أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - حزب الطبقة العاملة المستقل















المزيد.....



حزب الطبقة العاملة المستقل


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 6634 - 2020 / 8 / 2 - 22:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بداية وقبل الخوض في أي نقاش نظري أو سياسي حول مسألة التحالفات السياسية والطبقية من المنظور الماركسي القويم، لا بد وأن نتوقف قليلا عند مفهوم هذا الحزب ومشروعه ومهامه في مختلف مراحل بنائه، مشددين على طابع الحزب الطبقي، وعلى ارتباطه الوثيق بالطبقة العاملة وبمصالحها وبمشروعها المجتمعي الاشتراكي.
وهي توضيحات لا بد منها لرفاق الطريق من المناهضين للرأسمالية وجميع أنصار الثورة الاشتراكية، حيث تلزمنا المرحلة الوضوح ورفع الضبابية عن العديد من المفاهيم المرتبطة بالنضال من أجل التغيير الاجتماعي، وفضح جميع الصيحات الشعبوية المرتبطة "بعموم الكادحين".
الحزب الثوري من منظور ماركسي
فالماركسية نظرية ثورية، وهي ليست للتباهي أو الزينة أو المزايدة حتى، إذا لم تكن تهدف مباشرة إلى تنوير الطبقة العاملة عبر الرفع من مستوى وعيها النظري والسياسي والتنظيمي، وكذا مساعدتها عبر العناصر المثقفة الثورية، على بناء أداتها السياسية كشرط لا بد منه، أداة حزبية مستقلة عن البرجوازية الصغرى وعن أشباه البروليتاريا وسائر المهمشين والمحرومين والكادحين..الخ
فإذا لم نرفع اللبس عن هذا الإشكال المحيط بمهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، لن تكون لنا القدرة أبدا على هزم هكذا خطابات شعبوية يروج لها البعض باسم الماركسية واللينينية المفترى عليهما معا، ولن نتقدم أبدا في مهمة توحيد الماركسيين المغاربة حول مهمة البناء هاته.
فإذا كانت المهمة الملحـّة لليسار المناضل هي الثورة الاشتراكية وبالتالي تحقيق المشروع الاشتراكي كمرحلة انتقالية لا بد منها للعبور للمجتمع الشيوعي، وفق شروط أممية لا بد منها.. فلا بد كذلك من رسم وتحديد خارطة طريق لهذه المهمة الثورية، بدءا بتحديد القوى الاجتماعية المؤهلة لقيادة هذه القوى المعنية بالثورة والتغيير.
فمن منظورنا كماركسيين، نعتبر الطبقة العاملة هي الطبقة الاجتماعية المؤهلة لقيادة الصراع ضد الرأسمالية حتى الإطاحة بها وبجميع حلفائها. حيث تحتاج الطبقة العاملة لإنجاز مهمتها التاريخية هذه، لنضال عموم الفئات الشعبية المتضررة من الوجود الرأسمالي، يعني جماهير البرجوازية الصغرى دون فئاتها العليا المتبرجزة والطامحة للمزيد من التسلق والانسلاخ عن القوى المعارضة للرأسمالية، إضافة لجماهير البروليتاريا الرثة وجميع المياومين والمهمشين الكادحين.. فهو ذا تصورنا للتغيير وللمعنيين بالتغيير.
ومن هي الطبقة الاجتماعية المؤهلة لقيادة هذا التغيير.. "والحال أننا نقف كليا على أرضية نظرية ماركس، فهي التي حوّلت للمرة الأولى الاشتراكية من طوباوية إلى علم وأرست هذا العلم على أسس ثابتة ورسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه مع تطوير هذا العلم باستمرار ومع دراسته وتعميقه بجميع تفاصيله.
وقد كشفت كنه الاقتصاد الرأسمالي المعاصر، إذ أوضحت بأي نحو يُستر استئجار العامل، شراء قوة العمل، استعباد الرأسماليين، مالكي الأراضي والمصانع والمناجم وخلافها. وبيّنت كيف يتجه كل تطور الرأسمالية المعاصرة إلى زحزحة الإنتاج الصغير من قبل الإنتاج الكبير، ويخلق الظروف والشروط التي تجعل من الممكن والضروري بناء المجتمع على أساس اشتراكي.
وعلمتنا أن نرى وراء ستار العادات المتأصلة والدسائس السياسية والقوانين العويصة والتعاليم المعقدة قصدا وعمدا، النضال الطبقي، النضال بين مختلف أصناف الطبقات التي تسير على رأس جميع غير المالكين. وأوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية. إن هذه المهمة لا تقوم في اختلاق المشاريع لإعادة بناء المجتمع، ولا في وعظ الرأسماليين وأذنابهم بتحسين أوضاع العمال، ولا في حبك المؤامرات، بل في تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي"
لهذه الغاية تحتاج الطبقة العاملة بالإضافة لهذه النظرية، إلى آليات تنظم عملها النضالي والسياسي وتساعدها على مدّ الجسور مع جميع الفئات الاجتماعية المعنية بالتغيير، بدءا بالنقابات ثم الحزب السياسي المستقل وانتهاء بالمنظمات الجماهيرية والشبه الجماهيرية المناهضة للرأسمالية ولتداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
هذا الحزب الذي يترتب عليه، بوصفه مناضلا طليعيا من أجل الديمقراطية، ألاّ يتخلى عن واجباته وأن يظل مخلصا لمكانته وطبيعته الديمقراطية، إذ من واجبه أن يحشد ويقود مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة والمعارضة، على عكس ما يدّعيه الصبيانيون الرفضويون الذين لا يقيمون وزنا للمطالب الديمقراطية والحريات، في خضم النضال العام الذي تخوضه الطبقة العاملة وحلفائها من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية، فإن من واجب هذا الحزب قيادة نضال مختلف هاته الفئات المعارضة للرأسمالية ولنموذجها اللبرالي، حيث الحاجة إلى زعماء وخطباء ومنظمين، لهم القدرة على الإقناع والتأثير في جميع هاته الفئات المتضررة والمعارضة. وغير هذا الأسلوب لن تضمن الطبقة العاملة قيادة مجمل النضال الديمقراطي الشعبي لتوجه دفته نحو الاشتراكية، كجزء لا يتجزء من رسالتها التاريخية.
فواجب التحالف والتنسيق بين مختلف الطبقات المعنية بالتغيير والثورة على الأوضاع القائمة، لن ينسينا بالطبع الدور الذي يجب أن تضطلع به الطبقة العاملة كقيادة لهذا التحالف. هذه القيادة التي لن تستحق هذا الاسم وهذا الموقع إلا حين تشكلها في حزب مستقل عن جميع هذا المكونات المشكلة لهذا الحلف. فواجبنا كمناضلين مؤمنين أشد الإيمان بالثورة الاشتراكية، يلزمنا قبل الحديث عن حلفاء الطبقة العاملة في سياق عملية التحرير، أن نقوم بمهامنا كما يجب، من تربية وتثقيف ورفع مستوى الوعي وإعداد وتنظيم للطبقة العاملة لخوض معاركها الطبقية السياسية والاقتصادية.
إذ لا مناص من حزب ثوري يقود عملية التغيير ببلادنا، حزب ماركسي لينيني بكل ما في الكلمة من معنى، حزب مخلص للطبقة العاملة ولقضيتها ولقضايا جميع الكادحين والمحرومين، يوّجه الجماهير ويعبئها لأجل القضاء النهائي على الرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي يرغم الفقراء المعدمين على بيع أنفسهم للأغنياء البرجوازيين.
لذا يجب على الحزب الثوري أن يواظب على التشهير السياسي الشامل بدكتاتورية النظام القائم كنظام رأسمالي تبعي للدوائر الإمبريالية، نظام لا يخفي عداءه وشراسته تجاه الطبقة العاملة وكافة حلفائها من الكادحين المعدمين، فمن مسؤوليته إذن أن يشرح للعمال والعاملات بكل الإسهاب اللازم، حقيقة التناقض بين مصالحهم ومصالح أرباب المعامل أولا ثم الانتقال ثانيا لفضح جميع مظاهر الظلم والاستبداد الذي يعاني منه السواد الأعظم من المجتمع.. إذ بدون هذه المنهجية لن ننجح في الرفع من وعي العمال السياسي مهما عظمت نضالاتهم الاقتصادية المعادية لأرباب المعامل والضيعات والمناجم..الخ
وتحت أية ظروف كانت، تبقى مهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا، مهمة ليست ككل المهمات، مهمة تحتاج لبناة حازمين ومؤهلين لنشر ثقافة التضامن والاتحاد والتنظيم، في صفوف الجماهير العمالية. فالحزب يحتاج لمنظمة صلبة مكافحة، مشكلة من أجود المثقفين الثوريين ومن أنشط الطلائع العمالية الذين صهرتهم حرقة النضال وإضراباته البطولية، ليقتنعوا أشد الاقتناع بضرورة الثورة وتغيير النظام من نظام رأسمالي تبعي إلى نظام وطني اشتراكي لمصلحة العمال المنتجين وسائر الفقراء الكادحين والمعدمين.. منظمة من الطراز الماركسي الأصيل، تتوفر بالضرورة على خارطة طريق لينينية تطور المنظمة وتجنبها الانحراف والفوضى والمغامرة، وتوسع من قاعدتها الجماهيرية لتصبح حزبا سياسيا مؤهلا لخوض المعركة الحاسمة، والاستيلاء على السلطة، والشروع في البناء الاشتراكي.
منظمة تنتهج السرّية في أسلوبها التنظيمي بشكل رئيسي وأساسي، حيث لا بد من اعتمادها نوعا من الازدواجية، كلما تجدرت المنظمة وانغرست وسط الطبقة العاملة وكسبت مزيدا من الأنصار. إذ لا تتم عملية الانتقال هذه، من السرية المطلقة إلى المزاوجة بين السرية والعلنية إلا وفق شروط محددة، وفي لحظات تاريخية معينة يقررها القادة ومهندسو التنظيم الثوري المكافح.
أما الانتقال من منظمة ثورية خططت لعقد من الزمان أو أكثر للإطاحة بالنظام، إلى حزب علني إصلاحي مشبع بالمواقف اللبرالية الصريحة، حزب يجهد النفس بلا حدود في محاربة "المخزن" مكتفيا بمعارضته للبراليته المتوحشة وفقط، وكأن اللبرالية عموما لا تعادي الطبقة العاملة ولا تسحقها بل تلاقيها بالأحضان والقبلات!
فالانتقال من حزب إصلاحي صغير إلى حزب جماهيري كبير يبقى طموح مشروع لجميع الفاعلين السياسيين، التقدميين والرجعيين، سواء بسواء.. فمثل هذه التجربة السياسية والتنظيمية سبق وأن التفّ حولها قادة وطنيون وتقدميون لا يشق لهم غبار، وشكلوا حينها حزبا شعبيا جماهيريا ارتعدت له حينها الفرائص، لتتسارع بعد حين فشالاته المدوية وتتوالى انبطاحاته إلى أن تم إقباره نهائيا على يد زعيمه اليوسفي مهندس تجربة التناوب!
