أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان الزريعي - دفء ثلجك















المزيد.....

دفء ثلجك


حنان الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 1595 - 2006 / 6 / 28 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


استيقظت هلعة حين تململت ظلمة الغرفة لوميض البرق ، نظرت حيث يرقد زوجها بجوارها .. " ما أجمل هدوء استكانتك للنوم .. لو بإمكاني الاختباء تحت جفنيك المغمضين " ، اتكأت على يدها تنظر إليه بشغـــف وألــم .. " هل يشعر بأنني أنظر إليه ؟ .. لا أظـن .. لمْ أعدْ أمتلك ذلك السحر الذي طـالما قـــال بأنني أمتلكـه " .
انكسرت ظلمة الغرفة مرة أخرى بومضة نور سريعة .. شديدة .. تعلن مسبقاً قوة الرعد الآتي ، ومن شدة خوفها أغمضت عينيها بقوة ؛ واضعة يديها على أذنيها كي لا تسمع صوت تصافح الغيوم .. مرّ الرعد بعيداً وكأنه أعلن الهدنة مؤقتاً مع خوفها . مالت برأسها على كتفها وعينيها ما زالتا تحيكان وشـاح شغف تغطي به مــن أحبته .. " حتى هزيم الرعد لمْ يوقظك ؟ " ، توقعتْ استيقاظه أو على الأقل تململه .
جلست معتدلة متعمدة أن لا تُحدثَ أية حركة ؛ تسللت من تحت الغطاء ليلف البرد دفء جسدها ويلبسه ثوبه ، اتجهـت حيث النافذة ، أزاحــت الستارة قليلاً .. لترى الليل والشتاء وقد أعدّا حفلتهما .
نظرت حيث زوجها الراقد بسلام .. " أيعقل أنه لم يتذكر !؟ " .. غصّة احتمت بحلقها ، ولم تشعر إلا ودمعة ساخنة تنحدر على خدها .. وبدأت حفلتها هي الأخرى ، رائحة التراب المبلل بدموع السماء ، ندف الثلج المتطايرة والمتراكمة تباعاً على أرضية الحديقة، تراقص الشجيرات معانقة أغصانها أجساد الرياح الراقصة .. جميعها جلبت الحزن لها .
بسبابتهـا داعبت بلور النافذة المغطى بالبخـــار .. لاهـيــة .. لـتكتب دون أن تشعــر .. " أحبك " ، نزلت بإصبعها تحت كلمتها الأولى – والتي خطتها قبل قليل – لتخط على البخار المتكاثف .. " 4 يناير " .. وبحركة غاضبة بكفها .. أزالت ما كتبته .
لِمَ عليّ أن أحبّ بهذا القدر ؟ .. لِمَ عليّ التألم لحبي لـه ؟ .. لـو كنت باردة المشاعر مثله ؛ لما رخّص العشق دموعي ، ولكنتُ نائمة الآن بقلب أصمّ المشاعر .
كمْ انتظرَتْ هذا اليوم بشوق ، أعدّت له كل شيء ، حتى هديتها له خبّأتها عنه في الخزانة ، وفي النهاية جاءها متأخراً على غير عادته .. ظنته قاصداً ما فعله ليفاجئها ؛ على أنه برّر تأخيره بعطل أصاب سيارته عند عودته للمنزل .. " ربما هي خدعة جميلة منه كي يفاجئني فيما بعد " ، لمْ يعلّق حتّى على العشاء الذي أعدّته عن عمد فاخراً .. هي كلمة مجاملة لا تدري إن قالها لعلمه أم لا .. " شو حلو هالفستان اللي لابــسـتـيـه " ، ابتسمــت لحظتهــا .. إذن فـهو يـذكـر ومـا هي إلا لـحـظـات إلاّ و ... ، " حبيبتي .. ما قادر اجمّع بالمرّة .. طول اليوم شغل .. وبكرة عندي شغل من الصبح بكيّر " ، نهض من على المائدة ليقبلّها ويهمس لها .. " تصبحي على خير حياتي " .. غرقت الصور أمامها ، مــوجة ألـم أزالت خطوط أمـل ، رُسمت على رمال انتظارها هذه الليلة .. بالذات .
