أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمان الصوفي - الديوان الزجلي - خليوني نحلم - في ميزان فلسفة علم الأخلاق / الخلقية الأخلاقية الذرائعية















المزيد.....



الديوان الزجلي - خليوني نحلم - في ميزان فلسفة علم الأخلاق / الخلقية الأخلاقية الذرائعية


عبدالرحمان الصوفي

الحوار المتمدن-العدد: 6657 - 2020 / 8 / 25 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة للديوان الزجلي " خليوني نحلم " لمحمد مهداوي
الدراسة النقدية من إعداد الناقد : عبدالرحمن الصوفي / المغرب
عنوان الدراسة النقدية الذرائعية المستقطعة ( ديوان " خليوني نحلم " في ميزان فلسفة علم الأخلاق / مدخل الخلقية الأخلاقية الذرائعية ) .

أولا - التقديم :

لقد أصبح القارئ للشعر الزجلي في مواقع التواصل الاجتماعي يلعب دورا مهما وحقيقيا ورئيسيا في الكشف عن خبايا القصائد الزجلية ، من خلال التعليقات ، أو القراءات النقدية الانطباعية ( تقتصر على التفسير ) . بحيث تتميز كل قراءة نقدية للقصيدة الزجلية الواحدة بنظرتها المختلفة عن قراءة أخرى ، لأن كل قراءة تقود إلى نتائج تتلاءم مع الافتراضات التي تناسب التفسيرات المحتملة التي يضعها بين يدي القارئ .
للكشف عن ما هو باطن ومخبوء في كل قصيدة زجلية ينبغي الابتعاد عن الانطباعية والإنشائية التي تستسهل نقد القصيدة الزجلية . إن وضع استسهال الزجل كتابة ونقدا أفرز اختلافات وخلافات كثيرة شوشت كثيرا عن مسار القصيدة الزجلية ...
أجمل وأهم باعث للتفاهم والتخاطب وإشراك واشتراك بين الزجال والمتلقي ، هو باعث " فلسفة الاستفهام " ، فهذه الفلسفة ليست بالهينة . الاستفهامات تحتاج الى إجابات ، لذا فقد جعل المبدع الزجال فضاء الإجابة مفتوحا أمام القارئ المتذوق والعاشق . ليس المقصود ذلك الاستفهام البلاغي الذي هو فن عظيم من فنون القول والكلام ، وطلب الحصول على جواب في الذهن و العقل إما تصديقا وإما تصورا ، وإنما المقصود فلسفة السؤال الذي يتفجر داخل القصيدة وخارجها وداخل الذات والموضوع وخارجهما ... إن علاقة الفلسفة بالاستفهام علاقة أصل منذ بدء نشوئها ، كونها لا تهتم بالحلول والإجابات على الأسئلة ، إنما مهمتها اسمى وأكبر ، فهي تهتم بنقد الإجابات والحلول ، لتبني واقعا مستقبليا علميا .
الزجل هو جنس إبداعي شعري راقي ، يتحدث بلسان عامة الشعب ، تتنوع وتتعدد متونه تبعا لاختلاف كل منطقة عن أخرى ، وهذا لا يعني أن الكتابة بالدارجة هي في متناول جميع الناس ، لأنها لغة التواصل اليومي ، الكتابة بالدارجة بخاصة الزجل من أصعب أنواع الكتابات ، بالمقارنة مع الكتابة في كل الأجناس الأدبية الأخرى الفصيحة ، صعوبة لا يتصورها إلا من ( سكنته جذبة الحرف ... )
لن يتمكن من كتابة الزجل إلا الفنان الذي طبعه مرهف الإحساس ، عبقري في الإصغاء لنبض الكلمة الدارجة الحية ، ماهر في تطويع للغة المعاني ، بلاغته تشد السامع بجماليتها وسحرها وتميزه عن غيره ، بارع في نقل الواقع بحكمة الصور والتصور ، وعميق الرؤية الشعرية ، و بلاغة تشد السامع بجماليتها وسحرها …

يمكن الغوص في قصائد ديوان " خليوني نحلم " ، انطلاقا من خمسة مفاتيح نقدية : ( المفتاح النقدي الألسني العام ، المفتاح النقدي اللغوي النفساني ، المفتاح النقدي المنطقي الألسني ، المفتاح النقدي الأسلوبي ، ثم المفتاح النقدي للخلقية الأخلاقية ) . والمفتاح النقدي الخامس هو موضوع دراستنا النقدية الذرائعية المستقطعة .

ثانيا - المدخل البصري لديوان "خليوني نحلم "

" خليوني نحلم " ديوان زجلي للشاعر الزجال " محمد مهداوي " ، الديوان من الحجم المتوسط ، يحتوى على " إهداء " و تقديم للأستاذ " محمد موح " ، وسبع وعشرين قصيدة بين قصيرة , و متوسطة الطول وطويلة . افتتح الديوان بقصيدة " خليوني نحلم " ، واختتم بقصيدة " يا لغافل " . من بين عناوين قصائد الديوان : ( حلمة الغولة - لوان الطيف - خير و سلام - الشرق والغرب - شكون أنا ؟ - يا قاضي وفي الميزان – يا عالم ... ) .
بقول الأستاذ " محمد موح " : " ...وكما هو الشأن في ديوان " لباردي والفردي " ، يبقى الجانب الإنساني ببعده الواسع كثير الحضور في هذه المجموعة الشعرية الجديدة ، حتى العنوان الذي اختاره يجسد في حد ذاته حلما إنسانيا يرجو منه تحقيق المصالحة بين الإنسان والحياة ..." ( 1 )
ويقول سعيد فرحاوي : " ...( خليوني نحلم )هي فكرة بنائية قوية تحدد مرجعيات خفية في خطاب إبداعي يظهر شكلا ، أنه بسيط ، لكن العمق يتسرب كالماء عندما يخترق كل ما يجده قربه هشا فيشربه شربا ، أما إذا كان صلبا فيكفيه جزء من الزمن ليقوم بتذويبه ، فيحكم عليه بلغة الوداع.
الشاعر محمد مهداوي تناول معنى من زاوية نظر سوسيوثقافية عميقة ليحولها شعرا ، اي حوله الى طلب اجتماعي ونفسي بأسلوب إبداعي فني ..." ( 2 )

