أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - محمد عرفات حجازي - تظاهرات كورونا وفيلم النوم في العسل














المزيد.....

تظاهرات كورونا وفيلم النوم في العسل


محمد عرفات حجازي
كاتب وباحث أكاديمي ـ رئيس اتحاد الفلاسفة العرب

(Mohamed Arafat Hegazy)


الحوار المتمدن-العدد: 6618 - 2020 / 7 / 14 - 12:51
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


خلال منتصف شهر مارس سنة 2020م، خرج العديد من الناس في مسيرات تظاهريّة، في العديد من المدن والعواصم العربيّة، ضدّ فيروس كورونا. لم تخل تلك المسيرات من دلالات عميقة، حتى قال البعض: الخوف يسبب الجنون..
كانت مدينة الإسكندرية المصريّة الأوفر حظًّا من بين جميع العواصم والمُدن العربيّة، وفيها تنوّعت الشّعارات، إلى جانب الشّعارات التهكّميّة التهكُّمية. ففي الوقت الذي خرجت فيه الجموع مُهلِّلة ومُكبِّرة في الشوارع، جاءت شعارات الثورة الموازية، على الفضاء الالكتروني، أكثر ثراءً، وسادت إفيهات من قبيل: قول متخفشي الفيروس لازم يمشي؛ يا اللي ساكت ساكت ليه جبت كحولك ولا ايه؛ بالطول بالعرض هنجيب كورونا الأرض؛ يا كورونا يا جبان يا عميل الأمريكان؛ ارحل يعني امشي ياللي مبتفهمشي؛ يسقط يسقط حكم الفيروس؛ وغيرها..
وخلال المُظاهرات الواقعيّة، قام البعض بصُنع عَلَمٍ لكورونا ثمّ أحرقوه في منطقة محطّة الرمل، بمدينة الإسكندرية، كذلك فقد خرجت النّساء بالزغاريد من البلكونات، لدرجة سخر معها أحدهم: إنّها حنّة الكورونا..
وأمام ذلك المشهد الذي يشي عن تدهور الأحوال النفسيّة، بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، يجدر بنا استدعاء الفيلم المصريّ (النوم في العسل)، والذي قد يكشف لنا، على أقلّ تقدير، عن بعض اختلاجات النفس في ذاك الفعل..
تبدأ أحداث الفيلم بحفل زفاف عروسين، جمعهما الحبّ والتّفاهم، ومع إشراقة فجر يومٍ جديد؛ يضع العريس، بطريقة مأساويّة دامية، حدًّا لحياته؛ ليتخلّص من وجوده الذكوريّ المهزوم أمام أسباب مجهولة، على قضبان إحدى السكك الحديدية.
تدور حبكة الفيلم حول وباءٍ مجهول يُصيب الرجال مُسبّبًا العجز الجنسيّ، كرمزٍ للتعبير عن إحباط المجتمع ككلّ. يظهر فيه العميد مجدي نور (عادل إمام) رئيس مباحث القاهرة، الذي يبدأ يومه بحادثين غريبتين؛ سبّاك يذبح زوجته في نوبة غضبٍ هستيريّة، تلت حادثة العريس المُنتحر. وخلال لحظات، غصّت ساحة قسم الشرطة بعشرات الأزواج المتناحرين، وفى مشهد ميلو درامي كبير، يتوسّط مجدي الجمع مُعلنًا: "أنا عارف إيه اللى حصل.. الرجالة ما عرفتش". وخلال مُحاولته إيصال القضيّة للمسئولين، يُنكر وزير الصّحة الأمر تمامًا؛ خوفًا من المُواجهة، بل ويرفض أعضاء مجلس الشّعب استمرار النقاش؛ لعدم الجدّية.
بعد يوم شّاق، يعود نور إلى منزله ليكتشف أنّ الوباء المجهول قد طاله، وتبدأ الكوميديا السوداء بتولّيه التّحقيق في أمر الوباء. تتوالى الأحداث، يلتقي مجدي بوزير الدّاخلية الّذي يطلب من منه تحرّيات وحقائق ثابتة. ولأجل رصد حالة الشّارع، معرفة أحوال النّاس، وقياس التّأثير السلبيّ؛ ينتقل رئيس المباحث لأحد بيوت الدّعارة، وهناك تُخبره صاحبته: "ده زمن الكلام مش الأفعال". ويُنصت للخطاب الدّينيّ، بنوعيه، فإذا به يُطالبنا بالاستغفار والتّوبة؛ كون آلامنا ومصائبنا إنّما نزلت بنا لإثمنا وظُلمنا. ويمرّ بعطّار يبيع خلطة سريّة (من الفول السوداني وجوزة الطيب والجنزبيل والقرفة) يُوهم بها الناس أنّ لها مفعول السّحر، وينتهي به الحال عند دجّال يبيع للناس "ريش دجاج" بـ 20 جنيه. أمّا العيادات، فقد غصّت برجال منكوبين أمام ذكورة تتسلّل من بين أيديهم..
