أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عباس جميل جيماو - مقابلة فكرية مع الكاتب سمكو محمد عن السياسة















المزيد.....


مقابلة فكرية مع الكاتب سمكو محمد عن السياسة


عباس جميل جيماو

الحوار المتمدن-العدد: 6646 - 2020 / 8 / 14 - 16:06
المحور: مقابلات و حوارات
    


- حتى لو مارست الدنيا الاصلاح والسياسة حسب الفلسفة؛ فلن ينتهي الاضطهاد..

- استمرار الصراع مع قوى اكبر من البشر؛ اسلوب جديد للانتحار

اعداد: عباس جميل جيماو
ترجمة الى العربية: جمعة الجباري

القسم الثالث

يتحدث الكاتب سمكو محمد في القسم الثالث من لقائنا معه عن محطة من محطات حياته السياسية وتجاربه الحياتية، ويركز الضوء على مفهوم السياسة من منظور (مكيافيلي و كانت) ويرى ان ما يفرق بينهما هو فقط الاخلاق:

سؤال: فضلاً عن كتبك الادبية والفكرية التي طبعتها، اظن لديك كتابٌ معد للطبع بخصوص مذكراتك، وتتحدث عن نشاطاتك وتدعوها بالانكسار، وتتحدث فيه ايضاً عن التجارب الصحافية والادبية والفكرية وحركة اليسار..الخ، فمن اين بدأت انطلاقتك السياسية وكيف كانت؟
سمكو محمد: كنت سابقاً مشغولاً بالمطالعة والكتابة تحت ظل السياسة، وعملت في مجال الادب والصحافة، وكان عملي الصحافي بداعي افساح مجالٍ ارحب للحرية، والسبب في انني اعدت كل شيء للسياسة هو انني كنت تحت تأثير مدرسة الجدلية المادية ومن هذا المنظور اهتممتُ بالسياسة كفن واصبحت من اولويات عملي وتفكيري، اضافة الى ذلك كان جيلنا جيل الحروب وتعايش معها واصبح سياسياً بالفطرة، ومشحوناً بها، لذلك اصبحت حياته ونشاطاته نوعاً من انواع المواقف.
كانت حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية مختلفة عن الاجواء السانحة لجيل مابعد الالفية الثالثة، على سبيل المثال تدفق التكنولوجيا بهذه السرعة وحرفنة الشباب في كل مجالاتها وتفتح اعينهم على العالم، عدا ذلك كان آخرون من جيلنا بعيدين عن السياسة، وكان الاعتقاد السائد بيني وبين اصدقائي انه لن تسوى شيئاً وانت تعيش خارج اطار السياسة، لانه نحن لانختار السياسة بل هي التي تسحبنا اليها وتجعلنا نلعب لعبتها، كونها لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بواقع الحياة، ولايمكن الابتعاد عنها، من هذا المنطلق نفهم ان السياسة احتلت حيِّزاً كبيراً من حياة الانسان.
