أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عباس جميل جيماو - الابداع والحداثة















المزيد.....



الابداع والحداثة


عباس جميل جيماو

الحوار المتمدن-العدد: 6639 - 2020 / 8 / 7 - 02:36
المحور: مقابلات و حوارات
    


النص الميِّت لايحتاج لتلقين كذلك الابداع لايحتاج لتعضيد

اعداد: عباس جميل جيماو
ترجمة الى العربية: جمعة الجباري
القسم الثاني
يتحدث المفكر والكاتب سمكو محمد في القسم الثاني من اللقاء عن الابداع والحداثة، ويعتقد ان الابداع هو ذلك الشيء الذي لم يولد بعد، وان الحداثة تسللت الى الادب الكوردي شفاهياً فقط، ويركز الضوء على سلبيات العولمة وتطور التكنولوجيا للمجتمعات المتخلفة، حيث فتحت باباً فكرياً وتكنولوجياً؛ لذلك لم يبقَ شيءٌ باسم الابداع سوى الحداثة:

سؤال: الادب هو بحد ذاته نوع من المشكلات، نوضح اكثر : هو عامل لاثارة المشكلات، واذا لم يبقَ هناك مشكلة؛ اذن ما فائدة وجود الادب؟ في حين ان الفضاء التي نعيشها تحاول منذ زمن مناقشة تلك الافكار المطروحة عن الادب والتطور الفكري والتبادل المعرفي، وكانت تتحلي بشيء من الحماسة، ولكن الا تظن ان ظهور العولمة حولت تلك الاوضاع الى سلبية وجعلت الفكرة بلا قيمة ؟
سمكو محمد: كل تلك المطاليب والاشياء التي كانت موجودة في القرن الماضي، والمناقشات التي جرت حول الطروحات الفكرية والتبادلات المعرفية، والخفايا والسحر المتجمعان في نص ادبي او عمل فني ما، وكل تلك المقاييس التي استخدمت بشكل هندسي للتفريق بين الاعمال المتشابهة أو تقييم عمل ما؛ باتت كل تلك الاشياء بعد مجيء فكرة العولمة وحتى مابعد العولمة التي ملأت الدنيا بالعقد النفسية، بشكل من الاشكال وخاصة للمجتمعات المتخلفة حضارياً باتت اكثر بساطة وسهولة، فحين جعلت التكنولوجيا بضخها للاجهزة السحرية مثل الانترنت وموجة الستلايت والمحمول كهدية خطيرة، فتحت عشرات الابواب الفكرية والتكنولوجية المختلفة، ومع فتح هذه الابواب لم يبق لنا شيء يجيزنا لمناقشة الابداع حتى مع النصوص الجدية والسحرية، بل تحتاج الى مناقشة الجانب الجمالي منها فقط، لان الاستاتيكا هو العثور على المفاتيح الموجودة سلفاً في تلك الاشياء التي يخلق منها النص، مثل اللغة والتراث والعادات ..الخ.
سؤال: اذن لماذا اصبح الابداع عند الكثير من الادباء نوع من العقد النفسية؟ يلاحقون المفهوم ولايلحقون به، الى اي مدى استطاع هذا المفهوم ان يصبح عاملاً للانتاج والنمو الادبي، مثل المعرفة؟ أم هو علامة سلبية ازاء ملء الفراغ المعرفي الذي عندهم بسبب الفراغ الموجود لديهم، من جانب آخر اليس هذا هروباً من الواقع؟
سمكو محمد: اعتقد ان الابداع هو ذلك الشىء الذي لم يولد بعد، أو بمعناها الدولوزي: الابداع مثل الفلسفة والفلسفة نتاج المفهوم، هذا في حين ان الحداثة همَّشت هذا المفهوم وجعلت مسألة الهوية والحرية الادبية موضوعاً للجدل الفكري،
مع ذلك، ليس هناك من لايعلم انَّ النبي سليمان قال: "ليس هناك شيء جديد تحت اديم السماء". وحسب كلامه الذي جاء في التورات، لايعني انه لن يبق هناك تجديد وتحديث، وقد قام كل من (ماكس هوركهايمر 1895- 1973) و (تيودور ادورنو 1903 – 1969) بالتطرق الى هذه الجدلية في كتاب (جدل التنوير) ويرفضانه، بل انهما يتحدثان ايضاً عن النصوص التي ظهرت في العهد اليوناني الى عهد التبادل النظم السياسية الغربية، فقد كان لهم حصة في ذلك مثل اوديسيوس وغيره، فقد كان هؤلاء جزء من التنوير، هؤلاء كانوا يناقشون قضايا الانسان والطبيعة والصراعات، يناقشون النقد ومفهومي البرادوكسي (اوبجكت وسبجكت) كيف تم الاستفادة منهما بشكل خاطيء، لانَّ النظرية العلمية عبارة عن حزمة النقد الذي يوجه للحقائق العلمية داخل المجاميع الاجتماعية.