تتوسط الوحة التشكيلية للأستاذ " عبدالحفيظ مديوني " الواجهة الأمامية للغلاف ، إلى جانب العنوان " خليوني نحلم " ، وصنف الديوان " زجل " ، واسم الشاعر الزجال " محمد مهداوي . أما الواجهة الخلفية للديوان فتضم صورة للزجال ، وصورة لديوانه الأول " الباردي والفردي " ، ومقتطفا من قصيدة يقول فيها :

خليوني نحلم
بالكرمة والكانون
بالتويزة ويام البون
بالصف والحايك
ف بني عامر وبني ميمون
خليوني نحلم
بيوم واحد بلا تيليفون
نطير ... نطير
ف السما بحال المجنون
نتفكر ايام جدودي
ونعيش وخ غي دقيقة
ورا القانون
نخلي البارود
نعرش ونسبس
واللي بغا يكون يكون

ثالثا - العتبة الأولى / العنوان ( خليوني نحلم ) :

تشكل العنونة بابا مهما من أبواب الدراسات النقدية الذرائعية سواء المستقطعة المدخل أو
كاملة المداخل ، " بوصفه المدخل أو العتبة التي يجري التفاوض عليها لكشف مخبوءات النص الذي يتقدمه ذلك العنوان " ( 3 ) .
لقد أصبح العنوان البوابة الأولى التي تضيء للناقد الذرائعي الدخول إلى مدخل " الاحتمالات المتحركة في المضمون " ، " للغوص في عالم النصوص ، والتعرف على زواياها الغامضة ، فهو مفتاح تقني يجس به نبض النص وتجاعيده ، وترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية على المستويين الدلالي والرمزي... ( 4 )

1 - خليوني : فعل أمر ( الجمع / أنتم ) يقصد بها " اتركوني " و " دعوني " . خليوني ( الفعل ( الجمع / أنتم ) + نون الوقاية + ياء المتكلم ) . تقال ( خليوني ) في لحظات حضور وعي الذات في يقظتها وليس في نومها . لأن النائم يسقط عليه إصدار أمر ما أو طلب شيء من الآخر سواء فردا أو جماعة . تذكرني " خليوني " برائعة ناس الغيوان " الرغاية " ( 5 ) .

آه واواو خليني نبكي ونوح
آهْ وَاوَاوْ خليني مُشْكِيلِي مْطرُوحُ
وَالعَمَّالَة رَاهْ السّْوَايع ْبْدّالَة
والعمالة راه الشهادة جوالة
كية اللي ما باح ب ضره

2 - نحلم : ( الحُلْمُ : ما يراه النائم في نومه والجمع : أحْلامٌ ) ( 6 ) . يقابل النون في " نحلم " ألف المضارعة ، أي " أحلم " .

3 - تركيب لجزأي العنوان ( خليوني نحلم = دعوني أحلم )

علاقة الحلم بالنوم علاقة وطيدة ، إلا أنها في عنوان الديوان ليست هي المقصودة ، بل المقصود حلم اليقظة العقلية في أبهى إشراقاتها الفكرية . والمقصود كذلك ليس المفهوم
الضيق لحلم اليقظة في علم النفس ، ولكنه تأمُّل فلسفي بخصب خيال الإبداع ، ويغذي رؤى المستقبل من خلال اللغة والواقع والحلم والخيال وصولا إلى السفر في الذات والذاكرة
الفردية و الجماعية والأرض والتراث والمجتمع الإنساني عبر انصهار الأنا / الشاعر ( خليوني = ني ) بكل حمولتها المرجعية الفكرية والفلسفية والسياسية والدينية ... ورغباتها البعيدة والقريبة ، الشعورية واللاشعورية في مساء لة لعلاقة للأنا / الشاعر بالآخر..
يقول سعيد فرحاوي : " محمد مهداوي في ديوانه الثاني ( خليوني نحلم )، يسترجع الذاكرة فتصبح مستقبلا مؤجلا في حلم مسجون.
ما نعرف عن الحلم هو تطلع الى المستقبل ورغبة قوية في النظر إلى الزمن القادم ليكون فضاء يستحضر بطلب وترج لتحقيق اماني ما ، إما عندما نعود إلى الزجل سيتغير هذا التطلع وتتحول الرغبة ليصبح الماضي هو ضرورة حية يسعى الشاعر استرجاعها والرغبة في إعادة إنتاجها . لنفهم من ذلك معطين :
اولا رفض تام ومطلق لما هو كائن في هذا الان الخشن ، فتصبح النظرة نقضا رافضا للقيم المعاشة من جهة ، وبالتالي يكون الفائت والمنتهي زمنا ذهبيا في رؤية الشاعر الثاقبة. الا أنه حلم مشروط بالتخلص من مرفقات تعيق هذا الترجي ، ما يفيد ذلك هو أن الشاعر يرى أن التطلع مشروط بتخلي الاخر عنه ، هذا الآخر الذي قد يكون ثقافة أو تاريخا أو إنسانا أو رؤية أو مؤسسة ، أو ما وراء ذلك ، لكن الأكيد أن هذا أو ذاك هو سبب طلب شاعر في إنتاج تطلعات بضرورات جد مؤكدة. ثانيا : يأتي الحلم بإعادة صياغة الماضي ليتحول مستقبلا بشكل مكرر ..." ( 7 )

رابعا - السيرة الذاتية للزجال " محمد مهداوي " :

(انظر دراسة نقدية ذرائعية مستقطعة لديوان " لباردي والفردي " لمحمد مهداوي ) ( 8 )

خامسا - مدخل الخلقية الأخلاقية للقصائد الزجلية لديوان " خليوني نحلم " :

يقول عبدالرزاق عودة الغالبي :" ... إن المجتمع مهما تكن درجة تمسّكه بالخلق الكريم ، لن يكون أبدًا مجتمعًا من الملائكة ، وإن الشرّ كان ولا يزال وسيظلّ موجودًا في كل مكان يوجد فيه إنسان ، بيد أن الحقيقة لا تكون مسوغًا للعمل ( )على تحويل الناس إلى شياطين،

