أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح مكرم - ( قراءات في شعر الفصحى في أسيوط ) من 2007- 2017م ، دراسة نقدية لستة دواوين















المزيد.....



( قراءات في شعر الفصحى في أسيوط ) من 2007- 2017م ، دراسة نقدية لستة دواوين


ممدوح مكرم

الحوار المتمدن-العدد: 6607 - 2020 / 7 / 1 - 01:15
المحور: الادب والفن
    


أسيوط من المحافظات النشطة، والمتميزة على مستوى الحركة الثقافية عموما، وفي قلبها الإبداع الأدبي والفني، فمن أسيوط خرج : محمود حسن إسماعيل وفوزي العنتيل، و مصطفى لطفي المنفلوطي وغيرهم. و بعد العام 1952م شهدت مصر كلها تحولات جذرية على كافة الأصعدة؛ طالت الأدب؛ باعتباره أحد الأنشطة الإنسانية الأكثر حساسيةً تجاه التغيرات، وبالقطع نالت أسيوط قسطاً من هذه التغيرات التي ستراكم؛ ليظهر جيلٌ جديدٌ من الشعراء الذين هضموا القصيدة الكلاسيكية جيدا، ثم تجاوزوها إلى قصيدة التفعيلة، هذا الجيل الذي كُبر وترعرع في السبيعينات من القرن الماضي، والذي كان رد فعلٍ على تحولات السبيعينات في مصر، فكان هذا الجيل الذي أسس نادي الأدب في أسيوط(آواخر السبيعينات) في البعض منه كان يحمل رفضًا ومعارضة ً لما آل إليه الحال بعد قرارات الانفتاح الاقتصادي- ثم التصالح مع الكيان الصهيوني في آواخر السبيعنات، ويحضرني في ذلك كل من الشاعرين الكبيرين( درويش الأسيوطي- والشاعر سعد عبد الرحمن) ثم بعد تأسيس نادي الأدب، والذي كان بمثابة ورشة إبداعية، خرج منها العديد من الشعراء( سواء على مستوى قصيدة الفصحى أو العامية) وكُتَّاب الرواية والقصة القصيرة والمسرح، فكان نادي الأدب بقصر ثقافة أسيوط بمثابة انطلاقة للحركة الإبداعية( إبداعا ونقدا) وبعد تعميم الفكرة لعبت أندية أدب المراكز دورا كبيرا في اكتشاف المبدعين وصقلهم، ومد الحركة الإبداعية بدماءٍ جديدةٍ لم تنقطع حتى الآن؛ ورغم ضعف أندية الأدب ومشاكلها الكثيرة؛ إلا أنها تمثل أحد المرتكزات الرئيسية في البقاء على جذوة الإبداع مشتعلة، رغم كل العوامل المعيقة والمثبطة والمناخ العام الذي تراكم منذ سبيعنات القرن الماضي.
وفي دراستنا سنقوم بدراسة لستة شعراء من ستة مراكز مختلفة، أي يمثلون ستة أندية من نوادي الأدب، وهي باللغة العربية الفصحى، هؤلاء يشكلون امتداداً للسابقين-إنْ بشكل أو بآخر- ويمثلون أيضًا عَيِّنة جيلية ما بين 40- 70 عام( أعمار الشعراء موضوع الدراسة) وهم حسب الترتيب الزمني لظهور دواوينهم ( الدواوين موضوع الدراسة) :-
1- الشاعر ياسر النجدي: مركز الغنايم. ديوان: يا نفحة الأزهار، 2007م.
2- الشاعر محمد علي الأسيوطي: مركز أبو تيج. ديوان: بين مفترق طرق، 2010م.
3- الشاعر أحمد نادر بهلول: مركز ديروط. ديوان: عشاق الفجر، 2012م.
4- الشاعر محمد الألفي: مركز البداري وساحل سليم. ديوان: صرخةٌ في وادي الأصنام، 2015م.
5- الشاعر وليد حشمت: مركز أبنوب. ديوان: جدال، 2016م.
6- محمد حسن كيلاني: مركز الساحل والبداري.ديوان عندما يذوب الحنين، 2017م.

وقد تم اختيار الدواوين من قبل القائمين على المؤتمر، وإرسالها إلينا، كي نساهم بهذه الورقة في دراسةٍ ورؤيةٍ نقديةٍ؛ علَّها تساهم في تفتيح مسام هذه الأعمال ومعرفة خلفياتها، وكذلك مدى فنيتها وانسجامها مع المعايير والأوزان النقدية والذوقية، وهي عاكسةٌ لمرآة الحركة الإبداعية في أسيوط وتجاذبتها بين التقليدية والحداثة، نتمنى أنْ تحوز الورقة إعجابكم واهتمامكم، وأنْ تقدم رؤية نقدية تدفع بإبداع الشعراء إلى الإمام، وفي النهاية الشكر موصولٌ لكل القائمين على المؤتمر.

مدخل مقترح للقراءة

نحن أمام ستة أعمالٍ شعرية فصيحة، قد يتم دراسة كل عملٍ على حدة مفردا، وهذا سيستنزف الوقت والجهد، ويهدر المقارنة بين الأعمال من أجل معرفة الخلفيات القارة ورائها، ومعرفة تَمَثُل القيم الفنية لدي كل شاعر، فكان حرىٌ بنا أنْ نتعامل بمنهجٍ مقارن( ضمن عدة أطر ومقتربات منهجية) لتحليل وتفكيك الأعمال؛ خاصة بعد أنْ مسحناها مسحًا أوليا فرصدنا عددا من المشتركات بين الأعمال، هذه المشتركات لا تنفي تباينها إنْ في الأسلوب، وإنْ في الطرح، أو حتى التفرد بموضوعات لكل شاعرٍ على حده. وتتمثل هذه المشتركات في:-
الوطن كعامل مشترك أول، حيث لم يخل ديوان من قصائد متضمنة الوطن وما يرتبط به سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
العلاقة بين الذات الشاعرة والأنثى، وهي طابع مميز غالبا للشعر العربي عمومًا.
بعض المسائل المرتبطة بالدين( كالرسوم الميسئة للنبي(ص)) لم يتناولها كل الشعراء( تناولها كلا من الشاعرين: أحمد نادر بهلول ومحمد حسن كيلاني).
وبالتالي رسمنا خطتنا من خلال مسح أيديولوجي للأعمال؛ للبحث في الخطاب الشعري لهذه المجموعة، فالأعمال هي التي فرضت ذاتها، وفرضت طريقة التعامل معها لعدة أسباب:-
أولا: في العلاقة بين الحداثة والكلاسيكية: فباستثناء ديواني: بين مفترق طرق لمحمد علي الأسيوطي، وجدال لوليد حشمت، سنجد في باقي الأعمال سيطرة نزعة كلاسيكية واضحة إنْ في الشكل أو المضمون، مما جعلنا نأخذ الموضوع في سياق جدلي بين الحداثة( التي تعبر عنها قصيدة التفعيلة) وبين الكلاسيكية التي تعبر عنها القصيدة العمودية. وذلك ما كان له الأثر على طريقة التناول الفني للموضوعات المشار إليها، بل والانحياز الفكري والأيديولوجي الواضح لرؤية ٍ معينة.لذا انطلقنا من الفرضية التالية:
" مثلتْ تيمات: الوطن- الحبية- الدين- همًا أساسيًا لأصحاب هذه الدواوين، كلٌ عبر بطريقته وذائقته ورؤيته-الأيديولوجية- مما عكس نفسه على العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون من جهة، والعلاقة الجدلية بين الحداثة والكلاسيكية من جهة أخرى".
لذا سنسعى إلى قراءة ذات مستويين، للتحقق من الفرضية أو نفيها(بشكل كلي أو جزئي، أو اكتشاف جديد تماما عما قلناه)
قراءة خارجية للنصوص: من خلال المنهج التاريخي، لأننا سنتعامل مع الحقبة الممتدة من 2007- 2017م) وهي سنوات صدور الدواوين الستة، وهناك قصائد قبل تلك عام 2007م عكست الأحداث السياسية على مستوى مصر أو العالم نفسها( كما سنرى لاحقا: مثل مباراة مصر والجزائر- أو الرسوم المسيئة- أو يناير وما تلاها...إلخ) ولذلك استدعينا المنهج التاريخي. كما ستتم القراءة الخارجية للنصوص من خلال ربط بنيتها الفنية في سياق بنية أكبر وهي البنية الاجتماعية( وهذا سيتضح في العلاقة بين الحداثة ونقيضها..وهي إشكالية لا تخص الأدب والشعر فقط بل وتخص حركة المجتمع عموما).
قراءة داخلية: عبر التعرف على طرائق التعامل الفني، والعلاقة بين الشكل والمضمون، وما يتربط باللغة ومجمل عناصر القصيدة، مع الأخذ في الاعتبار( جدل العلاقة بين القراءتين) فالقراءة الخارجية تضعنا في جدلٍ مع الشكل، والقراءة الداخلية تجعلنا في جدلٍ مع المضمون، وبين الشكل والمضمون علاقة جدلية، تنتمي إلى بنية أكبر هي البنية الاجتماعية( ومنها البنية الأيديولوجية)، البنية الأيديولوجية مضمون له شكل، يساهم في عملية الاستقطاب داخل الوسط الأدبي، وما ينعكس على بنية الشعر كجزء من الأيديولوجيا ، أو متأثر بشكل كبير بالأيديولوجيا. وعليه سنتناول في النقطة القادمة ماهية الأيديولوجيا بوصفها أكثر المفاهيم استخداما في ورقتنا تلك.
ثانيا: طغيان نزعة كلاسيكية واضحة، وهما ما يضعها في خانة الأيديولوجيا( في الشكل والمضمون) وضمن صراع أيديولوجيات حداثية مع أيديولوجيات ما قبل حداثية!
ثالثا: اختلاف التناول وطريقته وأسلوبه من شاعرلآخر، من شعراء الدراسة، معرفتنا ببعض أشخاصهم، وقراءة أعمال أخرى لهم.
الأيدلوجيا بين السياسة والشعر