في هذه البقعة من الارض وسط اقراني والجيل الذي عشت معهم، استطعت ان افكر بشكل مختلف عنهم، مما ارهقني واصبح مثار صداع دائم لي، وسجنت عدة مرات بسبب السياسة في الثمانينات والتسعينات في عهد البعث البائد وفي عهد مابعد الانتفاضة، ولكن ذلك اثار غبطتي، لانني استطعت ان ابصر الامور بشكل ابعد في ايّ موضوع اريد التحدث فيه وابدي رأيي عنه. ومن جانب اخر، الذي حثني على خوض غمار الصحافة والكتابة، هو انني انتمي الى مدينة تعيش في صراعات مختلفة، اقصد مدينة كركوك، ولنسمِ هذه الصراعات قومية أو وطنية، كنت حينها يافعاً وغير متكامل فكرياً، لم اكن حينها افكر بقبول التعايش المشترك مع الاختلافات العرقية كما افكر به الان، ففي الوقت الراهن وباعتبار النظريات الفكرية التي وردتنا من اوروبا والتي اعانتني على التفكير ملياً اكثر من ذي قبل، بهذه الطريقة حاولت الاستفادة من الكتب المتطرقة الى قانون السياسة و العلوم السياسية وان اتجنب سطحية التفكير، أو وهم السياسة العصرية، لهذا شاركتُ في تأسيس عدة مجاميع سياسية، وكنت اعتقد اننا لو جزأنا الثقافة الى عدة اجزاء ففي المحصلة النهائية سيجتمعون مرة اخرى في بوتقة السياسة، وكان ذلك اثناء ذروة الاتحاد السوفياتي وشيوع وجود قطبين سياسيين مختلفين في الحياة السياسية للمجتمعات، حينها كان الشباب ينتمون الى المجاميع السياسية والماركسية، وكنت اقرأ نصوص ماركس وانجلس والمفكرين الاخرين واستلهم منهم دون الرجوع الى الايديولوجيا والتزاماتها، وذلك حسب تفكير ارسطو وبعده ماكيافيلي وكانت. لانني ايقنت انَّ هناك اتجاهين مختلفين في السياسة: الفكر المكيافيلي الذي لايعمل حسب المفهوم الاخلاقي. والفكر الكانتي الذي يلتزم بالاخلاق. لذلك؛ ما يفرق بين هذين المفكرين، هو فقط مفهوم الاخلاق في السياسة.
رغم انني لم اكن متأثراً بفكر مابعد الحداثة، ولكنني بعد اطلاعي على المدرسة الفرانكفورتية ومابعد الفرانكفورتية وظهور التيار الفكري لدى آلان تورين و آلان باديو وبيتر بروكر انشغلت كثيراً بهؤلاء المفكرين، حتى افهم ولا اتكلم بـ (انطوائية) وهذا المصطلح كان شائعاً جداً في الثمانينات والتسعينات، خاصة انهم كانوا يطلقون على الماركسيين اصحاب الفكر الديماغوكي، لذلك؛ حاولت ان اعرف لماذا تحاول السياسة والانظمة الاصلاح والاستفادة من الفكر العالمي، ليتسنى لي ايضاً الاستفادة من الناحية الفكرية ما كان المفكرون والرسل في تاريخ المجتمعات البشرية يفكرون به، وايقنتُ ان الثقافة هي تراكم معرفي وتقاليد المجتمع عبر التاريخ.
جميع المفاهيم التي تحدثتُ عنها آنفاً تركت آثارها في نفسي، وترعرعت معي، ولكنني لم اضع نفسي في دوامة القلق وثبتُّ على مدرسة فكرية واحدة، وهي مدرسية المادية، ذلك لانني لم اكن خاضعاً لرغباتي بل كنتً منشغلاً بالتفكير في السياسة ومراعياً المصلحة العامة اكثر من نفسي، ومازلت افكر هكذا، وفي بداية شبابي كنت احثُّ اصدقائي على ان السلطة لاتريد دخول الشباب معترك السياسة، بل يعيشوا حياة المراهقة ونزواتها، وظهر ذلك جلياً في سياسة حزب البعث، حيث كان يحاول ابعاد الشباب عن السياسة والالتهاء بنزوات الشباب، ومازالت السلطات في العالم تفكر ذات التفكير وتسانده عن طريق اشباه مثقفيها، أو عن طريق الرياضة والتكنولوجيا الحديثة ومتابعة افلام الاكشن وكافة الملهيات الاخرى.