لست مع هذا التوجه بشكل قاطع، ولكن بما انه يضع المفاهيم مرة اخرى تحت ضوء النقد؛ لذا احاول الاستفادة منه لتعريف الابداع، يقول ( جيل دولوز 1925 – 1995) في كتاب (ماهي الفلسفة – 1991): "ان المفهوم هو بحد ذاته ابداع) وحسب هذه النظرية لسنا فقط لانملك الابداع بل حتى الاقوام الموجودة من حولنا مثل الفرس والترك والعرب لاتملك الابداع، وذلك بحسب اننا لسنا اصحاب اي مفهوم من المفاهيم التي نستخدمها في حياتنا اليومية، ولسنا اصحاب شيء اسمه القطيعة المعرفية، ومن يقصد النص الابداعي فاننا ايضاً لانملك نصاً ابداعياً، مثل نصوص دونكيخوتيه وسيرفانتس واسطورة فاوست لغوتيه والكوميديا الالهية لدانتي ودوستوفسكي وغيرهم. اذن من اين اتى هذا الوهم؟ ربما نأخذ بمقياس الابداع من نظر الجهلاء والطارئين على الكتابة، والنصوص الحالية لن نجد فيها غير الجمالية.
رغم ان الحداثة تسللت الى أدب المجتمعات المتخلفة فقط بالكلام وكمصطلح؛ الا ان الابداع حسب القراءة المثالية مقارنة بالقراءة المادية يتعامل مع هذا المفهوم بشكل آخر، وللكتابة بشكل عام والكتابة الادبية بشكل خاص فان المكان والزمان مهمان لقيمة الكتابة، فالقصائد التي كتبها سوفوكليس في العهد اليوناني، والقصائد التي كان النبي داود يلقيها وهو يمشي يعزف على آلة التمبور ينظر اليها الان كنصوص مقدسة، ولاتفترق عن القصائد الحديثة لان التحرر من الوزن والقافية والعمل بالصور واللغة قد تم العمل بها سابقاً ولم يبقِ حيزاً للقلق والتوتر في مثل هكذا مناقشات، ولكن لو قلنا ان المقاييس كانت اكثر من الاسباب التي كانت شروطاً لابداع نص ادبي، فهذا صحيح. لان الناس على دراية بتفاصيل الحياة اليومية في هذا القرن، أو لنقل ان المجتمعات اختلطت مع بعضها لدرجة انها تكاد تتمازج مع بعضها البعض، وذلك جزء من الحجة التي لم تبقِ مجالاً لوضع المصطلح في مكانه الذي كنا منشغلين به سابقاً.
ومع مجيء هذا القرن الذي ابطل كل انواع السحر حتى الادب، فانه لم يبقَ حيزاً من الاماكن التي كانت موجودة قديماً ليظهر فيها الفلاسفة واصحاب القدرات، بحيث ولت عهد ظهور الفلاسفة، ولم تبقِ مدرسة التفكيكية حول الادب وخاصة عند (رولان بارت) و مجمل الكيانات الاخرى عند (جاك دريدا) و هيرمونتيكا عند (غادامير) اي شيء للتفكير به مرة اخرى، بحسب انه هناك فرق جوهري بين الفهم الحديث والخلق، حدة الذكاء والتعبير الكتابي وبين اي شيء اخر، ولايعني هذا ان نحلل الطاقات الموجودة بمفهوم الابداع، و حين يتم الحديث عن التفكيكية فان مفكري فرنسا لايقعون تحت تأثير هذا المفهوم ولايتعاملون به.