ومن جهة أخرى فإنّ القضاء على الشر قضاءً كاملًا لهو ضرب من المستحيل ، بل لابدّ من العمل على محاصرته في أضيق مكان ممكن ، وإذا كان هناك تعارض بين الخير والجمال ، فلنقل بين الدين والأخلاق من جهة ، والأدب والفن من جهة أخرى ، فلماذا ينبغي أن تكون الأولوية للأخلاق على الأدب...؟ والإجابة سهلة وهي أن الشرّ يسمّم الحياة ولا يبقي معه مجالًا للاستمتاع بأيّ شيء ، وإذا طلب من الأديب الإقلاع عن الترويج للشرّ والفساد في عمله ، يستطيع أن يجد موضوعات أخرى لا تحصى يبدع فيها أدبًا يستمتع به ، فلا هو إذًا ولا القرّاء سيفوتهم ما ينشدونه من متعة ، أمّا إذا تركنا الأدباء المنحلّين يغرون بالفاحشة ويعملون على نشر الإباحية ، فلن يمكن تدارك الأمر بحال من الأحوال ، فإن تماسك الأمم وقوتها الأخلاقية أهم مليارات المرات من متعة فنية تجلب وراءها التفكك الأخلاقي والانحرافات النفسية والآفات الاجتماعية ... إذ لا بد من خلفية أخلاقية تصون الأدب من الانحراف وتحارب الإسفاف والتحلّل الأخلاقي في الأدب .....وهذا ما تدعو له الرؤية الذرائعية بمستواها الأخلاقي ... " ( 9 )
تدرس نظرية الأخلاق الأسس العقلية والمنطقية للقواعد والمبادئ التي ينبغي أن يعمل الإنسان بمقتضاها في مناحي الحياة المختلفة ، و تجيب بالضرورة عن إشكاليات فلسفية
تسائل أسس سلوك الإنسان ومعاييره ، ومصدر هذه المعايير . من هذه الإشكاليات ، معيار الخير والشر ، ومصدر الإلزام الخلقي ، ومفهوم المسؤولية الإنسانية وشروطها وعلاقتها بالحرية الإنسانية ، وعلاقة الحرية الإنسانية بالحتمية والقدر ، ومفهوم الواجب الأخلاقي وعلاقته بالخير الأخلاقي ، وإمكان وجود الجزاء الأخلاقي ، ونية الإنسان ودوافعه الموجبة لعمله ، ومدى علاقة الجهد الإنساني بالأخلاقية .

1 - الخلقية الأخلاقية للنصوص الزجلة في ديوان " خليوني نحلم " : التلقين - المتعة - التظهير .

النصوص الادبية الرصينة فصيحة أو عامية في مجملها تبنى على مواضيع وأغراض خاصة إما ذاتية وجودية ، أو سياسية ، أو اجتماعي ، أو إنسانية... يلاحق فيها الأديب و الشاعر والفنان كل أنواع السلبيات ليثبت القوائم الأخلاقية في المجتمع الإنساني ، وكل هؤلاء ملزمون باحترام قواعد المنظومة الاخلاقية المحلية والعالمية العامة مع احترام الأديان وعدم إشاعة الفوضى بين الناس وإشاعة وتشجيع الإرهاب في المجتمعات ، وكل هذا يدفعنا لطرح الأسئلة الذرائعية التالية ..
ما الإبداع ؟ ولماذا الإبداع ؟ ولمن الإبداع ؟ سنحاول تقديم أجوبة لهذه الأسئلة ونحن نغوص في قصائد " ديوان " خليوني نحلم " من باب الإبداع وفلسفة مدخل الخلقية الأخلاقية الذرائعية .
يقول " محمد موح " في تقديمه للديوان : " ...إلا أن القضايا المحورية التي لاحظت كثرة ورودها في هذه المجموعة الزجلية ، والتي بنى عليها صاحبها أغلب قصائده فيها ، تكاد تحصر في ثلاث قضايا ، غالبا ما يجمع بينها في القصيدة الواحدة . وأحيانا يفرد لكل قضية قصيدة مستقلة ، وقد يورد شذرات منها جميعا في أكثر من قصيدة ...." ( 10 )

يقول الشاعر الزجال في قصيدة " لوان الطيف " / الصفحة : 17

الخلقة ب جمالها ...
من خلق العدنان
الروح إلى خسرت
ولبست عمامة الباطل
وسط الظلام
تفقدوا لمان
وخ علامك يرفرف
ف لعلالي
وبحرك فرع الدوالي
يمكن يتقطع
وطيح خيمتك
يبرك عودك
ف سوق الدلالة
وتعم عيونك ضبابة
ما هي سحابة
ما هي جلالة

الشعر بكل أصنافه هو فن من فنون المحاكاة ، كما سماه بذلك أرسطو ، والمقصود ب " المحاكاة " ، أي أن يصير الشعر انعكاسا أو تقليدا أو رسما ، مغلفا بلغة استعارية ، فيصير صورا ناطقة من الأحاسيس والمشاعر هدفها أن تصل إلى المتلقي بغرض التلقين والمتعة والتطهير النفسي ( الروح إلى خسرت / ولبست عمامة الباطل / وسط الظلام / تفقدوا لمان... ) فتصبح ذريعة الزجل والشعر عموما هي أن يخلق أثرا معينا في جمهوره ، فهو يستعمل المحاكاة وسيلة لتحقيق المتعة والتلقين والتطهير النفسي ، أي أن غايته النهائية تلقين القيم الخلقية .يقول محمد موح : " ... ولرد الاعتبار إلى هذه الهوية اليزناسنية الأصيلة ، يتخذ الزجال من التغني بالقيم الخلقية والفضائل الاجتماعية التي كانت تقوم عليها حياة الناس البسطاء ..." ( 11 )

لنتأمل مقتطفا من قصيدة " خير وسلام " / الصفحة : 19

كلتلو هاذ الذيب لحم وعظم
كالس معانا
يسمع كلامنا
وياكل طعامنا
آش المعمول يا عالي المقام ؟
ونقتطف من نفس القصيدة / الصفحة : 20 مايلي :
قلت لو يا سيد الفقها
الذيب هو أنت
ؤ هذا ...ؤ هاذو ...
لحلال رديتوه حرام
لبستوا لباس ذبوبه
آش هاذ لحكام ؟