قلنا سابقا أنَّ الأعمال هي فرضت طريقة التعامل معها بهذه الكيفية، فلم نشأ أنْ نقحم رؤيتنا وذائقتنا الشخصية عليها من الخارج، ولكن من منطلق دراستنا للعلوم السياسية، وانتمائنا لمدرسة لا تفصل بين الأدب والسياسة؛ جعلتنا نختار أنْ نرى الأيديولوجية في سياق الشعر( والأيديولوجية أقرب للسياسة كموضوع معرفي في حقل الفلسفة السياسية وتاريخ الفكر السياسي وتطوره) والشعر كأحد أشكال الأدب، والأدب كنشاط إنساني، يرتبط بشكل و بآخر بالسياسة، تتمثل في أشكال الانحياز والرفض لموقف أو طريقة ما، وحتى في طرائق وأشكال التناول، والاثنان بالضرورة يتكونان في سياق التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية السائدة(1).
الشاعر ليس ذاتًا مفردةً مفرَّغةً من محتويات مجتمعه وما يحيط به، بل هو ذاتٌ متجادلة مع الجماعة، ومناقضة لها، تتوتر بتوتر الجماعة، ولكنَّ هذا لا ينفي ذاتية الشعر وذاتية الشاعر، فتجربة الشاعر ذات بعدين: بعد ذاتي( خاصٌ بالشاعر) وبعد موضوعي (خاص بالمجتمع أو الجماعة) والنسق الأيديولوجي هو الشابك لتلك العلاقة، اللغة من خلال الشعر( كموضوع لدارستنا) هي المعبر عن الأيدلوجيا، ومعبر عن علاقة الشاعر بالجماعة، والجماعة بالشاعر، يقول الدكتور حاتم الصكر:" ...... وغيرها من المحددات والمظاهر المشيرة إلى البقاء ضمن الدائرة المتصورة مفاهيميا عن الشعر كتعبير وانعكاس
لغوي وصوري عن الجماعة، وما كونته عن طبيعة الشعر ووظيفته وأشكاله."(2)
ومن ثم يصبح الشعر من خلال اللغة، تعبيرا عن أيديولوجيا، فما هي الأيديولوجيا إذن؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه.
ديستان دي تراس، ضابط الفرسان في جيش نابليون بونابرت، الفيلسوف غير المحترف ( 1755- 1836) أول من استخدم مصطلح أيديولوجية، وذلك من خلال كتابه المعنون بالفرنسية( Elements d,Ideologie) وقد ظهر هذا الكتاب في أربعة مجلدات كبيرة بين عامي: 1801- 1815م، وكان يعني بهذا المصطلح : علم الأفكار. ثم أصبح بعد ذلك يشير هذا المصطلح إلى: المذاهب الفكرية المتكاملة، أو الأنظمة الذهنية والعاطفية الشاملة التي تحتوي على مواقف موحدة النظرة وشاملة إزاء العالم والمجتمع والإنسان.
وفي القرن التاسع عشرأصبح المصطلح يدل على: المذاهب والأنشطة الفكرية ذات الاتجاه السياسي.(3)
ومثلت الأيديولوجيا أحد المفاهيم التي تشكل الجهاز المعرفي للنظرية الماركسية، في تشريحها وتحليلها للمجتمع كي يتم فهمه، ثم تغييره تغييرا ثوريًا، فالأيديولوجية هي نسق الأفكار والمعتقدات السائد، الذي يشكل جزءا من المنظومة الثقافية السائدة، وهي جزء من البناء الفوقي للمجتمع، وتخضع الأيديولوجية في التصور الماركسي للانقسام الطبقي الحاصل في المجتمع بفعل تركز الثروة والملكية الخاصة في المجتمع في يد الطبقات السيدة، فهي تنتج أيديولوجيتها من أجل تغطية الاستغلال والقمع والقهر الذي تمارسه على الطبقات المسودة! ومن هنا يأتي الأدب والفن والسياسة والفلسفة والدين والتشريع..إلخ كتعبيرات ومظاهر أيديولوجية لتزييف وعي الجماهير، ومن هنا كان نقد الأيديولوجيا الحاد من قبل التيار الماركسي.
ويعتبر جرامشي أحد أهم الماركسيين الذين ركزوا في رؤيتهم على الجانب الأيديولوجي كرد فعل على (الاقتصادوية) (4) التي انطلق منها بعض المنظرين السوفييت خاصة في حقبة > وقد استخدم > مصطلح أجهزة الدولة الأيديولوجية في إشارة إلى: مؤسسات التعليم ودور العبادة، والأسرة والأحزاب السياسية، بوصفها المؤسسات التي تغذي الأيديولوجيا وتسوقها لدى الجماهير.(5)
إذن الأيديولوجية: هي نسق من الأفكار السائدة ذات روافد متعددة، ترتبط بالتشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية، وتمثل غطاءًا لها عبر الهيمنة الفكرية. والأدب الفن أحد التعبيرات الأيديولوجية، وهنا تأتي وظيفة اللغة بوصفها أداة التعبير والتواصل ومن ثم الخطاب.بعد هذا المدخل المقترح للقراءة، نستطيع الآن أنْ نلج إلى أعمالنا الشعرية( موضوع الدراسة) ولكن قبل ذلك سنعمل على تشكيل تسلسل بالأحداث السياسية المهمة خلال فترة العقد والنصف العقد الفائت، حتى تكون في ذهن القارىء ونحن نقوم بتحليل الدواوين، حيث كان لتلك الأحداث حضورا في بعض إبداعات الشعراء.
كرونولوجيا(6) الأحداث
سنعرض في هذه النقطة لبعض الأحداث المهمة، بشكل سريع.
1- سنة 2000م الانتفاضة الفلسطينية الثانية(انتفاضة الأقصى).
2- 2001م أحداث 11/أيلول(سبتمبر.
3- 2003م الغزو الأمريكي للعراق.
4- 2004 العدو الصهيوني يغتال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية(حماس).
- الرسوم الدينماركية المسيئة للنبي محمد(ص).
5- 2008 العدو الصهيوني يغتال الحاج الشهيد" عماد مغنية" أحد قيادات وكوادر حزب الله اللبناني.
- العدوان الصهيوني على غزة( 31/12/ 2008).
- وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