وعلى نفس المنوال انطلقت تجارب مماثلة أخرى باسم حزب الطليعة الديمقراطي والاشتراكي الموحد والمؤتمر الاتحادي، بقيت هي الأخرى على الهامش دون أن تحقق التوسع الجماهيري أو الانغراس في قلاعه، بل انكمشت وتقلصت قاعدتها بشكل ملحوظ! صحيح أن تقوية الحركة الاشتراكية باتت مهمة ضمن المهام الاستراتيجية الكبرى، ولن تكون ذات موضوع إلاّ عبر الشروع في بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، لتفادي الانزلاق نحو الشعبوية.
ولن نزايد عن بعضنا البعض لتحديد الجهة أو الجهات المعنية بالبناء، لأن الحزب وفق التصور الماركسي اللينيني له مواصفات معروفة وقوانين ودستور..الخ أشعلت حروبا ساخنة داخل قاعات المؤتمرات وعلى صفحات العديد من الكتابات النظرية التي ألّفها لينين لحظة التأسيس. من قبيل "بم نبدأ؟"، "برنامجنا"، "ما العمل؟"، "خطوتان"..الخ من يأخذ بها فهو حر في قناعاته الماركسية واللينينية، ومن يريد شطبها من اختياراته فله الحق في ذلك وبما فيه الابتعاد عن الماركسية.
كل ما نرغب فيه الآن هو الاستمرار في النقاش حول هذه المهمة العويصة والمعقدة، مهمة بناء الأداة الثورية، حزب الطبقة العاملة المستقل. والنقاش الحقيقي المثمر يجب أن يقتصر فقط على مناضلين شيوعيين، حاسمين وحازمين، متشبثين بالفكرة الاشتراكية وبالمشروع الاشتراكي الذي سيحقق العدل والحرية والديمقراطية والمساواة، وسيقضي بالتالي على الظلم والاستبداد والاستغلال والطبقية.. فهم الفرقة المؤهلة للجواب على جميع الأسئلة المرتبطة بالبناء وبمسار البناء وجميع خطواته اللازمة.
دون هذا يعني الفشل الذريع، إذ يمكن أن نغمر الدنيا ضجيجا عبر الإعلان عن تشكيل حزب الكادحين، أو الحزب الشيوعي أو منظمة العمل الشيوعي..الخ لكن بدون فائدة تذكر، خدمة لمصلحة الطبقة العاملة وعموم الكادحين، أو تساهم في تطوير المسار الثوري ببلادنا وفي تقدم عملية البناء المنشودة.
ومن بين الأسئلة الهامة التي يجب طرحها في سياق هذا النقاش التأسيسي، والتي تتعلق بمن هي الطبقات والفئات المقهورة والمعنية موضوعيا بالثورة؟ وكيف يمكنها تنظيم نفسها لخوض غمار الثورة؟ يعني ما هي طبيعة الشكل التنظيمي الذي يمكن أن يوحّد صفوفها؟ هل هو حزب اتحادي يضم كافة القوات الشعبية؟ هل هو حزب طبقي يقتصر على الطبقة العاملة وبعض العناصر المثقفة الشيوعية، إضافة لأسئلة كثيرة مرتبطة بالعمل الجماهيري والنقابات وطريقة الاستيلاء على السلطة..الخ تلزم جميع الشيوعيين الإجابة عنها وتوضيحها.
فمن وجهة نظرنا كأنصار للخط البروليتاري من داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية، نعتبر الظرفية ملائمة لتطوير هذا النقاش وتعميقه قصد بناء المنظمة الثورية وتصليب عودها كخطوة أولى من عملية بناء الحزب المنشود، حزب الطبقة العاملة المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا عن الطبقات الأخرى المعنية بالتغيير.. "إذ لا يكفي أن ندرك بوضوح طبيعة المنظمة المطلوبة وهدفها المحدد، إنما يجب علينا أن نضع خطة محددة لمنظمة يجري تشكيلها من كل النواحي".
فحزب الطبقة العاملة المنشود حزب ماركسي من حيث المرجعية الفكرية "ويشكل أعلى مستويات التنظيم في سياق عملية البناء بالنسبة للطبقة العاملة، ولن يستحق هذا الاسم حتى يتوفق في تحويل القادة والطبقة العاملة والجماهير الكادحة إلى كل واحد لا يتجزء" عكس منظمة الثوريين الشيوعيين التي لن تختلف في الشكل والجوهر والبرنامج، عن عصبة الشيوعيين التي تشكلت على عهد ماركس وإنجلز، وصدر عنها أول برنامج وإعلان للمبادئ الشيوعية.
إذ لا يجب بالمرة إغفال هذه الفروقات بين المستويات التنظيمية، فالمنظمة الثورية الشيوعية هي الجسم التنظيمي المؤهل لتأسيس حزب الطبقة العاملة، حيث تنخرط المنظمة في تأطير وقيادة العديد من النضالات الطبقية العارمة على جميع المستويات، الفكرية والسياسية والاقتصادية، لتمكين التنظيم من التغلغل وسط الجماهير العمالية وكذا الجماهير الشعبية العريضة. ليبقى "الحزب الشيوعي طليعة البروليتاريا يقود جماهير العمال غير الحزبية ويثقف الجماهير ويعلمها ويُعدّها ويدرّبها باعتباره مدرسة الشيوعية"
وبوجود الحزب أو بدونه، لا بد من تشكيل المنظمات الجماهيرية والشبه جماهيرية التي يجب أن تستوعب جميع نشطاء الحركة الاشتراكية، حيث تلزمهم مبادؤهم لخلق الاتحادات العمالية النقابية ودعم الإطارات التقدمية في جميع المجالات الاجتماعية المتنوعة كالطلاب، والنساء، وصغار الموظفين والتجار والفلاحين والصناع التقليديين..الخ
أما المنظمات الجماهيرية حسب التعريف المتداول في صفوف الحركة التقدمية المغربية، فلا تختلف في شيء عن أحزاب القوات الشعبية وأحزاب عموم الكادحين التي لا تضمن بتاتا استقلالية الطبقة العاملة في التصور والبناء والمشروع.! حيث يجب الحذر من اعتماد هذه الإطارات كمرتكز لبناء المنظمة الثورية كما هو الحال بالنسبة لبعض المجموعات اليسراوية في الجامعة وكذلك الشأن بالنسبة لبعض الجمعيات الحقوقية، وإن كانت على النقيض مما يحدث في الجامعات.
فمن لا يدرك أن المشروع المجتمعي الاشتراكي هو مشروع الطبقة العاملة بامتياز، فمن الطبيعي أن يزيغ عن السكة القويمة ويبالغ في دور الحلفاء. فالطبقة العاملة المنظمة في حزبها المستقل ملزمة بإقناع الشرائح الوسطى والدنيا من الطبقة البرجوازية الصغيرة، إضافة لمجمل الفئات التي تحتل قاع المجتمع وهوامشه للانضمام لصف المعارضة الثورية، والدفاع عن الاشتراكية باعتبارها البديل المجتمعي الوحيد المؤهل للقضاء نهائيا على أسباب جميع الكوارث الاجتماعية التي تعاني منها الجماهير الشعبية في اللحظة الراهنة، فالمطلوب لم يعد هو إصلاح الأوضاع وتحسين الأحوال بل هو التغيير الجذري الذي سيقضي نهائيا على الرأسمالية.
لتبقى المنظمات الجماهيرية إطارات مهمة للنضال الديمقراطي، وجب تطوير الفعل الاشتراكي في القلب منها، عبر الحرص الدائم على استقلالية الطبقة العاملة وسط جيش الحلفاء. إذ "بالرغم من أهمية هذه المنظمات لكن من الخطأ والضرر أن نخلط بينها وبين منظمة الثوريين أو نطمس الحد الفاصل بينهما" والحال أن الاجتهاد التنظيمي في المغرب فاق الحدود وتجاوز كل التصورات وداس على مجمل التراث العمالي الاشتراكي، عبر رهانه على جمعية مهتمة "بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا ودوليا" لتحويلها لقنطرة عبور نحو الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة بهدف استقطابها وتنظيمها في صفوف الحزب المنشود "حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين" الذي لا يتوانى عن الدفاع عن الحرية بشكل عام والمساواة بشكل عام والديمقراطية بشكل عام..الخ
الخلاصة هي الحذر كل الحذر من هذه "الاجتهادات" التي انتشرت كالوباء في صفوف الحركة الاشتراكية حتى أصبحنا نصادف من يجهد النفس لتعويض الطبقة العاملة بالشبيبة المدرسية والطلابية، وبعضهم اكتشف فجأة جماهير المعطلين حاملي الشهادات، ومجموعة أخرى لم تيأس بعد من قدرات فقراء الفلاحين وآخرين يراهنون على ضحايا الخروقات في مجال "حقوق الإنسان"..الخ
فما هي الخلفية النظرية للحزب الثوري المنشود؟
بمعنى آخر، ما هو الأساس النظري لحزب الطبقة العاملة المستقل؟ هذا الأساس الذي نعتز به ونعتبره مرجعيتنا الفكرية هو الماركسية بكل ما تتضمنه من فلسفة مادية ومنهج دياليكتيكي ومادية تاريخية وصراع الطبقات، مذهب لم يعتبره قط مؤسسوه ومعتمدوه عقيدة جامدة بل مجرد مرشد للعمل.
فلسفة الماركسية هي المادية المناهضة لأي فكر غيبي خرافي، فهي الفلسفة الأكثر انسجاما مع جميع منجزات التقدم العلمي وابتكاراته في جميع الميادين، مستفيدة من التراكمات والإرث الفلسفي الألماني الكلاسيكي ومتجاوزة له عبر الديالكتيك ونظرية التطور والنسبية..الخ
فعبر هذه الفلسفة المادية التي طوّرها مؤسساها ماركس ورفيقه إنجلز، ووسعا من نطاقها وقفزا بها من مجال معرفة الظواهر الطبيعية وتفسيرها أحسن تفسير، حيث نجحت الماركسية بامتياز في توسيع مجال اشتغالها نحو المجتمعات وما تحبل به من صراعات طبقية ليؤسسا على التو المادية التاريخية. هذا العلم الذي قدم للطبقة العاملة أدوات معرفية عظيمة وأوضح لها وضعها الحقيقي في مجمل النظام الرأسمالي مستفيدا كذلك من تراكمات علم الاقتصاد الإنجليزي الكلاسيكي.
