أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادهم عدنان محمد طبيل - مقاربات في النوع الاجتماعي (مصطلح ودلالة وأداة لفهم الواقع)















المزيد.....


مقاربات في النوع الاجتماعي (مصطلح ودلالة وأداة لفهم الواقع)


ادهم عدنان محمد طبيل

الحوار المتمدن-العدد: 6665 - 2020 / 9 / 2 - 03:37
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


تعتبر "دراسات "الجندر" أو النوع الاجتماعي حقل معرفيّ "متضافر التخصّصات"، فرضت نفسها في علوم اجتماعية وإنسانية متعدّدة. وكل ذلك في إطار الظروف التي أفضت بهذه الدراسات إلى إحداث "منعطف" غير مسبوق، في النظرية النسوية في العالم ككل، وبالرجوع إلى الطابع العلمي والأكاديمي والثقافي لهذه الدراسات؛ وممّا جعل هذه الأخيرة، ومنذ بدايات تشكّلها وتأسيسها، موضع دراسات منطقية وتحليلية هادئة من ناحية وموضع نقاشات مثيرة للخلاف وساخنة من ناحية موازية (وغالبة).
مصطلح " "النوع الاجتماعي"، الذي على أساس من أهميته تنشط دراسات الجندر سواء في مجالاتها المعرفية أم في غير مجالاتها المعرفية، كباقي المصطلحات الاجتماعية والثقافية التي لها تاريخ قائم بذاته، وقبل ذلك تنطوي على ذاكرة هي "ذاكرة المصطلح" كما يصطلح عليها. في في علم الاجتماع ومن وجهة نظر "سيسيولوجيا " فإن هذا المفهوم تمكّن من أن يفرض نفسه على المجتمعات الإنسانية في أشكال من المقاربة، وعلى نطاق واسع، أي في جغرافيات متباعدة وثقافات متغايرة عربيا ًواسلامياً كما في باكستان وفلسطين ولبنان والأردن وسنغافورة، بالإضافة الي الغرب الرأسمالي (الأمريكي، ابتداءً، والأوروبي ثانيًا) الذي ظهر في سياقاته المفهوم الإنجليزي " الجندر".
وترجع قوة و مركزية هذا المصطلح نتيجة الحركة النسوية العالمية التي تتميز بميراثها الثري، وهو نتيجة متن كامل من أبحاث ودراسات أنتجتها باحثات وكاتبات وأكاديميات من بلدان الشمال ــ والجنوب العالمي أيضًا ــ خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، على النحو الذي أفضى إلى تدشين حقل معرفي جديد، بخلفية أكاديمية مغايرة متفتِّحة وجديدة، ومنتظِم ضمن سياق الدراسات الثقافية بخلفيتها الأكاديمية والإيديولوجية معًا.
على الرغم من قدم العلاقة بين الرجل والمرأة فان مصطلح الجندر ما زال حديثا نسبيا في مجتمعاتنا العربية، وعلى الرغم من غرابته فإن المضامين والدلالات التي يتضمنها موجودة في داخلنا ونفكر فيها دوما ونخرج باستنتاجات مختلفة. علي المستوي دول الجنوب العالمي لا تزال شعارات الجندر أو النوع الاجتماعي والعدالة والتمكين ودور المرأة تراوح محلها على رغم صدور بعض القوانين والتشريعات الدولية لصالح النساء، وعلى رغم التزام السلطات والحكومات بالتوقيع على الاتفاقات والبرتوكولات الدولية التي تنصف المرأة فإن تطبيق بنود هذه الاتفاقات لايزال قيد الأدراج. المفهوم بسيط وواضح ولا يحتاج الي التحليل والتعليل، لكن الحديث فيه قد ينكره الكثيرون، على الرغم من انه حديث دنيا لا حديث دين، فالبعض يراه دوماً بعين من الريبة والشك ويطرح أكثر من علامة استفهامٍ حول الغاية من توظيفه، والبعض الاخر يعتبره نشازاً، والأخر يراه إعادة انتاج للمفاهيم القديمة، ويحاط به الكثير من الإثارة والتحفظ أحياناً والقبول والرفض، لأن كثير من المحللين وكثير من المنتقدين يصفون هذه الصفات، التراجع، الاختفاء، التقوقع، يرجعوها على أسباب دينية وهي ليست. لا ترجع لأسباب دينية إطلاقاً، إنها ترجع إلى أسباب ثقافية وقيم وموروثات أو إلى نتيجة ضمور الوعي بأهمية دور المرأة وأهمية أدائها في المجتمع وفي تطوره وفي نموه، بالرغم ان الدراسات والواقع تعتبره مخرجا للإشكالات الإنسانية المزمنة في المجتمعات العربية، وهنا نتحدث عن مفهوم النوع الاجتماعي رغم ان الحديث فيه قد ينكره الكثيرون، فالنفس تأنس لما تهواه، وتعشق ما استقرت عليه، فبالتالي الحديث يبدو معادا ومجترا لكن الصحيح أيضا هو استمرار الواقع على حاله لا تغيير ولا تقدم.