سؤال: هل نستطيع الان التعامل بالتعريف القديم مع المفاهيم الادبية؟ وايضاً: لماذا لايعمل الان بنظرية المقارنة؟
حين نتحدث عن المفاهيم الفكرية والادبية، فان هذه المفاهيم ذاتها تحتاج الى قراءات جديدة وعميقة، حتى نعلم من اين اتت ولماذا لاتنسجم معانيها مع الواقع الايديولوجي، في حين التكنولوجيا حولت الايديولجيا الى واقع، وهذا يوحي لنا ان غالبية تلك المفاهيم مثل (اليسارية والواقعية) كانت مغلقة على القصائد والنصوص الشعرية ضمن اطار مشحون، مثل قصائد جماعة فاضل العزاوي وجماعة (روانكة) وجماعة (رةهةند) وجماعة (جوايةز) في اربيل، وجماعة كفري التي كان فرهاد شاكةلي رائدهم، وايضاً جماعة (نيخازي هةر وهةر) في دهوك، التي كانت مؤلفة من الشعراء محسن قوجان و حسن سليفاني و عارف حيتو. كل هؤلاء كانوا ينوون التميز عن الاخرين عن طريق البيانات، ولكن ظهر بعد ذلك ان الادب هو عمل فردي وليس جماعي.
بدأت (وجودية سارتر و كامو و كولن ولسن) من فلسفة (كيرك جارد) وبقية المدارس الكتابية الاخرى وخاصة تم التعامل فيها مع الشعر، وفي حينها كان ينظر الى سحر الابداع بشكل اخر واصبحت للكتابة رواجاً وأثرت علينا كثيراً ودخلت عالم الادب الكوردي من اوسع ابوابها، ولكن الان ليس فقط لايعمل به، بل اصبح شيئاً كلاسيكياً.
ورغم ان الادب المقارن قد اصبح هو الاخر موديلاً قديماً؛ مع ذلك لو اردنا المقارنة، فاننا نضع انفسنا امام حالة وهي ان الادب الكوردي مثل اي ادب اخر تاثر بشكل مباشر او غير مباشر بالاداب المحيطة به ولايمكن في هذه الحالة مقارنته، لانه تأثيره الخاص على ما تأثر به واعطاه طابعاً خاصاً وجعله محلياً، مثلما لو اردنا المقارنة بين نص امريكي مثل نصوص (اليوت أو عزرا باون) و لوركا الاوروبي، حيث قتل احدهم دون وجه حق، والاخر حوكم محاكمة غير عادلة، سنجد ذات الشىء وذات التاثير على نوعين من النصوص الادبية، وهذا غير انه تجديد في النصوص، فانه لايشبه ابداعاً.
ربما يستطيع ساحرٌ ما ان يطير حمامة من تحت قبعته في لحظة واحدة، وهذا نوع من الابداع، ولكن هذه الحركة عمرها قصير وتتلاشى سريعاً، أما النص الادبي فبقاؤه مرهون باصالته، وفي الحقيقة يحاول كاتب النص الافلات من الفناء بكتابته لهذا النص الابداعي، وهذا حسب النظرة العولمية لايعرف كمنطق ولايعمل به، الافضل ان نفهم اننا جميعاً نعمل على تسجيل الخلود في كافة الكيانات، مثل خلود عامل في بنائه لحائط أو اي مستلزم آخر، كذلك خلود الاديب متوقف على نصه، لذلك؛ الافضل للاديب الكوردي الا يشغل نفسه بهذه المصطلحات ولايجادل عليها، والاهم من ذلك ان ينقذ الاديب الكوردي نفسه من خيالات التفكير بالاخر، ويشغل نفسه بالفكر وينتج النص الحر ويعمل بمباديء الجمال والاستنقاء، وان يعمل بمنطق النص المفتوح، ويكسر حدود الاشياء المتعارفة والمسلمة بها.