لقد وجد مجدي نور نفسه أمام جريمة قتل جماعيّ؛ إذ يعيش الشّعب حالةً من الفتور، وانتابهم إحساسٌ بالعجز، بالانكسار، بالخمول، بالكسل، بالرّكود، بموت الرّغبة في الحياة، بانعدام المشاعر، بفقدان القّدرة على الفعل، وأمام ذلك الموت والفقد اللّعين، الّذي لا جنازة له ولا نعي، واندثار كافّة الغرائز إلا الأكل كالخنازير، وجد رئيس المباحث نفسه أمام قضيّةُ أمنٍ قوميّ، وإحباطٍ عام، رآها الطبيب مُتعدّدة الأسباب، منها: البرامج التليفزيونيّة، الجرائد، سماع الأكاذيب، والخوف من المُستقبل المجهول. وأمام تلك المعيشة السيّئة، وارتفاع مُعدّل الجريمة، وموت الإرادة، فقد تمثّل الحلّ: العلم..
وإزاء العقل الشعبيّ المُتمسّك بالوهم والحلول الخُرافيّة، ووزارة الصّحة والبحث العلميّ المُنكرة للوباء، ومنع نشر تفاصيل الموضوع في الصّحف، وحالة الانقسام داخل البرلمان فيما يخصّ مُناقشة القضيّة ـ والتي انتهوا إلى غلق باب مُناقشتها قائلين: حتى لو ثبت وجود حالات فلا يعني ذلك وصولنا لمرحلة الوباء، والحلّ العبثيّ الّذي قدّمه وزير الصّحة في خطابه الارتجاليّ، وتشكيكه في إمكانيّة اكتشاف ضابط للمرض، واتّهامه إيّاه، بصورة ضمنيّة، بالفسق وترويج الإشاعات، وقرار نقل مجدي من جهاز المباحث؛ انحاز الضابط لصفّ الشّعب، لتلك الملايين الّتي اعتقدت أنّ الحكومة هي سبب مُصابهم لأجل تحديد النّسل، وخرج بهم في مسيرة حاشدة، انتهت، بل بالأحرى ابتدأت أمام البرلمان حيث النوّاب والوزير المُتجاهل والضّارب بهويّة وكرامة وطنٍ عرض الحائط.. إنّها مسيرة آاااه..
آهٍ المُعبّرة.. آهٍ الصامتة الفاضحة.. آه الأنا المُتألّمة.. آهٍ الموجوعة. تلك (الآه) التي مزجها، ببراعته الفائقة، عمرت خيرت، بموسيقى حزينة مُتفائلة أعادت الحياة لآلامنا، لآمالنا، لأوجاعنا، لدرجةٍ لن تصمد فيها أمام دموعك المُختلطة. إنّها كوميديا شريف عرفة السّوداء، الّتي تسلّلت إلى المشاهد وجعلته يتساءل، جعلته يضحك كثيرًا ولكنّه ضحكٌ من نوع آخر، ضحكٌ تليه لحظة صمتٍ عميقة تنقله إلى واقع أليم: حكومة ضعيفة، ومسئولين فاسدين، وإسلاميّين يصطادون في الماء العكر، وقبل كلّ هذا ـ أو بعده ـ شعب غرق في الجهل والظّلم والفقر.
إنّها "آه" رمزٌ لطلب الخلاص لكلّ هؤلاء الذين عانوا ولم يُسمح لهم بالتعبير عن آلامهم، وربّما، هي ما استدعاها شعبنا من ذاكرته؛ مُعبّرًا بها عن قلقه ومخاوفه حيال الجائحة، واحتماليّة تجاهل الدّولة له.
وأخشى، ما أخشاه، أن يبقى شعبنا العربيّ نائمًا في العسل، وألّا يُراجع حساباته، ويختبر قوّة إيمانه، ويتعامل مع هذا الوباء من باب أنّه آية وقدر واختبار، وألّا يستفيق من غفوات الماضي..



#محمد_عرفات_حجازي (هاشتاغ)       Mohamed_Arafat_Hegazy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعادة بين التمسك بالقيم والخروج عليها ـ قراءة لفيلم -جنون ...
- عبيط القرية وعراؤنا الأخلاقي ـ قراءة فلسفية
- -كورونا-: التاريخ وبعض سبل العلاج
- طلب نشر تفاصيل استكتاب جماعي
- فيروس -كورونا- وأزمة العقل العربي
- صراع توم وجيري وقلب القيم
- لماذا نذهب إلى السينما؟
- الهوس الجنسي قراءة فلسفية
- الدعاء للميت: مُزايدة على الله؟


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - محمد عرفات حجازي - تظاهرات كورونا وفيلم النوم في العسل