" ...لم يَكنْ " أرسطو" مُبالِغًا حين وصف " علم الأخلاق " بأنه العلم الجليل، المنظَم ، الأساسي ، لصلته الكبيرةٍ وارتباطه الوثيقٍ بيْنه وبيْن شتى العُلوم والمعارف الإنسانية ، ولا سِيما علم الفلسفة..." (12 )
هنا يَعرض الزجال في قصيدته العلاقة بين الرسالة الزجلية والدين ( جاني ذيب ف المنام / سولت فقيه / قال لي خير وسلام ... ) علاقة تثبِتَ صِلةَ الأخلاق بغيرِها مِنَ المواضيع المحيطة بها ، مثل : ( السلوك - الضمير - الخلق - العُرف - العادات - التقاليد ... ) . ( لا بد يجي نهار / اللي تشرق فيه شمس الحق / ويطيح الظلام / لا بد الكمرة تطلع ضاوية / ؤ تبرا لسقام / نفرحو كاملين ) .
الشعراء الحقيقيون هم من يستعملون " المحاكاة " من أجل المتعة والتلقين والتطهير النفسي ، فالمتعة تحث الإنسان على قيم الخير ، وهي مبتغى الجمهور والمتلقى ، والأرض الخصبة كذلك للميزات النقدية والفلسفية ومعاييرهما .. فالشعراء بخلقيتهم الأخلاقية يطهرون النفوس ، يدخلون المتعة إلى قلوب جمهورهم ، فتصبح غايتهم أن لا يقلدوا الأشياء الموجودة ، أو التي وجدت . بل يبحثون على ما ينبغي أن يكون ، فتغدو الأشياء ذاتها التي يبحث عنها الشاعر ضامنة للغاية الخلقية التي يهدف إليها الشعر( ؤ هذا ...ؤ هاذو . لحلال رديتوه حرام / لبستوا لباس ذبوبه / آش هاذ لحكام ؟ ) . عالم الشعر تخفى فيه الأفكار ، مما يجعله يستميل كل أنواع السلوكات الإنسانية ، فيعجب به ( الزجل ) الأشرار والأخيار ، والشجعان والجبناء ، والأصحاء والمرضى ...فالكل العامة تقبل على الزجل وكأنه عسل فيه شفاء للنفوس .

لنتأمل مقتطفا من قصيدة " أحياني عليكم ... " / الصفحة : 58 و 59

اليوم الناس طغات
والوقت تبدلات
العبد ولا عدواني
آحياني عليكم ... آحياني
البنت صغيرة
باعت راسها
دمرت شرفها
وتصاحبت مع شيطاني
آحياني عليكم ...آحياني
هاذا زمان الغفلة
كاشي غرق ف لحرام
كي المراهق
كي الشيباني

2 - الخلقية الأخلاقية : الإلتزام وذريعة الكتابة

يعتبر الشاعر الزجال عنصرا هاما من فئة المثقفين في مجتمعه ، له تكوينه الذاتي ونشأته الخاصة ، وهو وليد مرحلة تاريخية محددة ، يعيش واقعا اجتماعيا وسياسيا معينا ، ويتأثر بموروث ثقافي لمجتمعه وأمته وعصره .
تأثر الشاعر ( محمد مهداوي ) بما يحدث حوله في الواقع الخارجي ، من خلال ما تعلمه في مدرسة الحياة من تجارب وخبرات على مدار سنوات طوال ، تراكمت في ذاكرته وأثرت في وعيه ، واستوعبت الواقع المحيط وتفهمت أبعاد حركته ، وتجلى اﻷمر واضحا في الكثير من قصائد ديوان ( خليوني نحلم ) ، الذي تبلورت فيه رؤية داخلية للحياة وقضاياها المختلفة وللكون ، وهي ما عبر عنها الكاتب الروسي تولستوي بأنه : " البناء الروحي الذي يتكون في غضون عملية التفكير و النشاط . (13 )

يقول في قصيدة " الشرق والغرب " / الصفحة : 24

شرقت ؤ غربت
طويت لرض
سبع طيات
نقلب على نغمة
للسنتير
نكلم الحروف
التايهة
ب لسان الطير
آش يمكن للعطشان
يعمل ...

يعيش الشاعر أو المبدع عموما على حافة القلق المتحرك ، الذي يفرض عليه الالتزام الأخلاقي بقضايا مجتمعه ، فالحيرة والقلق مشروعة ومجال تأمله ، والحزن جغرافيته المكانية ، والتفاؤل مسقط رأس إبداعه الزجلي ... يقول د . محمد عبدالله : " ...
يستند أي مذهب أخلاقي على فكرة الإلزام، فهو القاعدة الأساسية والمدار الذي يدور حوله كل نظام أخلاقي، ذلك أنه إذا لم يعد هناك إلزام، فلن تكون هناك مسؤولية، وإذا عدمت المسؤولية فلا يمكن أن تعود العدالة، وحينئذ تعم الفوضى، ويفسد النظام، وكيف نتصور قاعدة أخلاقية بدون إلزام ..." ( 14 )

ونقطف من نفس القصيدة ( الشرق والغرب ) ما يلي :

شحال قدك من خرج
تهز عليه هموم لعباد
إلى كان الخرج مثقب
الصريمة مهرسة
والسكنى في القوير
لا تطلي دمك
لا تخون بني عمك
لا تصرف قيمتك
بقلالش القصدير

ليس نقصا أو عيبا أن يعيش الشاعر الزحال الفعل والتحول والحقيقة والوهم والوضوح والغموض والقلق ... لأنها الدوافع الأولى للرغبة في الكتابة وعقباتها الشاقة الطويلة . بل
لعل قلق الشاعر يفوق قلق المنتجين اﻵخرين في " الحقول الفنية " الأخرى ، ومن المتعارف عليه أن الكتابة السابقة تغيبها ظروف لحظة الكتابة المكثفة الجديدة ، ولا تغيب حياته ، و أحلامه وتمرداته ، وسياسته وعلاقته بالمجتمع ( لا تطلي دمك / لا تخون بني عمك / لا تصرف قيمتك / بقلالش القصدير... )
يعرّف الباحث المغربي محمد رمصيص قلق الكتابة بأنّه ( حيرة فكرية وإعصار تأملي جارف ، مخاض عسير مصحوب بأوجاع لا قرار لها ... ) (15 )

3 - الخلقية الأخلاقية : الإنسان والقضية ، الإنسان قضية

إن طبيعة الشاعر الزجال كإنسان تمكنه من التمييز بين الحق والظلم ، والتمييز بين الحسن والقبيح من الناحية المعيارية اﻷخلاقية ، وعلى هذه المكونات تتأسس علاقة الشيء بالمعنى في الديوان ( خليوني نحلم " لمحمد مهداوي .