لقد أنارت الماركسية طريق الطبقة العاملة نحو التحرر والخلاص من نظام العبودية المأجورة الجاثم على صدرها. فبفضلها تمكنت الطبقة العاملة من التعرف على أعدائها الطبقيين، بأن نجحت في تفسير عملية الاستغلال ومراكمة الأرباح من طرف الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج، نجحت في الكشف عن قوانين تطور النظام الرأسمالي وكذا اكتشاف فائض القيمة ومعه القوة الاجتماعية المؤهلة لخلق المجتمع الاشتراكي الجديد بديلا عن المجتمع الرأسمالي. هذه القوة كانت وما زالت هي الطبقة العاملة المكدسة في المعامل والمصانع والمناجم والضيعات وفي العديد من الورشات الصغيرة والمتوسطة..الخ
وبقدر وضوح المنظمة والحزب في مرجعيته الفكرية وفي الأهداف التحررية الاستراتيجية التي ينشدها، يلتزم الحزب كما المنظمة بوضوحه التام فيما يخص حلفائه، سواء الثابتين أو العرضيين، فالحزب مجبر على الإخلاص الدائم للطبقة العاملة ولجميع الفقراء المغاربة المعدمين والمحرمين من أية ملكية، مجبر على النضال بالتفاني اللازم خدمة لمشروع التغيير والثورة الاشتراكية، فاستراتيجية حزب الطبقة العاملة هي بكل وضوح الثورة الاشتراكية، ودونها يعد خيانة للطبقة العاملة ولعموم الفقراء الكادحين ويجذر بنا الذكر أن أسلوب عمل المنظمة الثورية يجب أن يبقى محاطا بالسرية، يجب عليه إتقان الازدواجية والاستعمال السديد للجمعيات والنوادي والمنظمات الجماهيرية والنقابات، لتحويلها لنقط ارتكاز خدمة لتطوير أداء الحزب وتوسيع قاعدته الجماهيرية.
مؤكدين مرة أخرى أن المنظمة الثورية التي تقتصر في صفوفها على المحترفين الثوريين ليست هي الحزب الاشتراكي المرتبط استراتيجيا بالطبقة العاملة ومصالحها وهمومها والذي يسعى دائما لتوسيع قاعدته وضمان جماهيريته. فكفاحية المنظمة وسدادة قراراتها السياسية والتنظيمية هي التي تولد الحزب وتصنعه في شكل "تلك الأداة الضرورية لضمان انتصار الثورة الاجتماعية التي هدفها النهائي هو إلغاء الطبقات".
الطبقة العاملة ليست وحدها المعنية بالثورة والتغيير
وهو موقف ماركسي محسوم، يمكن اعتباره من أهم خلاصات كمونة باريس التي أوصلت أول حكومة عمالية اشتراكية للحكم، والتي أهملت إلى حدّ ما التحالفات الطبقية الضرورية لنجاح الثورة وضمان مسلسل البناء الاشتراكي.
فالحزب، حزب الطبقة العاملة، ملزم بالتنسيق وعقد التحالفات الضرورية مع جميع الفئات المعنية بالثورة والتغيير، إذ بدون هذه الجبهة الطبقية التقدمية، التي لا بد أن تضم إلى جانب الطبقة العاملة، الطبقة البرجوازية الصغيرة، عدا فئاتها العليا المتبرجزة، بالإضافة لجميع الفئات الفقيرة المعدومة والهشة.. لن يكتب النجاح لهذه الثورة المنشودة. فهو شرط من شروط النجاح ونجاح الجبهة في مهمتها مشروط هو الآخر بتزعم الطبقة العاملة لهاته الجبهة الثورية التقدمية.
فقضية التحالفات الطبقية والسياسية تشغل اليوم عموم الحركة التقديمة المغربية، وهي نقطة خلاف بيّنة، عطلت إلى حد ما مشروع وحدة اليسار الثوري المغربي، ومشروع بناء حزب الطبقة العاملة، سواء بسواء.
وحيث كان لا بد من أنن ندلي بدلونا في هذه القضية بكل المبدئية اللازمة التي لن تضر في شيء مصالح الطبقة العاملة والمشروع التحرري الوطني. والقضية من بدايتها إلى نهايتها مرتبطة بالتاكتيك الذي يختلف من طرف لآخر داخل مكونات الحركة اليسارية التقدمية المغربية. وغني عن البيان أن التاكتيك في تصورنا لا يمكن أن يخون الاستراتيجية أو ينحرف عنها، ليسقط بالتالي في الانتهازية اليمينية، فاليسار في تعريفنا يجب أن يكون ويبقى اشتراكيا مناهضا للرأسمالية ولاقتصاد السوق. ودون هذا وتحت أي من المبررات الظرفية التي قد تدفع المرء إلى التهاون والمساومة وعدم الفصح عن الهوية الاشتراكية لحزب أو مجموعة سياسية أو تيار يدّعي الانتماء لحركة اليسار الجديد أو القديم، سيان.. فهي الانحراف والانتهازية اليمينية الواضحة.
"فإذا كان لا بد من أن تتحدوا، فاعقدوا اتفاقيات من أجل تحقيق الأهداف العملية للحركة، ولكن إياكم والمساومة في المبادئ، إياكم أن تقوموا بتنازلات في النظرية" هذا التوجيه الذي قدمه ماركس لرفاقه في الحزب نقدا للبرنامج الذي تقدموا به وفضحا للتراجعات المحيطة به. وقصدنا بهذه الإحالة ليس إعادة اكتشاف الماركسية ومبادئها التوجيهية التي يحفظها أغلب اليساريين المغاربة، عن ظهر قلب، بل للتنبيه لمسألة مهمة مرتبطة بالخلط والتعميم والانحراف، الذي لحق مبدأ التنسيق والتحالفات، والذي يجب أن يحافظ على عمقه الطبقي ارتباطا بمصالح الطبقة العاملة وبمشروعها الثوري الاشتراكي.
فأن نقف على يسار القوى السياسية اليمينية واللبرالية، وأن نشتكي من سياساتها التفقيرية التي لم تعمل سوى على نشر البؤس والحرمان والبطالة والتشرد..الخ فذلك لن يؤهلنا بعد لأن نصبح يساريين تقدميين بالمعنى الاشتراكي للكلمة.
فالتحالفات أو الاصطفافات لا يمكنها، من وجهة نظر ماركسية أن تجرد القوى اليسارية من هويتها التقدمية أو تجرم مرجعيتها الفكرية بدعوى الالتقاء حول مهمة سياسية ذات أولوية تتعلق بإسقاط "المخزن"! وهي مهمة شنـّف بها مسامعنا البعض من المهتمين ببناء حزب "الطبقة العاملة وعموم الكادحين". متناسين أن مهمة اليسار في اللحظة الحالية مهمة ثورية تهدف لإقامة الاشتراكية ببلدنا، حيث تحتاج هذه المهمة لتحالفات سياسية وطبقية تضم في صفوفها عموم القوى الديمقراطية والتقدمية ارتباطا بالمشروع، حيث لا مجال للتحالف أو مدّ اليد لقوى الغدر الرجعية والظلامية المناهضة للحرية والديمقراطية بما فيها حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية المرأة..الخ
فهذا التاكتيك لن يعتد به من المنظور اليساري الماركسي، لأنه لا يعدو سوى انتهازية صريحة لا تشترط على القوى المتحالفة متابعة المسيرة التحررية واستجماع القوى للسير قدما على شعارات الثورة واللهث السريع وراء أوهام دولة الخلافة الاستبدادية والأكثر خطورة من الاستبداد السائد حاليا في ظل دولة "المخزن"، لما تقتضيه وتعد به دولة الخلافة من ظلامية وقمع وإرهاب وعنف وتصفية جسدية في حق عموم التقدميين المبدئيين.
إنه اجتهاد فكري تفتقت به عبقرية إحدى المجموعات الماركسية السابقة، التي عمـّقت ومغربت "ماويتها" بهذا الشكل الغريب الذي يبيح لدعاة بناء "حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين" التحالف مع جميع المعارضين "للمخزن" بمن فيهم أعداء الحرية والتحرر والديمقراطية والاشتراكية، فالانتهازية في السلوك السياسي والبرنامج العملي، تظل مرتبطة بصورة طبيعية بالانتهازية في التاكتيك وبالانتهازية في التنظيم، على حد قول زعيم الاشتراكية ومنظرها، وهو الشيء نفسه الذي يجسده هؤلاء الدعاة المنادون بتشكيل هذا الخليط الكوكتيل المسمى "حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين"، متجاهلين نسخته القديمة التي انطلقت من سينما الكواكب بالبيضاء نهاية الخمسينات، مؤسسة لحزب القوات الشعبية الذي ضم في صفوفه حينها الجناح الراديكالي للحركة الوطنية، وبقايا جيش التحرير، وزعماء الحركة النقابية والحركة الطلابية والمثقفين التقدميين، وصغار التجار والفلاحين ورجال التعليم والممرضين وشغيلة البريد..الخ من جماهير وقوات شعبية. حيث كان من اللازم على أنصار "حزب الكادحين" أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه التجربة وهذا الحجم من التضحيات حتى لا نظل نجرّب ونعيد إلى ما لا نهاية.
لقد عانت الماركسية والحركة العمالية، بحق من قضية التحالفات وكيفية أجرأتها بالشكل الذي لا يعيق مهام الطبقة العاملة خلال مسيرتها التحررية، بدءا ببناء حزبها المستقل، ثم سيرا بخطاها الثابتة نحو هدفها التحرري الاشتراكي، جنبا إلى جنب غالبية قوى وشرائح الطبقة البرجوازية الصغيرة، وقوى البروليتاريا الرثة التي تحتاج هي الأخرى لتنظيم صفوفها، وتعميق وعيها بضرورة التغيير الجذري والثورة الاشتراكية.
فهذا التصور وهذه المبادئ ليست جديدة على الماركسية، بل هي من صلب الماركسية نفسها، التي لم تتأخر عن دعوتها لهاته الطبقة الوسطى ولعموم الفئات الكادحة والمحرومة، للالتحاق بالركب دفاعا عن المشروع الثوري الاشتراكي، تحت راية وقيادة الطبقة العاملة المنظمة في حزبها المستقل عن جميع الفئات المعنية بالثورة والتغيير.
لم يلغ الشيوعيون قط من تصورهم ومبادئهم التنسيق والتحالفات الطبقية لبلوغ الثورة الاشتراكية وبناء صرحها، ولم يتخلف رفاق ماركس وإنجلز عن هذه المهمة منذ إسهامهما في تشكيل "عصبة الشيوعيين" حيث أشارا الرفيقان بالوضوح التام في وثيقتهم التاريخية والمهمة التي أصبحت بمثابة مرجع لعموم الحركة الاشتراكية والشيوعية ألا وهي وثيقة البيان الشيوعي.. بل وعلى نفس الخطى والنهج عالج زعيم البلاشفة لينين هذه الإشكالية منخرطا في العديد من النقاشات الصاخبة، في محاولة منه لتجسيد هذه الضرورة المبدئية دون السقوط في الابتذال والتبريرات الانتهازية، حيث كانت الحاجة ملحة لإشراك قوى طبقية أخرى إلى جانب الطبقة العاملة، للخوض في معركة مناهضة الاستبداد وإسقاط نظامه القيصري دون الإطاحة بالرأسمالية.. كانت البرجوازية اللبرالية إلى جانب البرجوازية الصغيرة الثورية ضمن هذا الاهتمام باعتبارهما قوى طبقية تقدمية لا تنازع أي اتجاه في المطالبة بالحرية والديمقراطية وبناء الجمهورية، كانت حينها الحركة العمالية الاشتراكية، مخلصة أشد الإخلاص لمبادئها وملتزمة أشد الالتزام بتصورها الطبقي، وبمشروعها المجتمعي الاشتراكي، غير مستعدة بأي شكل من الأشكال للتنازل عن تناقضها وعدائها للطبقة البرجوازية ولنظامها الاقتصادي الرأسمالي القائم على النهب والاستغلال.