إن فهمنا ووعينا لموضوع الجندر أساسي وهام لفهم تأثير العمليات التنموية بشكل مختلف على الرجال والنساء، وهام ايضاً عن مدي تأثير هذا المفهوم على تطور البني التحتية والفوقية والانماط الثقافية والاجتماعية التي تؤدي الي التنمية، ففيما نخلق ذكور واناث بفوارق جنسية بيولوجية تتمثل في حملنا لأعضاء جنسية مختلفة لكل منها وظائفها كالإنجاب والإخصاب وهي مقدرة ولا دخل لنا فيها، فيما تظهر فروقات أخرى اجتماعية ودينية وثقافية، وترتيبات تم وضعها بناء علي هذا الاختلاف، والحقيقة أن لا علاقة لتلك الأعضاء بالأدوار والتقسيم الاجتماعي ولكنها ترتبط بالعلاقات و بالأدوار المتوقعة التي يرسمها المجتمع ونظرة هذا المجتمع لنا، وبالتالي جاء مفهوم النوع الاجتماعي ” الجندر ” الذي يطلق على العلاقات والادوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين ( الرجال والنساء )، ان الاختلافات التناسلية بين الجنسين "ذكور وإناث" هو مقدر وتابث ولا يتغير، وبالتالي تأثيره محدود على العلاقات والأدوار، ولا تأثير له على الحقوق، فالفجوة بين النساء والرجال مرتبطة بمفهوم الذكورة والأنوثة وأسبابها تتعلق بالعادات والتقاليد والأعراف والتربية والقوانين والعلاقات الاقتصادية والسياسية وهذه كلها بالتأكيد مترابطة. تتغير هذه الادوار والعلاقات والقيم وفقا” لتغير المكان والزمان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الاخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية ، العرق،… الخ . وبالرغم من ان هذه العلاقات متغيرة في مؤسسات المجتمع المختلفة الا ان جميع هذه المؤسسات تقاوم التغيير.
ان الأولاد يصبحون رجالا، والبنات يصبحن نساء بحكم عملية التنشئة الاجتماعية ومؤسساتها وبحكم تقسيم الأدوار الاجتماعية. وهذا التقسيم يقوم به المجتمع وأفراده وتفرضه الثقافة السائدة، وهو يتم في سياق ثقافي اجتماعي نحن موجودون فيه. أن الأدوار التي يقوم بها كلا الجنسين باستثناء الدور الإنجابي المرتبط بالبيولوجيا، هي أدوار وعلاقات وحقوق مكتسبة للنساء والرجال وهي ليست مطلقة وثابتة، بل متغيرة عبر الزمن والمجتمعات، حتى في المجتمع نفسه، والعائلة أحيانا، لذلك فغياب المساواة بين الرجال والنساء، ليس قدرا مقدرا على المجتمعات إنما قام بصناعته المجتمع والعلاقة بين الرجل والمرأة من حيث تحديد الأدوار والعلاقات والسلطات والحقوق ليست مسألة بيولوجية على الإطلاق، بل مسألة استخدمت التفسير البيولوجي من أجل التمييز ضد النساء وإعطاء الرجال حقوقا أكبر.