يقول " ابراهيم فيلالي " : " ... كل واحد منا داخل هذا المجتمع أو ذاك و في مسار حياته الفردية الخاصة مطالب بإعطاء معنى ما لحياته و لوجوده، و إلا فانه سيتيه حتى النهاية و يصبح ملكا للآخرين بهذه الصيغة أو تلك، فينو جد و يعبر بالمعنى الذي يعطيه الآخرون للحياة. يمر في الظل و لا يملك يوما ما الجرأة الكافية لرؤية الشمس و معانقتها ..." (16)

لنتأمل قصيدة " شكون أنا ؟ " / الصفحة : 29

شكون أنا ؟
ف هاذ الكون
شمعة ...
ولا دمعه
كرمة مجلية
ولا أرض بورية
ظلمة ...
ولا كلمة
ولا حلمة
شكون أنا ؟

قد يعتقد من يطلع على الزجل أول مرة ، أن الزجل مجرد أفكار تخالج الخواطر ، فيستسهل الأمر ، ويجعل من كل الناس شعراء زجل ... لكن الزجل توفيق بين المعنى والمبنى ، فالمعنى مطروحة في الواقع العيني أمام كل الناس ، لكن اقتناصها يحتاج إلى مهارة لا يتميز بها كل الناس ، وحين تـقتص يلبسها الشاعر الزجال الفنان حلة أسلوبية فنية جمالية لتصبح أثرا فنيا عظيم القيمة ...

ويقول في نفس القصيدة / الصفحة : 31

شكون أنا ؟
تلعتم لساني
ؤ لبحر اداني
لاش بغيت تعرف
شكون أنت ؟
خليك جميل
لا تكونشي أناني
باش يبقى عقلك مرزن
وقبك هاني
غني ....
ؤ زيد غني
يا الغيواني
راه الدنيا مرهونة
وأنت سير غربل الريح
راك رجل براني

القصيدة الزجلية الرصينة تعطي للقارئ والسامع معنى للحياة ، تفجر فيه أسئلة فلسفية حول الحياة والموت و الوجود والعشق و الحرية والعدل والظلم ... ( يمكن ايجي نهار اللي / لقنية تتبورد علينا / والكنفود يلبس لحرير / يمكن إيجي نهار اللي نت / متوليش هو أنت / خيالك يقيسو بوحمرون / وأنت يقيسك بوصفير ( ص 28 ) , و تفجر كذلك في أعماق دواخله طبقات قيم وثقافات ( قيم و معايير و ادوار و أنماط السلوك) ، فتترك رواسب و بصمات في تفكيره و أسلوب حياته ... . تجارب الحياة ، هي المدرسة الأولى للتجربة الشعرية ، التي تظهر وتبطن ما يمر الشاعر منه بحواسه ، و مشاعره ، و قدرته على التفكير، و الصمود أو العجز و الخنوع و الموت الرمزي ، أو ميلاد لمن يعشق الحياة و يحب الإنسان باعتناقه لقضاياه التي تعطي معنى لحياته و وجوده ، لأنها ترتقي به و تأخذه إلى أعماقه ليجد أن القضية التي يعانقها و يحملها إلى حقيقتها تسكن أعماقه منذ الأزل ، هي الوضع المشترك بينه وبين أخيه الإنسان ( قضايا الإنسان / الشاعر الإنسان / الشاعر القضية / القضية الشعر ) ...

ويقول في قصيدة " كلام الحق " / الصفحة : 33

يا ساكن في الجراح
خيول مسرجة
تتبورد ب صفايحها
على محرك القلب
عجاجها فالسما
مغطي لفراح
الدرسة إلى خسرت
محال عليها يصبح
الصباح ...
شحال قدك تبورد
ب كلام ...
ما هو كلامك
يا الغادي للحرب
بلا سلاح

سقراط وتلميذه أفلاطون يؤكدان أن للقيم الأخلاقيه وجوداً ثابتاً لا يتغير من زمان الى زمان ومن مكان الى مكان ، وهي مطلقة لا تحتمل أي تغيير أوتبديل ، ( قد يكون هذا المنطق صحيحاً في زمانهم ) ، أما اليوم فالأخلاق تتغير بالتأثيرات الخارجية وكذلك الداخلية المجتمعية والنفسية . يكون للنفس وظيفة هي الحياة وفضيلتها في حسن توجهها للحياة السعيدة ( يا الصايم على فوله / موضي الحق / بحليب الشك / راه صيامك / قفل بلا مفتاح / شكون عارف / فين الصولة ...) .

ونقرأ له في نفس القصيدة / الصفحة : 35

راه الشارب من كيسان المنكر
حلاوة معتقة
يجي نهار اللي تتهرس
ليه لقداح
والهم لازم يرفع راسو
وسط لغمام
نهار تشرق الشمس
الظلم لا زم يتلاح
الحق يبقى حق
والباطل يبقى باطل
وخ دير لو براح

فحين تضع العدالة كافة قوانينها الإنسانية التي تصب في خدمة المجتمع ورقيه ، ولما كانت الحياة فانية ، وأن الإنسان له في وجودها حق الحياة والتلذذ بها ، والعمل بمقتضى ما عليه من واجبات لسعادة ألآخرين ، فلا بد له حق التمتع والعيش دون خوف أو اضطهاد . ( أما بالنسبة إلى الحاكم فيعتبر حالة وقتية في حكمه ، يقدم خدماته إلى الدولة وأن وجوده في الحكم مبني على أساس الانتخابات التي تقرر مصير بقائه في السلطة أو رحـــيله وهو أمر يتقبله الحاكم في هذه المجتمعات المتحضرة فتتغير السلطة الحاكـــــمة بورقة انتخابية يقررها الشعــــــــب ) ( 17 ) . ( نهار تشرق الشمس / الظلم لا زم يتلاح / الحق يبقى حق / والباطل يبقى باطل / وخ دير لو براح ) .