لايجتمع علم الجمال في اللغة والصورة فقط، فالمعرفة هي قسم اخر من قوة جمالية النص، وهناك الكثير من الشعراء والادباء يخافون من المعرفة، أو يخلطون بين المعرفة والعرفان، والاولى لهم ان يقرروا حول هذه المسألة وخاصة من الناحية الفكرية، افضل من ان يشغلوا انفسهم بمجادلات شفوية عقيمة، هذا النص ابداعي وهذا النص ميت. علماً انه لا النص الابداعي يحتاج الى مساندة ودعم، ولا النص الميت يحتاج الى تلقين. بل انه القاريء المثابر والناقد المحنك يستطيع تحليله. لذلك؛ فهذا الانشغال الفارغ لايجدي نفعاً، فهو يشبه انشغال الجهلاء الذين كادوا ان يغرقوا من كثر جهلهم، حين كانوا يشغلون انفسهم بطبقات السماء السبعة وكانوا على اعتقاد ان السماء طبقات، فكان الاولى بهم ان يشغلوا انفسهم بمعرفة الله كما فعل (خيام). اذن؛ ليس شرطاً الا يكون لامة ابداع في الادب وينظر اليها كأمة متخلفة، بل الشرط ان تستطيع أمة قادرة على تجديد نفسها، ولديها نص حُر، أو على الاقل لها نتاجات في العمال الاخرى حتى وان لم يكن لها ابداع ادبي، اي ان تكون أمة منتجة وليست أتكالية، تنتظر المعونات من الاخرين.
سؤال: لقد تحدثتم عن عملية تأثير الادب و اعمال التقليد، هلا شرحت لنا هذا الجانب أكثر؟
سمكو محمد: سابقاً تحدثنا مسرعاً عن مشكلة التقليد وتحوله الى عقدة نفسية.. تحدث افلاطون في حينه عن التقليد في الادب ولايعرفه كأبداع أو انقطاع، ولكن ارسطو ينظر اليه من جانب آخر ويرى التقليد كفن ويربط بعض التقليد بالموسيقى والايقاع، ويراه ايضاً من جانب آخر كعمل غريزي واسلوب جديد، فهو يربط الفن بحرية الانسان، ويعتقد ان توسيع خيال البشرية محال دون توسيع حريته.
الا أنني اعتقد ان للادب طبيعة شمولية، بحجة ان لهذا الكيان وقبل كل شيء له صفة بشرية رئيسة للوجود في ايصال الغاية والخطاب والجمال، اقصد ان الادب ليس سوى رسالة خجولة وغير مباشرة ازاء الحالات وخاصة السياسية منها والسلطة، وعدى عن كونه لذة للانسان فهو ليس شيء اخر.. على اية حال؛ فما مكتوب دون وعي لايعني انه تقليد، وهو مختلف عن الذي كتب عن وعي ودراية.
على سبيل المثال، نصوص الشاعر المعروف (محوي، مولوي و خاني) فيها تشابه كبير مع نصوص وافكار (حافظ الشيرازي الفارسي) و (ابونؤاس العربي) وحتى النصوص الكلاسيكية التركية.
وهناك ايضاً العرب والاخرون، فـقد تحدث (أدونيس) كثيراً عن الشعر وتأثيراته ويعتقد ان هناك نوعان من التقليد، النوع الاول هو تقليد الشخصية الذي نتج فيما مضى في عمق متشابهاته، بمعنى الذي كتب أو قيل في السابق باسلوب اخر ويعرض نفسه عن طريق كيمياء الكلمة والاسباب الاخرى لمقومات النص، ولكن ما يميز العرب عن الكورد، هو انهم يمتلكون خلف لغتهم وادبهم النصوص الدينية، وحتى لو لم يكن من اجل النص الادبي فهو من اجل النص الديني الذي شغل الناس على مستوى العالم، وهذا اسناد غير مباشر للغة داخل النص، أما الكورد فلايمتلكون نصوص دينية بلغته الخاصة.