أسدلتْ الستارة والتفتت إليه .. آه لو بإمكاني إعلان الحرب على نومه الآن .. أخاف أن أكرهه بقدر حبي له ، لا البرق أزعج بوميضه عينيه المغمضتين ، ولا الرعد بقادر على إيقاظه ، فكيف سيشعر بالأرق الذي سببه لي وبالألم الذي تركه بداخلي . ألا يذكّره هذا الجو العاصف وهذه الليلة بالذات بشيء .. فبسبب اختياره لهذا اليوم - قبل سنة - تبللتُ بالمطر ، حتى تسريحة شعري وزينتي وفستاني ؛ والتي أخذتْ من وقت مصففة الشعر خمس ساعات كاملة .. قد فسدت يومها .. ألا يذكرْ !؟ ..
أنيرت الغرفة بنور أبيض مشعّ ؛ صرخت على إثره سهام ، راكضة نحو سريرها لتختبئ تحت غطائها ؛ من الرعد الذي تخافه ..
وصلها هزيم الرعد رغم إحكام وضع يديها على أذنيها ؛ فإذا بزوجها يهــزّها من كتفيها ، أبعدت يديها وفتحت عينيها ؛ لتجد زوجها ممسكاً بها ، وعينيه نصف مغمضتين .. " سهام .. شو حبي .. ! "
" أقلقٌ عليّ .. أم أزعَجَته صرختي ؟ " ، حدّثت نفسها ، نهضت من سريرها لتتجه حيث الباب ؛ باحثة عن مفتاح الإنارة ، فأضاءت الغرفة .. ألفت زوجها مستغرباً وقد اتكأ على ذراعيه .
ستعلن له الليلة بأنها لم تعدْ تحبه .. نعم .. فبرودته وقسوة تجاهله لها لم تعدْ تحتملهما .. وليكن ما يكن .. قاطع صوته مؤامرتها و نفسها ..
" شو سهام .. ليه صاحية لهلا .. " ، تابع مبتسماً بسخرية عهدتها منه وأحبتها أيضاً فيه .. " ولا الرعد رعبِك " .
" يوسف .. " قالت بحدّة واضعة يديها على خصرها ، وكأنها تنوي العراك .
- مالك معصبة .. شو هو أنا اللي صحيتك ..
- إيه أنتَ .. ولا كأنو عندك خبر .. طبعاً المهم ...
قاطعها يوسف صارخاً .. " لا إله إلا الله .. هو أنا إجيت جنبك .. ولا بدّك تتمشكلي معي والسلام " .
نظرت إليه وقد تمنت الآن .. أن تشعل ناراً بقلبه ، وأخرى قالت نيابة عنها .. " ما عدت أحبك .. "
لم تشعر كيف انزلقت هذه الكلمة منها ، رغم أنها قالتها عن عمد ، خافت من نظراته والتي صوّبها نحوها بصمت قاتل ؛ فإذا بها لحظات ليضحك مقهقهاً ، جُنت أكثر واتجهت غاضبة نحوه .. " وعم تضحــك ! .. شايف قديش أنت بارد .. "
- لأنو مو من قلبك هالحكي .. طلعت هالكلمة منك وصوتك بيرجف وبدو يبكي .. فهمتي .
نظرت إليه بصمت ، ماذا تقول .. " ومغرور أيضاً ! " ، نهضت باتجاه الخزانة ، فتحتها لتخرج منها علبة صغيرة ؛ ملفوفة بعناية بورق احمر لامع ، اتجهت نحو زوجها ؛ حيث لا يـزال متكئاً على ذراعيـه ، وضعت الهديــة بجواره قائلـة بغضب .. " خُذْ .. " ، نظر إليها مستغرباً .. " شو هاد .. ! "
صرخت بيأس .. " وكمان لسه ما فهمت شي .. " ، أجاب بصوت ناعس فاركاً مقدمة شعر رأسه .. " والله حبيبتي مو فاكر .. شو عيد ميلادي ؟ .. لا .. لا .. إحنا شتا .. أنا بالصيف ولـدت .. "
