على يد المستعمر التركي/ المصري (1820 - 1885)، تأسست هذه الكيانات ودويلاتها على مبدأ مزيف تماماً، يقوم على وهم عروبة وإسلامية هوية الدولة وهوية نخبها المسيطرة.
وكانت تلك مغالطة ساذجة، وادعاء فارغاً‘ وخياراً كارثياً، في بلد متعدد الإثنيات والأديان والثقافات، وقد تواصل هذا الخيار في ثورة المهدية ودولتها (1821 – 1889)، ثم فترة الحكم الثنائي (1899 – 1956)، وفقاً للاتفاق الذي وقع بين بريطانيا ومصر في 19 يناير 1899 لغزو السودان، دون أن توافق عليه أو تعارضه مصر(1).
( هوية زائفة ومتوهمة )
وقد ظلّ هذا الخيار الذي يفتقر إلى العقلانية والمنطق هو "كعب أخيل" الذي حال دون الوحدة الوطنية اللازمة لتأسيس دولة حقيقية قابلة للبقاء والنمو والاستدامة. وقد درجت الحكومات في السودان، عبر مختلف مراحلها، منذ العهد التركي، والمهدية، مروراً بالاستعمار الإنجليزي/ المصري، وانتهاء بالحكومات الوطنية بعد الاستقلال، تغذي هذا التوجه، عبر سياسات كرست هذا المفهوم ورسَّخته في سياسات التعليم والإعلام، وخطط التنمية، وتوزيع الخدمات، وحصص السلطة والنفوذ. أدت في مجملها إلى تعمق الشعور بالغبن والتفرقة والظلم بين "أقليات" مستعربة و"أغلبية" غير مستعربة. ولم يشفع إسلام من كانوا مسلمين بين هؤلاء المهمشين لأن يُعتقوا من ذل الاسترقاق والظلم والاضطهاد.
علماً بأن خطاب العربنة والأسلمة هذا، وإن بدأ عمله في إعادة هندسة الاجتماع السوداني إثر اتفاقية "البقط"، ليبدأ تشغيل آلياته مع دولة الكنوز. إلا أنه أخذ شكله المكتمل على أرض الواقع في سلطنات العصر السوداني الوسيط، التي اتخذت نخبها الحاكمة أنساباً عربية قرشية، "لاصقة طينتها في الحائط" النبوي الشريف. لتظل السلطة والثروة والنفوذ مذاك حكراً على أحفاد هؤلاء المستعربين، مقصين وراء الحائط المجموعات الأفريقية، وبين هؤلاء تم إقصاءهم أحفاد من شادوا منذ ما قبل التاريخ حضارات وإمبراطوريات سودانية خلدتها ذاكرة تاريخ البشرية، وهي المآثر الوحيدة الباقية التي يمكننا أن نفاخر بها الأمم اليوم عن حق ودون ادعاء.
وهذا الخلل، وهذه المحاولات العبثية المتكررة لتأسيس الدولة السودانية الحديثة على هوية زائفة، أو على العروبة كهوية مُتوهَمة، جعلت من الدولة السودانية "المفترضة"، مشروع دولة لم تكتمل اشتراطات "دولنتها" بعد. فهي دولة "افتراضية".
ويمكنك أن تقول بأنها "دولة خديج". كما وصفتها في غير هذا المكان.
والخدج باللغة العربية هو النقصان. يقال خَدَجَت الحاملُ: ألقت ولدَها قبل تمام أيامه ، وإن كان تامَ الخلْقِ. وخَدَجَ الزَّنْدُ : لم يُخرجْ نارًا. وخَدَجَتِ الناقة تَخْدِجُ بالكسر خِدَاجا بالكسر فهي خَادِجٌ والولد خَدِيجٌ بوزن قتيل إذا ألقته قبل تمام الأيام وإن كان تام الخلق. وفي الحديث (كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خِدَاجٌ) أي نقصان. وخدَّجَتِ الحامِلُ ولدَها: خدَجته ، ألقته قبل أوانه. والخُدّجُ في البشر هم الأطفال الذين يولدون قبيل موعد ولادتهم.

