أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين صغيرون - حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (1) في التأويل السسيوسياسي لثورة سبتمبر السودانية 2019 - إلى الصديق طاهر عمر-















المزيد.....

حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (1) في التأويل السسيوسياسي لثورة سبتمبر السودانية 2019 - إلى الصديق طاهر عمر-


عزالدين صغيرون

الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 12:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رسالة وصلتني عبر بريدي الخاص من أحد الثوار الأفاضل يأخذ فيها عليَّ ما اختتمت به الحلقة الثالثة من "فرز الكيمان" إجابة على السؤال: هل ثمة أمل أن تترافق في انسجام خطوات الأبناء والآباء في طريق البناء؟.
فهو يرى أن إجابتي: " تحتاج لإعادة نظر. (حيث)غاب عنها البعد التراجيدي في تحولات المجتمع عبر ظواهره الاجتماعية، وخاصة حينما قلت أن يتنازل الآباء، وهنا غاب البعد التراجيدي و سيطر على عقلك اللا وعي الذي تريد تغيره أي مهادنة الأب". فطالما: "حال المجتمع السوداني اليوم تحت سيطرة أحزاب الطائفية و السلفية والحركات الإسلامية، ودين بشري يتمثل في النسخة المتخشبة للشيوعية السودانية (فإن) الخروج من هذه المتاهة لا يأتي بغير الانتصار للفرد والعقل والحرية، ومحاربة سلطة الأب وميراث التسلط".
ويختتم محاورته الفاهمة بقوله "أن ثورة ديسمبر هي ثورة تقدم فيها الشعب على النخب ومازالت النخب عاجزة بأن تلحق بمستوى فهم الشعب لديناميكية تحول المجتمعات (التي) لا تأتي بغير إزاحة الأب بشكل تراجيدي كما رأينا في عقدة أوديب، وهنا تنفتح أبواب علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة فيما يتعلق بمسألة الشرط الإنساني الذي لا يعني غير السياسة بمعناها الذي لم يتبدى بعد في السودان".
لقد أكبرت هذه المداخلة الرائعة وسعدت بها حقاً.
- لأنها تعكس (أولاً) مدى وعي شبابنا بما يريدون تحقيقه.
- ولأنها – ثانياً – أكدت لي بشكل واضح ومباشر عمق الفجوة ما بين رؤيتهم، ورؤية الآباء في الأحزاب وكافة التنظيمات والمنظمات والنخب الاجتماعية التي تقود المرحلة الانتقالية. مع الثورة وضدها.
- وثالثاً: لأنها كشفت عن تسامحهم وانفتاحهم وسعة صدرهم للحوار الموضوعي حول وجهة نظر (الآخر) مهما اختلفت عن وجهة نظرتهم. وهذا دأب الجادين في التصدي للقضايا الكبرى.
وليس المهم في نظري ما نتفق عليه من الأفكار أو نختلف. فالقيمة الحقيقية تكمن في الحوار نفسه. ولطالما ظللت أردد: ليس الوصول هو الغاية .. ولكن السير.