سؤال: بما انك امضيت مدة من عمرك في السياسة والفكر، هل نستطيع القول انك اشتهرت بسبب ذلك، واريد ان اسالك بعد مجيء الحداثة اين وصلت مستوى العلاقة بين الايديولوجيا والفلسفة والى اي مدى خدمت بعضها؟
سمكو محمد: دعنا لاننسى ان امامنا تاريخ يقول لنا: (في كل مرحلة من الزمن تم التعامل مع الانسان بشكل مختلف) واقصد المراحل المتتابعة، وتكمن الاستفادة من هذه النصيحة الفكرية ان مراحل تطور المجتمع البشري هي حقيقة لايمكن نكرانها، فمراحل تسلط الام والعبودية والاقطاعية، ثم ظهور نظام الرأسمالية وحالياً النظام الجديد مابعد الرأسمالية كل تلك النظم كانت في صراع مستمر. ولكن الذي يتحدث عنه المفكر فوكوياما ويقول: "نهاية التاريخ" قد ناقشه (هيغل) في عهده ثم ناقشه ماركس وانتقده وقال: "لقد استفدنا من جدلية هيغل، ولكن هذه النظرية واقفة على رأسها، ونحن جئنا واوقفناها على رجليها". ثم يتحدث بعد ذلك كلاماً اخر عن الفلسفة السياسية ويقول: "وظيفتنا هي ان نوقف الجدل على قدمية وهذه وظيفة الفلسفة التي لم تكن تعمل هذا العمل سابقاً، لذلك نحن اضفنا ان وظيفة الفلسفة هي تغيير واقع الحياة، وليس تكرار تصور الوظائف السابقة" ولاثبات حجته قال: "يقف التاريخ على ظهر الماضي" هذه اراء فلسفية لماركس ولا يستطيع اي مثقف ان ينكرها، وقد تمت الاستفادة منها كثيراً.
اضافة لذلك؛ فقد اخذ فوكوياما نظرية موت الانسان من فلسفة نتشه وقلبها راساً على عقب، ولم يقل شيئاً جديداً، من هنا يتم تفكيك رسالة فوكوياما ولاتستطيع الثبات. لقد ذكرت هذه المقدمة لانها الجدل حول الاصلاح او العنف، لان الايديولوجيا التي كانت سارية المفعول في تلك الفترة من الزمن، استفادت بشكل خاطيء من الفلسفة وجعلتها نوعاً من الدين، لذلك؛ فانني اعتقد انه حتى لو قامت الدنيا بالاصلاح عن طريق الفلسفة ومارست السياسة بحسب الفلسفة؛ فلن ينتهي العنف، وجزء منها يعود الى الاشكالية التي اجبرت الانسان على الاقدام على عمل ثم العدول عنه، وبما اننا امام موقعية ثلاثية الاقطاب (قبل الحدث، اثناء الحدث، بعد الحدث) لذلك فان وضع هذا الزمن يحول لنا التجربة الى الحد الفصل، من هنا نرغب بدراسة سياسية تم العمل عليها اكثر في مدرسة الجدلية المادية، وتؤكد على الانسانية، اي وضع فكرة حب البشرية مكان حب الابادة، هذه هي الفلسفة والفكر حتى ولو اختاروا الانتحار لا يُلامُ على ذلك، لان استمرار الصراع ضد قوى اكبر من البشر، نوع اخر من الانتحار، هذه عصارة فكر ماركس الذي ناقش نظريات الانتروبولوجيا والسوسيولوجيا في عهد ابيكورس الى عهد ظهور رسالات جديدة الى الكيان السياسي، من هنا نفهم ان انقسام البشر على مجتمعات مختلفة ومذاهب مختلفة، أو التقاليد الموجودة داخل العلاقات الاجتماعية، أو الصراع الازلي للانسان مع الطبيعة، أو المحاولات المستمرة والفجة للانسان للنفاد من الموت، هو جزء من تلك المناقشات المطروحة في الوسط الفكري ولاتنتهي ابداً، وقد وضعت الايديولوجيا حدوداً لكل ذلك وحصر الفكر في تلك المواضيع، اضافة لذلك فان الافكار المزيفة تغير تلك التطلعات وتغير مسارها، واذا كان القاريء واعياً سيجد المشكلات التي سببتها الايديولوجيا ومدى الاضرار التي لحقتها، وقد حمل التاريخ كل ذلك على اكتافه. لذلك؛ لايستطيع احدٌ ان يخرج افكار (الاثنية ، المذهب، التقاليد والتقليد) من راس الانسان، اذن التاريخ يحدد الاشياء والظواهر المختلفة، وتقسيم البشر هو حقيقة دامغة، ورغم ان هيغل يعرف التاريخ بانه ابن زمنه، ولكنه في مكان اخر يقول: "الشيء الذي لانتعلم منه هو التاريخ نفسه" ولكن ماركس انقذ الانسان من هذه الدوامة واجابه اجابة قاطعة، واعتقد ان ذلك احدى اشكاليات ماركس الفلسفية للتاريخ، ويتحدث عن الفكر الاشتراكي ويربطه بانه محو الاضطهاد القومي والطبقي مرتبط بازالة الفوارق الطبقية وينظر الى التقاليد كما هو. بعض المفكرين فهموا الكومونيزم خطأ، باعتبار ان الماركسية والاشتراكية ضد القومية واعتقد ان العكس هو الصحيح.