حيث حارب البلاشفة حينها جميع النزعات الإنحرافية داخل الحركة والتي كانت تقبل "بالنضال من أجل الإصلاحات والصراع الطبقي بدون دكتاتورية البروليتاريا وبدون الاعتراف بالمثل العليا للاشتراكية وبضرورة الاستعاضة عن الرأسمالية بنظام جديد..الخ" فقد كان الحد الأدنى للتحالفات في زمن القهر الاستبدادي لا يتعدى القوى البرجوازية اللبرالية والقوى البرجوازية الصغيرة التي كانت معارضة حينها، بل ثورية وجمهورية صريحة، قبل أن تتفتق العبقريات الستالينية وسليلتها الماوية، موسعة قاعدة "الجبهات المتحدة العريضة" لتشمل البعض من الإقطاعيين والبرجوازيين الكمبرادوريين بشرط واحد فقط ألاّ يكونوا معادين للشيوعيين.! تصوروا معنا هذا المستوى من الانحطاط الفكري والسياسي الذي يحاول إقناع الجميع بإمكانية عدم معادات الشيوعيين من طرف هذا الرهط الطبقي العريض.
فعلى هذا المنوال ورث جزء كبير من اليسار الجديد هذه النظرية وبرامجها المرحلية، في قضية التحالفات الطبقية الضرورية لحظة مرحلة التحرر الوطني، وهي نظرية تتميز ببعدها كل البعد عن التزامات اليسار الطبقية، وعن إخلاصه للطبقة العاملة وعن تفانيه في الدفاع عن مصالح عموم الكادحين والمحرومين فإذا كان الشيوعيون في الصين، وعبر قائدهم التاريخي ماو تسي تونغ، سباقون لهذه المغامرة وما رافقها من تبريرات نظرية براغماتية، ارتبطت أساسا بمهمة إجلاء الاستعمار الياباني عن الأراضي الصينية فليس هنا ما يبرر هذا الاستنساخ البليد ليجيز هذا الارتماء في حضن القوى الرجعية والظلامية من طرف حزب سياسي يدعي أنه وريث المنظمة الثورية "إلى الأمام" ومجدد أفكارها ومواقفها..الخ
فالحاجة ملحة لبناء منظمة سياسية ثورية، منظمة تكون بمثابة نواة للحزب وتكون قادرة على توحيد كل القوى الماركسية والمجموعات العمالية المكافحة دون تأخر.. وكلما تقوى عود المنظمة وتصلب انفتحت الآفاق وتوسعت، لتبدأ ملامح الحزب في التشكل، عبر العديد من الآليات التنظيمية التي لا غنى عنها، كتأسيس لجان المصانع والمعامل والأوراش الصناعية الكبرى والمناجم والضيعات الفلاحية.. بالإضافة للجان الأحياء الشعبية في المدن والقرى..الخ
فعلى المنظمة أن تكون مستعدة في كل الأوقات لدعم كل احتجاج وكل انفجار، وتستخدمه لتعزيز القوى المكافحة استعدادا لخوض النضال الحاسم عبر القوى الحزبية الضاربة التي تتقوى شيئا فشيئا.. فهو ذا التوجه اللينيني السليم الذي لا يمكن أن يزيغ عن الهدف الاشتراكي المرسوم، عوض الصيد في الماء العكر والمسموم، عبر الانطلاق نحو المجهول صحبة قوم يعادون بشراسة الفكر الاشتراكي ودعاته، قوم يتباهون بالتخطيط الحازم لإقامة دولة الخلافة، وتطبيق الشريعة عنوة في حق المواطنين عبر الجلد والرجم وقطع الأيادي والرقاب..الخ
إذ لا يكفي التباهي بالانتماء سابقا لمنظمة ماركسية خططت للثورة وللإطاحة بالنظام، دون أن تنجح في ذلك، ودون أن تتوسع رقعة عملها وسط الطبقة العاملة، حيث بقيت حبيسة الوسط الطلابي والتلاميذي، دون أن تلج معمعان الصراع الطبقي الحقيقي.. هذا الانتماء الذي كان يلزمه التقييم والنقد الذاتي قبل الخوض في أية تجربة جديدة تبتغي الانتشار وبناء الحزب ـ حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين ـ كما لا يكفي الإدراك بوضوح طبيعة المنظمة المطلوبة وهدفها المحدد للتباهي بمرجعيتها وماركسيتها ولينينيتها حتى، دون الخوض في مهمة البناء الحزبي ووضع البرامج والخطط الملائمة والمبدئية لهذا الغرض بما فيها من واجب التنسيق والتحالف مع مجموع القوى الديمقراطية والتقدمية في الساحة السياسية.
فشعار "بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين" لا يفي بالغرض في اللحظة التاريخية التي نعيشها، بعد الإخفاقات التنظيمية العديدة التي عاشتها القوى الاشتراكية المغربية، ولا يعدو أن يكون سوى مزايدة ومنافسة مع عموم القوى الحزبية الأخرى التي تدعي هي الأخرى الاشتراكية، والسعي لبناء الحزب اليساري الكبير.
فإدماج عموم الكادحين بالطبقة العاملة يشكل انحرافا عن هذه المهمة التي تبقى بمثابة مفتاح لمعركة التغيير ببلادنا.. إذ لم تنادي قط الحركة الماركسية منذ انطلاقتها الأولى بمعية ماركس وإنجلز من خلال العصبة الشيوعية، بدمج الطبقة العاملة مع باقي الفئات الشعبية الأخرى في حزب سياسي واحد بمبرر أن جميع هذه الفئات كادحة! حيث أن لا مجال للتذكير أن هناك قسم من الكادحين لا يملكون سوى عضلاتهم وعرق جبينهم يسمون عمالا ويشكلون بعد وعيهم بمصالحهم، طبقة اجتماعية تسمى الطبقة العاملة أو البروليتاريا. وهناك بالإضافة لهاته، صنف آخر من الكادحين خارج الطبقة العاملة وله مصالحه الخاصة، صنف يكدح طول النهار، يتمتع بملكية خاصة به ولا يتعرض للاستغلال لكنه يحتاج لكي يعيش استغلال الآخرين داخل ورشته الحرفية أو شبه الصناعية أو التجارية أو الخدماتية أو الفلاحية..الخ هؤلاء الملاك الكادحون يندرجون ضمن الطبقة البرجوازية الصغيرة المعنية موضوعيا بالتحالف مع الطبقة العاملة ومع باقي الفئات الكادحة الأخرى المحرومة من أية ملكية، لخوض الصراع من أجل الإطاحة بحكم البرجوازية والقضاء نهائيا على نظامها الرأسمالي.
لقد أكدت الماركسية عبر تاريخها على أهمية توفر الطبقة العاملة على حزبها الذي يجب أن يكون ويظل مستقلا عن باقي الفئات والطبقات الثورية الأخرى المعنية بالتغيير، وفي تجربتنا المغربية لم يعد المعنيون بالثورة والتغيير سوى غالبية الطبقة البرجوازية الصغيرة وأشباه البروليتاريا من المياومين والمعطلين، وجميع المهمشين المحرومين والمضطهدين..الخ
من هنا تصبح مهمة بناء الحزب مهمة شاقة تتطلب مجهودا نضاليا لا حدّ له، ولا تقل أهمية عن مهمة بناء التحالفات السياسية والطبقية الضرورية لإحراز النصر.. فتشكيل جبهة الطبقات الديمقراطية والتقدمية مهمة طبقية منوطة بحزب الطبقة العاملة المستقل، تتم بشكل موازي تقريبا مع مهمة تقوية عود الحزب وضمان انغراسه الجيد وسط عموم الكادحين المحرومين، حتى لا يتم النسيان أو الإغفال لرسالة الطبقة العاملة التاريخية، فلولا هذه الرسالة وهذه المهمة التاريخية لما أجهد الماركسيون النفس في البحث عن التحالفات ووضع هذه المهمة على سكتها الصحيحة.
فكما الحزب هو أعلى أشكال تنظيم الطبقة العاملة، فهو طليعة البروليتاريا ومن مسؤوليته قيادة جماهير العمال غير الحزبيين وغير المنخرطين في النقابات والمياومين.. لتوعيتهم وتثقيفهم وتنظيمهم وتأهيلهم للمشاركة في الثورة وفي البناء الاشتراكي، فالماركسية نادت منذ تشكلها ببناء الحزب الطبقي وليس حزب الطبقات، نادت ببناء حزب الطبقة العاملة المستقل للمشاركة في الثورة إلى جانب كافة الجماهير الشعبية الكادحة والمحرومة، بمعنى أن الحزب المنشود حزب عمالي مقتصر على العناصر المثقفة الاشتراكية وعلى الطلائع العمالية النقابية والاحتجاجية وهو ما يختلف جوهريا عن حزب الجماهير أو حزب الكادحين أو حزب القوات الشعبية.. وهي تجارب عديدة ومتنوعة ظلت في مجملها بعيدة عن الطبقة العاملة وعن مصالحها وهمومها وعن رسالتها التاريخية وعن مشروعها المجتمعي الاشتراكي.
فحزب الكادحين مثله مثل المنظمات الجماهيرية المعارضة للحكم ولأساليبه الاستبدادية واقتصاده المبني على الاستغلال، وعلى تفقير المواطنين وحرمانهم من شروط الحد الأدنى للعيش، شروط توفر لهم الشغل والمدرسة العمومية المجانية والتطبيب المجاني والسكن اللائق..الخ داخل فضاء يحمي الحرية والكرامة والديمقراطية.
فمثل هذه المنظمات السياسية الجماهيرية موجودة في جميع الأوطان متخذة أسماء كثيرة ومتنوعة، مثل الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحزب القوات العمالية.. وهي أحزاب في غالبيتها لبرالية انتخابوية لا تجرؤ على انتقاد الرأسمالية وديمقراطيتها الشكلية، وبالأحرى مناهضتها ومحاربتها.