( الفرعون يتبختر عارياً )
ولعل أهم ما جاء في كلام صديقنا (وأظنه حجر الزاوية) هو مسألة إزاحة الأب بشكل تراجيدي. ومع اتفاقي معه حول ضرورة هذا القطع الحاسم والمبرم بين تاريخين. تاريخ مضى، وتاريخ آت. وما يلازمه بالضرورة من عنف. إلا أنني أرى بأن ذلك قد حدث بالفعل في الثورة. وبالذات في مشهد فض الاعتصام ..
لقد كان ذلك طقساً للقطع بين تاريخين.
كان شعار الثورة في البداية "تسقط بس". قاطعة لا تترك هامشاً لأي "جودية" أو مساحة لأي مساومات، أو حلول وسط. وقد فهمها وأدرك فحواها البشير. قائلاً: "قالوا تسقط بس! بأي شيء، بدون أي شيء آخر". أو ما معناه.
"تسقط بس" لم تكن تعني فقط شعاراً حديَّاً فاصلاً وقاطعاً. ولكنها كانت تعني الاستعداد للمضي لما بعد النهاية، ودفع أي ثمن للإسقاط.
أما الأداة فكانت "سلمية سلمية". وهذا هو سلاح اللاعنف الذي فلَّ حديد سلاح العنف، وجرده من العقلانية، وجعله عارياً وعاجزاً أمام إرادة التغيير.
ولم يجد النظام أمامه سوى أن يفرغ آخر ما في جعبته من عنف وبطش وتوحش وبربرية في فض الاعتصام السلمي أمام القيادة العامة لقواته المسلحة، التي لجأ إليها واستجار بها الثوار. فـ"حدث ما حدث"، وسقطت ورقة توت العقلانية، وآخر "خرقة" مهترئة متوهمة، يمكن أن يغطي بها النظام شرعيته المدعاة، ورأى العالم كله الفرعون عارياً لـ "قلة عقله" (1) !.

( وما قتلوهم، ولكن .. أنفسهم .. ! )
بفض الاعتصام بتلك الوحشية كتب النظام وأدوات قمعة المتمثلة في مؤسساته العسكرية والأمنية والشرطية ومليشيات الظل، شهادة وفاته.
وبشيء من التفكير ستجد أن عسكر النظام القديم لم يقتلوا ويغتصبوا الثوار، ولم يجهضوا الثورة.
لأن المشهد في مرآة التاريخ كان معكوساً ..فالمقتول كان هو النظام القديم.
كان الجنود يصوبون فوهة بنادقهم على أرجلهم وعلى صدر النظام.
وأعلنت الوفاة رسمياً بخروج الملايين في موكب 30 يونيو وفشل الانقلاب الذي دبرت له مجزرة فض الاعتصام في محاكاة غبية لفض اعتصام رابعة في مصر، الذي نصَّب السيسي فرعوناً رابعاً على عرش مصر الحديثة.
وإذا كانت الأشياء بنتائجها فإن الحدث التراجيدي والذي كان لحظة القطع بين تاريخين كان إعلاناً بموت الأب، وحياة الشعب وثورته.
وفض الاعتصام كان طقساً مشهوداً لقتل الأب.
أما الشيء الآخر، أو الملاحظة الثانية التي ينبغي الإشارة إليها في نمط الثورات السودانية، وهي العامل الديمغرافي كان يلعب دائماً في تحديد اقتصاديات الثورة البشرية والتأثير في نمطها ونتائجها.
ذلك أن الوعي الجمعي اللاشعوري بمساحة الحيز المكاني السوداني الكبيرة، بما لا يتناسب مع كتلته الديمغرافية الصغيرة، قياساً بالمساحة الشاسعة، تجعل الثورة في السودان تنفرد ببعض الخصائص الخاصة بها .. وهي الاقتصاد في "قرابين" الثورة والتغيير.
فطوال 60 عاماً، هي عمر الاستعمار الثنائي للسودان، لم تكن تكلفة دم المقاومة باهظة، وما زالت معركة سنة 1924 ماثلة في الذاكرة الوطنية كملحمة بطولية نستحضر فيها دائماً أسماء علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، رغم محدودية الشهداء. وكذلك الأمر في ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، رغم نتائجهما التاريخية الباهرة، إذ أزالتا ديكتاتوريتين، تكلف إزالتهما، في غير السودان، ثمناً باهظاً من الأرواح.