6- 2009مباراة مصر والجزائر.
7- 2011م انتفاضة يناير، وتنحي مبارك.
8- 2013م الانتفاض ضد الإخوان، ومجيء السيسي.
أحداث أخرى من أبرزها: منع سويسرا للآذان.
هذه أهم الأحداث التي ركز عليها بعض شعراء الدراسة في تناولهم لها، وهي تعكس أثر تلك الأحداث على وجدان الشعراء، وانفعالهم بها، وقد عَبَّرَ كل منهم عنها بطريقته ورؤيته، وحسب خلفياته الأيديولوجية كما سنرى، وهذا لا يعني أنَّ كل الشعراء المدروسين تناولوا ذات الأحداث، فديوان: يا نفحة الأزهار لياسر النجدي لم يتضمن تقريبا أي إشارة لها، لكنه تعرض للوطن في في قصيدتي : وطن(صـ 12) وقصيدة يا سائلا أين العروبة(صـ 86).
أما محمد علي الأسيوطي في: مفترق طرق تعرض بشكل صريح لبعضها، فهو أهدى قصيدة " ومضة" إلى روح الشهيد أحمد ياسين(صـ36)، قصيدة كما تشاء رباعية إلى الشهيد الحاج عماد مغنية، قائد الجناح العسكري لحزب الله( صـ 44).(7)
ويهدي قصيدة احتواء للشاعر الفلسطيني محمود درويش(صـ 52). وقصيدة انتباه إلى المصريين والجزائريين بعد أحداث المباراة الشهيرة( صـ 63).
ديوان عشاق الفجر لأحمد نادر بهلول: هناك أكثر من قصيدة، وهو أكثر الدواوين مثقل بالسياسة وبشكل أيديولوجي: قصائد: جدار العار- أردوغان- غزة تصرخ- تطرف سويسرا- رثاء بطل- يا عراقي- المقاخعة(؟؟) – نداء الأقصى- صراخ الفرات- أنا العراق.
صرخة في وادي الأصنام لمحمد الألفي: جاء متفردا فهو ضم قصائد متنوعة، سنتحدث عنه لاحقا بشئ من التفصيل.
ديوان جدال لوليد حشمت(8) أشار إلى يناير بشكل إيحائي في قصيدة: الصوت ودواعي الصمت(صـ 12،13) .
ديوان عندما يذوب الحنين لمحمد حسن كيلاني، تناول في قصيدته الإسلام بين الرسوم والأفلام( الرسوم المسيئة للنبي والفليم المسيئ) (صـ 21) ، وقصيدة: تحية وتقدير لجيش مصر العظيم( صـ 57).
العناوين( عتبات النصوص)
من المتعارف عليه يمكن أنْ يكون عنوان الديوان، عنوانا رابطا لكل الديوان ومعبرا عن وحدته الموضوعية، وإما أنْ يكون العنوان مأخوذاً من إحدى القصائد المحتواة في الديوان، ونحن نميل إلى عنونة الديوان بعنوان لاضم له معبرا عن وحدته الموضوعية، الوحدة الموضوعية أحد أهم سمات الحداثة الشعرية، فإلى أي مدى تحققت هذه الوحدة؟!
سنرى ذلك الآن من خلال مسح مقارن لعناوين الدواوين، وعلاقتها بعناوين القصائد وما تطرحه من محتويات.
1- يا نفحة الأزهار
ترتيبه الأول من حيث تاريخ النشر، فهو منشور في العام 2007م، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي، فرع ثقافة أسيوط، يضم الديوان ست عشرة قصيدة، في 96 صفحة بالفهرس من القطع الصغير، والديوان هو الأفضل من حيث التدقيق اللغوي والإملائي، يبدأ بإهداء" إلى والدتي الغالية، نبع العطاءـ الذي لا ينقطع، إلى زوجتي الحبيبة التي ولدتُ على يديها شاعرا، إلى ابنتي غيداء نور عيني الذي أبصر به، إلى ابني المهند نبض قلبي، وروح فؤادي، إلى روح المرحوم شوقي أبو ناجي.
إلى الحب والوطن والإنسانية.
أهدي هذه الكلمات" (9)
واسم الديوان مأخوذ من أولى قصائده: يا نفحة الأزهار، هي قصيدة عمودية، تبدأ بـ:
يا نفحة الأزهار أين الموسمُ؟
ظمئتْ عيوني والهوى لا يرحمُ
إني عشقتك زهرةً بريةً
منها الجهول إذا دنا يتعلمُ(10)
الغالب على الديوان هو الشكل الكلاسيكي الخليلي الملتزم بالعروض، وينزع الديوان نزوعًا رومانسيا في جُلّ قصائده الست عشرة، إلا: وطن(صـ 12) و يا سائلا أين العروبة(صـ 86) فتنتميان لتيمة الوطن، واختلفتا في الشكل، قصيدة وطن( قصيدة تفعيلة، جاءت مكثفة وقصيرة) (صـ 12،13).
لا تعجبي
لو قد حملتُ حقائبي.
ومتاعبي.
ورحلت عن تلك المدن!
فلقد ولدتُ على ترابك شاعرا
أطعمتك الحبَ الشهي فبعتني
في سوق عينيك الحسان
بلا ثمن
وكأنني
سأظل أبحث دائما
في أعين الطفل الصغير
وفي ضفائرك ِ المهدلةِ الطويلة
عن وطن.
أما قصيدة: يا سائلا أين العروبة؟ جاءت في شكل كلاسيكي طويل(صـ 86-89).
إني ملأتُ من السنين دواتي
ونفثت في قلمي عبير حياتي
فكأن أشعاري مدادٌ من دمي
ينساب بين جداول الصفحات
.....
أما باقي القصائد جاءت من خلال العلاقة بين الذات الشاعرة والأنثى عبر عدة تنويعات، متناغمةً مع العناوين.(11)
وغلب الطابع الرومانسي على الديوان، من حيث عناوينه مثلا، ومن حيث لغته( التي جاءت رقيقة وصافية، تقترب أحيانا من لغة التصوف) ومن حيث مضامين القصائد،ورغم غلبة الشكل الكلاسيكي بقيوده المعروفة خاصة فيما يتعلق بالإلتزام بالقافية والوزن، لكن الشاعر عوض ذلك بمزج لغته بهذا الطابع الرومانسي فجعل قصائده أكثر شاعرية وجمالا. بل واستطاع الشاعر نسج معارضة لقصيدة الشاعر أبي تمام، تحت عنوان: يوم اللقاء(صـ 59).
قبل أنْ ننهي حديثنا نشير إلى غياب الوحدة الموضوعية للديوان من حيث الشكل، فكل قصيدة مستقلة بذاتها، لكن من حيث المضامين هناك ارتباطات وشجائية بين المضامين وهو: الطابع الرومانسي الذي أشرنا إليه سابقا.وكلاسيكية الشكل في غالبها جاءت متماشية مع كلاسيكية المضمون، ومن ثم بقاء الشاعر في أسر البنية الأكبر وهي بنية المجتمع وطابعها الأيديولوجي، فما هو قار وثابت من تعريفات للشعر بأنه" الكلام الموزون المقفى" لازال له طابع الهيمنة والسيطرة(13)
2- بين مفترق طرق، للشاعر محمد علي الأسيوط
الديوان الثاني حسب ترتيب تواريخ الصدور: بين مفترق طرق، للشاعرمحمد على الأسيوطي، وهو صادر عن أروى للبحوث والنشر عام 2010م.والديوان يقع في 104 صفحة من القطع الصغير، ويضم 22 قصيدة(14)، تنمي من حيث الشكل لقصيدة التفعيلة، وبين مفترق طرق أكثر دواوين المجموعة المدروسة نضجًا وجمالا، فالديوان جاد من حيث الطرح على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون، فهو الأكثر ثورية- إنْ جاز التعبير- على مستوى الشكل( تخلص من قيود القصيدة الكلاسيكية وسطوتها) مما جعل هناك رحابة واتساع أفق في التناول، مما جعل مضامين القصائد على المستوى الجزئي، ومضامين الديوان على المستوى الكلي أكثر عمقًا، وأكثر تماسكا، و أكثر تمردا على الثوابت.
كانت تيمة الوطن حاضرة بقوة.(15) فالوطن يطل علينا منذ أول قصيدة في الديوان، بعنوان: اغتراب، وهي قصيدة معبرة عن حالة اغتراب الذات الشاعرة في الوطن/ البلاد، وهي متماشية مع عنوان الديوان العام( بين مفترق طرق) ولا نعثر على عنوان قصيدة بهذا العنوان، وسنتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل بعد قليل. اغتراب الذات الشاعرة لها بعدين: بعد خارجي، وبعد داخلي، ربط بينهما النص بشكل جيد.
يجيء القطارُ
ويمضي القطار
وفوق رصيف الحقائب
يمتد
وجه البلاد التي أنكرتني
وخاصمني
التوت والنخل والقمح
عند الغياب المفاجىء(16)
المستوى الخارجي للاغتراب: اغتراب مادي من خلال السفر، عبر تصوير حركة القطارات والحقائب، وذلك أدى إلى اغتراب داخلي مؤلم بالنسبة للذات الشاعرة. حيث يقول الشاعر في ذات القصيدة:
معي في الحقيبة
ألف سؤال
وألف انتظار
يعانق طيف الحبيبة حينا
وحينا
يغادر عند المجيء
أحبك
أو لا أحبكِ
ما عاد للبوح معنى
وما عاد للصمتِ معنى(17)
قصيدة استغاثة(صـ 29-33) فهي أشارت إلى وضع الأمة العربية المزري، والعدوان على غزة في عام 2008 و2009م، فالقصيدة هي بمثابة إدانة لخنوع الأنظمة العربية، وجنوحها للتواطىء مع العدو الصهيوني، والنص يومىء لمشروع الشرق الأوسط الجديد( 18)،الذي يتضمن إعادة تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يتناسب مع مصالح أمريكا والكيان الصهيوني.
يقول الشاعر:
السلاح
الأيديولوجي المحرم
والغطاء العالمي
وصمتنا الموبوء
مفتتحٌ
لخارطة الفتوحات الجديدة(19)
ثم قصائد( ومضة: التي أهداها لروح الشهيد أحمد ياسين صـ 36،37- كما تشاء التي أهداها لروح الشهيد الحاج عماد مغنية صـ 44- 48- طائرة ورقيةصـ 60-62- انتباه وهي تدور حول الأحداث التي أعقبت مباراة مصر والجزائرصـ 63-65- بين يدي جمال عبد الناصرصـ 75-77) هذه القصائد هي التي أخذت تيمة الوطن، وتناولت القضية الفلسطينية، وقضية العروبة، وأحوال الأمة العربية، أما باقي القصائد كان مدارها الأنثي ولكن ليس بالشكل الكلاسيكي، ولا المحتوى الكلاسيكي فجاءت قصائدها أكثر تمردا، برؤية مغايرة للسائد من الشعر، سنجد أنَّ المضمون الذي تحرر من التناول التقليدي للقضايا التي ينفعل بها الشاعر قد جعلت الشاعر يلجأ إلى شكل حداثي في التعبير، والانتقال من أيديولوجيا محافظة أدبيا، إلى أيديولوجيا أكثر حداثة وتمردا ورفضا وثورية. فجعل الحبيبة معادل للوطن، والوطن معادل للحبيبة( وهي غالبا تيمة ارتبطت أكثر بشعراء الحداثة من خلالة أنثوة الوطن) وهنا كان اقتراحًا جيدا من الشاعر أنْ يكون عنوانه: في مفترق طرق بين الحبيبة/ الوطن والوطن/ الحبيبة، ومتلازمات الضياع والغربة والألم، والذي ظهر من خلال عناوين بعض القصائد مثل: صرخة صـ 13، اختناق صـ 16، غيبوبة صـ 18..إلخ وهي عناوين على درجة عالية من الفنية كما عنوان الديوان الرئيسي.
لكن رغم ذلك: لم يكن التدقيق الإملائي جيدا، على سبيل المثال صـ 24 ( كلمة انتظار: كتبها: إنتظار بهمزة قطع، وهي وصل) صـ 29 جعل استغاثة: أستغاثة!! وهناك أمثلة أخرى لا يتسع له المجال.
3- عشاق الفجر للشاعر أحمد نادر بهلول
هو الديوان الثالث في مجموعتنا، وهو صادر عن دار أنس الوجود، عام 2012م، ويقع في 78 صفحة بالفهرس، ورغم أنَّ صاحب الديوان في سيرته الذاتية عرف نفسه كمعلم أول للغة العربية، وحاصل على ماجستير... وكم من الشهادات( صـ 76- 77)، إلا أنَّ الديوان من حيث التدقيق الإملائي، جاء سيئا جدا، فلم تخلو صفحة ولا حتى العناوين من أخطاء إملائية.
سأعطي مثالا على عنوان إحدى القصائد ( صـ 40) وهي مكتوبة في الفهرس(صـ 78) << المقاخعة؟؟!!) والقصيدة في الديوان صـ 40، مكتوبة هكذا.<< المقا-خـعة>> وهي تتحدث عن الرسوم المسيئة للنبي(ص) في البدء اعتقدنا أنًّ هناك خطأ مطبعي، ولكنْ وجدنا عنوان القصيدة مطابق لعنوانها في الفهرس( فهرس الديوان) فظننا أنَّ الكلمة لها دلالات فمسحنا المعاجم القديمة والحديثة وحتى باللغات الأجنبية(الإنجليزية- الألمانية- الفرنسية حيث تتوافر لدينا معاجمها وقواميسها) فخرجت صفر اليدين، لنكتشف تبدل الحروف في الكتابة ( حيث تحولت [ط] إلى [خ]) ألم يلحظ شاعرنا ذلك؟ !!
فعندما يكون العنوان مشوشًا، يستدعي بالضرورة تشوش المتلقي سواء القارىء العادي، أو القارىء الناقد. وليس باقي الديوان من ناحية التدقيق الإملائي والإخراج الفني بأحسن حال، كيف لمدرس أول لغة عربية وحاز على هذه الشهادات المسرودة في السيرة الذاتية، وعضوية مؤتمرات ومؤسسات أنْ يغيب عليه تدقيق إملائي جيد لديوان شعر قوامه اللغة ولحمه وعظمه وجلده اللغة! وتتحمل دار النشر المسئولية في استسهال الإصدار بدون تدقيق إملائي جيد.
أخيرا في كل صفحات الديوان تقريبا لم تخل من مشاكل الهمزات، من سيقرأ الديوان سيجد ذلك من الصفحة الأولى، لذا سنضرب صفحا عن ذكر أمثلة، حتى لا نضيع الوقت!
يتكون الديوان من: 27 قصيدة(20)، ذات شكل كلاسيكي، ومضمون كلاسيكي قوامه الوعظ والخطابة أكثر من الشعر، وهذا الديوان أثقل الدواوين بالأيديولوجيا خاصة الدينية، لذا جاء المحتوى جافا ومسطحا، وبعيد كل البعد عن الشعر إلا من حيث الزركشة الخارجية للوزن والإلتزام بالبحور الخليلية. نؤكد كلامنا ببعض أمثلة حتى لا نفتئت على الديوان وصاحبه.
مثلا في رثاء << صدام حسين>> قصيدة بعنوان رثاء بطل (صـ 35)يقول:
يا أيها الصدام أنت مدينةٌ
وقفتْ على أبوابها الشجعان
فيها الرجولة والشهامة جملة
وقضية الأحرار في بيان
وأيضا: في قصيدة يا عراقي (صـ 39):
ارفع سلاحك يا عراقي وانتظر
فالشر قادم والمنايا والخطر
فإخوانك العربان فروا لاأمل
لا ترجو منهم عونا أو تنتظر
وفي موضعٍ آخر( قصيدة: المقاطعة المكتوبة<< المقاخعة>> صـ 40)
إنَّ الكفر وقف ونادي
هيا نهجم على الإيمان
ثم جاء بكل صحيفة
يهتك أعراض الإنسان
نكتفي بهذا القدر من الأمثلة، حيث رأينا سيطرة نزعة خطابية تقريرية مباشرة فجة، يلحظها القارىء الحصيف المتذوق للشعر، ولا يشفع لذلك الإلتزام بوزنٍ وقافية، فمفهوم الشعر أكثر اتساعا وعمقا من حصره في رص كلام وتنميقه بالتقفية والوزن.
رغم أنَّ اسم الديوان( عشاق الفجر) وهو عنوان شاعري، ويشي بالأمل، لما للفجر كذلك من دلالة روحية عميقة في الوجدان الديني الإسلامي، لكن الشاعر لم يستطع توظيف العنوان بشكل فني، فجاءت عناوين قصائده فجة وغير فنية مثل: تطرف سويسر[ صـ 30]( هل هذا عنوان قصيدة أم عنوان مقالة؟ شهر النصر[ صـ 22]: عنوان يذكرك بعناوين الأناشيد المدرسية القديمة- أحبك أنتِ[ صـ 68]... وهكذا)
طغت على الديوان رؤية سياسية وأيديولوجية، حيث تناولت قصائد مثل: جدار العار صـ 3، غزة تصرخ صـ 10، نداء الأقصى صـ 48 موضوعات متعلقة بفلسطين وأحداث غزة، ونضيف لهم قصيدة: أرودغان صـ 8 التي يمدح فيها الشاعر رجب طيب أردوغان الذي كان رئيسا لوزراء تركيا إبان أحداث السفينة مرمرة 2010(آيار/مايو).(21) وقصائد مثل: رثاء بطل صـ 34- يا عراقي صـ 38- صراخ الفرات صـ 60- أنا العراق صـ 64، تناولت ما حدث في العراق بعد الاحتلال الأمريكي 2003م وإعدام صدام حسين في العام التالي. وتطرف سويسرا صـ 34- والمقاطعة( المكتوبة المقاخعة) صـ 40 تناول فيهم موقف الغرب من الإسلام ومن النبي محمد!!.
وقصيدة خيبة أمل صـ 27 تناولت الأحداث المرتبطة بمباراة مصر والجزائر، وجاءت باقي القصائد مرتبطة بالأنثى وكانت ركيكة إلى حد بعيد.
في النهاية: ديوان عشاق الفجر، يشبه القصائد والأناشيد المدرسية شكلا ومضمونًا، وهو ملطخ بأيديولوجيا محافظة جعلتْ المحتوى أكثر خطابية وتقريرية ومباشرة فجة، ولم تكن العناوين بأحسن حالا، رغم جماليات عنوان الديوان بعض الشيء.
4- صرخة في وادي الأصنام، للشاعر محمد الألفي
هذا هو الديوان الرابع في مجموعتنا، هو يقع في 164 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على 77 قصيدة( 22)، في موضوعات شتى وطنية ودينية واجتماعية ورومانسية، وهذا الديوان متفرد في موضوعاته عن باقي الدواوين، ولكنْ لم نعدم من وجود تيمات مشتركة، وهو الأفضل من حيث الإخراج والتدقيق اللغوي والإملائي. ويبدو أنَّ الديوان احتوى على قصائد كُتبت منذ حقب قديمة مثل قصيدة: سحابة على القمرصـ78، مهداة لطلاب وطلبة مصر الغاضبين في 5 حزيران / يونيو 1971م.(23) وقصيدة الألف الثالث سنة 2000م، مهداة إلى شعب الشيشان صـ 89، وكذلك قصيدة فرن المفاعل( التي تتحدث عن ضرب المفاعل النووي العراقي 1981م، صـ 94) وهكذا.
فنحن أمام ديوان يحتوي على قصائد من حقب زمنية مختلفة، أقدم من الحقبة الزمنية التي ندرسها( 2007- م2017) بعضها يعود إلى السبيعينات وحتى الستينات، خاصة أنَّ شاعرنا وحسب سيرته الذاتية كان مجندا من فترة حرب الاستنزاف وحتى حرب تشرين/ أكتوبر 1973م.ولذا أهدى الديوان إلى: "رفاق السلاح شهداء الكتيبة 150 مشاة، لواء 190، فرقة 18 لأبطال العبور العظيم". واحتوى الديوان على مقدمة للدكتورة هيام أبو الحسين، أستاذ الأدب الفرنسي، جامعة عين شمس، المقدمة مكتوبة عام 2001م!!
ليس هناك قصيدة من قصائد الديوان تحمل عنوان: صرخة في وادي الأصنام، لكنْ من خلال قراءة الديوان سنعرف أو نكتشف أنَّ الصرخة هي بمثابة جرس إنذار يدقه الشاعر في المجتمع، وخاصة عندما نعرف السيرة الذاتية للشاعر وهو ينتمي لقرية الهمامية- مركز البداري، وهو مركز له خصوصياته؛ لأنه مثقل بمشاكل كثيرة ما بين ثأر وانتشار الجهل والتخلف والخرافة...إلخ فالصرخة بالأساس هنا في وجه ذلك المجتمع القاسي والحاد الذي شبهه الشاعر بالأصنام! حيث لا أحد يسمع أو يرى، وهذه الصرخة ذات أبعاد وطنية سياسية اجتماعية دينية مركبة، تظهرها عناوين القصائد ومحتوياتها، سنضرب بعض الأمثلة.
حوار مع شهيد صـ 17( أول قصيدة) يقول:
قد عزمنا
لا تقل لي من يعود؟
فأنا أنت
أقسمنا و أشهدنا الشهود.
قصيدة: عرفتكِ حبي، يتحدث فيها عن مصرصـ 23.
عرفتك يا مصر حبي
وحبك يصحبني مثل ظلي
يسافر مثلي وحيدا
يقاسمني
الأمنيات
قصيدة صرخة عربية صـ 31
بني قومي أصارحكم بأني *** ذهبت فلم أجد في النيل ماء
وكنا قد ظننا ماء بردى *** بفيضٍ فيغمر الأرض الفضاء
ولكن خاب ظني فيك بردى **كما خيبت في النيل الرجاء
وهناك قصيدة تشيد بحضارة البداري صـ 48، وقصيدة الزلزال صـ 113( تتحدث عن زلزال 1992 ) وقصيدة في حب آل البيت صـ 130( قيثارة آل البيت).نحن أمام مجموعة متنوعة من القصائد سواء من حيث الزمن، أو من حيث المحتوى والمضمون، وكذلك من حيث الشكل، فنجد هناك قصائد تفعيلة وقصائد عمودية، من القصائد العمودية( حضارة البداري صـ 48- شهر رمضان صـ 75- عيد الغفران صـ 98 ...وغيرها، لكن الغالب هي قصيدة التفعيلة، تميزت لغة الديوان بالشاعرية في معظمها، رغم الرطانة الخطابية والتقريرية أحيانا، لذت تتنازع الشاعر ذاتان واحدة حداثية وأخرى كلاسيكية، لكن تناوله من منظور أيديولوجي لم يفترق كثيرا عن ما سبق( باستثناء ديوان محمد على الأسيوطي، في مفترق طرق كما سنرى في المقارنة لاحقا)، والعناوين في نحتها كانت أقرب للكلاسيكية مثل: حضارة البداري- شهر رمضان- أبا الأنبياء- أمي- جسد وروح- طابا...إلخ العناوين.
5- ديوان جدال للشاعر وليد حشمت ( 23)
يضم: 26 قصيدة، في: 92 صفحة، قطع متوسط،2016م ولكن إخراج الديوان وطبعته سيئة، مع عدم تدقيق إملائي جيد( تفاصيل أكثر في قراءتنا للديوان ملحقة بالدراسة).
ديوان جدال من حيث الشكل هو ينتمي لقصيدة التفعيلة، ولكن هناك وفي نفس الوقت الديوان مليء بالكسور العروضية، فهذا يجعله بين التفعيلة وقصيدة النثر!!
تيمة الوطن تظهر في قصائد: الأغنية صـ 9- الصوت ودواعي الصمت صـ 12- مضاجعة الوطن صـ 18- وفي غالبية الديوان قصائد ذات بعد فلسفي عبثي وجودي أحيانا، مع قصائد الحبيبة المتناثرة( والتي جاءت ركيكة ومستهلكة من حيث تركيب الصورة ومضامينها بعض الشيء) ولكن تبقى قيمة الديوان في تمرده على الشكل والمضمون معًا، وفي طريقة طرحه لهم من قبل الذات الشاعرة.
وجدال عنوان الديوان، هو عنوان لإحدى القصائد في الديوان، جاء العنوان متناغما مع بعض القصائد، وغير متناغم مع بعضها، مما أفقد الديوان جزءا من وحدته الموضوعية( راجع التفاصيل في القراءة المرفقة) .
سننهي حديثنا عن جدال ونترك التفاصيل لقراءة القراءة الملحقة بالدراسة الحالية، لكن سنعود ثانية في المقارنات بعد نهاية تلك الجزئية.
6- ديوان عندما يذوب الحنين للشاعر محمد حسن كيلاني
صادر عن جمعية كتاب القصة بصعيد مصر، 2017م، يقع في 80 صفحة بالفهرس والسيرة الذاتية، ويضم20 قصيدة ( وليس 21 لأن قصيدة المولد النبوي مكررة مرتين)(24) والديوان يحمل اسم أولى قصائده : عندما يذوب الحنين(صـ 5) وهي ذات بعد رومانسي. سنجد الوطن في قصيدة: المحروسة في عيون عشاقها صـ 31، تحية وتقدير لجيش مصر العظيم صـ 57، ثم القصائد ذات الطابع الديني مثل: الإسلام بين الرسول والأفلام صـ 21، مناسك الحج والعمرة صـ 25، المولد النبوي الشريف صـ 41، الروضة المباركة صـ 73، وهناك قصيدة رثاء في عيد الأم صـ 15.
سيطرة على الديوان كما ديوان أحمد نادر بهلول نزعة خطابية وعظية، جعلت الديوان فارغًا من الشاعرية، رغم محافظة الشاعر على الوزن والقافية، لكن كما قلنا سابقا ليس بالوزن والقافية يُصنع الشعر، وها نحن نُمَثَّل على ما نقول حتى لا نكون متجنين على شاعرنا.
مثلا قصيدة: معجزات الرسول الأعظم صـ 25
قديما أشاعوا
ويومي أساءوا
ودوما نعانق غصن السلام
هذا مفتتح القصيدة، وهو ركيك كما تلاحظون.
قصيدة قلب معلم صـ 29
أحب الناس إخوانا
بعيدا عن ديانتهم
وأعشق علم طلابي