4 - الخلقية الأخلاقية / علاقة الجامعة للعاطفة الصادقة والإشراق والتحقق والرموز المحسوسة في قصائد ديوان " خليوني نحلم " .

تطالعنا الكثير من القصائد الزجلية في ديوان " خليوني نحلم " بتدفقها العاطفي الجياش ، المنسجم والمتناغم مع غاية ولغة لغة الزجل ، وأثره وقيمته الخلقية الأخلاقية ، فالشاعر يمتاز بالتعبير عن عواطفه ، من خلال عملية للخيال مسيرة لأحلامه ، ومكيفة للصور الذهنية و الأفكار مع العواطف التي تخلق عالم المتعة المطهرة للنفسية القارئ والمتلقي . ( يا نجمة في لعلالي / يا اللي ناشرة ضيها / على الدوالي / راه النوم بلا بك / ميحلالي / مين تغيبي / نبكي زهري / الخوف يسكن / خيمتي / ( " خيمة لحروف " الصفحة 45 ) . تحولت العوالم الشعرية الزجلية عند الشاعر إلى حقائق وعمليات عقلية ، لأن الشعر ينبع من روح الشاعر ، مشبعا بطاقاته الخلاقة المحاكية لصور العالم الخارجي ، وهنا يصبح الشعر عند " محمد مهداوي " ليس شكليا كما هو الحال عند أرسطو ، كما أنه ليس محاكاة لأعمال الإنسان وصفاته كما هو معروف في النقد الكلاسيكي ...بل " إن فعل الشعر هو وازع من العواطف و والرغبات ، فيسعى هذا الوازع للتعبير عن نفسه ، أو هو الدافع الأساسي للمخيلة الخلاقة التي تشبه الشاعر نفسه ، في أنها تمتلك منبعها الداخلي للفعالية ، أي التعبير بصدق عن العواطف والقدرات العقلية ... " ( 18 )

يقول الشاعر في قصيدة " يا عالم " / الصفحة : 42

يا عالم ...
تمنيت نكون شمعة
نضوي عليكم
ظلام الحكرة
نسقي جبالكم
من حر الدمعة
نعطر قلوبكم
بالمسك ...
والعرعار
ونفوسخ أيامكم
أيام الجمعة
باش تزيان الدرسة
ؤ تذبال الفكعة
يا عالم ...
عاود توضا
وغسل عظامك
ب حر لعمال
على الله تبراح

يؤكد معظم المهتمين بموهبة الإبداع أنه يمر بأربع مراحل متشابكة ومتداخلة وآنية اللحظة ، منها الإعداد والتحضير و يسميه بعض النقاد " اﻹشراق والتحقق " ، حيث يولد العمل

اﻹبداعي التي يمثل علامة مستقلة بذاتها ، يتداخل وتشابك فيه آنيا ، الرمز المحسوس ، والموضوع الجمالي ثم علاقة الشيء بالمعنى ، أي المعنى المشار إليه ، وهي علاقة تخيل ووجود محدد ، فالعلاقة هنا مستقلة بذاتها ، بل تحيل إلى السياق الكلي للظاهرة الاجتماعية الخاصة بوسط معطى ( العلم ، الفلسفة ، الدين ، السياسة ، الاقتصاد ... )

يقول الشاعر في قصيدة " المدينة الفاضلة " / الصفحة : 70

يا ناس ...
مال هاذ العالم
ركبو لهبال
شمسو باهتة
ؤ وجهو مذبال
قوس قزح بهاك
والورد ولا بالمال
فين ( المدينة الفاضلة )
فين القيم ؟
فين السلم ؟
الجبال ذابت
من كثرة لهوال
يا عالم ...
أفلاطون هجر مدينتو
وانسى فلسفتو
الحق ولا مكبل
بشلا عقال

يقول محمد موح : " ...ولكي تحقق هذا الحلم ( خليوني نحلم ) ، يلجأ الزجال ألى تقمص دور الوسيط ذي المساعي الحميدة ، فتأخذ من أسلوب الوعظ والإرشاد والتذكير وسيلة يحاول من خلالها إيصال رسالته إلى المسامع ، يحول الحرف إلى أجراس مدوية يقرع بها الآذان الصماء المعرضة ، علها تهتدي إلى الصواب بمسامعها لهذا الدوي القوي ، فتعمل على استعادتها للدور المنوط بها كما في قصيدة " يا قاضي وفي الميزان " ..." ( 19 )

لنتأمل مقتطفا من قصيدة " خيمة لحروف " / الصفحة : 47

هذا كلام الخاوة
معمرو يذبال
سمعني يا صحيبي
واستلغى لي قوالي
يحفظك ربي
ؤ يرفع شانك
الرب العالي

5 - اﻹشراق والتحقق / الرموز المحسوسة في ديوان ( خليوني نحلم ) / الاغتراب والتمرد

إذا انتقلنا من التعميم إلى التخصيص ، فسنجد أغلب قصائد الديوان متمحورة حول المجتمع والذات كموضوع رئيسي ، ومتمحورة حول القيم الأخلاقية ، التي تعتبر مفتاحا قرائيا لرموز ودلالات متنوعة في الكثير من القصائد الزجلية في ديوان " خليوني نحلم " ، على اعتبار أن حياة اﻹنسان الاجتماعية متفاعلة أبديا مع الطبيعة المحيطة ، التي تؤلف مختلف أسس النشاط الاجتماعي ، وتتوسط العلاقات بين اﻷفراد ، و تتواجد في الحياة الاجتماعية بمختلف المؤسسات ، أو العادات والتقاليد والتراث الاجتماعي ...