النوع الثاني، هو تقليد الاخر، اي خارج ثقافة كاتب النص، وكلا التقليدين لهما الشرعية، فالاعجاب باسلوب ومفاهيم اخرى ليس فقط للادب فحسب وانما لكل الكيانات الاخرى شائع وغير محرم، لان المعرفة هي تسجيل تراكمات واختلاطات جميع الثقافات في المجتمعات البشرية واصبحت ارثاً لها. فهي ليست شخصاً او ثقافة معينة نبتت مثل الفطر لوحده، او شيء لم يعش مع البشر ولم تحتك بهم وجاءتها الوحي بلغة خاصة، ولكن نستطيع القول ان هناك شخص استطاع ممارسة الادب والثقافة خارج بقدراته الثقافية خارج انشطة مجتمعه، ففي ذلك نوع من الصدق، فكل الافكار التي اصبحت ذخيرة للانسان ويعمل بها، نتاج للتفكير الجماعي كضرورة لاستمرار الحياة ولا تقبل الملكية، ولكن يأتي اديب ويعمل عليها ويقومها حسب المنطق، مما يولد ذلك ردة فعل اخرى، وهذا الشيء ينطبق على الفولكلور الكوردي ويمنحه ذات المعنى، بانه صاحب هوية خاصة به، ويمتلك نقاط تشابه في ذات الوقت ايضاً، ورغم ان لمنطق الادب اختلاف مع منطق العلم، لان الادب لايعمل بالنظريات الحسابية، الا ان الادب ايضاً علم في حد ذاته من ناحية اللغة ولايستطيع التمرد على الاشياء الاخرى، ربما يستطيع تعريف الاشياء الاخرى مجازياً، المجاز بالمعنى الذي يتيح له استعمال اللغة الثانية، أو منح اللفضة اكثر من معنى أو مفردة بحيث يتيح لها المكان في سياق النص، اللغة المختلفة عن لغة الكلام العادية والمتاحة للجميع، ولكن مرة اخرى نقول ان كاتب النص يستطيع تورية اللفضة، وهذه شائعة عند الكورد، ولكنه لايستطيع استعمال مفردات غير التي يستعملها الاخرون، اي ان نظام الكتابة في الا دب هو نظام ثابت له اطار محدد لاستعمال المفردات المستعملة لدى الاشخاص العاديين، ولايمكن التجاوز على هذه المنظومة الا عن طريق الحداثة والتخلص من الكلاسيكية. حسناً هل هناك احدٌ يستطيع انكار ان التكنولوجيا سخّرَت جميع الاشياء ، وان هذا اكتشاف جديد، والجواب عندي هو كلا، لان هذا ليس باكتشاف، بحيث كان الاذان سابقاً يتم عن طريق قرع اجوف جاف، والان يتم عن طريق مكبرات متطورة، حين كان الانسان يعيش في الكهوف والاكواخ، ثم اصبح يعيش في الابراج المشيدة والفلل الخيالية، حين كانت الاحتياجات الحياتية يتم نقلها بواسطة الحيوانات والعربات، والان يتم ذلك بسيارات ومتروهات متطورة، حين كان يتم حراثة الارض بالدواب والالات القديمة، والان يتم بالات حديثة، أليس كل ذلك تقليد؟ ولكن في مساحة أرحب وفكر اوسع وفي عالم مختلف عن ذي قبل، حيث عدد السكان على البسيطة لم يكن كثيراً مثل الان، فالادب ايضاً كذلك، فالضرورة خلقت الابداع في بعض المجالات والاشياء، أو جعلتها اسرع من قبل لان الانسان يحتاج اليها في حياته اليومية، وكل ذلك جاء الى الوجود اثر النمو والتطور التكنولوجي.. واقولها ثانية: ليس كل ذلك باستكشاف بقدر ما هو تحديث وتسريع لذات الوسائل القديمة، والادب الذي هو جزء من متطلبات غريزية وروحية للانسان ايضاً ليس بمعزل عن ذلك، لذلك؛ ليس هناك شيء خارج التأثير، حتى النصوص المقدسة في ذهن الانسان وتجري عليها الجدالات.