أن المجتمعات الانسانية وتطورها التاريخي هي التي تحدد الأدوار والقيم المتوقعة لكل من آدم وحواء وليست هي قضاء وقدر. فمثلا دأبت المجتمعات تقليديا على أن تسند للمرأة وظائف ومهنا محددة ليس من العادة إسنادها للرجل، كتربية الاطفال والعناية بشؤون البيت من طبخ ونفخ وتنظيف. غير أن المجتمعات المختلفة قد تعسفت في استخدام حقها في تحديد تلك الأدوار فاضطهدت المرأة وكبلتها بإجبارها على الانحصار ضمن حدود الأدوار الروتينية المقزمة التي رسمتها لها، موظفة لذلك فهما خاطئا وانتقائيا ومغرضا للنصوص الدينية، وبالتالي مقاومة هذا الفكر القائم على ان للمرأة أدوار محددة قائمة على الذكورة والانوثة بحاجة الي جهد وتوعية مستمرة من اجل تغير هذه المفاهيم الخاطئة عن النوع الاجتماعي.
وهناك خلط فرضته الثقافة المجتمعية بفعل العادات والموروث بين الجنس والجندر، كما تحدثنا سلفاً أن العلاقات والأدوار والحقوق والمكانات ليست مقدرة بل من صنع الإنسان والمجتمعات، أي ان ثقافة وموروث المجتمع هو من يحدد العلاقات والادوار والحقوق وهي ومختلفة من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر، وتغيير الصفات والتراتبيات الاجتماعية ممكن، بتغيير الأدوار في المجتمع مع تطور الزمن وتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إذ يقوم كلا الجنسين بتعديل دوريهما.
وبالتالي تجدر الإشارة ان هناك فرق واضح بين هنا بين الجنس والجندر فالجنس حالة نولد بها وهي ثابتة لا نستطيع تغييرها، في حين الجندر هي حالة نكتسبها وبالتالي فهي متغيرة وليست ثابتة، إن تحديد الأدوار والسلوكيات وفق ثقافة وأفكار مجتمع ما وما ينتجه من تصنيفات تؤدي إلى تبرير هيمنة فئة على أخرى بدعوى أنها تفوقها في إعمال العقل وضبط النفس والتحكم بالمشاعر وهي بالتالي جديرة بالإمساك بمقاليد الأمور والسيطرة.
يثير مفهوم النوع الاجتماعي مجموعة من التساؤلات تخض مجتمعاتنا العربية لماذا هي هكذا المرأة في مجتمعات الجنوب العالمي؟ ما هي أدوار المرأة الاجتماعية والاقتصادية ..الخ؟ وما علاقة العادات والتقاليد والدين بالنوع الاجتماعي؟ وعلي أي أساس تحدد دور المرأة، وعن وما شرعية الأدوار المعطاة للرجال؟ النوع الاجتماعي يبحث في التدخل في المجال الخاص، وعلى أهمية الترابط الفعلي بين المجال الخاص "الأسرة" والعام "الدولة، السوق، المجتمع المدني، النوع الاجتماعي يهتم بربط الحاجات العملية للنساء من حضانات وتوافر عمل ودخل بالحاجات الاستراتيجية للنوع الاجتماعي من تغيير وتعديل للأدوار وتحقيق للمساواة والعدالة. كما يهتم بعلاقة التنمية بالنوع الاجتماعي، واشراك المرأة في عمليات التنمية، ومن وجهة نظر أخرى تأخذ بعين الاعتبار طبيعة الروابط بين الذكور والاناث وتوزيع المهام و الأدوار بينهم وربط ما يحدث داخل الأسرة ضمن العلاقات الزوجية وعلاقات الأبناء مع الآباء، وعلاقة الزوج مع الزوجة والحقوق المتبادلة داخل هذه الأسرة وتحديد هذه الحقوق والسلطات، وتربطها بالمجال والحيز العام الذي يتم فيه صوغ القانون وتحديد السياسات والأوضاع الاقتصادية ودور المجتمع المدني وعليه يبحث في توسيع الخيارات والاعتماد علي النفس، وضرورة توافر مستويات مختلفة من الحرية والعدالة والمشاركة والاستقلال في القرار والتمكين الاقتصادي والشعور بالإمكان والقدرة على المشاركة والتغيير وتوسيع الأدوار في كافة المجالات.