يقول الشاعر في قصيدة " ثورة حمار " / الصفحة : 74

لما شافني عكزان
حن علي حماري
حل بيبانو
وفتح لي اشواري
قال لي اركب
راك مع الرجال
ماشي مع الدراري
شحال من مرة علفتني
وعطيتني شعير
واسترت عاري
م ناكل رزق الناس
م نحكر جاري
أنتما فاضحيني ليل ونهار
ونا معمرو خرجت
عليكم سراري
نهار تحتاجوني
تكولو مرحبا يا حماري
ونهار تغضبو عليا
تبيعوني لأول شاري

الشاعر إذا ما استثاره شيء من الواقع الخارجي ، أو أرقته مشكلة خاصة أو حفز قدراته اﻹبداعية محفز ما ، قد تكون فكرة طارئة ، أو ومضة كاشفة ، أو لقطة سريعة أو مشهد عابر أو واقعة معينة ، او حادثة ما ( يا ولاد بلادي / كلكم ركبتو عليا / نهار وصلتو / نكرتوني / كي الجاهل / كي اللي قاري / نهار نمرض / ما تقبلو عذاري / وخ أنا صوت عليكم / أنتما تسوطوني / ) ... فإن الانفعالات العاطفية تنتج إبداعا فنيا كرد فعل مصنوع من مادة خام لغوية حامل لعلامات جمالية . إن الشاعر عموما منفتح على الكثير من الخبرات ، يسمح لكل حافز بالانتقال وبكل حرية عبر جهازه العصبي دون أن يتعرض لأي وقائي أو دفاعي . إن الشاعر يعي اللحظة المعيشة كما هي ، وبذلك فالقصائد زاخرة بالحيوية اتجاه كثير من الخبرات والتي تقع خارج التصنيفات المعتادة . وهنا تنطلق شرارة اﻹبداع عند الشاعر الزجال محمد مهداوي ...

يقول في قصيدة " يا قاضي وفي الميزان " / الصفحة : 37

يا قاضي وفي الميزان
راقب الرقاص
خلي عيون العدل تبان
حضى الشمعة لا تطفى
راه دموعها غاليين
يشهدو عليك
نهار يخرس لك لسان
يا قاضي وفي الميزان
خل الخيمة
تظللها ...
خلي خيول الحق
تروضنا ...
خلينا نشوفو
الدنيا زاهية ب للوان
يا قاضي وفي الميزان

تنطلق شرارة اﻹبداع وتتضح عند الشاعر حين يمتلك موهبة زجلية أصيلة ، وحدسا صادقا يساعده على التخلص من كل ما يقلقه ، فيزيل اﻷستار عما كان مبهما عنده ، وصولا إلى إنجاح إنتاج جديد وأصيل ، على اعتبار أن الزجل والشعر عموما هو وسيلة لتوصيل التجارب نفسها مترجمة ، بألفاظ حاملة لرموز عديدة . (خلي خيول الحق / تروضنا . خلينا نشوفو / الدنيا زاهية ب للوان / يا قاضي وفي الميزان ...) .

على القارئ بدوره أن يحول هذه الرموز إلى تجارب تقمصية ، للوصول إلى الإشراق والتحقق لقصائد ديوان ( خليوني نحلم ) ، وللوصول كذلك إلى أبعاد شخصية المثقف الواقعي الذي يمثل واقع اجتماعي معين ، في وقت معين ...يقول محمد موح : " ... التمرد على الواقع المعيش ، والاستياء ممن لا يرجى منه خيرا ، أو ممن يريد هدم صرح الأجداد وتخريب بيته بيده ، فيحث الأبناء والأحفاد على التمسك بفضائل الأجداد ... ( 20 )

ونقرأ له في قصيدة " يا الغافل " / الصفحة : 91

يا الغافل ، شوف فين غادي ////راه الموت عليك تقلب وتنادي
يمكن تدي اليوم جارك //// ؤ غدا يمكن يجينا خبارك
شحال من واحد تقوى وتجبر //// نهار طاح ، مات موتة لغدر
وشحال من واحد حفر قبر //// اتدفن فيه بعد ما تقاضى السفر

يرتحل الشاعر في قصائده الزجلية أحيانا بعيدا عن المجتمع ، محاسبا ومعاتبا ومنبها ، مغتربا في الذات ، وهو مستقر داخل مجتمعه ، لكنه منعزل عنه ، والعزلة هنا استعمال موسع لمصطلح اغتراب ، وهو شعور طبيعي حين يشعر الشاعر المثقف بالتجرد وعدم الاندماج خلال لحظات التأمل الفكري ( الموت ديما ف جنبك بحال ظلك //// فوق راسك ساكنة ، غدا تلغالك ... )
للشاعر عدة مواقف كمثقف يرفض ( الحكرة / الظلم ) بكل أشكاله ومجالاته ، ورفض كذلك المآل الذي وصل إليه المثقف العربي من موت معنوي تحت عنف وفشل وقمع ...

نقرأ في قصيدة زجلية " يا الرياح العاصفة " / الصفحة : 85

يا الرياح العاصفة
يا لملجمة ب لجام الخيل
مال صفايحك حديد
صهيلك رعد ؤ برق
ؤ سالفك جريد النخيل
بهدلتي زين الدفلة
ريشتي الطاوس
نتفتي جنيحاتو ...
و نشرتيهم كديد
يا الرياح العاصفة
حني علينا ...
شوفي ف حالنا ...


6 - الخلقية الأخلاقية للنص / اللغة و معيار التلقائية

تحتل اللغة مكانة هامة كالكائن لغوي دارج حي ، وهي التي تفعل فعلها الخاص في كل نص زجلي ، خاصة الصور البلاغية كالتشبيه والاستعارة وغيرهما ، والسؤال الذي يطرح نفسه علينا ونحن نقرأ قصائد ديوان " خليوني نحلم " ، هل اللغة النصية هي لغة الكلام الطبيعي التي يعبر به عن العاطفة والخيال ، ام أنها تقليد مقصود لتقاليد شعرية ؟ فهل القصائد صورة صادقة لطبيعة الذات ؟ أو هل هي ملائمة لمتطلبات أحسن أحكام الذوق أو الصفات العامة عند البشر ؟ وبمعيار آخر هل القصائد صادقة ؟ وهل تلائم نوايا الشاعر وعواطفه وحالته العقلية الحقيقية وقت كتابتها ( لحظة الحلم ) ؟

يقول الشاعر في قصيدة " لالة لمريا " / الصفحة : 80

أنا لالة لمريا
م عندي سر نخبيه
م عندي ورث
نهديه ...
كلمة الحق مكولها
وخ نتهرس شقوفة
ها وجهك ...
ها خيالك ...
خذو ولا خليه
اللي بغا طريق الحق
نوريه ...
وللي بغا مال ليتامى
نمشي ونخليه
أنا لمرايا ...
صافية بلار
م يبدل صيفتي
عطار ...