لقد تغيرت الأوضاع ولم تعد الفترة نفسها لحظة تغلغل الرأسمالية ببلدنا المغرب، ولم يعد هناك تفاوت كبير بين واقع الطبقة العاملة في بلدان المركز وفي البلدان التبعية.. إنه زمن العولمة والتحكم والسيطرة المطلقة للأبناك الدولية الإمبريالية والشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، التي أبادت الجميع باحتكاراتها واستقطاب عموم البرجوازيين لصفها وخدمتها، عبر توكيلهم عنها بطرق ملتوية تساعد هؤلاء العملاء على تسيير فروع شركاتها أو بعض ملحقاتها، مما يدفع هؤلاء للتخلي في أية لحظة عن جنسياتهم الأصلية، كما هو الحال بالنسبة لغالبية الوزراء المغاربة وأعضاء "نقابة" الباطرونا. فكما أفلست الرهانات عن "برجوازية مغربية وطنية" قادرة على المشاركة في معركة التحرر الوطني إلى جانب الطبقة العاملة والبرجوازية المتوسطة وعموم الكادحين، سيكون الإفلاس نفسه بالنسبة لنظرية حزب عموم الكادحين.
حول طبيعة الثورة في المرحلة الحالية من تطور الصراع الطبقي
فلا بد إذن، في سياق المساهمة في مشروع التغيير والنهوض به، من تحديد طبيعة الثورة في المرحلة الحالية بالنسبة لحزب الطبقة العاملة كما يتصورها الماركسيون، فهل هي ثورة برجوازية بحكم طبيعتها الاقتصادية والاجتماعية، كما كان الشأن بالنسبة للمجتمع الروسي بداية القرن الفارط حين كان لزاما على الاشتراكيين الروس المطالبة بالظفر بالحريات السياسية وبإعلان الجمهورية دون الدعوة للاشتراكية حينها؟ أم هي ثورة اشتراكية غير قابلة للانتظار أو التأجيل، يفرضها واقع الصراع الطبقي وطبيعة وقوة الفئات والطبقات الاجتماعية المعنية بالثورة والتغيير؟
بطبيعة الحال فالخط البروليتاري يميل للرأي الثاني باعتباره جزء لا يتجزء من الحركة الاشتراكية الثورية.. ولأن الماركسية الثورية علمتنا دائما الاستناد والالتزام بمنهجية التحليل الملموس لكل وضع ملموس، وبالتالي يكون وضع روسيا بداية القرن العشرين ليس هو وضع المغرب بداية القرن الواحد والعشرين، بدليل أن مكونات الحركة الثورية آنذاك ضمت في صفوفها الطبقة العاملة مسنودة بالجماهير الشعبية الكادحة، إلى جانب البرجوازية الصغيرة وجناح من البرجوازية لم يتردد حينها عن المطالبة بالإطاحة بالنظام القيصري الاستبدادي، وتعويضه بنظام ديمقراطي جمهوري يصون الحريات الديمقراطية ويحميها على الأرض في المدن والبوادي بشكل خاص، حيث ما زالت الحاجة ملحة لثورة زراعية تقضي نهائيا على جميع مظاهر بقايا الإقطاع القروسطية.. وهو عكس ما يستوجبه النضال الطبقي في المغرب باعتباره نضال مفتوح وغير منفصل عن الخيار الاشتراكي. إذ لا مناص من رفع جميع المطالب الديمقراطية لتوفير الحريات من جهة، ثم الإسراع بالثورة الزراعية من المنظور الماركسي العمالي، والذي يناقض جذريا وصفة توزيع الأراضي على الفلاحين.! إضافة للتأميم ومصادرة جميع أملاك البرجوازية وملاك الأراضي الكبار.. كل هذا سيتم تحت راية الاشتراكية وتحت إشراف حزب الطبقة العاملة المستقل وحلفائه داخل الجبهة الثورية المظفرة، ووفق برنامج بناء الاقتصاد الوطني المستقل نهائيا عن المراكز المالية الإمبريالية وعن أخطبوط الشركات العابرة للقارات وعن البرجوازية المحلية، مهما ادعت عن وطنيتها وإخلاصها للشعب المغربي.
فمهمة الحزب إذن وبرنامجه، هي القيام بالثورة الشعبية وقيادة الجماهير من أجل نجاحها، لكن كلمة "الشعب" و"الجماهير الشعبية" تثير العديد من الاشكالات وتخلق نوعا من الصبيانية المؤثرة على وعي العديد من المناضلين المؤمنين بالتغيير الذي سيكون حتما لمصلحة عموم الفقراء المعدمين والمحرومين من أية ملكية.. الشيء الذي يدفع بنا لإعادة التأكيد على ضرورة الاستقلال التام للطبقة العاملة وحزبها، فنجاح الثورة الاجتماعية المنشودة رهين بوجود هذه الأداة السياسية الممثلة للطبقة العاملة والمستقلة عن جميع فئات وطبقات الشعب الأخرى ذات المصلحة في التغيير. هذه الأداة التي ستتكفل بقيادة عموم الفقراء في معركتهم التحررية الشاملة. لأن هذا الحلف الطبقي ضروري لنجاح الثورة وبدونه لن تنجح الطبقة العاملة في تحرير نفسها ولا في تحرير المعدمين الآخرين.!
كانت رسالة الطبقة العاملة تقول دائما وأبدا بضرورة نسج التحالف الطبقي العريض الذي لا بد وأن يضم جميع القوى الديمقراطية والتقدمية، كانت الرسالة توصي الطبقة العاملة وحزبها الثوري بضمان موقعها داخل هذا الحلف، حيث كان التوجيه اللينيني على الشكل التالي "في طليعة الشعب كله، ولاسيما الفلاحين، من أجل الثورة الديمقراطية المنسجمة، من أجل الجمهورية في طليعة جميع الشغيلة وجميع الكادحين من أجل الاشتراكية.. هكذا يجب أن تكون عمليا سياسة البروليتاريا الثورية، ذلك هو الشعار الطبقي الذي يجب أن يسود، وأن يحدد حل جميع القضايا التاكتيكية، جميع الخطوات العملية التي يخطوها حزب العمال إبان الثورة".
فالحديث عن الثورة الشعبية كما يفهمه الماركسيون لا يشكك في مضمون الثورة الطبقي، بل يؤكد على أن الماركسيين يمثلون الطبقة العاملة في سياق هذه الثورة الاجتماعية المنشودة، ويعبرون بصدق عن مصالحها. فهم ملزمون بالاشتراك بحمية في جميع محطات الثورة والاضطلاع بالدور القيادي في سياقها والذود عن جميع مهامها الثورية، الديمقراطية والاشتراكية.
ولا يخفي على جميع الماركسيين المبدئيين، أن ماركس نفسه رفض بشكل قطعي طمس الفوارق الطبقية وسط الطبقات الشعبية الكادحة، معتبرا هذه النظرة "الكوكتيلية" حول وحدة الشعب مجرد أوهام برجوازية صغيرة.
وإذا كان الهدف من تشكيل حزب الطبقة العاملة هو الإعداد للثورة الاجتماعية بمضمون طبقي اشتراكي، فلا يجب التردد عن هذه المهمة وعن تعبئة الجماهير العمالية من أجلها، ثم المبادرة لتنظيمها "في حزب سياسي متميز ومعارض لكل الأحزاب القديمة التي شكلتها الطبقات المالكة" إذ لا يجوز حسب ماركس دمج من يملك مع معدم لا يملك شيئا، في حزب واحد يدافع عن مصالحهم جميعا.
فغالبية الكادحين ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة، وهم معنيون بالمشاركة في الثورة الاجتماعية المنشودة بالرغم من ارتباطهم القوي بالملكية الصغيرة، لنجد إلى جانب فئات اجتماعية عديدة ومتنوعة في قطاع موظفي الدولة وموظفي ومستخدمي الشركات ومكاتب الاستثمار والأبناك..الخ الحرفيون والتجار الصغار وصغار الفلاحين وأصحاب الورش الصغيرة الصناعية والخدماتية وأرباب المقاهي والمطاعم والمراكب..الخ الذين يصعب تصورهم منخرطين في حزب الطبقة العاملة، في تخلي تام ونهائي عن ملكيتهم وعن طموحهم الدائم لتوسيع هذه الملكية الصغيرة.
ولا بد للحزب أن يبقى مستقلا فكريا وسياسيا وتنظيميا ليس عن البرجوازية كما ادعى أحد مزوري الماركسية ومحرفي تعاليم وتوجيهات البيان الشيوعي، بل عن الفئات والطبقات الثرية الأخرى المناهضة للرأسمالية ولطبقتها البرجوازية الحاكمة. فالاستقلال المعني هو استقلال الطبقة العاملة عن جميع الفئات المعنية بالثورة، وليس الاستقلال عن البرجوازية لأنها نقيضها الرئيسي، فمن تحصيل الحاصل أن يحصل هذا الاستقلال وهذا التناقض العدائي المستشري باضطراد، إذ لا يستحق المناضل شرف لقب "اليساري" والاشتراكي إذ لم يكن حاسما في هكذا مفاهيم.
فمعارضة النظام أو تجميع جميع المعارضين للنظام في جبهة واحدة، مهمة ليست من مهام الطبقة العاملة وحزبها لأن المعارضة يجب أن تكون معارضة واعية، مبدئية تقدمية وديمقراطية، تتوفر على سندها الفكري وبرنامجها السياسي المبدع الذي يساير جميع التطورات ويقود مختلف النضالات اليومية التي تخوضها الطبقة العاملة وسائر الجماهير الشعبية الكادحة.
هذا الإبداع الذي لا يجب أن ينسينا أو يبعدنا عن مبادئنا وعن منطلقاتنا، أو يشكك في استراتيجيتنا الثورية الاشتراكية.. ليقحمنا في تحالفات عجيبة وغريبة، مع جهات رجعية لا تخفي عدائها لجميع التقدميين مناهضة للحرية والديمقراطية والاشتراكية!
"فليست الثورة الاشتراكية عملا واحدا، وليست معركة واحدة في جبهة واحدة، إنما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الحادة، وسلسلة طويلة من المعارك في جميع الجبهات، أي في مسائل الاقتصاد والسياسية، معارك تنتهي بمصادرة ملكية البرجوازية فقط، ومن فادح الخطأ الاعتقاد أن النضال في سبيل الديمقراطية يمكن أن يصرف البروليتاريا عن الثورة الاشتراكية أو أن يكشف هذه الثورة أو يحجبها..الخ بل لم تتحقق الديمقراطية الكاملة، كذلك لا تستطيع البروليتاريا أن تستعد للتغلب على البرجوازية إذا لم تتبنى نضالا ثوريا شاملا دائما، صادقا في سبيل الديمقراطية" عن لينين نصير الخط البروليتاري.