تشير الدراسات التنموية إلى وجود علاقة مباشرة بين مفاهيم التمكين الاقتصادي والاجتماعي والمشاركة وصنع القرار والتنمية بمفهوم النوع الاجتماعي، وهذا منطقي و معقول فتوفير مجال للحرية والممارسة والادوار للمرأة يسهم في دعم جهود التنمية خاصة وان المرأة في المجتمعات العربية تشكل نصف المجتمع من ناحية التعداد، وأن مشاركة المرأة متأصل في جذور مفهوم القوة وعكسه، كما في القدرة على الاختيار ووجود بدائل، وهناك علاقة عكسية بين انعدام التمكين والفقر بمفهوم النوع الاجتماعي، فانعدام مساحة مشاركة وتمكين المرأة وعدم توافر الحاجات الأساسية التي تفي بالمقدرة على الاختيار الحقيقي تؤدي الي الفقر والبطالة، أن توسع مقدرة الناس على اتخاذ القرار بالنسبة إلى الخيارات الحياتية الاستراتيجية. فالتمكين يتناسق مع منهج النوع الاجتماعي والتنمية الذي يعطي أهمية مركزية لعلاقات القوة بين النساء والرجال والتركيبة الهرمية للنوع الاجتماعي ويعالج مسألة دور الدولة مقابل دور السوق. إذ هناك أهمية كما يرى لمعالجة الأسباب البنيوية التي تشكل القاعدة لعدم المساواة، وهناك حاجات استراتيجية تدعو إلى إعادة النظر في علاقات وأدوار النوع الاجتماعي وإعطاء أهمية لدور الدولة.
لقد أصبحت العديد من المجتمعات مدركة للفجوة النوعية الموجودة بين الرجال والنساء في العديد من مجالات العيش، وبدأت، بإرادتها أو من باب الوفاء بالتزاماتها، تعمل على سدها وذلك بالارتقاء بأوضاع المرأة القانونية والسياسية، وكذا السوسيو اقتصادية من خلال “إصلاحات” أو مشاريع تنموية أو مبادرات تمييز ايجابي لفائدتها. كل مدخلات التغيير تبقى ذات أهمية لكنها ستكون أنجع إن استطاعت خلق وعي اجتماعي بأهمية مشاركتها الإيجابية في عملية التنمية الوطنية ورفع وعيها بأهمية دورها. في المجتمعات العربية، عربياً هناك توجه خاصة عند الحركات الدينية أن مفهوم "الجندر" النوع الاجتماعي، نابع من الثقافة الغربية هو بالأساس فكرة غربية ووافد إلى العالم العربي، وبالتالي ليست هناك حاجة لمناقشة او فهم هذا المفهوم. وهذا يترافق مع اعتقاد أنه يتحدث فقط عن حقوق المرأة. لكنه بالأساس أداة تحليلية للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.الخ، وأداة في التفكير وربط عناصر العملية التنموية مع بعضها بعضا، واداة تقييمية لكل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الخ، وعلى رغم أن الهدف الرئيسي من طرح فكرة النوع الاجتماعي هو محاولة محاولة رفع المستوي الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع لكلا الجنسين وفرض التمكين الاجتماعي للمراة، ذلك لأهمية التوازن في العلاقات بين النساء والرجال، وأن كل ما نقوم به من سياسات اقتصادية أو اجتماعية أو قرارات أو قوانين هي تؤثر على النساء والرجال بطرق مختلفة ومتباينة. كذلك تؤكد أهمية التوازن في علاقات النوع الاجتماعي وان أي تغيير في أوضاع النساء العربيات أو بشكل عام لابد أن يترافق مع تغيير في أدوار الرجال، وبالتالي تصبح الحدود المفروضة والقسرية بين الأدوار الأسرية والإنجابية المرتبطة بالنساء هي مجال أيضا.