يجب ان نعلم ان النصوص المقدسة ايضاً تختلف من مرحلة الى مرحلة اخرى ويعد كمرحلة انتقالية، اي تجديد الهوية عن طريق الثقافة أو عصرنة الدين، وكما يسرد لنا التاريخ فاننا نشعر بذلك في الاديان الوثنية والمترائية والمسيحية والعهود قبل الرومانية والاسلامية، حين نتجرأ ونسأل: ماهو الدين؟ حينها نعود الى التأثيرات الثقافية والمعرفية والتاريخية وحتى الادبية التي تمت الاستفادة منها كثيرا، لان الثقافة هي التجمع المعرفي للمجتمعات، ثم تفرقت هذه المجتمعات واخذت تلك الثقافة شكلاً معيناً في مكان، واخذت شكلاً مختلفاً في مكان اخر، فمثلاً ايران التي بجوارنا كم اثرت الثقافة في الدين وكم اثر الدين في الثقافة؟ فحين احتل الاسكندر المقدوني ايران؛ ترك وراءه الثقافة اليونانية، وحين احتلت ايران اليونان تركت ثقافتها وراءها، وهذا ينطبق ايضاً على الامبراطورية العثمانية، حين جاءوا الى البلدان العربية، تركوا وراءهم مفردات تركية كثيرة مازالت تستعمل، وبالعكس ايضاً حين عادوا الى بلادهم عادوا وهم متأثرون بالقرآن، انظر مدى اختلاف التأثر، لان في البلدان العربية كانت هناك نصوص ساندت اللغة العربية وادبها كثيراً، ولكن في بلاد الفارس لم تكن الحالة هي ذات الحالة.
سيكون القسم الثاني من كلامي عن كيفية تعريف التأثير في الوسط الادبي، حين نضيع شيئاً نبحث عنه ثم نجده، ولايعد هذا تقليد للآداب البلدان الاخرى.. حين ينتقل شيء غريب الى مكانٍ ما؛ يترك تأثيره خلفه بشكل مباشر او غير مباشر.. لم تكن نصوص: مالارميه و اوكتافيوباث و مايكوفسكي وشعراء العرب والفرس..الخ ابداعاً جديداً لنا، لانَّ تعريف الابداع لم يصل بعد الى قناعة الاديب التامة، وهل انَّ النصوص أوالادباء الذين يُمنحون جائزة نوبل كل سنة كلهم مبدعون؟ والجواب عندي هو كلا، والامثلة على ذلك كثيرة، بل لاحظوا انها نوع من التنبيه لنا لاننا اضعناهم في الماضي وكنا نبحث عنهم، ولو كان هناك عزم لانتفاء هذا الراي ويقدم بديلاً افضل؛ وكأنما اهمل التاريخ وبدأ من الصفر مرة اخرى.. أو يهمش نصاً من نصوص أدب الشعوب بعد عصر النهضة التنويري، وكأنما محى الخلفيات التاريخية، في حين اغماض العين ازاء سلطة النص الذي كان طاغياً في أوآنه، كأنما عزلنا موجة من قوة مصدرها وتيارها المائي وهذا عمل فيزيائي. دعني اقولها بشكل اسهل: وكأنما نقوم بلبس رداء من تلك الاردية القديمة البدائية التي كانت تستخدم لستر عورة الانسان وكانت خالية وبعيدة عن اية جمالية. انَّ الموديل الحديث والتقليدي كلاهما شيء واحد ولكن في حالتين مختلفتين وستايلين مختلفين.. ماذا لو خرجنا من الستايل؟ نستطيع القول ان جوهر الاشياء مختلف، عدى السياق الذي وجد نفسه في شكل آخر.