( الدولة الخديج .. وأعراضها )
وضمن أعراض أخرى، فإن أهم مظاهر خداجة الدولة السودانية، وفشلها في أن تحقق دولنة كيانها، فيما نحن بصدده هنا، يمكنك أن تلخصه في الآتي:
- إنها فشلت في تحديد هويتها الجامعة
- ولم تحقق وحدة تماسكها الداخلي
- ومن ثم فشلت في تحقيق الحد الأدنى من لحمتها الوطنية
- وبالتالي لا يتمتع مواطنوها بحقوق متساوية، ما يؤدي لنشوء المنازعات وانتشار الحروب الأهلية.
مما يؤدي كـ "نتيجة" حتمية إلى غياب – أو تغييب – مفهوم الدولة في الوعي الجمعي.
وغياب مفهوم الدولة في الوعي الجمعي للمكونات التي "تتساكن" في الحيز الجغرافي للدولة، بقدر ما هو "نتيجة" للفشل في إدارة التنوع. فإنه بالقدر ذاته يمكن أن يكون "سبب" هذا الفشل.
وأما الإجابة على السؤال: كيف تصير الدولة الخديج دولة مكتملة المواصفات، أي تنتقل إلى حالة الدولنة؟.
- فإن الخطوة الأولى تتمثل في تحديد هوية الدولة تحديداً صحيحاً، والتي تتمثل في سودانية الدولة ومواطنيها، لأن هذه هي الهوية الجامعة لكل السودانيين، والتي تعلو على هوياتهم الأصغر: العرقية، والثقافية، والدينية. وتقوي التماسك الداخلي لنسيج الدولة، وتحقق الشعور بالوحدة الوطنية، وتغذي مفهوم الدولة في الوعي الجماعي للمواطنين، الذين يتمتعون بحقوق متساوية في دولتهم.
أما كيف يتحقق ذلك عملياً على أرض الواقع؟.
- فبعقد اجتماعي – يعيد هندسة الاجتماع السوداني – متفق عليه بين كافة المكونات – صاحبة المصلحة – الجهوية والعرقية والثقافية التي يتشكل من مجموع مجتمعاتها الواقعة في الحدود الجغرافية الشكل الكلي للدولة المقترحة.
- أن يضمن هذا التعاقد كافة الحقوق الملزمة المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن أديانهم وأعراقهم وثقافاتهم، وحرية التفكير والاعتقاد والتعبير، والفرص المتساوية بين جميع مواطني الدولة.
- وأن يتم تسوير مبادئ هذا التعاقد واستحقاقاته بدستور تتفق عليه وترتضيه كافة هذه المكونات والقوى الاجتماعية، ينظم العلاقة بين مؤسسات الدولة المختلفة، وينص صراحة وبوضوح على الفصل بين سلطاتها. كما ينظم العلاقة بين هذه المؤسسات وبين المجتمع ، وضمن ذلك العلاقة بين الدولة ومؤسساتها والأفراد.
- ويشرف (كضامن) على تحقيق ذلك على أرض الواقع قضاء مستقل، وقوانين عادلة تضمن تحقيق العدالة، بما يحقق الاستقرار.

( سؤال خارج السياق )
على تخوم هذه المبادئ والأسس لن يعود ثمة مجال للتساؤل بعد كل ثورة أو انتفاضة تزهق فيها الأرواح: البديل (منو) والبديل (شنو) ؟!.
فالبديل الذي لا بديل غيره هو: الشعب، والدستور، والقضاء المستقل.
تحقيقاً لمبادئ الثورة: حرية سلام وعدالة ... مدنية خيار الشعب.
باختصار البديل هو: مأسسة دولة الشعب المدنية .
مصادر وهوامش
(1) محسن محمد، "مصر والسودان: الانفصال بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية"، دار الشروق، القاهرة/ مصر، الطبعة الأولى 1414هـ - 1994م، ص7.



#عزالدين_صغيرون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (1) في التأويل السسيوسياسي ...


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين صغيرون - حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (2)