لست بمخطيء لو ربطت بين فايروس كوفيد 19 الذي شغل الدنيا في الوقت الراهن وبين اسلوب اخر للكومونزمية التي هي صنيعة الرأسمالية ذاتها، لان الحتمية التي تحدث عنها ماركس واتباعه، فان الرأسمالية المعاصرة بدأت تطبقها على المجاميع الاصغر منها، لكي تبقى هي على القمة مثل الظل ويحتاج هذا الى حجة جديدة حتى يتسنى لي الاجابة على السؤال التالي وهو لماذا يقتل نفسه؟ علماً ان العصر الحالي هو عصر الحجج والبراهين للكشف عن التكتيكات السياسية لمابعد الراسمالية المعاصرة.
سؤال: هناك مقولة لـ (دينيس ديديرو) يقول فيها: "لم نجد في السابق ان يقتل فيلسوفٌ رجل دين في حين قتل رجال الدين الكثير من الفلاسفة" من هذا المنطلق، هل الايديولوجيا فكرة قاتلة ام في النهاية هي مشجعة للقتل، في حين ان الفلسفة هي فكرة حميمية ومحبة للسلام؟
سمكو محمد: قبل ان نتحدث عن الايديولوجيا، يجب ان نتحدث عن التنوير وقبول الاخر، لان نظام الكنيسة والبطرياركية في الغرب لم يكن فقط عبارة عن ايديولوجيا، بل نظام سياسي، واضافة الى انه رفضَ كل الاديان والثقافات الاخرى؛ فانه اطبق على انفاس كل الاجواء السياسية والثقافية، وكان ديدرو احد التنويريين الذي حاول كسر جمود هذا النظام وطريقة تفكيره الذي عرف بالديماغوجية، ولاشك ان هذه الظاهرة عرفت بعد ذلك بنوع من الامراض النفسية. بمجيء القرن الثامن عشر تطور الفكر التنويري، وكان في طليعة هؤلاء فولتير و جان جاك روسو اللذين ربطا الرومانسية بالدين، على الاقل تركا بصمتهما على تغيير عقلية الكنيسة، ومن ضمن ذلك نتاج روسو الذي عرف باسم العهد الاجتماعي، وكان جزء منه تحت تاثير دنيس ديدرو، رغم ان ديدرو لم يستطع طبع اي كتاب له خلال حياته بسبب عنف الكنيسة التي كانت احدى مهامها قتل الفلسفة، بل كان يتحدث فقط عن الدين والالحاد والمادية، ومنها مناقشة النظام الملكي والكنيسة والشخصية العسكرية لذلك العصر الذي كان نظام فرنسا حينها نظاماً ملكياً، وذلك بسبب ان النظام جعل خطابه طاغياً بشكل انعكس حتى على الحياة الاجتماعية والادبية، ولاشك ان ذلك كان له تاثير على التنويريين بعد مماته، ولاننسى ان الايديولوجيا كانت مشكلة اخرى من مشكلات التنويرية، باعتبار انه حتى بعد انقطاع الفلسفة بعد كارل ماركس كانت الايديولوجيا عائقاً من عوائق طريق الفلسفة، من هنا بدأ النقد الحقيقي والجدلي، لانه لم تكن الافكار المنقذة من براثن محنة الحياة السياسية والاجتماعية متكاملة حتى افكار فيورباخ مؤسس الفكر الجدلي، وهيغل مؤسس الجدلية، لذلك ساتحدث عن النقد كما تحدثت عنه آنفاً، لانه تبين انه لايمكن لاي نظام توفير الحياة السياسية الطبيعية بدون النقد، او على الاقل القبول بالاخر كواقع.