قصيدة مناسك الحج والعمرة صـ 25
هي أقرب للنظم منه للشعر، وهذه سمة عامة للديوان، والتي جاءت عناوينه خالية من الناحية الفنية مثل( أغثنا يا الله- الإسلام بين الرسول والأفلام- المحروسة في عيون عشاقها- تحية وتقدير لجيش مصر العظيم...إلخ) فهل هذه عناوين فنية؟ حيث أصبح العنوان مهمًا جدا في الدراسات النقدية الحدثية. كما أنًّ التدقيق اللغوي ليس جيدا!
فبنية الديوان فنيا شكلا ومضمونا جاءت ضمن سياق أيديولوجية محافظة، طغت على الرؤية الشعرية، وأفقدت الشعر تألقه.
بذا نكون قد أنهينا التعرف على عتبات النصوص، من خلال مسح سريع ومكثف لأبرز المضامين في علاقتها بالعناوين، لننتقل إلى المضامين من حيث التيمات التي تحدثنا عنها في مدخل القراءة وهي: الوطن- الأنثى الحبيبة- الدين، وهذا موضوع النقطة التالية.
المشتركات بين الدواوين ومقارنة بين طرق التناول الفني
سنعالج في هذه النقطة العلاقة الوشائجية بين الدواوين بعد أنْ تعرفنا على كل ديوان من خلال النقطة السابقة، ورصدنا لما تضمنه من قضايا وموضوعات، لنكشف عن الخطاب الشعري للشعراء موضوع الدراسة.
وسنتعامل هنا من خلال ثلاثة أطر حددناها في المدخل النظري، وهي:-
1- تيمة الوطن ومجالها السياسة والانفعال بالأحداث، ويمتد الوطن ليشمل حال الأمة العربية والموقف من الاستعمار والصهيونية.
2- الأنثى كتيمة عامة غلبت على الشعر العربي، فصارت موضوعا أساسيا من موضوعات التناول الشعري، فلا يكاج لا يوجد شاعر إلا وله قصائد في الأنثى، أو كانت الأنثى موضوعا أساسيا لديه.
3- الدين كأحد المكونات الرئيسية للوعي، وتحوله إلى أيديولوجيا(كنسقٍ سائد في الخلفيات الفكرية، تعكس ذاتها في الوعي واللاوعي على السواء) .
هذه الأبعاد الثلاثة للتناول هي سنقارن من خلالها أساليب التعامل الفني بين الشعراء الستة، و سكنتفي بقصيدة لكل شاعر في المقارنة، حتى لا نطيل، ولا نتجاوز المساحة، وفي النهاية سنتعرف على النتائج والخلاصة في خاتمة الدراسة.
أولا: تناول الوطن
الوطن: العامل المشترك الأول بين الدواوين الستة، واختلفت طريقة تناول كل شاعر، سواء في طرح مضامينه المتعلقة بذلك، أو حتى شكل التناول.
ياسر النجدي تناول الوطن في ثلاث قصائد فقط هي: وطن صـ 12، إني فلاحٌ سيدتي صـ ،22 ويا سائلا أين العروبة صـ 86. وسنأخذ فقط قصيدة وطن.
وهي قصيدة تفعيلة مكثفة، تتكون من ثلاثة عشر سطرا شعريا، والوطن في هذا النص أنثوي الملامح، كما هو وضح من طريقة الخطاب الشعري، وتتضمن القصيدة عتابا رومانسيا هادئا، في جدلية بين الذات الشاعرة، وبين ذات الوطن الأنثوية، ليمتزج الوطن تماما في الحبيبة( سأظل أبحث عنك/ في أعين الطفل الصغير/ وفي ضفائرك المهدلة الطويلة/ عن وطن)=نهاية النص، انكسار الذات الشاعرة واغترابها أدى إلى كسر الوزن في سطر: وفي ضفائرك المهدلة الطويلة!!
محمد علي الأسيوطي وسنأخذ قصيدة انتباه صـ 63 كمنوذج وسنقارنها مع تناول آخر لأحمد نادر بهلول في قصيدة خيبة أمل صـ 26.
لم تختلف كثيرا طريقة تناول الأحداث التي ترتبت على مباراة مصر والجزائر، فكلتا القصيدتين جاءتا مباشرة وخطابية، لكن محمد الأسيوطي كان الأقدر في التأثير، فقصيدته كانت تفعيلية، كما أنَّ اختياره لعنوان القصيدة(انتباه) كان أكثر توفيقا من عنوان أحمد نادر بهلول، ولعب الأسيوطي على تيمة إيقاعية ارتبطت بلفظة: أحدٌ أحد( وهي تحيل مباشرة على كلمة الصحابي بلال بن رباح تحت سياط تعذيب أمية بن خلف، فكان بلال يردد أحد أحد وهما يضعون الحجر فوق صدره) فالشاعر جعل الأمة العربية معادل موضوعي لبلال بن رباح.
بداية القصيدة:
الله أكبر يا عرب
هل في الجزائرِ
أصبح المصري
رمزا
للصهاينة الجدد
أحدٌ أحد
التبادل بين الدال والباء في القافية، ساعد في تأثيرية القصيدة للفت الانتباه( أنَّ كنانة الرحمن/ تغلق في وجوه الزائرين العاشقين لها الحجب/ هي نكسة من صنع/ إعلام تفنن في النفاق وفي الكذب.)
أما أحمد نادر بهلول فكان طرحه أقل تأثيرا فهو يقول:
شعرتُ بخيبة الأمل الشديد
لهذا الأمر في وطني المديد
فأرض العرب تهتف كل يومٍ
وكل رجالنا صاروا عبيد
ورغم اشتراك الدال بين النصين ، لكن اختلاف طريقة التناول والتجربة وحتى الانفعال بالحدث قد أدى إلى اختلاف الشكل، فقصيدة أحمد نادر بهلول جاءت خطابية أكثر وباردة، رغم خطابية الأسيوطي إلا أنها كانت ساخنة.
محمد الألفي سنأخذ قصيدة يا شعب مصر صـ 144، وهي قصيدة موجهة لشعب مصر في موقفه من (جماعة الإخوان) فهو يعاتب الشعب قائلا:
يا شعب مصر
كفاك الأمس خذلان
فقد سمحتَ
لمن يدعون إخوان
أنْ يمتطوا الصبح قهرا
رغم ما كان
وهي قصيدة تفعيلة، لكنها أتت تقريرية وخطابية، وكان قافيتها ساكنة، فعندما نعود لياسر النجدي في قصيدة وطن التي أشرنا إليها، سنجد أنَّ قصيدة النجدي أكثر عمقا وشاعرية من قصيدة يا شعب مصر، بل أنَّ العنوان ذاته غير فني. أما وليد حشمت تناول الوطن بشكل مغاير لكل من النجدي والألفي، ويشترك مع الأسيوطي في طريقة التناول المتمرد، ويفترق عنه في ذات الوقت، من قصائد ديوان جدال لوليد حشمت، قصيدة مضاجعة الوطن صـ 18، فالوطن عند وليد تحول لموضوع جنسي( من خلال فعل المضاجعة) وهي لفتة متمردة في رؤية الوطن مميزة له، يقول في بداية النص:
في لحظة عشقٍ
تتجلى آهات المعنى
تسكن جانحة الأشواق
يلهم قلمي
بيتا
من أبيات الشعرِ
يجري مداده
على الأوراق
وهكذا يتمدد لدينا معجم شعري بإيحاءات جنسية بطول القصيدة( ...أم أنَّ لون الوطن المشتاق/ أم أنَّ الجنس بالوعته/ أدمى كل الأشياء/ اقترب من شفتاها/ رويدا تسكن كل الأصوات...)وهكذا حتى آخر النص نجد هذا المعجم الجنساني؛ ويبدو أنَّ سبب ذلك فنيا: تأكيد الشاعر على مدى أزمة ذاته وتوتره مع ذات الوطن(الأنثوية هنا) الوطن الذي يقتل محبيه، وهنا سيضعنا في مواجهة اسقاطات سياسية تتعلق بالثورة ومضامينها من حرية وعدالة اجتماعية( فيسقط الشاب/ ممتشقا/ موقفه الثوري/ في وجه الأغوات/ ويداعب صدر حبيبته) ولهذا نعتبر تفرد وليد حشمت في تناول مثل هذه القضايا هو الأفضل بـ محمد حسن كيلاني وأحمد نادر بهلول ومحمد الألفي
فلو أخذنا قصيدة: المحروسة في عيون عشاقها صـ 31 لمحمد حسن كيلاني، لوجدنا تقليدية في التناول على مستوى المضمون والشكل يقول:
مصر التي ذاب الحنين بقربها
والنيل يجري في ربوع ثراها
انظرْ إلى ما قال عشاق الهوى
في مصر حتى ترتمي بهواها
ورغم أنَّ الشاعر حاول أنْ يعوض ذلك من خلال قالب رومانسي رقيق، ونجح في ذلك لحد كبير من منتصف القصيدة وحتى آخرها، حيث بدأت الحالة الشعرية تطغى والانفعال يزداد. ولكن تبقى أزمة التناول في الإطار العام الذي ذكرناه سابقا.
هذه كانت نماذج سريعة من خلال تيمة الوطن بين الشعراء، لننتقل حالا إلى الأنثي ثم الدين.
ثانيا: تناول الأنثى
الأنثى في عمومها مثلت الهم الأول للشاعر، ولعبت الحبيبة دورا كبيرة في حياة الشعراء؛ لذا لا يوجد شاعر لم يكتب عن تجربته في علاقته بالأنثى، وفي حالتنا تلك سنجد الشعراء الستة كانت لهم رؤية بالنسبة للأنثى وتصوير مشاعرهم إزائها. قصيدة يا نفحة الأزهار لياسر النجدي وهي أولي قصائد ديوانه كانت الأكثر قوة وجمالا وتأثيرا صـ 7، خاصة في مقاطعها الأخيرة، تحيلك مباشرة إلى قصائد التصوف والرقائق يقول:
فأنا شهيدك في الصبابة والجوى
وأنا الشقي في وصالك أنعمُ
لو كان يُعبدُ كائنٌ لجمالهِ
لعبدتُ وجهك عندما يتبسمُ
ولقمتُ عند الناهدين مصليا
ولطفت ساحات اللمي أترنمُ
قصيدة ( قصيدة لم تكتمل لمحمد علي الأسيوطي) لها رأي آخر، فالذات الشاعر تشعر بفجوة بينها وبين الحبيبة( المسافة بيننا/ تزداد بعد) و بسبب ذلك لم تكتمل قصيدة شاعرنا، فسماها قصيدةُ لم تكتمل، وهي قصيدة تفعيلة مكثفة، فإذا كان النجدي يصف حالته في علاقته بالحبيبة، ويتحدث عن جمالها الذي لا يضارعه جمال، فإن الأسيوطي يتحدث عن ألم البعد والفراق يقول:
ليس سهلا أنْ أطير
بغير أجنحةٍ إليكِ
والمسافة بيننا
تزذاد بعدا
كلما ابتدأ المسير