فالتخطيط للثورة وللعمل الثوري ينعكس بصفة مباشرة على التصور لبناء الحزب وبرنامج الحزب وتحالفات الحزب.. إذ يصبح الارتباط بالطبقة العاملة وبناء الحزب الذي يعبر عن مصالحها مهمة نظرية وعملية في نفس الوقت، تقوم بها نخبة من المثقفين الماركسيين الثوريين بمعية أجود العناصر والطلائع العمالية، عناصر تفرزها الطبقة العاملة خلال نضالاتها الاقتصادية والسياسية، وتستوعب بشكل حاسم ماهية الثورة الاشتراكية وماهية البناء الاشتراكي. إذ لا تستقيم الدعوة لبناء حزب ثوري يدعي التعبير عن مصالح الطبقة العاملة إذا لم تكن قواعد الحزب واعية كل الوعي، ومتأهبة بشكل كامل لعقد تحالفات طبقية مع قوى تقدمية وديمقراطية لا تعارض برنامج الحزب ومحتواه الاشتراكي، بدءا بالاستيلاء على السلطة السياسية وبناء المجالس العمالية والشعبية في المدن والأرياف، ومصادرة كافة أملاك البرجوازية والملاكين العقاريين، والشروع في برنامج التأميم والخوض في ثورة زراعية تمزج بين اشتراكية الأرض وبين بناء التعاونيات الفلاحية الديمقراطية..الخ وهي تصورات وأفكار لن يفلح في إدراكها أو تبنيها من رضع حليب الجمعيات الحقوقية التي بقيت حبيسة المرافعات ورصد الخروقات الماسة "بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا".!
فعكس ما يدعيه البعض ويروج له، فمن وجهة نظرنا نحن كماركسيين، لا نبخس هذا النضال الحقوق ـ إنساني كجزء لا تتجزء من النضال الديمقراطي العام، لكن أن يصبح البعض متخصص في هذه الواجهة ويعتبرها قنطرة لا بد منها للعبور نحو الطبقة العاملة، عبر الرهان على كامل "النشطاء الحقوقيين" لبناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، بناءا على هذه النخبة الإصلاحية والبرجوازية الصغيرة، فذلك يبقى هراءا ما مثله هراء، لن ينجح في بناء حزب الطبقة العاملة ولن يتوفق في بناء أداة سياسية تعبر عن مصالح هذه الجبهة الاجتماعية، التي تضم بالإضافة للطبقة العاملة عموم الكادحين غير المالكين، ومن ذوي الملكية الصغيرة والمحدودة..الخ
فالعديد من مناضلي التيار الجذري بالمغرب يدّعون أنهم فعلا ماركسيين ويتخذون تجربة لينين، وقيادته لتجربة البلاشفة مرجعا أساسيا لتطلعاتهم، والحال أن أغلبيتهم يجهدون النفس لتبرير تاكتيكاتهم اعتمادا على إسقاط بعض من التاكتيكات البلشفية المفروغة من أي مضمون ثوري، على واقع ومسار الثورة المغربية.
فالأصل في هذه الإسقاطات البئيسة وتبني هذه النسخ المزورة والبئيسة، يرتبط بنظرة الثوريين المغاربة لخطة سياسية معروفة ضمن التجربة الثورية الروسية وهي خطة لا تتعدى التاكتيك المشروط بظرفية سياسة واجتماعية محددة، ولم تكن يوما محط نقاش أو رهان يعتمد أو يحسب له الحساب في مجموع التجارب الثورية العمالية حينها.. إنه التاكتيك المعروف "بالثورة الديمقراطية البرجوازية" الذي حكمت الظروف والشروط المرتبطة بالواقع الروسي على البلاشفة بتسطيره وتبنيه، حيث كانت الثورة الروسية وفق هذه الشروط الملموسة ثورة لا تخرج عن نطاق النظام الاقتصادي والاجتماعي البرجوازي، بحيث لم تكن مطالبة حينها بنسف أسس الرأسمالية، كانت على العكس تعمل جاهدة لتعميق الرأسمالية وتقوية الحضور الاجتماعي للبروليتاريا. كانت الطبقة العاملة عبر حزبها البلشفي لا تعبر عن مصالح العمال وحلفائهم من عموم الفقراء، وفقط، بل كانت تعبر عن مصالح البرجوازية الثورية الصاعدة أيضا.
لهذا كانت الثورة الديمقراطية من حيث مضمونها وبرنامجها الذي نادى بالحريات الديمقراطية والإصلاح الزراعي والجمهورية، وهو اعتراف صريح لا يقبل اللف أو الدوران، كان اعترافا نظريا جريئا لا تقوى على الخوض في غماره الببغائيون، بعد الشرح المستفيض الذي قام به لينين تجنبا للنسخ البليد الذي برر به البعض انحرافهم وانجرافهم وراء النظريات الحقوق-إنسانية. فما ينقص اليسار الراديكالي المغربي هو إعادة النظر والنقد لمجمل هذه النظريات الشعبوية المفلسة وعدم الاكتفاء بما روّج له النساخ الستالينيون الذين أغلقوا باب الاجتهاد عوض الاعتماد على منهجية التحليل الملموس لكل واقع ملموس، محولين الخطة البلشفية إلى برنامج أممي داع صيته، خصوصا بعد نجاح الثورة الصينية في طرد الاستعمار وفي القضاء على عملائه من بقايا الإقطاع.
لهذه الأسباب على ما يبدو، تمادى المناضلون اليساريون في بلادنا وفي بلدان عديدة أخرى، في طمس هويتهم الاشتراكية والشيوعية، وضيقوا من أفقهم الثوري الاشتراكي، ليبقوا مرابطين في مواقعهم، مدافعين بشراسة وثبات عن الثورة الديمقراطية الشعبية وعن مصالح "البرجوازية الوطنية" مقدمين شتى التنازلات إرضاءا لهذه الطبقة المتلاشية والتي لم يعد لها وجود إلا في مخيلتهم.
وضمن برنامجهم هذا يسعون بشكل حثيث لإصلاح زراعي غريب ومناقض للتطلعات الاشتراكية ولمشروع الطبقة العاملة في التغيير وفي بناء اقتصاد جديد يقضي على الملكية بالتدريج، عوض الهرولة واستدرار عطف الفلاحين ورفع الشعارات الديماغوجية مثل "الأرض لمن يحرثها" و"إعادة توزيع الأراضي على الفلاحين"..الخ وهو انزلاق وانحراف عن المهام الاشتراكية وتشجيع واضح على استمرار الملكية الصغيرة عوض التضييق عليها وسحب البساط من تحت قدميها عبر الإجراءات الاشتراكية المبدئية، والمبنية أساسا على مصادرة أراضي البرجوازية الفلاحية وملاك الأراضي، وعلى تقوية النمط الاشتراكي في الإنتاج عبر تعزيز ملكية الطبقة العاملة لوسائل الإنتاج وتصنيع الفلاحة ومكننتها وتحديثها، بشكل لا يتعارض مع مهام وأدوار الطبقة العاملة في الإدارة والإنتاج والتوزيع.
فوحدة النضال المطلوبة الآن، هي بين الطبقة العاملة وبين أغلب فئات البرجوازية الصغيرة وباقي الكادحين غير المالكين..الخ فهؤلاء هم المعنيون حقا بالثورة والتغيير، والسير قدما موحدين وراء الطبقة العاملة وحزبها الثوري الاشتراكي، فبدلا من الهبوط إلى مستوى هذه الفئات، يجب اجتذابها على العكس إلى مستوى الطبقة العاملة وربطها بالمشروع الاشتراكي الذي سيحرر المجتمع كاملا، عبر القضاء النهائي على الاستغلال والطبقية والاضطهاد.
"لنسر على حدة ولنكافح معا ولنخفين الاختلاف في المصالح، ولنراقب الحليف بقدر ما نراقب العدو" على هذا الأساس ووفق هذا التوجيه ضمنت الطبقة العاملة وحزبها المستقل النصر على البرجوازية وحلفائها، الذي شرع في عملية التشييد والبناء خطوة خطوة، وبكل نجاح "فإذا لم يتبع الفلاح العمال، فسيسير وراء البرجوازية، وليس هناك ولا يمكن أن يكون هناك طريق وسط" فالوضوح في البرنامج وإقناع الحلفاء به لضمان مصالحهم، هو السبيل للنجاح والانتقال إلى ضفة الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
فالجوهري في مذهب ماركس الذي نعتنقه دون أن نستحي أحدا، كان ولا زال هو تبيان الدور الطبقة العاملة التاريخي بوصفها الطبقة المؤهلة لبناء المجتمع الاشتراكي. فلا يجب التهويل من انتصارات الرأسمالية الآن، واعتبار هذا الانتصار أبديا في وجه الطبقة العاملة، فالحرب ضد العمل المأجور والعبودية المأجورة الصريحة، لن تتوقف ولن تنتهي إلا بانتصار الطبقة العاملة على البرجوازية وحلفائها، عبر القضاء النهائي على الملكية الفردية والخاصة ودفن جثة الرأسمال.
فكل الأصوات المعارضة لسياسة الحكم في المغرب، لا تتأخر عن انتقاد الأوضاع ووصفها بالكارثية حين يتعلق الأمر بتفاقم البطالة وتدهور أحوال المدرسة العمومية والمستشفيات العمومية، والتجمعات السكنية الشعبية..الخ إضافة لحالة المواطنين من محدودي الدخل، مع غلاء الأسعار وارتفاع فواتير الماء والكهرباء.. بما هي أوضاع منافية "للأخلاق ولحقوق الإنسان" تدفع جمهور البؤساء والمحرومين إلى المزيد من التهميش والسقوط بالتالي في فخ التسول والدعارة واللصوصية والمخدرات والبلطجة..الخ دون أدنى إشارة لأسباب هذه الاختلالات الكارثية أو للمخرج الحقيقي من هذه الأوضاع ألا وهو التغيير الثوري الاجتماعي، ثورة بمضمون اشتراكي تصنعها الطبقة العاملة وحلفاؤها الموثوقون الذين لا يشكون في نجاعة الحل الاشتراكي.
إذ لا يوجد في صفوف الكادحين المغاربة أصدق من العمال وفقراء الفلاحين وصغار التجار والموظفين والصناع التقليديين والمياومين وسائر العاطلين.. فهؤلاء هو الوطنيون الحقيقيون داخل المجتمع المغربي، هؤلاء هو أنصار الانتفاضات وجميع الهبّات الشعبية التي وقفت في وجه الظلم والطغيان.. فليس لديهم ما يخسرونه في معارك الصراع الطبقي، فهم الجبهة الوطنية الحقيقية، الشعبية والديمقراطية التي تخوض نضالها اليومي من أجل قطع دابر الاستبداد والاستغلال.. فالحاجة ماسّة في هذه اللحظة لمناضلين ثوريين من طراز جديد، مناضلون لهم القدرة على التعبئة ورفع الوعي والاستقطاب، لشباب ثوري طلائعي لا حاجة له بمن يعادي الفكر الاشتراكي وأسسه العلمية، ولا حاجة له أيضا بالنظريات الطوباوية الباحثة عن المخارج البرلمانية والدستور الديمقراطي في ظل النظام الاستبدادي القائم، وملك يحكم ولا يسود..الخ من المهاترات التي لا تغني ولا تسمن من جوع لأن الجماهير الشعبية حين انتفضت، انتفضت عن بكرة أبيها في الريف وفي جرادة وقبلها في 20 فبراير، رافعة شعار الشعب يريد إسقاط النظام لم تكن على علم ودراية بمن يجتمع ويخطط ويصقل الشعارات التي تتلائم مع حجم وسقف الجبهة الجبانة والمنبطحة بشكل ذليل، خلف شعارات مزورة ومحرفة لمسار الانتفاضة الشعبية، التي طالبت بكل وضوح، التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحقيقي، القادر على ضمان الحرية والخبز والشغل والمدرسة العمومية والتطبيب المجاني..الخ
فالثورة الاجتماعية يلزمها بديل اقتصادي صريح يقطع نهائيا مع الاستغلال والنهب والتبعية، نظام اقتصادي يقضي على التنظيم البضاعي للاقتصاد ويعوضه بتنظيم جماعي لا تكون فيه السوق هي ضابط الإنتاج كما هو الحال في مجتمعنا.. نظام يصبح فيه المنتجون المباشرون هو المتحكمون في سلاسل الإنتاج والمدبرون لعملية التوزيع والمشرفون على مشاريع التحديث والمكننة العصرية حيث تصبح وسائل الإنتاج حينها في ملكية المجتمع ككل، عوض أن تبقى في يد بضع المئات من أفراده كما هو الحال في جميع المجتمعات الرأسمالية.. فهي ذي الثورة الاجتماعية المنشودة من وجهة نظر الماركسيين المبدئيين.