في الحقيقة ليست المسألة فقط الدين، بل ان الايديولوجيا العنيفة اكثر شراسة وعدوانية من الدين في عدائيتها للفلاسفة والمتنورين، على سبيل المثال هذا التقليد هو امتداد لقناعة سلطة مستمدة من اليونان، وهكذا الى ان فشل هذا النظام، أو الى ان ظهر مارتن لوثر كينغ الذي قام بالاصلاح الديني، وطحن عشرات الاخرين مثل سقراط، غاليليو، كوبرنيكوس، غرامشي و تروتسكي، وثم الحلاج والسوهروردي..الخ. هؤلاء كانوا فقط يختلفون فكرياً عن النظم السياسية، والا فانهم لم يذنبوا في شيء سوى انهم جاءوا بفكر جديد ضد النظام الديني والكنيسة، لذلك؛ فمن جهة اخرى لو لم يكن هناك دفاع عن الافكار الرجعية فلم تكن الايديولوجيا سوى مفهوم عقيم، بل كانت الايديولوجيا سبباً لتمهيد الارضية للانفتاح.
سؤال: خارج نطاق هذه المناقشة، وحسب ارائكم في الاقسام الاخرى لهذا اللقاء، يتبين انك تعاني مشكلة مع التيارات الفكرية الحديثة، لذلك اسأل: كيف تنظرون الى النظام الجديد الذي نعت بالعالمية؟ واين يجد هذا المفهوم ذاته في الفكر السياسي، أو لنقل بشكل اوضح الى اي مدى هو جديد في الفكر السياسي؟
سمكو محمد: لو تمعنا في الفكر السياسي، الذي ورد على يد متنوري القرن التاسع عشر، وقبل ذلك مثلما اسلفت ورد على يد رواد الفكر التنويري الذين وزعوا الاعمال من جهة ومن جهة اخرى قاموا بتغيير مكان الانسان من القرية الغافية الى الحضر الواسع والمتطور، على سبيل المثال التطور التكنولوجي البدائي والعمارة واسلوب التعليم واغراض المنزل والتفكير بالدنيا على نطاق اوسع..الخ. ثم جاء كانت وثم هيغل وتحدثا حول ذلك، ثم اشار ماركس الى ذلك في بيانه وقال: "سيأتي زمانٌ يمتليء نظام الرأسمالية لدرجة انه يضطر الى طرد الراسمالي خارج نطاق جغرافيته وتقيؤه له" ويعطينا ذلك المعنى مثلما يعطي تعريفاً للعولمة ويتوقع حدوث ذلك، وهو نمو التكنولوجيا والاسواق وتغيير المفاهيم باتجاه اخر حيث السوق الفكري يدعم السوق الاقتصادي ومنه الى السوق السياسي، ولكنه الان قد تم تصغيره في مفهوم واحد.
ها هي دول العالم تدير شركاتها خارج حدودها، على سبيل المثال تسارع التكنولوجيا الحربية الايرانية التي اكتسبتها من دول شرق آسيا مثل اليابان والصين و كوريا و المانيا..الخ.