ليس سهلا
أنْ أغني
والغناء محرمٌ
والأمسيات
على رفات
الليل ثكلى

لو أخذنا قصيدة لقاء كمنوذج عند أحمد نادر بهلول
صـ 13لوجدنا الطرح أكثر في الشاعرية، وأقل في الجودة،فهو يقول:
نثرت الورد من حولك
فهب العطر من أجلك
وكنتِ لنا رياحين
أريج العطر من حبك
فلم تخرج القصيدة عن التقاليد الشعرية المعتادة، أما محمد الألفي قصيدة العيون المرافىء صـ 105.
إني أسكنتك في قلبي
عشقا للحزن وقد أعذر
عيناك بحار فاتنتي
أنوي الإبحار وقد أحذر
شفتاك كئوس من خمر
من يشرب منها قد يسكر
وهي قصيدة جميلة، لكنها لم تخرج عن التناول التقليدي للأنثى، أهم ما يميزها هو الإيقاع العذب وتأثيريتها الأخاذة؛ لطرواة اللغة.
وليد حشمت في قصيدة جدال صـ 16 الأنثى في صورة مريم واسم مريم(راجع قرائتنا لديوان وليد حشمت) كان التناول جميلا، ولكن بمنظور آخر يختلف عن باقي الشعراء، لأنه استدعى اسم مريم( والاسم مرتبط بالطهر) يقول:
وبين دفاتر مريم
أبحث عن شيء مفقود
يحتوي ذاتي
التي بعثرها
اللاشيء
والمستحيل
فالجدال هنا بين ذات الشاعر، وذات مريم(الأنثى) قد يبحث عن الطهر الذي افتقده في الأنثى مثلا؟ قد يكون.
لو أخذنا قصيدة عندما يذوب الحنين لمحمد حسن كيلاني صـ 5، لم يختلف تناوله عن تناول بهلول أو الألفي، وككل التناول التقليدي للأنثى.
تصارحني الأنامل
في قيود
لظلم قد تفشى
في ثراها
ويقرب دون أن يأتي بقلبٍ
ويحسب بالأساور
قد سباها.