هناك العديد من المناضلين الذين تربوا في كنف الحركة الماركسية وعاشروا منظماتها، مقتنعون أشد الاقتناع ببرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، وهو برنامج مرحلي سابق على برنامج الثورة الاشتراكية المؤجل، إلى حين توفر الشروط الموضوعية والذاتية للقيام بهذا التحويل المجتمعي الهام.! ونعتقد في نظرنا أن هذا التشبث لم يعد له ما يبرره، بعد التطور الكبير الذي حصل في صفوف الحركة الثورية المغربية التي لم تعد تستسيغ بعض اليقينيات "السبعينية" مثل انعدام الوعي في الوسط العمالي المغربي، نسبة العمال الضعيفة جدا وسط الفقراء المغاربة، النسبة العالية للفلاحين في المغرب والتي تفوق حسب هذا الرأي التسعين في المائة.!
جل هؤلاء يشكك في قدرة الطبقة العاملة على قيادة النضال الثوري ببلادنا لاعتبارات نعارضها وننتقدها أبرزها أن الطبقة العاملة ضعيفة عدديا أمام بعض الطبقات والفئات الأخرى، الشيء الذي دفع بالثوريين المغاربة للتفكير في بديل آخر عن الطبقة العاملة، بعضهم اتجه للفلاحين والبعض الآخر للشبيبة المدرسية قبل أن يستقر الرأي على عموم الكادحين.
فالحجة المقدمة مردود عليها من الناحية العلمية والمعرفية، الشيء الذي يلزمنا المزيد من الشرح والتدقيق، فقوة الطبقة العاملة ميدانيا ليست بتاتا مرتبطة بعددها وسط السكان الكادحين ومن يعتقد في هذا فهو بعيد كل البعد عن العلم وعن الماركسية، مناضل شعبوي ولا غير.. لماذا لأن قوة الطبقة العاملة وأهليتها لقيادة الصراع ومعركة التحرير، مرتبطة بسيطرة الطبقة العاملة على مركز وعصب الاقتصاد الرأسمالي، أولا.. ثانيا تتميز الطبقة العاملة بقدرتها الهائلة والتلقائية على التنظيم، فصفوفها منظمة داخل سلاسل الإنتاج وعبر القطاعات وداخل المصانع والمعامل نفسها، حيث تكون ملزمة بالانضباط للمسيرين ورؤساء الأوراش..الخ الميزة الثالثة التي تتميز بها الطبقة العاملة هي احتكارها لأمضى سلاح وأشده فتكا بأرباب العمل، أعداء الطبقة العاملة، وهو الإضراب الاقتصادي والسياسي، الذي له القدرة على توقيف الحياة بالمجتمع ككل، مهما كان ضعف عدد العمال داخل المجتمع، إضافة لسهولة تعاطي الطبقة العاملة وتقبلها معطيات الفكر العلمي وأبجديات الاقتصاد، بسبب من ارتباطها بالآلة والإنتاج وبسبب من توصلها وفهمها العميق للكيفية التي تصنع بها الأرباح وتتراكم، عكس فقراء الفلاحين المرتبطين دوما بالسماء وبما تجود به من أمطار. الشيء الذي يبقيهم دائما مرهونين بعطفها وتحت أمر من "يأمر" لها بالسقوط أو الشح.
ففي عصر الرأسمالية أصبحت الطبقة العاملة وحزبها السياسي هي المعبرة ليس على مصالحها وفقط، بل على مصالح الغالبية الساحقة من الكادحين الذين أفقرتهم وشرّدتهم وجوعتهم الرأسمالية. وهو الشيء الذي من الممكن ملاحظته في جميع الثورات الشعبية الراهنة، والذي يلزم عموم الماركسيين المغاربة بألاّ يهملوا قضية التحالف وكسب جميع الفقراء والكادحين لمعركة الثورة الاشتراكية.
نرجع مرة أخرى لوضعية ملكية الأرض ومستقبلها، ارتباطا بالثورة الاجتماعية المنشودة، لنقوم بالمزيد من الشرح والتفصيل. فكما هو معروف فإن مختلف التيارات الشعبوية في المغرب وفي سائر البلدان، التي مازالت رافعة لراية "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" كبرنامج مرحلي سابق عن الثورة الاشتراكية الذي يطالب بتوزيع الأراضي على الفلاحين، دون أدنى إشارة للموقف الثوري الاشتراكي والقاضي بمصادرة أراضي الملاّك والفلاحين الأغنياء بالإضافة لأملاك القصر، مع تعزيز التعاونيات ودمقرطتها ونشر الوعي الاشتراكي في صفوفها، مع الدفاع المستمر عن الملكية الجماعية للأرض بما هي ملكية للدولة البروليتارية التي يجب أن تقوم وتجسد في المدن والبوادي عبر المجالس العمالية والشعبية المنتخبة ديمقراطيا.
فالاشتراكية كفكر، وكمبادئ، وكتصور، لم تؤمن أبدا بمبدأ "التعويض" أو "الاسترداد" أو إعادة التوزيع التي دافع عنه بشراسة برودون زعيم ومنظر الفوضوية الذي سبق وأن انتقده ماركس بشدة، وبلا رجعة، معتبرا رأيه لا يعدو سوى صيحة من أجل تعزيز الملكية الصغيرة. إذ لا بد من الانسجام في ظل البناء الاشتراكي، بحيث يبقى الشعب العامل، في البوادي والمدن، هو المالك الجماعي لجميع وسائل الإنتاج، أي للمصانع والمعامل والشركات والأراضي والضيعات والمناجم والمراكب والبواخر..الخ وإلا ما المعنى الحقيقي لهذه الاشتراكية التي سيضحي من أجلها العمال وسائر الفقراء. فليست الاشتراكية هي التملك الفردي للمزارع والمعامل والمساكن، ليست بالمرة الاشتراكية العلمية التي وضع أسسها ومبادئها ماركس وإنجلز.
لقد كان برنامج الاشتراكيين البلاشفة يدعو دائما لمصادرة جميع أراضي الملاكين العقاريين وتأميمها ووضعها تحت تصرف مجالس العمال الزراعيين والفلاحين الصغار، حيث كان الهدف من هذا المنحى هو تحويل جميع الأراضي والضيعات الكبرى، إلى استثمارات نموذجية تعمل لحساب المجتمع ككل، يشرف على تدابيرها مجالس العمال الزراعيين.. حيث لا كلام "عن التوزيع أو العدل في التوزيع" داخل المشروع الاشتراكي المناصر للتأميم بعد المصادرة والقضاء نهائيا على الملكية الفردية والخاصة.
"لقد عبرت الماركسية بصدق عن ارتباطها بالطبقة العاملة الريفية، وعن تعبيرها بحق عن مصالحها وعن مصالح جميع الفقراء المشتغلين بالأرض، إذ كان المطلب الأول هو مطلب الأرض، وعلى هذا الأساس كان بروليتاريو الريف من أنصار انتقال جميع الأراضي فورا وتماما، دون استثناء، إلى الشعب بأسره، كما سيكونون من أنصار وضعها فورا تحت تصرف اللجان المحلية" الشيء الذي يعاكس تماما ما نادت به القوى الراديكالية المغربية المرتبطة بالحركة الماركسية اللينينية المغربية وببرامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية وبالإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين..الخ
فكيف لحزب يساري راديكالي يسعى لبناء تحالف قوي وجبهة عريضة للقضاء على "المخزن" كما يدعي، دون التفكير في قاعدة الحلف وفي جميع مصالح مكونات الحلف التي لن تتأخر عي التضحية بحياتها نصرة لهذه المهمة.
فعلى المشككين أو المتحفظين من شعار الثورة الاشتراكية، يعني المطالبين بتأجيله إلى حين، أن يدركوا جيدا أن الظرف الموضوعي ملائم جدا لرفع شعار الثورة الاشتراكية، ودونه تكون خيانة للثورة وللطبقة العاملة ولعموم الكادحين. فالثورة الاجتماعية قادمة لا محالة، وتحت أي سبب من الأسباب سيقع الانفجار وستسرق الثورة من أصحابها وسنبحث من جديد عن المشاجب، وما أكثرها، لتبرير الهزيمة والنحيب على الأطلال.!
فواجبنا كثوريين اشتراكيون في هذه اللحظة هو تكثيف علاقتنا مع الطبقة العاملة قصد تنظيمها والرفع من وعيها الفكري والسياسي، وبقضايا الثورة والبناء الاشتراكي. إذ لابد من القيام بالدعاية في أوساطها لمجتمع العدالة الاجتماعية الخالي من الاستبداد والاستغلال والطبقية، ولا بد كذلك من تطوير وعيها بأهمية الاتحاد، وبالمشاركة في الإضرابات وفي الاحتجاجات الشعبية، لتتمرس الطبقة العاملة على القيادة وإدارة الصراع وطرح البرامج والخطط الميدانية..الخ فالواجب يبقى دائما هو المشاركة الفعالة في أي حراك شعبي، وأن تعمل بجهد يجتذب باضطراد إلى النضال أكثر الفئات البرجوازية الصغيرة تذبذبا، وأكثر العناصر المهمشة والنصف البروليتارية.. إلى النضال الطبقي التحرري.
إذ لا بد لهذه النخبة المثقفة والواعية من الانصهار بحركة الطبقة العاملة وبناء الحزب وفق خارطة طريق محكمة وناجحة، خارطة تساعد الحزب على لعب أدواره وتحمل مسؤوليته في نسج التحالفات اللازمة، في قيادة الثورة إلى ضفة النجاح، دون أدنى مساس بمصالح الطبقة العاملة الآنية والمستقبلية.
أما الدعوة لتغيير اسم الحزب، من "النهج الديمقراطي" إلى "حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين" خارج مهام الطبقة العاملة الفعلية، التاكتيكية والإستراتيجية، ومع الاستعداد الكامل والتام للخوض في تحالفات سياسية رجعية ومشبوهة، وضارة بمصالح الطبقة العاملة، بغاية الحرب على المخزن.. فذلك هراء وانزلاق وانتهازية صريحة.