أما اوروبا فكانت تبيع شركاتها للدول غير المنتجة مثل التايلاند، التايوان، ماليزيا، نيبال، تركيا و كندا ..الخ. وكذلك فعلت امريكا مع الدول النامية مثل ليتوانيا وارمينيا واوزبكستان..الخ.
ويوجد مثل هذا الوضع الذي هو جزء من عولمة العالم في كندا و امريكا اللاتينية، مثال على ذلك كان ت الشركات العالمية تسجل باسم قوميات شبه منقرضة، لدرجة انها نسيت حتى تقاليدها الاصيلة، بينما تهمش القوميات الاخرى، واستلهم هذا الموديل من النظام المسمى بالسوق الحر من عولمة العالم، وكان ذلك نوع جديد من حرب الاسواق التي تشبه ظهور نوع من السحر، فظهور التكنولوجيا الحديثة والذكية ودخول مفاهيم جديدة في عالم السياسة وتثبيت اسلوب جديد للاستعمار الامريكي والبريطاني للدول الاخرى، بالتضامن مع القوى الاوروبية واعطاء الشرعية لذلك باسم العولمة، ونهب ثروات القوميات الاخرى وترخيص القيم الانسانية، وخلط التقاليد الاصيلة وتشكيل دويلات مجتمعية ومحو موديل الدول القومية، كل ذلك دليل على تلك الحقيقة، وكان ذلك اسوأ من الحرب العالمية الثانية التي كانت نتاجاً للحداثة، مثلما تتحدث عنها حنة آرنيت في كتابها (اساسيات البروليتاريا) لذلك ارى ان عهد العبودية قد عاد من جديد ولكن في شكل جديد، فمثلا في عصر الفراعنة وفي عهد اليونان والرومان كان لزاما على العبد ان يقتل قرينه حتى يكتسب حريته ولايعملون به عنوة، كذلك فان الانسان الحاضر اصبح مجبراً على ان يكون تابعاً للسوق بسبب تضييق اقتصاده و وقته وبات عبداً للسوق والوقت والنضم الحديثة التي نراها في التلفونات الحديثة مثل الايفون والغلاكسي والفرق الرياضية مثل برشلونة وريال مدريد والفرق الانكليزية والايطالية والمانية.. الخ.
اذن؛ سواء اعترفنا بذلك ام لا، فان نوعاً جديداً من العبودية قد عاد، وما يقال له حقوق الانسان تلك السياسة التي باتت شائعة في المحافل السياسية، فيها نوع من السياسة بذي حدين والتي تقودها امريكا وبريطانيا، ولهذا ستراتيجية واحدة وهي ان تعود بالنفع السياسي والاقتصادي لامريكا والدول العظمى التي طمعت في الشرق وتستنزف ثرواته.
كل هذه الامور، جزء من الفضاء الفكري الذي لست معه وانتقده، والى اي مدى هي رائجة ومرحبة بها فهذا بحث اخر، لانها ليست افكاراً كونكريتية، و يتم المحاولة للتشهير بها وفضح مثل هكذا عولمة.
سؤال: تطرقت الى فوكوياما وانتقدت نظريته، وماذا بشأن نظرية صاموئيل هانتكتن، الذي يعتقد ان هذا العصر هو عصر تصادم الحضارات، هل يعد ذلك حرب المجاميع الصغيرة للمجتمع البشري مثلما رأينا نماذج من هذا السيناريو في بورما واليمن والعراق وغيرها؟
سمكو محمد: لقد نشر هانتيغتون هذا الموضوع لاول مرة في مجلة امريكية تدعى Forn avearz وكان ذلك رداً على نظرية فوكوياما، ويتحدث فيه عن استمرار الحرب الباردة، وتصبح سبباً بين القومية والدول الصغيرة، وكان حينها شيئاً شائعاً وجديداً جدير بالقراءة، لذلك؛ قرأت هذه النظرية في هامش نظرية فوكوياما بشكل كامل، واستوعبت العقدة بين الافكار، فماهي الغاية من هذا الهدف وماهو هذا التوقع غير المنطقي؟ وقد عددت حينها الفكرتين بوهم الفكر السياسي وكتبت عنهما في الصحف، وحسب اعتقادي فانهما ينظران بذات النظرة الى العالم.