ثالثا: الدين
سنأتي إلى التيمة الثالثة وهي المتعلقة بالدين، كأحد تمظهرات الخطاب الشعري الدواوين موضوع الدراسة، وعندما نقول الدين: نقصد تناول قضايا لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، أو حتى استخدام تيمات من قبل حقل الدين سواء من خلال المعجم الشعري، أو استدعاء، أو تناص، أو كلام مباشر...إلخ
ياسر النجدي عنون قصيدة له في الديوان بعنوان صلاة الغضب صـ 80، فأضاف لفظ الغضب إلى لفظ صلاة، ودعا لإقامة تلك الصلاة على ( ساحة من بساط اللهب) فصلاة الغضب هنا تبدو كثورة يدعو إليها الشاعر من أجل الأوضاع المزرية لأمتنا العربية.
ونمنا على عارنا وانتشينا
بكأس من الذل يا للعجب
ففي كل يومٍ دماء تُراق
أو أرض ٌ تُمزق أو تنتهب
ولا يشغل الناس إلا الأماني
كأنَّا استعدنا بلاد العرب!
فالشاعر استخدم مفردة صلاة وتفجيرها من أجل تصوير وضع الأمة العربية، وقد نجح الشاعر في توظيف اللفظة جيدا.
ومن ظلال الدين أيضًا: قصيدة محمد على الأسيوط: صرخة صـ 13 حيث يقول:
وعلمنا
أنْ نرى الله
في كل شئ
وأسرى بأوراحنا المجهدة
ولكن الصدى المباشر للدين سنجده أكثر وضوحًا عند كل من: أحمد نادر بهلول( مثلا قصيدته المقاطعة صـ40)، ومحمد حسن كيلاني (مثلا قصيدته الإسلام بين الرسوم والأفلام صـ 21).
والقصيدتان من الناحية الفنية ضعيفتان، وتناولهما للموضوع جاء مسطحا وتقريريا جدا، ومتأثر بشكل كبيرٍ بأحابيل الدعاية الإعلامية( الإعلام كأحد مصادر نشر الأيديولوجيا وتجذيرها).
وسكتفي بمقطع لكل شاعر منهما في هذه النقطة، مع ضرورة التأكيد على عدم اعترافنا بفنية العناوين. فهل يجوز فنيا أنْ نسمي قصيدة الإسلام بين الرسوم والأفلام؟ يمكن قبول كلمة المقاطعة كعنوان، لكن لوكانت مُنْكَّرة لكان أفضل.
من قصيدة المقاطعة
إنَّ الكفر وقف ونادي
هيا نهجم على الإيمان
ثم جاء بكل صحيفة
يهتك أعراض الإنسان
لم يتكلم أحدٌ أبدا
أو يهجو هذا الشيطان
أين الشعر هنا؟!
من قصيدة الإسلام بين الرسوم والأفلام
رسومٌ تسيء بحق رسولي
وهم مبصرون
ولكن لئام
فمهما أساءوا
ولو أنْ أفاضوا
ومهما
تعالى نباح السقام!!!
لم يختلف طرح كيلاني عن بهلول، وهما أقربا الدواوين إلى بعضهما في التناول والشكل.
محمد الألفي: تناول عدة مسائل دينية أو مرتبطة بالدين، لكنه لم يتناول مثلا قضية الرسوم أو الآذان الذي مُنع في سويسرا، هناك أكثر من قصيدة في الديوان مثل( أبا الأنبياء- الهجرة- شهر رمضان- قيثارة آل البيت-أم هاشم)
وهو كما قلنا ديوان متفرد بذاته في تعدد موضوعاته، وطريقة تناولها. مثلا في قصيدة أبا الأنبياءصـ 35 يقول:
تسلط فوق الرؤوس البلاء
غدونا هباء
إذا لم نكن خير أمة
كما قال عنها الكتاب
غدت كل أيامنا كربلاء
و إن خلا ديوان جدال لوليد حشمت من مواضيع دينية، لكنه لم يخل من استخدام رموز دينية كـ مريم في قصيدته جدال، ولاحاجة بنا لإعادة ما قلناه عنها هنا ثانيًة.
نتائج وملاحظات عامة في قالب خاتمة
بعد هذا التطواف، والذي نعتبره مبتسرا، وكان يحتاج لكثير من العمل؛ لكن نحن محكمون بإطار معين، ولا نريد أنْ نطيل أكثر من اللازم، نستطيع الحديث عن الخلاصة وأهم النتائج التي توصلنا إليها، مع بعض الملاحظات العامة.
1- تحققت الفرضية التي وضعناها في المدخل المقترح للقراءة في بعض جوانبها ولم تتحقق بشكل كامل، لأنَّ ديوان صرخة في وادي الأصنام لمحمد الألفي كان مختلفا كثيرا عن باقي دواوين المجموعة.
2- في الجزء المرتبط بالبعد الديني لم يتحدث عن الرسوم المسيئة للرسول إلا أحمد نادر بهلول، ومحمد حسن كيلاني.
3- ديوان ياسر النجدي يا نفحة الأزهر أيضا جاء متفردا عن باقي المجموعة.
4- كل من محمد علي الأسيوطي ووليد حشمت هم الأقرب لقصيدة التفعيلة المتمردة.
5- ديوان محمد الألفي( صرخة في وادي الأصنام) وديوان ياسر النجدي( يا نفحة الأزهار) مزجا بين قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية، ولكن بشكل أكثر نضجا عند النجدي، وكلاسيكي بعض الشيء عند الألفي.
6- كل من أحمد نادر بهلول، ومحمد حسن كيلاني الأقرب لبعضها من ناحية الطرح والصياغة، والمشترك الأكبر القضايا الدينية المباشرة.
7- كان الوطن وكانت الأنثى هي المشترك بين الجميع، ولكن اختلف أسلوب التناول والتصوير.
8- إذا أعادنا ترتيب الدواوين من حيث الجودة: بين مفترق طرق لمحمد الأسيوطي- يا نفحة الأزهار لياسر النجدي- جدال لوليد حشمت- صرخة في وادي الأصنام لمحمد الألفي- عشاق الفجر لأحمد نادر بهلول- عندما يذوب الحنين لمحمد حسن كيلاني. مع ملاحظة أنَّ قيمة الديوانين الأخيرين من الناحية الفنية متواضعة.
9- لعبت الأيديولوجيا من خلال الخطاب الشعري دورها في التأثير على طريقة التناول: فكلما كان الشاعر قريب من أيديولوجيات محافظة فكريا يكون أقرب للتناول الكلاسيكي شكلا ومضمونا( هذا تحقق عند كيلاني وبهلول بدرجة كبيرة، والنجدي بشكل أقل، ومحمد الألفي) أما كلما اقترب الشاعر من أيديولوجيات تقترب من الحداثة تنعكس على تناوله شكلا ومضمونا وهذا ما تحقق لدى وليد حشمت ومحمد على الأسيوطي، مع الأخذ في الاعتبار نضج تجربة الأسيوطي أكثر.
10- عانت الدواوين من مشاكل في التدقيق الإملائي، نتمنى في المستقبل أنْ يكون هناك اهتمام بالتدقيق الإملائي وعدم تركه هكذا.
حواشي وهوامش الدراسة
1- عن مفهوم التشكيلة الاقتصادية- الاجتماعية، راجع: جيرار بن سوسان وجورج لابيكا(محررارن)، معجم الماركسية النقدي، ترجمة جماعية، الطبعة العربية،[ صفاقس(دار محمد علي للنشر)، بيروت( دار الفارابي) 2003م] صـ :430- 433( مادة تشكيلة اقتصادية- اجتماعية).
وراجع أيضا في هذا الإطار: ممدوح مكرم: عن الأدب والسياسة، مجلة اللقاء، [أسيوط، م، فرع ثقافة أسيوط ،عدد 22، 2017م] صـ :3، 4.

