أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند سرحان - طائرة - من ذكريات الحرب في العراق














المزيد.....

طائرة - من ذكريات الحرب في العراق


مهند سرحان
مستشار تطوير قيادي وكاتب

(Muhannad Sarhan)


الحوار المتمدن-العدد: 6668 - 2020 / 9 / 5 - 22:18
المحور: الادب والفن
    


كنت صغيرا لم اتجاوز العاشرة من عمري .. اركب مزلاجي .. اتجول في شوارع حينا وفي خيالاتي .. ارفع يدي احيي جيراننا “هلو عمو .. هلو خالة” وانا منطلق بلا هدف … ابحث عن صديقي في الشارع الخلفي : حسن،اين انت يا صديقي.. ذهب الاصدقاء واختفى الجيران .. ذهب عمو وذهبت خالة .. اختفوا خلف ابواب البيوت .. ابواب حديدية يعلو بعضها الصدأ .. يذكرك بقدم واصالة هذه البيوت .. بقيت وحدي مع شوارع حينا .. اجول فيها وفي خيالي … اسمع صيحات الخالات من خلف الجدران .. يخبرن اطفالهم بان يدخلوا البيوت فوراً .. بان يختبئوا من الكاسر … بان يحذروا الشر المتربص في الخارج

يا اصدقائي ويا جيراني اين تذهبون؟ 

وظهر الشر المتربص من خلف الغيوم … يجلب معه الموت والصدى والرعب .. يجلب معه ضياءاً لم لم تشاهدوه من قبل .. يحمل تحت اطرافه ناراً لم تعرفوها، اعدت لتذيقكم طعم هذا الشر … يجلب معه رعداً هادراً مفزعاً … يجلب معه عوزاً وتشريداً وتيتيماً

نظرت الى السماء … اشاهد الشر الحديدي اللامع … كانت طائرة امريكية من طراز اف ١٦ او اف ٢٢ او قد تكون اف ١٥ .. وما ادراني انا، لم اهتم قبل ذاك اليوم لا بعده لأنواع الطائرات الامريكية او العراقية … نظرت اليها تعلو من خلف غيمة .. كانت بعيدة خلف الأفق، وصوتها قريب جداً وكأنها تطير عند اذنيّ.

وقفت اشاهدها .. احاول التوازن على مزلاجي .. لا زلت وحيداً في الشارع، لا زالت تعلو فوق الغيم .. تخترق السماء وتمر عبرها .. لا شيء يقف بوجهها .. كانت صافرة الانذار قد انطلقت قبل قليل ولم انتبه لها .. لم تكن صافرة الانذار تعني لي الكثير .. لم يخفني سماعها حين كنت صغيرا، كما اصبح يخيفني بعد عدة سنوات .. لأنني اصبحت اعي اكثر ما كانت تعني تلك الصافرة وتلك الطائرات.

كم هي جميلة هذه الرشيقة .. ترتفع من خلف الغيمة لتعود الى الانقضاض .. كحوت سريع يصعد الى الاعلى ليغوص مرة اخرى .. ها هي تنقض الى الاسفل … شاهدتها تطلق صاروخاً او اثنين .. ذهبا الى مستقرهما الاخير .. يحملان موتاً ودماراً وتشريداً للبؤساء في الاسفل … لبؤساء لم تحمهم امهاتهم وتدخلهم داخل البيوت المحصنة .. وان ادخلتهم فلن يغير ذلك شيئاً .. ستنهار هذه البيوت على رؤوس قاطنيها تحتضنهم .. تختطفهم لمستقرهم الأخير.

أعلنت الصافرة المستمرة انتهاء الغارة … واختفت تلك الرشيقة من السماء .. ودفعت زلاجتي لأعود الى المنزل .. امي قلقة كالعادة تقف بالباب، تسالني لماذا لم اعد الى المنزل قبل الآن؟ ماما كنت العب، كنت اشاهد المقاتلة، لا تخافي علي لن يحدث شئ لي .. ان الطائرة بعيد ولن تؤذينا .. انها تقصف اناساً اخرين .. بشراً اخرين غيرنا .. لن يعودوا اليوم لمنازلهم او لمدارسهم او لاعمالهم .. لن يستيقظوا في الصباح ليشموا صمونهم الحار للإفطار .. لن يقبلوا احبائهم قبلة وداع .. لن ينظروا بعد الآن في عيون اصدقائهم وجيرانهم.

ولكن الطيار سيعود اليوم الى مقره، سيعود ليأكل وجبة ساخنة دسمة .. ليست لذيذة كالتي سيأكلها في منزله .. ولكنها ستفي بالغرض في الوقت الحالي … سيعود لينام في فراشه هذه الليلة .. اتراه سيفكر باولئك الذين ارسلهم الى جنة الفردوس .. وكيف سترفرف اجنحتهم لترفعهم الى السماء .. سيعود غداً ليرى ابنه ويحتضن امرأته .. يحكي لها واصدقائه عن بطولاته .. ويعطي ابنه لعبته .. طائرة اف ١٦ او احداهم.



#مهند_سرحان (هاشتاغ)       Muhannad_Sarhan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللقاء الاخير
- اكعد واسكت
- حياة ذوي البشرة السمراء مهمة - وجهة نظر عراقية


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهند سرحان - طائرة - من ذكريات الحرب في العراق