لدى الدكتور فؤاد مرسي كتاب بعنوان (الرأسمالية تجدد نفسها) وقد كتبه قبلهما واجاب قبلهما على هذه الاشكالية، جاء في تنظيره الذي طبعه (دار عالم المعرفة) يقول: "يعد رأس المال السبب في استمرار النمو الاقتصادي والتكنولوجي وتجديد القوى المنتجة".
مرة اخرى يجدد ويبرمج الهيكل الاقتصادي نفسه، ويستطيع التأقلم مع اية فكرة ويستفيد منها، ويستطيع ان يهيم الانسان بشيء سحري وهو المال، لهذا يستطيع التجديد، وايضاً يفكر في اعماق نفسه ولديه البديل لكل الحالات والظواهر والعقبات والمشكلات التي تعترضه، ويستطيع القضاء على اضداده، لانه بقي وحيد القطب، اذن فان طرح الدكتور فؤاد مرسي ازاء نظريتي فوكوياما و هنتيغتن الذي كان عبارة عن فكرة تجديد الرأسمالية قد وجد ترحيباً حتى عند اليساريين، اذن كان هذا هو الهدف من وراء النظريات التي ارادت ابقاء القاريء على مسار واحد، وفي النتيجة اصابوا الناس في هذا العصر بالوهم، ثم تلاشتا سريعاً.
في ذروة الحركة التبشيرية التي نشطت في المنطقة، تحول الكثير من الناس بسبب المنح المالية السخية الى المسيحية، وفي عام 1997 كان ستيفن المستشار الثقافي لبيل كلينتن نازلاً في فندق برج اربيل، وقد التقيت به صدفة وجرى بيننا حوار عن طريق مترجم، قلت له: انت كمسؤول مباشر لهذه الحركة، هل تعتقد ان في كردستان التي غالبية سكانها من المسلمين، انكم قادرون على تمهيد الارضية ليتحول الناس الى المسيحية، أم ان هذه انبثاق جديد واستذكار لنصوص التورات في مجتمع مثل مجتمع كوردستان واعادة اليهوديين الى مناطق كانوا يعيشون سابقاً فيها ولهم ذكريات تركوها وربما لهم املاك ايضاً، وقد انكر رأيي هذا وقال: "التبشيرية هي عبارة عن معرفة الله فقط وليس اكثر عن طريق الانجيل" وسألته ايضاً: هل ستنجح نظرية صراع الحضارات لهنتغتن، الا يمكن ان يخلق صراع حضاري بتحول الكورد المسلمين الى المسيحية؟ وقد كان جوابه بسيطاً وهو (كلا) ومن خلال تلك المناقشة تبين لي ان تلك النظرية ليست الا مشغلة للناس فقط، وان هناك خطة اخرى لتفكيك وانحلال الروابط الاجتماعية واخراج المقدسات من قوالبها المقدسة للمجتمعات المقهورة التي لاتملك دولاً مستقلة.
باعتقادي فان الموجود حالياً ليس صراع للحضارات، بل محو التقاليد المختلفة للمجتمعات، وجعلها غير ذات قيمة الى حدٍ ما، مثلما تم تبخيس غالبية الاشياء الاخرى حتى الوجود الانساني امام المال، على سبيل المثال: في اوروبا حالياً يعيش اكثر من تقليد ومذهب ودين وقومية معاً، وحسب كلام هنتيغتن فكان يجب ان يبدأ الصراع من اوروبا، لذلك؛ لم يثبت هذه النظرية ، بل كانت فقط رسالة سياسية لو تم العمل بها؛ اذن يجب على اصحاب التقاليد المتزمتة الاستعداد، مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا و اليمن و بورما وجزء من السودان، ولكن هذه الظاهرة ستؤول الى النهاية والزوال مع تحول المصالح الاقتصادية لنظام الرأسمالية وثبوته في مستوى معين. وآل السيناريو الى الزوال.