2- حاتم الصكر: في غيبوبة الذكري: دراسات في قصيدة الحداثة، [كتاب دبي الثقافيةعدد 31، ديسمبر، 2009م] صـ: 94،95 بتصرف.
3- سامي خشبة: مصطلحات الفكر الحديث[ القاهرة، مكتبة الأسرة، 2006] ج1، صـ: 103، 104، ( مادة أيديولوجيا).
ونقترح كذلك قراءة مادة أيديولوجيا في: معجم الماركسية النقدي( مرجع سبق ذكره) صـ 224-237.
4- الاقتصادوية: مصطلح يُستخدم في الأدبيات الماركسية، ويقصد به: تلك النزعة التي تركز على الاقتصاد، وهي نزعة سادت في أوساط البلاشفة الروس، قالت بهيمنة المجال الاقتصادي على المجالين السياسي والفكري، ونقدها لينين بحدة في كتابه الشهير: ما العمل؟ .
5- عن أجهزة الدولة الأيديولوجية راجع: ممدوح مكرم: الوظائف الأيديولوجية للدولة، مقال منشوار على موقع الحوار المتمدن.
6- الكرنولوجي: مصطلح يُستخدم يشير إلى التسلسل الزمني للأحداث، وهو يستخدم في الدراسات التاريخية، وما يرتبط بها.
7- ليس هناك – كما توهم الشاعر- جناح عسكري لحزب الله، حزب الله ككل كتلة تنظيمية واحدة، لا فصل بين جناح عسكري وآخر سياسي، هذا موجود في البنية التنظيمية لفصائل المقاومة الفلسطينية( هناك مستوى سياسي وآخر عسكري).
8- ممدوح مكرم: جدال وليد حشمت بين الحركة والسكون، قراءة في قصائد مبعثرة، موقع الحوار المتمدن.
9- ياسر النجدي: يا نفحة الأزهار( ديوان شعر)[ أسيوط، إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي، 2007] الإهداء صـ 6.
10- مرجع سابق صـ 10.
11- عناوين قصائد يا نفحة الأزهار:يا نفحة الأزهار- وطن- أنغام جنائزية- إني فلاح سيدتي- أنشودة السكرى- موسمك الأخضر- أنشودة الهاوية- رسالة لامرأة لا أحبها- على الهوى يتكبر- يوم اللقاء- مضى الحرمان فاسقني- حين أحبك- هاهنا سار خطانا- صلاة الغضب- يا سائلا أين العروبة؟- طواني الغرام.
12- راجع هذه الإشكالية بتفاصيلها في: صلاح فاروق العايدي: تحولات القصيدة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين[ القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2007] صـ : 25-37.
13- عناوين قصائد ديوان بين مفترق طرق: اغتراب- صرخة- اختناق- غيبوبة- انتظار- استغاثة- قصيدة لم تكتمل- ومضة- ليس بعد- كما أنت- كما تشاء- صدفة- احتواء- ظمأ- طائرة ورقية- انتباه- من وراء المشربية- بين يدي جمال عبد الناصر- احتمالات- ملاذ من سراب- قصائد ليست بالقصيرة.
14- عندما نقول تيمة الوطن، لا نقصد الوطن بالمعنى الدراج، المتعلق بمصر كوطن، بل نقصد القضية الوطنية بمعنى أوسع( التحرر من الاستعمار والتبعية، والقضية الفلسطينية) وما يرتبط بذلك من أحداث ومواقف، وكذلك ربطه بنضال اجتماعي ضد الرأسمالية كمنظومة نهب وقمع واستغلال.
15- محمد علي الأسيوطي: بين مفترق طرق( ديوان شعر)، [أروي للنشر والتوزيع، 2010م] صـ: 9.
16- مرجع سابق صـ 10.
17- عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلاقة، راجع: خطاب الفوضي البناءة في الشرق الأوسط(ملف): مجلة حوار العرب[ بيروت، مؤسسة الفكر العربي، السنة الأولى، عدد 12، تشرين ثاني 2005م]، صـ: 33-93.
18- بين مفترق طرق( سبق ذكره صـ 31).
19- قصائد ديوان عشاق الفجر، راجع فهرس الديوان.
20- نخالف الشاعر موقفه من أرودوغان، فالشاعر بنى موققه بشكل أيديولوجي، وانطلاقا من رؤية إسلاموية، وهذا تزييف لوعي المتلقي, أرودغان كان ولا يزال جزء من الناتو، ولم يقطع علاقته بالصهاينة، هو المسئول عما جري ويجري في سوريا.
وعن تركيا وأرودغان نقترح قراءة: ياسر أحمد حسن: تركيا، البحث عن مستقبل، [القاهرة، مكتبة الأسرة، 2009]، صـ :190- 228.
21- راجع فهرس ديوان صرخة في وادي الأصنام.
22- عن انتفاضة الطلاب في بداية السبيعينات راجع:
غالي شكري: الثورة المضادة في مصر،[ القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2011م]. وكذلك:
هشام مبارك: الحركة الطلابية، محاولة للفهم، ط2 [مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 2008] .
23- هناك دراسة قمنا بها لهذا الديوان، أشرنا إليها في الحاشية رقم 8، وسنرفقها بالدارسة الحالية.
24- انظر فهرس الديوان.
ملحق( جدال وليد حشمت بين الحركة والسكون، قراءة في قصائد مبعثرة)

جدال وليد حشمت بين الحركة و السكون
( قراءة في قصائد مبعثرة)
" أما التحليل فهو درجة أعلى من درجات الاقتراب من النصوص، فهو يقوم على افتراض مقابل تضمنه الكتابة الشعرية، فإذا كان التحليل انجاز قراءةٍ ومحصول احتكاك القارىء بالنص، أي مهمة جمالية خالصة، فإن التركيب الذي يقابل الفاعلية، هو التشكل النصي الذي ينجزه الشاعر فنيًا"
[ حاتم الصكر، ترويض النص، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007م،صـ5.]
" وأطير مثل سحابةٍ
فكت خيوط الله
من يدها
ولفتها على عنقٍ لها
وتعلقت
[ الشاعر << وسام دراز>>]
هذا هو الديوان الأول، الذي يصدره الشاعر وليد حشمت، والذي حمل عنوان<< جدال>> والذي يضم: 26 قصيدة، في: 92 صفحة، قطع متوسط.
مكونات الديوان
1- إهداء:" إلى منْ يقاسموننا الخبز و الألم" ولهذا الإهداء إيحاؤه، فهو يحيل إلى غياب العدل، وتسيد الظلم، فاقتسام الخبز والألم يرتبط بهذا المجتمع الطبقي، الذي يلهث فيه الجميع نحو إشباع حاجاتهم الأساسية بشق الأنفس.
2- ثم الـ 26 قصيدة( 27بقصيدة مكررة مرتين:<< الشعر>> وهو من سلبيات الطباعة و الإخراج!!
3- الصفحة الأخيرة قبل الغلاف، كتب عبارة: " الشعر هو الحياة السرمدية، التي نعيش داخل أحرفها، لكي نستنشق في ولهٍ، عبير الحياة" وهو تعريف للشعر من وجهة نظر الشاعر والذي عبَّر فيها عن رؤيته للشعر من خلال قصيدة تحمل عنوان << الشعر>> صـ 77، 78، حيث يقول:
أكتب الشعر سبيلا
للحرية
أتنفسه براحًا
تحلِّق فيه
حروف البوح
......
......
هنا يستخدم الشعر للبوح وللتنفيس، وهو ما يعكس لازمة عصابية لدى الشاعر، الذي يتجرع الألم، والحيرة، و الوحدة، ويشرب من وساوس الأسئلة المؤرقة ذات المغزى الوجودي، ملجومة برومانسية؛ لكنَّ هذه الرومانسية
ساذجة ولم تخرج عن التقليد.فهو يقول في قصيدة<< أيا وطني>> صـ 72
...
من الحنين
حتى أستعيد
حلم طفلي
بالأمان
وبالأمل
حتى أجابه
غدي
بالعلم
و بالحياة
.....

جدال : ودلالاتها، وعلاقتها.
( بنية الديوان الفنية)

اسم الديوان << جدال>> والجدال كما هو معروف يشي بالحركة و الانفعال، تعالوا بنا نتعرف على الكلمة من حيث مدلولها القاموسي(المعجمي) ثم نرى لأي حدٍ حمَّلها الشاعر ما يريد، مع محاولة ربط العنوان بالقصائد الأخرى، و البحث عن ظلال لهذه المفردة اللغوية ، التي هي عنوان الديوان.
يقول الجوهري في الصحاح( تاج اللغة، وصحاح العربية) طبعة دار الحديث، القاهرة، في معني الجدل، صـ 169 : " جَدَلَ: الجدِلُ: العضو، والجمع:الجدول، والأجدل: الصقر، و المِجْدِل: القصر، ومنه قول الكُميت:
(الطويل)
مَجادلُ شدَّ الراصفون اجتدالها
وقال الأعشى( السريع)
في مجدلٍ شُيِّدَ بنيانه يَزِلُ عنه ظُفُرُ الطائرِ
والجَدَالُ: البلح إذا اخضر، واسترق قبل أنْ يشتد بلغة أهل نجد.
..... ويقال طعنه فجدله أي: رماه بالأرض، فانجدل أي: سقط، وجادله: إذا خاصمه، مجادلةً وجدالًا، والاسم الجدل: وهو "شدة الخصومة" انتهى بتصرف.

في قصيدة جدال، والتي هي عنوان الديوان، يستدعي الشاعر اسم << مريم>> وهو ما يحيل إلى المورث الديني في علاقته بالاسم، وحتى وإنْ لم يقصد مريم البتول بشكل مباشر، فهو استدعاء للطهر، الذي يفتقده الشاعر في الأنثي( موقف سلبي من المرأة: سندلل عليه)، مع الأخذ في الإعتبار الدلالة الصوتية لاسم مريم( حرف الميم في ارتباطه بالأمومة= أم، ماما، ما، وكذلك بالماء: مو، ماء،مي.. ) ومريم من حيث دلالاتها ترتبط بالطهر، والانقطاع للعبادة في الموروث الديني الإبراهيمي، وفي النزعة المضادة يرتبط مفهومها بالخطيئة.
يقول: صـ 16
و بين دفاتر مريم
أبحث عن شيءٍ
مفقود
يحتوي ذاتي
التي بعثرها
اللاشيء
.....
.....
وبين ظرف مكان: هو دفاتر مريم، تشي بالغياب، شيٌ ما يغيب<< أبحث عن شيء مفقود>> الجدال بين دفاتر مريم، و بين الشاعر، فهنا الخصومة ( بالمعنى اللغوي) الشاعر ذو الذات المبعثرة( النزوع الوجودي الذي أشرنا إليه سابقًا) هل يبحث الشاعر عن الطهر؟ أم عن العهر؟ هنا مكمن الصراع ( بين الأنا الأعلى، واللاوعي) بين الظاهر و المكبوت، وكلها جداليات متجادلة مع بعضها، هي مبعثرة، حتى أخذت طابع اللاشيء!
و يؤكد ما قلناه قوله: صـ 17
...
أو من قلوب العذارى
فتخونني السويعات
و لا أجدك
....
....
العذارى: جمع عذراء، تحيل على مريم ودفاترها، ولكنه لا يجدها، إنه الكَلم(الجرح) الذي أصاب الشاعر ماديًا ومعنويًا، وهناك نزعة مبطنة بموقف من المرأة، تحدده نهاية القصيدةـ بعد قنوط الشاعر.
قلبي
ما عاد ككل القلوب
تسير وئيدًا
تسير بعيدًا
تسيروقد يخدعني
المسير
قلبي الذي
ما ذاب
إلا عشقًا
ولم يحتمل
هذه هي القصيدة التي عَنون الشاعر بها الديوان، فالجدال والجدل، كما هو معروف في الفلسفة الهيجلية، والماركسية من بعدها( تمثل الجناح الثوري فيها) يرتكز على وجود طرفين، بينهما وحدة وصراع(تناقض) في ذات الوقت، وهو ما تنتج عنه الحركة( ما يُعرف بوحدة وصراع الأضداد) هنا في القصيدة: مريم والشاعر، الشاعر وذاته، مريم(الطهارة، مريم الخطيئة)، ولكن رغم اللفتة الفنية، لم يوفق الشاعر بشكل كبير حيث :-
1- خفت الإحساس
2- اختل الوزن( بداية القصيدة) تفعيلة، وباقي القصيدة تفعيلة أخرى!
3- هناك استاتيك أو سكون، كان يمكن أنْ تكون القصيدة درامية أكثر من ذلك.
4- هناك علاقة بنيوية بين قصيدة "جدال" و قصيدة "بين وترين"، في بين" وترين" نجد جدالاً بين العود والجيتار، كرمزين، الأول للأصالة( باعتباره آلة شرقية من آلات التخت الشرقي/العربي) الثانية(الجيتار) كرمز للتغريب، و بينهما حالة الحيرة المرتبطة بفكرة الهوية، وهنا يمكن أنْ يكون النقد الثقافي أحد المقاربات المنهجية لفهم بنية هذه القصيدة- بين وترين- بعد تفكيك خطابها، ونبراتها الصوتية.صـ 65.