إن مفهوم النوع الاجتماعي هو أن التقسيمات الاجتماعية والطبقية كلها تعود إلى ما تعرضت له المرأة عبر التاريخ من اللا مساواة والاضطهاد. وإن هذه اللا عدالة من صنع البشر والمجتمع، وهو صنيعة نظم بطريركية أبوية قابلة للتغيير بحيث تأخذ المرأة دورها خارج ما رسمه لها المجتمع التقليدي وتستطيع أن تغير فكرتها عن نفسها في ذهنها وفي ذهن الرجل. في سبعينات القرن الماضي بدأ الاهتمام بمعالجة مشكلة تهميش دور النساء ومشاركتهن في التنمية. جاء هذا ضمن التوصيات والاستراتيجيات المنبثقة من مؤتمرات المرأة العالمية، ولقد تطور فهم هذه المشاركة منذ ذلك الوقت، وتطورت معه المقاربات.
مدخل المرأة في التنمية (Women in Development WID) الذي ينطلق من الافتراض القائم على أن المرأة غائبة تماماً عن تفكير المتخصصين في مجال التنمية، وأنها مبعدة عن عمليات التنمية وأن هذا الإبعاد يؤثر سلباً على التنمية نفسها.
في التسعينات، قدمت مقاربة الجندر والتنمية ( GAD ) كطريقة جديدة تسدّ الثغرات الموجودة في المقاربات الأولى؛ حيث تهدف هذه المقاربة الجديدة إلى دراسة العلاقات الاجتماعية والتفاعلات بين النساء والرجال، بالإضافة الى أطر بناء الذكورية والأنوثة وسياقها. فأشارت إلى ضرورة التحول من تنمية النساء الى تنمية النوع الاجتماعي، باعتبار أنّ عدم إدماج النساء بكافة الأنشطة الحياتية هو نتيجة لسياسة المجتمع السلطوية والتي لا تؤثر سلباً على النساء فقط بل وعلى الرجال أيضاً، وربطت مقاربة التمكين في قضايا الجندر بين المشاركة والتنمية بصورة تحولية، بمعنى أن التغيير يجب أن يتم من خلال قيام المجموعات النسائية بتعبئة نفسها، مما يؤدي إلى عملية تحول اجتماعي أوسع والى تحدٍ محتمل لبنى السلطة القائمة. كما تسمح هذه المقارنة بظهور تفسيرات متناقضة للواقع الاجتماعي ضمن المجتمعات، وهي الصادرة عن الرجال والنساء من الفئات /الطبقات الاجتماعية المختلفة. وكانت الفكرة وراء ذلك أن عملية التسهيل المتحسسة جندرياً تؤدي إلى تصحيح الممارسات الاجتماعية .
في حقيقة الأمر موضوع "منظور النوع الاجتماعي" وأدواته التحليلية مفيدة ويمكن الاستفادة منها في تقييم الحاجات وأداء أي مشروع بغض النظر عن نوع هذا المشروع أو ذاك البرنامج أو تلك السياسة، وبالتالي هو طريقة التفكير ووجهة النظر بالحياة التي من خلالها يمكن تقييم مشروعات ليس لها علاقة مباشرة بالنساء وإنما لها علاقة بالمجتمع مثل إنشاء مصنع في مكان ما أو مكتبة عامة أو طريق عام أو إقرار سياسية بشأن التقاعد، إذ كل هذه الموضوعات لابد من النظر إليها من خلال الكيفية التي تخدم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة وكيف تفيد وكيف تضر كل من الرجل والمرأة وما إذا كانت تحقق هذه السياسات والبرامج والمشروعات أم لا؟ وهل تحقق توظيف وتدريب ودخل أفضل للنساء وللرجال... وهكذا. من المؤكد أن الوعي لهذا المفهوم غير كاف على الإطلاق، وهذا الغموض يؤدي إلى مقاومة الفكرة ككل، إضافة إلى التمييز الجنسوي "العنصري ضد للنساء". فكثير من الناس لا يريدون أن الاستماع لأية مقولات مرتبطة بالمساواة بين الرجل والمرأة على اعتبار أنها فكرة غير مقبولة لديهم، لأنهم يعتبرون النساء أقل قيمة في المجتمع ولا يعتقدون بإنسانية المرأة بشكل كاف، وعليه فالدور إذا وللأسف في النهاية سيقع على المؤسسات النسوية،
وبالتالي المسألة تعتمد على قدرة المجتمع على إيجاد ثقافة تتحمل الاختلاف بين الناس في توجهاتهم الفكرية والدينية والجنسية المختلفة، ان هذا التعدد الموجود في المجتمع حق لأفراده ولا يمكن لفرد أن يفرض على الآخر معتقداته وأفكاره وإن اعتقد بشرعيتها أو قدسيتها أو عدم قدسيتها. الفكرة أنه عندما اعتبر أن أفكاري لها قدسية، فدعني أمارسها وأفرضها على نفسي وليس الآخرين. أن تحمل الاختلاف، والتعددية في المجتمع العربي مسألة غائبة وهناك من يحاول تدمير إمكان التعددية في المجتمع العربي، ويبررونها من خلال المبررات الدينية أو المتعلقة بالعادات والتقاليد وغيرها.