نهضت غاضبة .. " أنت ما عدت تحبني .. خلص .. تزوجتني هيك .. المهم تلاقي مين يطبخـلك ويـنـظفـلك البيت .. ويـربيـلك الأولاد .. مـع أني بحمد الله أنو لـسه ما في أولاد .. و .. "
قاطعها وقد ضرب جبينه بكفّ يده .. " آه حبيبتي .. يا عمري .. أسف كتير حبي .. ذكرى زواجنا .. والله هلا لابـتـديت أجمّع .. لك يلعن أبو النسيان شو لئيم .. والله يا عمري الشغل واخذ كل وقتي .. وإلك بكرة أحلى هدية .. "
شعرت بالإهانة من كلمته الأخيرة .. " هدية ؟ " .. أهذا ما كانت تنتظره منه .. يكفي أن يقول لها كلمة جميلة ويتذكران سوية يوم زفافهما ، هربت منها دمعة حاولت أن تتوسل لها أن تختبئ حتى تختلي بنفسها ؛ لكنها أبت ، لِمَ لا تخجل السماء دمعها أمام الأرض .. الوديــان .. البحر .. النهر .. ؟ لِمَ لا تخجــل مــن دمعها أمامهم جميــعاً .. ؟ أ لأنهم يبادلونها عشقاَ بعشق ؟ .. دفئاً بدفء ؟ ، كيف للخجل الجنوح نحوها فدموعها أيضاً ملك لعشقها له ، أما هو فبارد كذاك الثلج المتراكم في الخارج .. لا بل الثلج يذوب أمام مداعبة الشمس لردائه .. ولم تعدْ تشعر ببرد الغرفة ولا بالبرق والرعد المتناوبين .. كان يكفي أن يضمّها إليه لتشعر بأنها الوحيدة في حياتـه .. وهــذا كل شيء .
"سهومة .. بتعرفي .. " ، اعتدل في جلسته وقد أشعل سيجارته ، وقد بان عليه التأثر ، لا يضايقه أمر سوى رؤيتها حزينة باكية .. ماذا عليه أن يفعل .. هو هكذا .. لا تفارقه الجدية حتى في علاقاته الحميمة .. لكنه يعشقها .. بطريقته .. مضت ثوان شعرت بأنها ساعات .. " ما الذي عليها أن تعرفه ؟ " .. نظرت إليه .. إلي دخان سيجارته ..
" أنتي بتمتلكي سلاح محظور دولياً .. والله يذكروا بالخير كوفي عنان ، لو عرف بوجودو .. ما بضمن شو بصير .. " ، ابتسم متابعاً بنظراته دخان سيجارته .
" أيسخر مني .. " ، ظنت أنه سيقول كلمة .. أي كلمة .. لكن أن يسخر ..
نظر لعينيها وكمن يفكر بصوت عال ، قال : " حياتي .. أوعي الوسواس .. لأنو سر الدمار .. الوسواس حبي سلاح دمار شامل .. وبعدين يا مجنونة أنا بعشقك .. " .
- أنا مجنونة ؟
ضحك قائلاً .. " لسببين .. الأول إنك حساسة زيادة عن اللزوم .. وعواطفك متل نهر جارف .. والثاني إنك عشقتي هالعبد لله .. واللي ما تذكر أروع يوم بحياتو " .
نظرت إليه .. أهو من قالت له أنها لا تحبه ، أهو من أرادت إعــلان الحـرب على نومه ، بسبب تجاهله اللامقصود لذكرى زواجهما ، أليس مرور عام على زواجهما بدون مشاكل معلنة ؛ بكاف أن تعتبره أجمل هدية .. أليس هو هدية القدر لقلبها ..
أنيرت الغرفة بقوة مع أنها مضاءة ، خجلت من أن تسدّ أذنيها خوف الرعد ، وإذا بهزيم الرعد قوياً هذه المرة ، وعلى إثره انقطع التيار الكهربائي ، اختبأت بسرعة تحت غطائها .. فجاءها صوت ضحكات زوجها من خوفها .



#حنان_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جنين الحرف
- طُرُقاتٌ مثقلةٌ .. خجِلة
- يمتشق الألم أملاً
- تمرّد السكون


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان الزريعي - دفء ثلجك