سؤال: حين نقرأ نصاً اجنبياً مثل سبهري أو بورخس أو كافكا..الخ، نتعرف مباشرة على هويته القومية، أذن نحن حين نتحدث عن أدب ما؛ يعني اننا نتحدث عن هوية وعنوان، هل نستطيع ان نسألَ انفسنا: لم يستطع الكورد بكل النصوص التي يمتلكونها ان يحددوا هويتهم الادبية عن الاخرين، ألم يحن الوقت لنقف ضد هذه المشكلة ونقوم بعكس الجهود؟
سمكو محمد: الافضل ان ابدأ من التكنيك، بما ان ادباءنا كانوا محاصرين بالتكنيك الكلاسيكي، وان اللغة كانت احدى العوائق في طريقه امام اتصاله وتعريفه بالاوساط الخارجية، وان الهوية القومية للكورد لم تكن معروفة لدى البلدان الاخرى ؛ ولكن الآن النصوص التي تترجم للغات الاخرى تجبرنا المرحلة الراهنة من مداولتها بموازاة البلدان الاخرى، وكما ذكرت سابقاً ، الالتفات الى الباب الذي مفتوح علينا رغم تأخره، سواء كان سياسياً او تجارياً، او اي لعبة اخرى كانت، حوَّل الكورد الى مستوى أعلى دون ان يدرك، ليس ذلك مدح، ولا اذكر احداً كمثال، لان الفرد الكوردي لا يهضم ذلك بسهولة، انظر الى الاشخاص الكورد الذين يحصلون على مناصب برلمانية في بلدان العالم، أنظر الى منتخب كرة قدم كيف يصلون الى مراكز اخرى، انظر الى خبير كوردي في مجال ثقافي او علمي ولا تنقصه مستوى عن امثاله في دول العالم، ولكن حين نتحدث عن بورخس وجيخف ومكسيم غوركي و يسنين و باسترناك يقفز فوراً الى اذهاننا الادب الروسي، أو يذكر دانتي يعني الادب الايطالي، كافكا يعني ادب فينَّا، و مالارمي و بودلير يعني الادب الفرنسي، و غوتيه الالماني، وناظم حكمت يعني الادب التركي، ونجيب محفوظ يعني الادب المصري، و بزورك العلوي و احمد شاملو و سبهري يعني الادب الفارسي، وهناك شواهد كثيرة في الادب العربي لاتعد، كل هؤلاء دليل على ان الادب ايضاً في نضال جدي لاكتساب الهوية القومية، وان الادب في المحصلة الاخيرة هو للانسانية.
ولكن لو لم نضع ذلك في عين الاعتبار فان اللغة تحدد الهوية فقط، ويجب من الان فصاعداً ان نضع حداً لهذا التأثير، وان نعكس جهودنا، واقصد بذلك انه ليس من الضروري ترجمة النصوص الاجنبية الى الكوردية بذات الزخم الماضي، وقد آن الاوان لترجمة النصوص الكوردية الى اللغات الاخرى، على الاقل الى الفارسية والعربية والتركية والانكليزية، ولايمكن ذلك الا بمشروع وطني، ويجب انتقاء النصوص النادرة وليس اي نصي عادي، وبما ان الادب له رسالة انسانية، فكلامي هنا لاينطلق من بعد قومي، بل عن تعريف الهوية و ترعيف النصوص الكوردية بالاقوام الاخرى.
بالنسبة للادب، مثل بقية التراث فهو ثقافة أمة ويعرف بانه احدى القدرات الثقافية للشعب، مثلما يقول الراحل نزار قباني: "البحث عن الشعر؛ مثل البحث عن الرمادي الذي يتركه النار وراءه" لان النص الادبي قبل ان يكون كتابة فقط؛ فهو نار يترك بعد انطفائه اثراً، وقد اوقد الادب الكوردي ايضاً ناراً مثل ذلك النار، ولكن عدم وصول اخبارها و حرارتها الى الانحاء بسبب النظم السياسية، لان الادب هو عمل جدلي تلعب اللغة فيه دوراً بارزاً، ولو كانت الفرصة سانحة قبل عدة سنوات مثلما الان، لكان لدينا حظاً مختلفاً، ولسنا الوحيدين هكذا، بل مرت عدة شعوب بهذه المرحلة، مثل الامازيغ، ولكن السؤال الذي يمكن ان يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم يتم التعريف بالادب الكوردي، حتى يتسنى له مثل بقية اداب الشعوب الاخرى الدخول في الالبوم العالمي للادب؟
لاشك ان التقصير يكمن في اننا كنا منشغلين لمدة نصف قرن بالتعرف على اداب الشعوب الاخرى ونترجمها الى اللغة الكوردية، ولكن الفضاء الثقافي الان في صالح الكورد، فما دور كل هؤلاء اللغويين الكورد، في حين لايترجم نص الى اللغة الفارسية او العربية او التركية والانكليزية والفرنسية، لو كان ذلك بسبب التقصير وعدم امتلاكنا لمؤسسة معنية بذلك، فاين تلك الغيرة والشجاعة التي يمتلكها ادباء الكورد، لماذا لايحل جسر اخلاقي مكان تلك العقيدة الكلاسيكية الدوغمائية، لو كنا نمتلك نصوصاً قيمة، أو العكس صحيح، لماذا اذن نتحدث عن العولمة، فليست العولمة ان نكون خبراء في الاجهزة التكنولوجية الحديثة، بقدر ان نحاول الاستفادة منها وندخل عبرها الى فضاء العالمية الرحبة، العرب ايضاً يمتلكون فقط الادب الجاهلي، عدا ذلك فهم مثلنا يمتلكون نصوصاً كلاسيكية، فلماذا هم يحافظون على خزائن كتبهم ويثرونها؟
لذلك؛ ارى انه اذا لم يترجم النص الادبي الكوردي الى اللغات العالمية الحية، ولم يروّج لها ليصل الى القارىء الغربي والعربي والفارسي والتركي ..الخ؛ فلن يحصل الادب الكوردي على تلك الهوية العالمية.
