|
درس لبنان لكل العرب
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6641 - 2020 / 8 / 9 - 04:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محنة لبنان ليست وليدة اليوم ولا هي نتيجة الانفجار المدمر لبيروت ومرفئها في عز الأزمة الاقتصادية والسياسية الخانقة، لكنها تتعمق أكثر وتتشعب بسبب تضارب مصالح القوى الإقليمية التي حوّلت لبنان إلى ساحة للصراع المفتوح على حساب استقرار الوطن واستقلاله . وضعٌ جعل لبنان دولة طوائف تتلقى الحماية والدعم من دول أجنبية لا تهمها مصلحة لبنان أو تقوية اقتصاده ونسيجه المجتمعي. الأمر الذي ينتج عنه اختلال التوازن واتساع الفجوة بين الطوائف مما ينعكس مباشرة على أداء الحكومة فيصيبها بالشلل ، فيفتح المجال للقوى الخارجية للتدخل وإن اقتضى الأمر ممارسة الضغوط على الأطراف اللبنانية من أجل الوصول إلى التوافق حول القضايا الأساسية مثل تقاسم السلطة ، وتعيين الرئيس وتشكيل الحكومة.وهذا ما أشارت إليه الباحثة ماريا جويل زاهر بأن (الحماية الخارجية كانت دائماً ضرورية – وربما تكفي – لتأمين السلام والاستقرار الداخلي، حتى من دون دعم جميع الطوائف اللبنانية).هذا هو وضع لبنان/ الدولة التي تفقد السيادة والسلطة بسبب تغوّل الطوائف ولا يمكن حله في المدى المنظور. لكن ما ينبغي على الدول العربية استخلاصه من الوضع اللبناني حتى لا تتكرر مآسيه في أوطان أخرى هو: 1 ــ تحصين الجبهة الداخلية بتوفير مناخ الديمقراطية وضمان شروط العيش الكريم وكذا التصدي للتقاطبات السياسية الحادة التي تقود إلى الصراع المدمر للدولة والمجتمع. فالصراع السياسي الذي يتجاوز حدود التنافس على خدمة الشعب والوطن إلى السعي لتدمير الأحزاب المنافسة أو التهديد باللجوء إلى الأرض المحروقة في حالة الخسارة الانتخابية أو عدم الاستجابة للشروط غير المتوافق بشأنها ، هو صراع مرفوض من أساسه ومفروض في الدولة أن تحمي الحياة السياسية من مخاطره . 2 ــ التصدي الصارم للنزعات الطائفية والمذهبية التي تستهدف تماسك النسيج المجتمعي عبر نشر فتاوى التكفير وثقافة الكراهية والبغض ضد فئات من المواطنين لقناعاتهم الفكرية أو خلفياتهم الإيديولوجية أو انتماءاتهم الحزبية أو العرقية أو الدينية . فالمجتمعات العربية ليست بحاجة إلى هذه النزعات الطائفية أو المذهبية ولا إلى إحياء الخلافات المذهبية التي أحدثت الفتن بين المسلمين في عصور خلت ، بقدر ما هي بحاجة إلى جهود التنمية وإشاعة ثقافة الحوار والتعايش وقيم المواطنة. 3 ــ تجريم التحريض على التكفير والكراهية الذي يقسم المجتمعات إلى طوائف متنافرة ومتناحرة، ويمزق نسيجها الثقافي كما يعصف بأمنها واستقرارها . لهذه الغاية بات من الضروري وضع التشريعات اللازمة لردع دعاة التكفير والكراهية والتفرقة وتشديد العقوبات ، خصوصا وأن دولا بعينها (تركيا وقطر) أسستا حديثا قناة فضائية موجهة خصيصا إلى شعوب المغرب العربي لزعزعة أمنها عبر إذكاء الطائفية والعرقية ودعم تنظيمات الإسلام السياسي قصد تمكينها من الوصول إلى الحكم بكل الطرق بما فيها الدعم المسلح كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. 4 ــ حل كل الجمعيات أو التنظيمات التي تثبت ولاءاتها وارتباطاتها بالقوى الخارجية .إذ لا يمكن لأي قوة خارجية أن تؤثر على الحياة السياسية لأي دولة إلا إذا كانت هناك تنظيمات وأطراف تدين بالولاء لها بدل الوطن. فمشكلة لبنان لا تختلف عن مشاكل العراق وسوريا وليبيا واليمن من حيث كون الأطراف المتناحرة تحولت إلى أدوات لتدمير الأوطان متحكم فيها خارجيا.