( الانتقام المزدوج )
وتنفرد ثورة سبتمبر السودانية دون ثوراتنا الحديثة بكم الشهداء الذين مهروها بدمهم، وبالوحشية والبربرية التي تعامل بها النظام مع مواطنيه الثوار، وهي المرة الأولى في تاريخ ثوراتنا الحديثة التي يتم فيها اغتصاب الحرائر وتقييد الشباب وإلقاءهم في النيل أحياء.
وربما يرجع عامل التكلفة العالية فيها من حيث عدد الشهداء والعنف الشمولي النوعي، إلى طبيعة النظام وتربية التنظيم الفاشي الحاقد من ناحية. وإلى طول فترة القمع والكبت التي جعلت انفجار غضبة الثوار عارمة كانفجار البركان، يمثلها شعارها القاطع: تسقط بس.
ويُعتبر حمام الدم الأكثر فداحة في تاريخ السودان والمتمثل في السياحة الدموية التركية، وفي معركة كرري استثناء القاعدة. وربما ذلك لأن الأولى كانت بسبب نتيجتها المتمثلة في توحيد السودان إدارياً بحدوده الجغرافية والسياسية المعروفة لأول مرة في تاريخه.
أما الثانية معركة كرري فقد كانت عقابً مزدوجاً.
- انتقام من مصر المملوكية وبريطانيا العظمى من ثوار "دراويش" بعتاد حربي بدائي أغلبه يتمثل في السيوف والحراب، يلحقون الهزيمة والعار بدولتين كبيرتين ويقطعون رأس ضابط بمكانة نجمهم العسكري والإنجيلي (غردون) ببشاعة مذلة لمكانة الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن مستعمراتها !!.
- أما الثاني فقد عقاباً ذاتياً، لم تكن معركة – كما قال تشرشل يصفها في "حرب النهر" بالمعنى الحقيقي للمعركة، كانت أقرب إلى الانتحار الجماعي. وقال عن أبطالها "كانوا أشجع من مشى على الأرض. دُمْرِوا ولم يقهروا بقوة الآلة". وكانت كأنما "الدولة" المهدية أرادت أن تعاقب "الثورة" المهدية على انتصاراتها الخاطفة الباهرة التي كشفت في سنوات قليلة عن عبقرية الشعب السوداني حين تتوحد إرادته، فيُخرج أروع وأنبل ما فيه، وهذا ما فشلت فيه "الدولة"، لعوامل عدة ليس هذا مقام تفصيلها.
ترى هل تغار الدولة من الثورة أعطتها الوجود، وإمكانية أن تكون ؟!.
هل تحقد الدولة على الثورة لأنها أكثر منها ألقاً وشباباً وعنفواناً؟!.
لم تنجح وتستقر الدولة الفرنسية بعد الثورة إلى أن جاء نابليون وانتقم منهما معاً، وأقام إمبراطوريته على أشلائهما.
لهذا وذاك ارتفعت تكلفة قرابين "توحيد" و"خلق" الدولة في حالت الغزو التركي، وفي حالة معركة كرري. وإن كان المؤرخون يعزون حملة الدفتر دار إلى رغبة محمد علي في الانتقام من السودانيين على حرق ابنه إسماعيل في شندي.

هوامش
(1) فرعون وقِلة عقلة، عنوان قطعة مطالعة في مناهج مرحلة الابتدائي/ الأساس الآن، للفصل الثاني فيما أظن، تحكي عن الملك الذي أراد أن يخيط له "الترزي" ثوباً لم يلبس مثل أحد من قبل، فأحضر الرجل ما ندر من أنواع القماش، وأخذ يصور له كيف أنه في قمة أناقته، فخرج الملك عارياً متوهماً بأنه يرفل في حلل من الملابس، وسار بين الرعيتة التي اصطفت في الشوارع تعبر عن اعجابها بملابس الملك. ولكن ارتفع فجأة صوت طفل وهو يقول، مشيراً بأصبعه للملك : "أنظروا الملك عريان". وهي قصة عميقة الدلالات، يمكن أن تُقرأ من زوايا عديدة مختلفة.



#عزالدين_صغيرون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين صغيرون - حول طقوس قتل الأب وقرابين التغيير (1) في التأويل السسيوسياسي لثورة سبتمبر السودانية 2019 - إلى الصديق طاهر عمر-