سؤال: تلك الفوضى القائمة في الوسط الادبي الان، خاصة ان كتابة الرواية اصبحت ظاهرة منتشرة، والكاتب الذي لايكتب رواية؛ أما انه لايشتهر أو ان مؤسسات الطباعة لاتطبع كتبه، هل هذا طبيعي؟
سمكو محمد: من ضمن الاسئلة التي وجهت اليّ من قبل دور النشر التي كانت حاضرة في معرض اربيل الدولي، قلن لي: لماذا يقرأ الكورد الرواية فقط؟ الا تحتاجون الى الفكر والدراسات؟ في الحقيقة كان سؤالاً مخجلاً لي، والجواب ايضاً كان صعباً بالنسبة لي، لانه قبل ان يخلق هذا السؤال في فكرهم؛ كنت قبل ذلك وجهت هذا السؤال الى الوسط الادبي الكوردي، لذلك؛ سأتطرق الى موضوع تكاثر كتاب الرواية، ولماذا المؤسسات التي تسمي نفسها مؤسسات طباعة ونشر لاتعرف غير طباعة هذا النوع الادبي؟
لاشك انَّ المشكلة الكبيرة للقاريء الكوردي وقاريء اللغات الاخرى، انهم يهتمون بأدب لايحتوي الا على السرد والحكايات، هذا هو البناء الثقافي الكوردي منذ القديم الى الان، وحسب الاسلوب الادبي العالمي المتبع حالياً، من الطبيعي ان ياتي احدهم ويدوِّن مذكراته بشكل أدبي ويسميها رواية، ولم يتم التفكير في صاحب الاسلوب كهمٍّ ادبي للمقارنة به، والارضية الان مؤهلة ليأتي بعض الطارئين على الثقافة دون اية خلفية ثقافية أو امتلاك اساسيات المعرفة بالقراءة في جميع المجالات، ويصبحون اصحاب مؤسسات لطبع الكتب، فهؤلاء بما انهم لم يقرأوا غير الرواية على اقل تقدير؛ لذلك فسهل عليهم من جهة ان يشغلوا القاريء ويجهونه ، ومن جهة اخرى تخفيف المسؤولية الملقاة على عاتقهم، لانَّ مسؤولية الاعمال الفكرية اصعب، والمشكلة تتمادى شيئاً فشيئاً، واعتقد انها قصيرة الامد. ولكن من جانب اخر، هناك قراء ومؤسسات اخرى تهتم بالفكر والادب الحقيقي والرصين.
الاخطر من ذلك، انَّ القاريء الحالي اصبح عبداً للرواية فقط، ولو قمنا باقناعه على العدول عن ذلك او تغيير قناعته، فانَّ غالبيتهم سينقطعون عن القراءة، لانه سيظهر حينئذٍ انهم موجهون اعتباطاً، ومن اجل الانتقام من تخليق هذا الجو المزيف سيبتعدون عن المطالعة، وذلك نوع اخر من حث القاريء على الانتحار الثقافي.



#عباس_جميل_جيماو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة صحفية عن الحداثة و مابعد الحداثة


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عباس جميل جيماو - الابداع والحداثة