فهي لا تخدم مصلحة الوطن بقدر ما تخدم مصالح وأجندات القوى الخارجية. إن الأوطان ، في هذه الحالة، لا تفقد فقط قرارها السياسي بل أيضا سيادتها واستقرارها. لذا على الدول العربية أن تعيد حساباتها وتغير تعاملها مع التنظيمات المذهبية والدينية التي ارتبطت إيديولوجيا وسياسيا بفترة الحرب الباردة. فالاستقرار السياسي بات يقوم على الديمقراطية والتنمية المستدامة .وعلى هذه الدول أن تدرك أن إستراتيجية التنظيمات الطائفية تقوم على خلق مجتمعات موازية داخل المجتمعات العربية ، لها ولاءاتها وقيمها وارتباطاتها وأهدافها مناقضة ومقوضة للهوية الأصلية للمجتمعات وعلى استعداد لتدميرها متى توفرت لها القوة والأدوات والدعم السياسي والعسكري والمالي الخارجي. 5 ــ حماية المال العام عبر القضاء على الفساد بكل مظاهره ومحاكمة المفسدين مهما كانت مواقعهم داخل الدولة .فالإفلاس الاقتصادي والسياسي وجهان لعملة واحدة وقد يؤديان إلى انهيار الدول التي تعجز حكوماتها عن التصدي الحازم لأسبابهما ، أو يدفعان الشعوب إلى فقدان الثقة في كل الطبقة السياسية .حينها يفقد مفهوم الخيانة الوطنية معناه وبُعده الأخلاقي لدى شريحة من المواطنين ، مما يُسوّغ لها الاستنجاد بالقوى الدولية لحمايتها أو إنقاذها (عشرات الآلاف من اللبنانيين وقعوا عريضة يطالبون فيها فرنسا بإعادة فرض الانتداب على لبنان، فيما طالبت شرائح أخرى من الرئيس الفرنسي عدم تسليم المساعدات الإنسانية إلى الحكومة وتقديمها مباشرة إلى السفارة حتى تضمن وصولها إلى المتضررين من الانفجار ). 6 ــ إشاعة قيم المواطنة والتعايش والحوار وقبول الاختلاف والتربية عليها بما يضمن وحدة الشعب ويحمي هويته باعتماد إستراتيجية تعليمية وثقافية تعزز مشاعر الانتماء للوطن وتذكي روح الإخلاص في خدمته والدفاع عنه.
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيغير البيجيدي نهجه في تدبير الشأن العام ؟
-
رسائل النهب بسوق الأضاحي ومستشفى بنسليمان.
-
سيف أردوغان وديناميت طالبان .
-
طمس التاريخ والتنكر لبطولات الجيش من خطط البيجيدي.
-
أية وطنية للإسلاميين ؟
-
هل يقبل البيجيدي بالمراجعة بالجذرية لعقائده ومواقفه؟
-
إستراتيجية التمكين لدى البيجيديين.
-
المغرب وإستراتيجية مواجهة الإرهاب.
-
مدرسة البيجيدي تجعل الغش نزاهة وخرق القانون شفافية.
-
البيجيدي يستغل كورونا لتنفيذ أجندته.
-
الأمانة العامة للبيجيدي تناصر الوزيرين في خرق القانون.
-
إستراتيجية جماعة العدل والإحسان للانقلاب على النظام.
-
أدبيات البيجيدي وتصريحات قادته تناهض الدولة المدنية.
-
هل القانون لا يسري على وزراء البيجيدي؟
-
إنهم يخافون ولا يستحيون.
-
جماعة العدل والإحسان والعنف المؤجًّل.
-
وزير انتهاك حقوق الإنسان .
-
نداء النفاق الوطني لحركة التوحيد والإصلاح.
-
يساريون في خدمة أجندات الإسلاميين.
-
أي تصور يقدمه البيجيدي لمواجهة آثار كورونا ؟
المزيد.....
-
عبارة -فلسطين حرة- على وجبات لركاب يهود على متن رحلة لشركة ط
...
-
رئيسة المسيحي الديمقراطي تريد نقل سفارة السويد من تل أبيب إل
...
-
هل دعا شيخ الأزهر لمسيرة إلى رفح لإغاثة غزة؟
-
-في المشمش-.. هكذا رد ساويرس على إمكانية -عودة الإخوان المسل
...
-
أي دور للبنوك الإسلامية بالمغرب في تمويل مشاريع مونديال 2030
...
-
قطر تدين بشدة اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى
-
-العدل والإحسان- المغربية: لا يُردع العدو إلا بالقوة.. وغزة
...
-
وفاة معتقل فلسطيني من الضفة الغربية داخل سجن إسرائيلي
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|