فمهما يكن هناك من حراك ونضالات شعبية توحي بأن الجميع يرغب في التغيير والقضاء على الفساد والاستبداد. فيجب الحذر كل الحذر من التناقضات التي تنخر جسم الشعب وداخل القوى السياسية المشاركة أو المؤيدة للحراك. إذ لا يجب تجاهل الفوارق الطبقية وسط الكادحين، مع التأكيد على أن الطبقة العاملة ليست كادحة وفقط، بل هي كادحة ومحرومة من أية ملكية "فمن بين جميع الطبقات الثورية حقا. فالطبقات الأخرى تنهار وتندثر أمام الصناعة الكبيرة، أما البروليتاريا فهي بالعكس منتوجها الأصيل".
فإلى جانب الحاجة للتغيير، هناك الحاجة لبناء الجبهة الطبقية للتغيير، التي يجب أن تضم في صفوفها قوى سياسية تقدمية ديمقراطية لا تعادي الحرية والديمقراطية والاشتراكية، قوى تؤيد وتدعم كل ثورة تنشب ضد عدونا الأول، برجوازية الدول الكبرى، شرط ألا تكون هذه الثورة ثورة الطبقة الرجعية" والكلام هنا للرفيق لينين الذي يحذر من التأييد والدعم لأية ثورة كيفما كان المقصود منها وبها.!
قدمنا هذه المعطيات الأساسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار لحظة بناء الحزب، يعني حزب الطبقة العاملة المستقل، والذي يجب أن يقتصر فقط على الطلائع العمالية المناضلة وعلى بعض المثقفين الثوريين الاشتراكيين، بحيث لا يرفض الحزب انخراط العديد من المناضلين الحاملين لراية الاشتراكية والمدافعين عن خيارها وتصورها الفكري والسياسي والاجتماعي، حتى لو أتوا من طبقات اجتماعية أخرى في إطار من الانتحار الطبقي والتخلي الواعي عن مصالحهم ومواقعهم الطبقية الأصلية، بهدف الانصهار بالعمال والدفاع المستميث عن مشروعهم التحرري، الذي ستبنيه الطبقة العاملة وحلفائها لمصلحة المجتمع ككل. ويصبح المجتمع بالتالي مجتمعا للمنتجين يدبرون فيه أمورهم وشؤونهم بطرق ديمقراطية، مجتمع لا وجود فيه للاستغلال، ولا مكان فيه لمن يعيش على حساب الغير.
فالأساسي في عمل الاشتراكيين الآن هو تنظيم أنفسهم، والإشراف على تنظيم الطبقة العاملة وبناء حزبها المستقل، قبل التفكير أو الشروع في نسج التحالفات الطبقية الضرورية "فالنشاط السياسي الضروري نشاط اشتراكي يهدف إلى المساعدة على تطوير وتنظيم الحركة العمالية في روسيا، وفي تحويل محاولاتها المنعزلة للاحتجاج و"التمردات" والإضرابات، وهي خالية من أية فكرة موجهة، إلى نضال متجانس تخوضه كل الطبقة العاملة الروسية ضد النظام البرجوازي ويرمي إلى انتزاع ملكية المغتصبين، إلى هدم النظم الاجتماعية القائمة على اضطهاد الشغيل، إن هذا النشاط مبني على إقناع الماركسيين العام بأن العامل الروسي هو الممثل الوحيد والطبيعي لكل السكان الكادحين والمستغلين في روسيا" وهو عكس ما ينادي به الآن المترددون الانتهازيون، والمنبهرون بمقولة "أن السياسة هي فن الممكن" والممكن الآن هو حزب الكادحين والتحالف الممكن، بل والضروري في نظرهم، هو مع الجماعات الظلامية المعادية لحرية الفكر والاعتقاد، والمعادية للمرأة ولجميع القيم التنويرية والتحررية..الخ
فمشكلتنا في المغرب مرتبطة بالتحديد الدقيق لهويتنا ولأهدافنا كمكونات يسارية، بمعنى أنه يتعين علينا فورا، وبدون لف أو دوران، أن نبوح ونصرّح بمن نحن وماذا نريد؟ وهي أسئلة مهمة وجوهرية يتجنبها الكثير من مناضلي حركة اليسار، في الوقت الذي تتطلب الأجوبة الشافية والمقنعة عن طريقة الوصول لمجتمع الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
فالعديد من اليساريين المغاربة لا يشهرون عدائهم بصراحة للرأسمالية. وحين ينتقدون الاقتصاد الرأسمالي يركزون في التحليل على الجانب التبعي في عملية الارتباط بالنظام الرأسمالي وبمؤسساته المالية الإمبريالية. وكذلك الشأن في الحرب ضد الرأسمالية تكتفي الأغلبية بفتح النار على جزء فقط من اللبرالية، ألا وهي اللبرالية المتوحشة، وهو أسلوب ملتبس ينشر الغموض وسط الشباب اليساري المتعطش لثقافة يسارية واضحة، ومناهضة للرأسمالية ولجميع الاقتصادات المبنية على النهب والاستغلال.
واستمرارا في النقاش والتوضيح وصراع الأفكار نقدم وجهة نظرنا في هذا المجال رفعا لأي لبس أو ارتباك في تحديد هوية ومرامي هذا التيار المناضل، والفصح عن خلفيته الحقيقية باعتبارها حركة سياسية مناضلة ومعادية للرأسمال والبرجوازية كيفما كان أصل الرأسمال وأينما كان موطنه أو مجال اشتغاله. وللتوضيح أكثر "يطلق اسم الرأسمالية على نظام للمجتمع تكون فيه الأرض والمصانع والأدوات وخلافها، ملكا لحفنة صغيرة من الملاكين العقارين والرأسماليين، في حين لا يحوز سواد الشعب على أية ملكية أو تقريبا، فيتعيّن عليه بالتالي أن يشتغل بالأجرة".
وهو تعريف لينيني بسيط سلط الأضواء على المهم والجوهري في الاقتصاد الرأسمالي، عكس ما تذهب له الشروحات النظرية بالمغرب، والتي تركز على الجانب التبعي فقط، ولغرض في نفس يعقوب، لتخلص بالتالي لتأجيل الحرب على الرأسمالية وعلى البرجوازية كيفما كانت صفتها وأصلها وموقعها، في المراكز أو المحيط، سيان.
فاليساري بطبيعته مناهض للرأسمالية ولسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، هو اشتراكي مبدئي وصريح، دائم النقد للاقتصاد الرأسمالي المبني على الربح والنهب والاحتكار والريع، يفضح باستمرار الاستغلال الناعم قبل المتوحش، الذي تتعرض له الطبقة العاملة، مناضل مكافح لا يصيبه العياء أو الملل، من الشرح والتوضيح لعموم الجماهير الشعبية، الطريقة التي تراكم بها الطبقة البرجوازية وحلفائها، تلك الكمية الهائلة من الأرباح، سواء عبر الاستغلال المباشر للطبقة العاملة أو عبر الاحتكار ورفع أسعار المنتوجات. فالمناضل اليساري الاشتراكي، مناضل يدافع باستماتة عن مشروع مجتمعي تتجسد فيه عن حق، العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر، بعد القضاء على الملكية والتملك واستعباد الناس.
فاليساري القح هو الذي يدعو لمجتمع المنتجين المتضامنين ويعمل على تحقيقه على الأرض، ذلك المجتمع الخالي من الطبقات والاستغلال، والذي لا يسعى فيه المرء لاستغلال رفيقه الإنسان أو لابتزاز الربح من مجهود الآخرين، كان عضليا أو ذهنيا.
يعمل الاشتراكي بصدق من أجل الحرية والتحرر، ولا يخفي جهدا من أجل التحرر النسائي لتصبح المرأة متساوية في الحقوق والواجبات مع رفاقها من الرجال، ويصبح بالتالي الوطن الاشتراكي أكبر حامي وضامن للحريات الثقافية واللغوية والدينية. فالمواطن الاشتراكي كذلك، حرّ فيما يعتقد فيه ويؤمن به.
وفي الأخير، نتمنى من هذا النقاش أن يكون انطلاقة جديدة لنقاش جماعي شامل بين جميع الرفاق المناصرين للحرية والديمقراطية والاشتراكية، جميع الرفاق الذين يعملون بجد من أجل بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، ومن أجل بناء التحالفات الطبقية والسياسية التقدمية والديمقراطية من أجل هزم الرأسمال والقضاء على الاستبداد والاستغلال، ونتمنى أن نكون قد توفقنا في الشرح والتبسيط لوجهة نظرنا كخط بروليتاري، حول الأداة اللازمة للتغيير، وحول مهمة بنائها بالتدرج النضالي اللازم.
فبناء حزب الطبقة العاملة المستقل، في نظرنا ليس بالمهمة السهلة التي لا تحتاج سوى للبهرجة والإعلان وتغيير الاسم، والحال أن التجارب المطروحة في الساحة لا تعدو أن تكون سوى تكرار كاريكاتوري لتجارب سابقة باءت بالفشل رغم التضحيات الجسام التي قدمت من أجل إنجاحها. لهذا يكفي من هكذا تجارب مبنية على "البريكول" وفقط، خصوصا إذا كانت هذه المشاريع مكبلة بتحالفات مشبوهة ومعادية لللاشتراكية بمعنى المثل الشعبي الذي يقول "من الخيمة خرج مايل"!.

يوليوز 2020ِ



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى انتفاضة العشرين
- في ذكرى الشهيدة سعيدة المنبهي
- في ذكرى الشهيد عبد اللطيف زروال 14 نونبر 2019
- بناء حزب الطبقة العاملة المستقل.. مهمة نضالية بعمق طبقي واضح
- سيظل الفاتح من ماي مجرد محطة نضالية في درب التغيير الثوري ال ...
- بين من يدّعي النضال الحقوقي ومن ينسق العمل مع الجحافل الظلام ...
- كل الدعم للطبقة العاملة في عيدها الأممي
- النضال من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين لن يتوقف أبدا
- واجب التضامن أولا
- في ذكرى انتفاضة العشرين من فبراير
- سعيدة الشهيدة، رمز من رموز النضال التحرري الاجتماعي والنسائي ...
- استشهاد تحت التعذيب
- ثورة أكتوبر العظمى ومهمة البناء الاشتراكي
- في أساليبنا النضالية الناجحة..
- لا وجود للحريات الديمقراطية في ظل استمرار الاعتقال السياسي
- شهر آب يذكرنا بشهدائنا الأبرار
- النضال من أجل الحريات الديمقراطية بالمغرب قضية مبدئية
- في ضرورة النضال من أجل إقامة الاشتراكية
- يوم نضالي يصادف الفاتح من أيار
- الثامن من مارس.. يوم ليس ككل الأيام


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - حزب الطبقة العاملة المستقل