ما يمكن تأكيده هو إمكان القيام بإجراءات معينة مرتبطة بالتوعية وبتغيير أدوار الرجل والمرأة والموازنة بينهما وإعطاء الحريات والحقوق بحيث تفسح لهما المجال للقيام بكل الأشياء، إذ ما أرادوا وأعطوا الفرصة نفسها. والأهم أن الاختلاف البيولوجي بين النساء والرجال لا يبرر بأي شكل من الأشكال أو لأي سبب من الأسباب الاختلاف في الحقوق نحن لا نميز بين الطويل والقصير أو السمين أو الضعيف أمام القانون، إذا فالتمييز ما بين الرجل والمرأة على أساس بيولوجي هو مبرر خرافي لا يقوم على أي شيء من الواقع وحتى لو اختلفت النساء عن الرجال وكن الأضعف جسديا والرجال أقوي، فأن الأمر ليس له أي أهمية هذه الأيام، ولا يبرر على الإطلاق انعدام المساواة أمام القانون سواء في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والمطلوب الوصول إلى مساواة كاملة بين النساء والرجال بغض النظر عن الاختلافات البيولوجية بينهما. اما بالنسبة للمصطلحات النوع الاجتماعي او الجندر وغيرها فهي قضايا أكاديمية ونظرية يختلف عليها المنظرون، كيف نستخدم أي مصطلح وعلى ماذا نركز؟ لكن ببساطة شديدة النوع الاجتماعي هو آلية لتحليل العلاقة بين الرجل والمرأة، بينما النسوية هي توجه يحاول رؤية الواقع من خلال وجهة نظر النساء في المجتمع، أين تقع النساء في المجتمع؟ ويعطي الحق للنساء في تكوين مجموعاتها ومؤسساتها الخاصة ووجهة نظرها نحو العالم، وهي مهمة لإعادة النظر في منظومة الفكر الذكوري والثقافة الذكورية السائدة وبالتالي هناك حاجة إلى منظور جديد تحاول أن تقدمه النسوية، وهو النوع الاجتماعي الذي يحاول الموازنة بين وجهتي النظر النسوية من ناحية والذكورية السائدة من ناحية أخرى.
استنتجت الدراسات أن هنالك قصور عام في مجتمعات دول الجنوب العالمي في فهم الجندر وبالتالي عجز كبير حاد في ايجاد حلول صائبة أو قوانين عادلة للمعضلات الاجتماعية الموجودة. أصبح تقسيم الأدوار والترتيبات الاجتماعية على أساس جندري أمر بديهي ولذلك نمت هرمية معينة تعطي أفضلية أكبر للرجل على حساب المرأة. وبما أن التقسيم الجدري مرتبط بشكل كبير بالأساس الجنسي، فإن جنسانية الرجل مجدت في وقت همشت فيه جنسانية المرأة. من أكبر الأمثلة على عجز المشرع الأردني مثلا، لقصوره بفهم الجندر، في ايجاد قوانين عادلة، هو ذلك القانون الذي يسقط الحق عن المغتصب إن تزوّج من ضحيته. هناك الكثير مما هو مشترك في كل المجتمعات العربية، منها انه لدينا طاقة هائلة ولا يوجد فرص حقيقية في المجتمع العربي للوصول إلى تنمية مجزية ومستدامة، ومنافسة للشعوب الأخرى، من دون التعامل مع كل القضايا المرتبطة بالعلاقة ما بين النساء والرجال كمجموعات وتحرير المرأة العربية.