سؤال: اذن فاليطمئن الانسان حسب طريقة التفكير الحديثة، والنظريات التي تحدثت عنها، على سبيل المثال العولمة ستبلع كل شيء، أو لن تبق اي ثقافة ثابتة في محلها، وها هو الغرب يعيش متعدد الثقافات؟
سمكو محمد: يجب ان نقف متأملين قليلاً ازاء هذه الحالة التي نعيشها والتي هي بقايا الرأسمالية القديمة والعولمة، ثم تبين ان العولمة هي مشروع امريكي، لماذا؟ لان الموضوع ليس ذو منطلق احادي، بل منطلقات عديدة، الصراعات القديمة كانت قاسية جداً، وما اثقل حروبها، وما اشد غدر جنرالاتها، ورغم ذلك لم تفلح احداها في السيطرة على طبيعة الانسان، او يتمكن تطبيق تنظير معين ان يفني حياة الانسان، على سبيل المثال ظهور مشروع (غات) عام 1994 والبدء بالعمل فيه بعد زوال الاتحاد السوفياتي القديم، ولاشك ان هذا المشروع هو اختصار لاتفاقية دولية للكمركة والتجارة بعد الحرب الباردة، وكان الهدف منه ان يكون التجارة حرة ولايجوز اعاقة التجارة الدولية ويجب ان تكون اعمال وتجارات الدول حسب بنود اتفاقية مبرمة مسبقاً، وذلك لاشغال البشر بتجارة استيراد وتصدير بضائع الدول العظمى، وحين يفعلون ذلك سينسون انفسهم وينسلخون من صفاتهم الانسانية ويصبحون هم ايضاً بضاعة مثل اي بضاعة اخرى، وعلى سبيل المثال اصبحت تجارة وتهريب البشر عملاً عادياً امام انظار الدول التي كانت تتحدث عن حقوق الانسان، وايضاً قاموا باعمال جعلت البشر والدول الضعيفة تقع تحت طائلة ضغوطات صندوق النقد الدولي، حتى يبقى جميع الافراد والمجاميع والدولة والنظام والكيان باكمله تحت سيطرة ذلك النظام الاقتصادي، كل ذلك تحدث عنه (الدكتور سمير امين) في كتابه (في مواجهة ازمة عصرنا).
ولاننسى ورود الثقافة الشائعة مثل تيار ناقص الى الشرق الاوسط واوروبا الشرقية وقسم كبير من آسيا، وقد وقع بشكل عام جميع التفكيرات الادبية والفنية تحت طائلة تلك التجربة الفكرية مما اصبح الانسان مهمشاً، ولكن الذي لم يقدروا عليه انهم لم يستطيعوا تغيير جوهر الانسان، بل غيَّروا شكله الخارجي فقط، وبقي الانسان ينتقد هذا النظام اللاانساني، واصبح ذلك تياراً ثقافياً لفهم العلوم الانسانية، وكان رائد هذا التيار هو (جورج كوسدورف) ثم اكمل مابدأه كل من: يورغن هابرماس، سلافوي جيجك، بيتر سلوتردايك و آلان تورين وآخرين، ومازال النقد موجهاً الى ذلك النظام الذي يتعامل باسم العقلانية والحرية السياسية وحرية التجارة ضد القيم الانسانية، اذن؛ مادام العالم شيء حتمي؛ فيجب ان تكون الحياة ايضاً شيئاً حتمياً، واذا اصبحت الحياة حتمياً؛ فلن تُعمِّرَ النظم والنظريات التي ضد القيم الانسانية النبيلة.



#عباس_جميل_جيماو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابداع والحداثة
- مقابلة صحفية عن الحداثة و مابعد الحداثة


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عباس جميل جيماو - مقابلة فكرية مع الكاتب سمكو محمد عن السياسة