5- وهناك قصيدة << المواجهة>> صـ 50، وهي تصور العلاقة بين الذات وذاتها( جدال) من خلال آلية الرؤية في المرآة، مواجهة(المواجهة جزء من الجدل) بين ذات الشاعر المنقسمة، وهي تصور صراعًا داخليًا، يرتبط بمحاور عديدة داخل النصوص، من حيث إما طرح وجودي، أو متعلق بالمرأة في شكل رومانسي كلاسيكي، أو متعلق بالوطن من خلال طرح ثوري كلاسيكي أيضًا، كما سيتضح. يقول صـ 51:-

تمتلء بالفضيلة
أسراب أحلامنا
يتسربل بالفضيلة
و عندما أصحو
من إغفاءاتي القصيرة
ارتضى في فخرٍ
أفعال الرذيلة
....
6- علاقة بنيوية أخرى بقصيدة<< تتابعات التواقيت>> حيث حركة الزمن، وهي من أفضل قصائد الديوان( مع قصيدة أنين الفرح، وبين وترين، وفلك الذات)، في اللوحة الأولى من التتابعات الظهيرة خلف الصباح، اللوحة الثانية: العصر خلف الظهيرة، اللوحة الثالثة: الغروب بعده الأفق، ويظل الزمن مفتوحًا، في اللوحة الرابعة:" الليل ينصف حلمي" والقصيدة/النص تتكأ على الإغتراب كأحد مقولات الفلسفة الوجودية بشكل خاص، والتي تنسج منه مدرسة اللامعقول والعبث أدبها، فهو يقول مثلا :
....
تجترني سحابات الضياء/ يجرحني احمرار السماء/أخرج في جحيم شوارع الإغتراب/ فتتوه نبضاتي بين الضلوع/ ف. أ.ت.و.ه!!
7- قصيدة الديوان الأولى<< قالت>> التي تكونت من مقاطع خمسة، تدخل ضمن نطاق الجدال، في كل مقطع نجد صوتان يتحدثان، الذات الشاعرة وأنثى.
8- قصيدة<< عصفور>> التجادل بين العصفور و النسر، وكلاهما رمز، يمكن أنْ يكون هناك فهم مفتوح لهذين الرمزين، الأول للخير، و الثاني للشر، أو الوطن، وأعداء الوطن، أو الحرية، وقاتلوا الحرية ..إلخ صـ 22.
9- في فلك الذات: تعبر عن جدلية الحركة في المكان، وهي قصيدة ذات مغزى و جودي عبثي، صـ 27.
أجملنا في السابق العلاقات البنيوية بين عنوان الديوان<< جدال>> وبين عناوين ومضامين القصائد الأخرى، حتى نرى مدى تناسق الديوان من الناحية الهارمونية، رغم جود قصائد خافتة وساكنة لا تتناسب مع قصائد الجدال والحركة( قصيدة توحد صـ 25، درب صـ33، حمق ص41، قبل الفراق صـ 59، حالة صـ 68 ) يمكن إعادة ترتيب الديوان في سياق آخر وبشكل آخر.
هذه القصائد المذكورة هي قصائد عادية من حيث بنيتها الفنية، ومضامينها، وتشترك معها قصائد الوطن( بعضها) التي جاءت مباشرة و تقليدية.
نظرةٌ عامةٌ للديوان
عانى الديوان من كثرة الأخطاء الإملائية، وهي كثيرة خاصة في الهمزات والالتباس بين الهاء المربوطة والتاء المربوطة، فلم يتم تدقيق إملائي جيد قبل الطباعة، ومن هذه الأمثلة:
صـ 5، 11، 16، 18،23،22، 24، صـ 90 ( حيث جعل المشتاقة بالهاء!) في ذات الصفحة خطأ آخر: يرتج ماؤها، جعل الهمزة على سطر، وهي على واو لأنها فاعل، و الهمزة على واو علتها في الضم، وفي صـ 83 خطأ نحوي في: قلبي و(وحيدًا) جعلها منصوبة، وهي مرفوعة(قلبي وحيدٌ)، في صـ 72 ( حتى استعيدُ) وهي فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مسبوق بأداة النصب <<حتى>> هذه كانت على سبيل المثال وليس الحصر، الديوان يحتاج لتدقيق جديد.
من حيث الوزن والعروض، الديوان لم يكتمل في ذلك، هناك كسور وهنات عروضية كثيرة، تداخل بين التفعيلات المتقاربة( من حيث حركاتها وسكناتها) وهو ما يسبب بعض النشاز والخفوت الموسيقي في غالبية الديوان، قصيدة" مضاجعة الوطن" صـ 18، الأكثر فجاجة في الكسور العروضية!( وهذا مستوى آخر للدراسة يخرج خارج نطاق دراستنا الحالية).
هناك قصائد تتميز بضعفها في الديوان ( شبق، صمت، إليكِ، صوتك، توحد، حالة، درب، حمق، يوم) الضعف من حيث المضامين المطروحة، والصور العادية، و المباشرة، خفوت الإحساس الشاعري.
الصورة الشعرية: في غالبها جاءت عادية، فقدت دهشتها وإبهارها، وهو أضفى على الديوان طابعًا عامًا من الرتابة لا يتناسب مع عنوانه ومضامينه، وعلة ذلك انفصال بين القيم التعبيرية، والشعور، حيث بدا هناك حالة من حالات البرود الانفعالي طغت على الديوان، اللهم إلا بعض القصائد التي أشرنا إليها في علاقتها بعنوان الديوان، مع ملاحظة ضعف و فقر قصيدة العنوان!!
هناك عناوين للقصائد لم يكن الشاعر موفقًا فيها(وقالت، الأغنية، الشعر، صوتك، درب، السرمدي، المواجهة، إليك، شبق) العناوين إما ذات دلائل مباشرة تجدها في القصيدة، أو عنوان مُعرَّف( الأغنية، الشعر، السرمدي) التعريف يفقد العنوان دلالاته، هناك اتجاه يميل إلى التنكير ليكون هناك غموض، يستوجب التفكير و التأمل للوصول إلى المدلول الذي يرمي إليه النص.
لم يوفق الشاعر بشكل كبير في صنع مفارقاته إلا لمامًا، إما بسبب نمطية الصورة الشعرية المعلبة، أو الإرباك الحادث في البنية الأسلوبية للديوان، وهو ناتج من خلال التعامل العادي مع اللغة، هناك حاجز ما يقف بين الشاعر وبين تليين اللغة و تشكيلها، الذي وصفناه بالانفصال بين القيم التعبيرية والشعورية( كما عبر عنه سيد قطب، في كتابه: النقد الأدبي، أصوله و مناهجه).
ملاحظة أخيرة تتعلق بـ: غياب أي استخدام لعلامات الترقيم!
هذه كانت رؤية سريعة ومبتسرة لنصوص جدال، وهي نصوص مبعثرة على كافة مستوياتها وعلاقاتها، نتمنى أنها تكون قد سدَّت جزءًا يسيرًا في تقييم هذا العمل الذي امتعنا رغم مافيه من مثالب.
ممدوح مكرم ( سيرة ذاتية)
الاسم: ممدوح محمد محمود( شهرته ممدوح مكرم).
باحث في العلوم السياسية، وناقد أدبي.
له العديد من مقالات ودراسات منشورة في مصر وخارجها منها:
1- نصر حامد أبو زيد، جدل النص والواقع( جريدة الدستور القاهرية).
2- حول إعادة الاعتبار للجيوبولتيكس( مقال منشور على موقع الحوار المتمدن).
3- مواوييل عشق محمد أبو زيد( قراءة نقدية) موقع سيريان تلغراف السوري.
4- الشرق الأوسط محاورفي مقابل محاور( المنار المقدسية).
5- تقنيات السرد في رواية الزيني بركات للروائي جمال الغيطاني( أنفاس- المغرب).
كما قدم العديد من عروض الكتب، وتحليلها منشورة في: اليسار اليوم- صوت العقل- الاتجاه- الحوار المتمدن- وغيرها. كما نشرت له وكالة أنباء فارس الإيرانية الرسمية مقالا بعنوان: الهيمنة السعودية على مصر.
وكتب مقدمات نقدية قصيرة لقصائد للشعراء الشبان نُشرت في اليسار اليوم، منهم: وسام دراز- خالد عماد- محمود علي- محمد المتيم- ...وآخرون.

قُدمت هذه القراءات ضمن ورقة بحثية لمؤتمر اليوم الواحد الأدبي بقصر ثقافة أسيوط، في نيسان( أبريل) 2018م.



#ممدوح_مكرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات سودانية
- البيئة المحلية وأثرها على الألفاظ في قصيدة العامية( العزف ع ...
- جريمة أنْ تكتب!
- محمود رأفت ورقصته على شبر ماية
- الفخار الشعبي في مدينة قنا( عرض كتاب)
- عن الأدب والسياسة
- جدال وليد حشمت بين الحركة والسكون( قراءةٌ في قصائد مبعثرة)
- الوظائف الأيديولوجية للدولة( مقاربة جرامشية)
- فرنُ لم ينضج خبزها بعد( قراءة نقدية في ديوان الفرن للشاعر شر ...
- أزمة شخصيات، وشخصيات مأزومة( قراءة المجموعة القصصية : عندما ...
- تفكيك مدحت صفوت في السلطة والمصلحة( قراءة في كتاب)
- تقنيات السرد في رواية الزيني بركات للأديب الراحل جمال الغيطا ...
- حول الصحراء الغربية: خواطر ماركسي مصري.
- الحركة الجماهيرية المصرية: فعلها، ومفعولها، وفاعلها المغيب(م ...
- النبوة: محاولة في إعادة بناء العقائد( قراءة في كتاب الدكتور ...
- الاشتراكية في السياسة و التاريخ: خرافة الطريق الثالث( قراءة ...
- الإسرائليات
- المسكوت عنه: الجذور الوثنية للأديان التوحيدية(عرض وتلخيص لكت ...
- مؤتمر لوزان(متابعات)
- الأزمة الهيكلية للاقتصاد المصري


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح مكرم - ( قراءات في شعر الفصحى في أسيوط ) من 2007- 2017م ، دراسة نقدية لستة دواوين