ولما كانت الفجوة واسعة بين مساهمة النساء الاقتصادية غير المعترف بها والسلطة السياسية والاجتماعية التي يتمتعن بها فمن الطبيعي أن الاستراتيجيات التنموية المتبعة تذهب لصالح السلطة الذكورية الأبوية المهيمنة تقليديا دون الأخذ بعين الاعتبار الأدوار الإنجابية والإنتاجية والاجتماعية التي تقوم بها النساء في المجتمع، ولقد تنبه الباحثون والمخططون إلى أهمية دور المرأة وضرورة إشراكها في عملية التنمية وأجمعوا على أن عدم وجودها في مجال التنمية سيؤدي إلى فشل المشاريع التنموية اذن لا يمكن الحديث عن التنمية والتطور في المجتمعات العربية ومواكبة المجتمعات الأخرى دون الوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة والتمكين الحقيقي للنساء، وتطبيق بنود الاتفاقيات الدولية والبرتوكولات الخاصة بإنصاف النساء، واعطائها حقوقها وتوسيع خياراتها وادوارها، وبالتالي نحن بحاجة الي تحرير العقل العربي من المعتقدات السائدة في الذهنية العربية، وهذا يستدعي بالضرورة معالجة الموروث الثقافي، والمعوقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وبالتالي تغيير نظرة المجتمع العربي من خلال نظرة نسوية تنشد تطوير وضع النساء، كما أنها ليست آلية لتنمية المرأة فقط إنما لتنمية المجتمع من كل جوانبه، وفي هذا المجال نحن مضطرون إلى الحديث عن القوانين التي تصاغ وتطويرها وتنفيذها و التعليم والمناهج والسياسات الاجتماعية و الاقتصادية والعنف وكل هذه القضايا التي نعالجها من أجل الوصول إلى المساواة بين الرجل والمرأة. وبتعديل الانماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الاخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين أو على ادوار نمطية للرجل والمرأة. ان المدخل الحقيقي لتنمية مجتمعاتنا العربية بالإضافة للمشروع الإصلاح السياسي والتنمية وغيرها يبدأ ويتأكد من خلال قناعة تامة بأهمية تمكين المرأة ومشاركتها في العملية التنمية وتمكينها في كافة المجالات، والمساواة التامة بين النساء والرجال في الحقوق والامتيازات والادوار.
أخيرا: إن التوازن الطبيعي والمشاركة ذو أهمية فائقة للجنسين وكل من الرجل والمرأة يملكان أدوارا يجب أن لا يطغى أحدهما على الآخر ولا يتحكم به لكي يكون في انسجام وسلام مع الإنسانية ومع الحياة والطبيعة.
الجندر ليس سيطرة النساء، ولا تدمير الأسرة، ولا نفي للقيم الإيجابية ولا المساواة المطلقة، والجندر لا يعني تخلي المرأة عن رعاية أبنائها ولا التخلي عن أنوثتها، الجندر يعني تكامل الأدوار وليس انتقاصها، يعني إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة.



#ادهم_عدنان_محمد_طبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقاربات في النوع الاجتماعي (مصطلح ودلالة وأداة لفهم الواقع)


المزيد.....




- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- البرازيل.. القبض على امرأة يشتبه في اصطحابها رجلا ميتا إلى ب ...
- فيديو.. امرأة تصطحب جثة إلى بنك للتوقيع على طلب قرض
- في يوم الأسير.. الفلسطينيون يواصلون النضال من داخل المعتقلات ...
- السعودية: إيقاف شخص -سخر من القرآن- وآخر -تحرش بامرأة- وثالث ...
- السعودية: إيقاف شخص -سخر من القرآن- وآخر -تحرش بامرأة- وثالث ...
- يوسف بلايلي يُغضب الجزائريين بسبب سوء تصرفه مع حكم (امرأة)
- إعدام سعودي قتل امرأة دهسا بالسيارة


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادهم عدنان محمد طبيل - مقاربات في النوع الاجتماعي (مصطلح ودلالة وأداة لفهم الواقع)