لقد أصبحت طبيعة الذات مرآة شفافة تقدم للقارئ نظرات ثاقبة في عقل الشاعر وقلبه ( أنا مرايتكم كاملين / م نستر عيوبكم / ما ناخذ رشاويكم / م نزوق فضايحكم / سولو الكمرة الضاوية / على سراري. تعرفو قدري ومقامي / )
، يسطيع القارئ أن يصل إلى منابع التفاصيل والنتائج في القصيدة الزجلية على أساس فعل العامل الفعال في الجمهور الذي عنده الشعر هو عاطفة تعبر عن نفسها لنفسها في لحظات العزلة .. فجميع الشعراء يلتقون في طبع مناجاة النفس ، للتأثير في الناس ، وهو طبعا الغرض من الشعر طيلة قرون عديدة .

نقرأ في قصيدة " مال لبحر مالح " / الصفحة : 65

آه يا طير الطيور
مالك تحولت ل طير الليل
مين اما جا الميل تميل
لسانك عوج
ؤ صيفتك تبهدلت
بغيت تعيش وسط الروم
نسيت ايام الحلفة والدوم
لمن خليت حمارك
لمن خليت دوارك
راه لوتاد مزالا مغروسين
في قلب الرحبه
في كانت تحلى الدرسه
وتتبورد السربة

الإحساس العاطفي في قصائد ديوان " خليوني نحلم " إحساس فطري ، وهو شاعر بالطبع لا بالتطبع ، حيث أصبح الإحساس معبرا عن طبيعة الذات المفعمة بالتعبير التلقائي للعاطفة ...

سابعا - خاتمة :

وأختم دراستي المستقطعة بتعريف ورد في كتاب ( النظرية الذرائعية في التطبيق ) حول صفات الناقد الأدبي : ( من الضروري أن تتوفر في الناقد الأدبي مجموعة من الشروط وهي : سلامة الذوق ، والذكاء ، والخبرة المتمثلة في معرفة الناقد بشكل كامل ، ودقة الإحساس ، أي انفعالات الأدب في الناقد وأثرها ، التعاطف ، أي المشاركة الوجدانية ، والثقافة الخاصة والعامة ، والفردية أي الذاتية ، والصدق والجدية ، والصبر بالمواصلة ،
وحب صيد الأفكار المخبوءة ، ومحاولة صيدها بأي شكل من الأشكال .... ) ( 21 )

الهوامش والمراجع :

1 – مقدمة ديوان " خليوني نحلم " / ذ . محمد موح / الصفحة : 8
2 – قراءة نقدية / ذ . سعيد فرحاوي
3 - العنوان في الشعر العراقي المعاصر ( بحث ) / ضياء الثامري / الصفحة : 13
4 - السيميوطيقا والعنونة / بحث / د . جميل حمداوي / الصفحة : 96
5 – قصيدة " الرغاية " / ناس الغيوان
6 – انظر " معجم المعاني "
7 – انظر المرجع (1 ) نفسه
8 – انظر دراسة للأستاذ " محمد موح للديوان الزجلي " لباردي والفردي " لمحمد مهداوي
9 – النظرية الذرائعية في التطبيق / عبدالرزاق عودة الغالبي / الصفحة 159
10 – انظر المرجع ( 1 ) نفسه / الصفحة 6
11 – انظر المرجع ( 1) نفسه / الصفحة 7
12 –انظر / دور الذرائعية في سيادة الأجناس الأدبية / عبدالرزاق عودة الغالبي
13 – انظ / الذرائعية اللغوية بين المفهوم اللساني والنقدي / عبدالرزاق عودة الغالبي
14 - محمد عبدالله / رسالة دكتوراه / دستور الأخلاق في القرآن / الصفحة : 11
15 - انظر " محمد رمصيص / كتاب «قلق الكتابة... تأملات نقدية في الكتابة الأدبية» (طوب بريس- المغرب) / الصفحة : 21
16 - ( الإنسان والقضية ، الإنسان قضية / ابراهيم فيلالي / موقع الحوار المتمدن
17 – أفنان عبدالله أحمد الغامدي – الكتابة الأبداعية – مشروع ميداني في مجال الموهبة والتفوق العقلي ESPE-462- ص 14
18 أنظ د. محمّد أحمَد الأسطل- الخـاطِــرةُ الأدبيــّة-
- محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي
19 – انظر المرجع ( 1 ) نفسه / الصفحة 7
20 – انظر المرجع ( 1 ) نفسه الصفحة 7
21 – انظر المرجع ( 9 ) نفسه / الصفحة : 112
22 - - محاضرات بالمركز المغربي لتعليم النقد الذرائعيي التابع لحركة التجديد و الابتكارفي الادب العربي



#عبدالرحمان_الصوفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديناميكية الوعي بالتراث والهوية في الديوان الزجلي - لباردي و ...
- فضح الأوهام الخمسة من خلال نص - أشهد أن لا بوطوكس إلا أنت -
- الأدب الموسيقي / الموسيقى الأدبية / الرواية نموذجا
- التوثيق التاريخي بلغة مفاتن جسد القصة القصيرة
- أسئلة نقد أسئلة الأسئلة
- دراسة نقدية / المدخل الاستنباطي الذرائعي / اشهد يا حزيران .. ...
- محاورة الوفاء ورد البلاء / في ضيافة الشاعر : أحمد العدواني
- ثلاث قصص قصيرة جدا / زمن الجائحة
- تسألون : ماذا سيصف في وصف ما لا يوصف !؟
- درجة الانزياح والرمز والخيال في نصوص ديوان ( رؤى آجلة ) لملي ...
- الاحتمالات المتحركة في لأنواع الحوار المنودرامي في مسرحية - ...
- مستوى التبئير في المنهج الذرائعي
- ظاهرة التبادل والتناوب بين حرفي اللام والراء في قصائد ديوان ...
- التناص الامتصاصي ومنطق سيميائية المحسوس في الديوان الزجلي - ...
- الدائرة الدلالية الذاتية في ديوان - همسات قلب حائر - للشاعر ...
- الأنماط السردية في - سمراء وشاي - لفوزية الفيلالي -
- الاحتمالات المتحركة في المضمون ( ثلاثية المسار السردي ) في ا ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرحمان الصوفي - الديوان الزجلي - خليوني نحلم - في ميزان فلسفة علم الأخلاق / الخلقية الأخلاقية الذرائعية